الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد المؤمن بن عبد الحق
ابن عبد الله بن علي، الإمام العالم صفي الدين البغدادي الحنبلي، من علماء العراق.
كانت له بالحديث عناية، وله تواليف بلغ فيها النهاية، وعنده فنون، مضى من عمره في جمعها سنون، وكان فيه خير وفتوة، وديانة ومروة.
ولم يزل إلى أن تكدر عيش الصفي، وظهر أجله الذي كان في غضون الأيام وهو خفي.
وتوفي رحمه الله تعالى في صفر سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة ثمان وخمسين وست مئة.
وخرج لنفسه، وسمع من شيخنا الذهبي، ومن الفرضي.
عبد المؤمن بن عبد الرحمن
الشيخ الإمام الكاتب المجود عز الدين بن العجمي.
كانت له فضائل، وعنده فوائد ومسائل، وهو شيخ كتابه، ورب ذكاء ومهابه.
كان قد رحل إلى القاهرة، وأهلها في ذك العصر يفاخرون بالمكارم النجوم الزاهرة، فانقطع في بيت بحارة أرجوان، وأرخى على بابه ستارة أرجوان، وتردد الناس إليه، وأقبلو بخواطرهم عليه، فنفقت سوقه، ومشت وما وقفت سوقه،
وراج وأذكى السراج، وجبى ما وجب له من الإتاوة والخراج. وكان يجلس في كل سوق حيث تباع المجلدات والدفاتر التي فيها دواوين العلوم مخلدات، فيشتري منها القشات وما يمتري، ويقع له فيها مخاريم من صحاح الجوهري، فيكملها بخطه ويناسب، ويأخذ فيها مع ما يترجمه عليها ما شاء من المكاسب. وكان يشد الكتب أحمالاً أجمالاً، ويسير بها إلى حلب أجمالاً أحمالاً، وحصل من ذلك جملاً، وأوفر من فوائدها جملاً.
ولم يزل على حاله إلى أن أخذه الموت في قشه، وجعل التراب فرشه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وأربعين وسبع مئة.
وكان هو وأخوه الشيخ شمس الدين خطيب حلب الآتي ذكره، إن شاء الله تعالى في مكانه شيخي كتابة.
اجتمعت بالشيخ شمس الدين هذا بالقاهرة غير مرة في بيته وفي سوق الكتب، وكان من رجال الدنيا في بابه وإذا ذكر الرجال ما يكونون قطرة في حساب سحابه.
وكتب له شيخنا العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود، رحمه الله تعالى، إجازة وهي: أما بعد حمد الله جاعل علم البيان علماً على الإعجاز، وسلماً إلى ارتقاء ذروة الفصاحة المستقرة على ركني الحقيقة والمجاز، ووسيلة إلى الإحاطة بأسرار البلاغة المستكنة في طرفي الإطناب والإيجاز، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أوتي
جوامع الكلم، ولوامع الحكم، التي يتضاءل لديها كل منثور، من كلام البشر ومنتظم، وعلى آلة وصحبه الذين من زل عن سننهم ذل وهوى، ومن تمسك بسننهم فاز وسلم.
فإني لما خلت في غمار طلبة الأدب رغبة في اقتباسه، وطعماً في تحصيل بعضه بإدامة التماسه، وحصلت كثيراً من كبته رواية ودراي، وعرفت ما أجتنب من نقائص المعاني والألفاظ التي لا تؤمن نكايتها في الأذهان السليمة بالسراية، لم أزل أستضيء بنور أئمته، وأهتدي بمنار من بلغ الغاية فيه من علماء أمته، وأقنع من لحاق من برز في مضماره برؤية غباره، وأرضى من مآثر من صرفه على إيثاره بمشاهدة آثاره، فنمت علي نفحات آدابهم، ورفلت في فواضل ما تشبثت به من أهابهم، وكاتبوني فأجبت بعدم الرغبة في العتق في رقهم، وجاروني فوافقتهم في المضمار الأدبي، مع الاعتراف بتقدمهم وسبقهم، فقبلوا من كلامي ما لولا حسن إغضائهم لم يقبل، واسبلوا علي ما اضطرتني إليه المباشرة ستر تجاوزهم ولولا جميل اعتنائهم لم يسبل.
ولما فزت بالاجتماع بالجناب العالي الشيخي العزي، نفع الله به طارحته في فنون الأدب غير مرة، فرأيت من مواده بحراً لا يرى العبر عائمة، وشاهدت من بدائهه برقاً لا يفقد الري شائمة، وفاوضت منه إماماً تقطر الفصاحة من أعطاف قلمه،
وتخطر البلاغة في أفواف كلمه، وتنزل المعاني المتمنعة من معاقل القرائح على حكمه، وتقف جياد البدائة حسرى دون الوسط في حلبة علمه، إن وشي الطرس فرياض، وإن أجرى النقس فحياض، أو نظم فقلائد، أو نثر ففرائد، لا يتجاسر المعنى المطروق أن يلم بفكره، ولا يقدم التخيل المسبوق على المرور بذكره، ولا يجوز زيف الكلام على ذهنه المنتقد، ولا يثبت عناء النظام لدى خاطره المتقد، فسمعت منه مقامات في العرفان قد وشى الأدب حبرها، وحقق الطلب خبرها، وزان الصدق لهجتها، وزاد الحق بهجتها، وحلتها البلاغة برقومها، وكللتها الفصاحة بشهبها ونجومها، تشرق القلوب بأضوائها، وترتوي النفوس بأنوائها، وتستضيء البصائر بأقمارها، وتغتذي السرائر بما تجتني في رياض اليقين من يانع ثمارها، ووقفت له على طرائق في التوحيد، أوضحها علمه لسالكها، وهدى فكره الطائف بكعتبها إلى لطائف مشاعرها ومناسكها، فمن أراد الصفا في سلوكه سعى من مروة الإخلاص إليها، ومن تعرض لنفحات الفتح الذي اقتصر في طرق تعبده عليها، مع بروزها في ألفاظ أرق مساغاً من الماء القراح، وأدق مسلكاً في الجسوم من الأرواح، وأجلى لليل الشك البهيم من صباحة محيا الصباح، إلى غير ذلك من أحاديث تكلم على بلاغتها وبلاغها، وأبان ما جهلته الأفهام الظامئة من أسباب مساغها، مما لم يبلغ بذلك إلا إرشاد الطالب، وتنبيه المفتقر إليها على ما أودع في أثنائها من الكنوز، وادخر في أرجائها من المطالب.
ولما وقفت على تلك البدائع، وفهمت ما تضمنته من النكت الروائع، وعلم مني
أني ممن يعرف الدر وإن لم يملكه، وينتقد التبر وإن لم يسبكه، ولذلك أتعوض فيما أعانيه من الكتابة عن الدر بالخرز، وأكتفي عن أبكار المعاني الجليلة من العون المسنة بما هو سداد من عوز، سامني مع ارتفاع شأنه في هذه الصناعة، وإثرائه دوني من نفائس هذه البضاعة، أن أجيزه رواية نظمي الذي قدمت العذر في انتهاج طريقه، ونثري الذي أوضحت السبب في مصاحبة فريقه، ومكاتباتي التي أنشأتها بسبب الوقائع التي دعت إليها، وتواقيعي التي ارتجلت غالبها لحفز الدواعي الباعثة عليها، ولمالي في قواعد ذلك من تأليف وتصنيف، وانتخاب غني بشهرته عن التصريف، فسألته الإعفاء من هذه الدرجة التي قدره أرفع منها، ورغبت إليه في قبول القول بالموجب في إجازتي من فوائده التي هي أحق بأن يروي غريبها ويحدث عنها، فلم يعف من تلك الإشارة التي قصده بها الإحسان، ومراده أن ينظم سبح نظمي في سلك ما يؤخذ عنه من درر بدائعه الحسان.
فامتثلت أمره أعزه الله تعالى ونفع به وأجزته رواية ما يجوز لي وأتيه من مسموعاتي ومقروءاتي واختياراتي ومناولاتي، وما لي من نظم مختلف الأوضاع، مستحق، لولا ما يضوع فيه من المدائح النبوية، أن يضاع ولا يذاع، وإنشاء نوعته كثرة المباشرة، وكثرته المحافظة على الوظيفة والمثابرة، ونفحته فوائد المطارحة والمذاكرة، إلى ما يندرج في سك ذلك من تأليف حمل عليه التنقيب عن أسرار هاتين الصناعتين واختيار واختصار وانتقاء وانتقاد، وانتخاب تكلمت على ما فيه من معنى مستملح وأدب مستفاد، ورغبت إليه في أن يصلح من ذلك ما أغفله القلم، وزل