الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشدني من لفظه لنفسه:
إذا أضمر المحبوب هجري وجفوتي
…
وعاد ولم يجز المحبة بالبغض
أقول له أحسنت فيما فعلته
…
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
عمر بن أبي الحرم
ابن عبد الرحمن بن يونس، الشيخ الإمام العلامة شيخ الشافعية زين الدين أبو حفص الدمشقي المعروف بابن الكتاني..
حدث عن ابن عبد الدائم بالإجازة.
وسمع إسماعيل بن أبي اليسر، وإسماعيل بن المظفر، وعمر بن حامد القوصي، وإسرائيل بن أحمد، ومظفر بن أبي الدل الصالحي، والقاضي حسين بن علي القرشي وغيرهم.
تفقه وناظر، وبرع في الأصول والفروع، وذاكر وحاضر، وتحول من دمشق إلى مصر بعلم جم، وورد القاهرة، فأخجل اليم الذي ثم، وحل بأفقها فاستحيا من كماله البدر الذي تم.
وكان جيد الذهن كثير النقل لمذهبه، بارعاً في التفقه، لا يثبت له أحد إن ناظره أو تمسك بسببه، مائلاً إلى الدليل والحجة، قائلاً بالبحث لا يرى التقليد من عظيم المحجة، يوهي بعض المسائل لضعف دليلها، وخفاء صحتها، وظهور عليلها، يلقي دروساً مفيدة، ويأتي بأشياء فوائدها عتيدة، لا يحتمل أن أحداً يعارضه أو يراسله أو يقارضه، فينفر فيه ويزبره، يكسره بالقول ولا يجبره.
وكان في خلقه زعارة وشراسة، وحدة لا ينكس الكبر لها رأسه، لا يخضع لأمير ولا لقاض، ولا ينفعل لإبرام ولا لانتقاض، وله في ذلك حكايات مشهروة، ووقائع بين أهل مصر مأثورة، إلا أنه فرط في علم الحديث من حيث الرواية، وأهمل أمره، ولم يكن له فيه عناية، فكان صغار الطلبة يحضرونه دروسه، ويعيبونه عليه كثرة تصحيفه، وما يقع له من الخلل في أسماء الرجال، ولا يجسرون على تعنيفه، وكان به وسواس في تكبيره الإحرام، وتطويل حتى يفوته بالركون الإمام.
ولم يزل على حاله إلى أن دخل في العدم، وكثر عليه التأسف والندم.
وتوفي رحمه الله تعالى في سادس عشر شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة بالقاهرة.
مولده سنة ثلاث وخمسين وست مئة.
وكان قد اشتغل بالفقه والأصولين على ابن أبي الثنا محمود بن عبيد الله المراغي، والعلامة الشيخ تاج الدين الفزاري، وغيرهما.
ودخل إلى مصر، فولاه قاضي القضاة ابن بنت الأعز قضاء الحكر مدة، ثم استنابه العلامة ابن دقيق العيد في مصر، وولاه دمياط الشرقية، ثم استنابه في القاهرة، ثم إن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ولاه الغربية، ثم إنه وقعت له بالمحلة واقعة، فعزل نفسه، وأقام بالقاهرة، وترك الاجتماع بقاضي القضاة ابن جماعة، وصار يتكلم فيه ويأسى إليه، وصارت الإساءة له عادة، فاستعملها مطلقاً، وتعدى إلى الأموات، ونفر الناس منه.
وتصدر بالجامع الأموي الحاكمي مدة، وأعاد بالقراسنقرية، ثم ولي تدريس المنكوتمرية.
ولما مات أبو الحسن بن جابر ولاه الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك درس الحديث بالقبة المنصورية، وذلك في شهر رجب سنة خمسة وعشرين وسبع مئة، فتكلم الناس في ذلك. وكان الطلبة الصغار يضحكون منه، ويجيؤون إلى العلامة شيخنا أبي الفتح، ويقولون: صحف اليوم في كذا. وهم في كذا، وقال في ذلك الفاضل كمال الدين الأدفوي:
بالجاه تبلغ ما تريد فإن ترد
…
رتب المعالي فليكن لك جاه
أوما ترى الزين الدمشقي قد ولي
…
درس الحديث وليس يدري ما هو
وولي مشيخة خانقاه طيبرس التي على البحر، وشكا منه بعض أولاد الواقف إلى الحاجب، فعزل منها، وكان وقد فهم من الناس هذا الحال، فيقول: ولونا ما يضحك فيه الصبيان علينا، ومنعونا ما نضحك فيه على الأشياخ.
وكان شيخنا فتح الدين إذا ذكروا أمر وسوسته يقول: هذا تصنع. ولما ولي خطابة جامع الصالح برا باب زويلة ترك الوسوسة ضرورة.
وكان في القضاء محمود السيرة، ظاهر العفة، طاهر الكف، وكان كثير الاشتغال، دائم المطالعة، وأولع في آخر عمره بمناقشة الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى، وكتب على الروضة حواشي، ولما وقف عليها شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى أجاب عما وقف عليه من ذلك قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى في الروضة: وإذا وقعت في الماء القليل نجاسة. وشك هل هو قلتان أو لا، الذي جزم به صاحب الحاوي وآخرون أنه نجس، لتحقق النجاسة، ولإمام الحرمين فيه احتمالان والمختار، بل الصواب الجزم بطهارته، لأن الأصل طهارته وشككنا في نجاسة منجسه، ولا يلزم من النجاسة التنجيس.
قال الشيخ زين الدين الكتاني رحمه الله تعالى: وإذا وقع في الماء القليل نجاسة وشك هل هو قلتان أو لا لفظ متناقض، وحكمه بالطهارة باطل إذ فرض الماء قليلاً، والقليل دون القلتين، وإلا فإن كان قلتين فهو كثير، وإن كان الماء دون القلتين وحصل فيه نجاسة غير معفو عنها فهو نجسن لا خلاف فيه، فعلم من هذا ا، قوله: الصواب الجزم بطهارته باطل، وكان صوابه أن يقول: ما شك في كثرته ووقعت النجاسة فيه، ولو فرضه لذلك، وهو مراده بحكمه بأن الصواب الجزم بطهارته غير صواب، بل الصواب: الحكم بالنجاسة، لأن النجاسة محققة، وبلوغ الماء قلتين الأصل عدمه، ولا يجوز للآخذ بالاستصحاب مع نفس ما يعارضه، وهو نفس وقوع
النجاسة، إذاً لا خلاف في أن شرط الاستصحاب عند القائلين به أن لا يقطع بوجود المنافي له.
وقوله: لا يلزم من النجاسة التنجيس، إنما هو في نجاسة معفو عنها لاقت ماء كثيراً، ولم يتغير، وليس الكلام في ذلك إذ كثرة هذا الماء مشكوك فيها، بل ملاقاة النجاسة سبب للتنجيس، وقضية السبب إعماله إلا لمانع والأصل عدم المانع، وهو الكثرة، فصار في جانب التنجيس أصلان: عدم بلوغ الماء قلتين، وإعمال السبب الثاني الذي هو النجاسة، ومن جانب الطهارة أصل مستصحب مع يقين ما يعارضه، واستصحاب مثل هذا ممنوع، فصار الظاهر الحكم بالنجاسة وملاقاة النجاسة محسوسة، فتصير هذه الصورة كالغدير مع الظبية التي بالت فيه، ووجد الماء متغيراً، واحتمل التغير بول الظبية، وطول المكث، وقد نص الشافعي على نجاسته، وقطع به جمهور الأصحاب، ومع هذا البحث الراجح الواضح كيف يقول: الصواب الجزم بالطهارة، فلا الصواب الجزم بالطهارة، ولا الظاهر، فضلاً عن الجزم، وقد قال الغزالي في الوسيط: الأصل بقاء النجاسة إلى أن يتبين الكثرة الدافعة، أو يقال الأصل طهارة الماء إلى أن يستيقن الصنان.
والاحتمال الأول أظهر، فلو أصاب النووي لم يعتقد الجزم بالطهارة؛ بل لو تردد معذوراً مع أن الصواب الجزم بالنجاسة؛ لكنه وقف به نظره أو وقفه، وإنما بسطت وأسهبت لئلا يغلو فيه غر.
قال شيخنا العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي، رحمه الله
تعالى: أما المناقشة في لفظ قليل فصحيحة، وكان الأولى حذفها، لكنه تجوز فيها، واستصحب اسم القليل مع الشك، أو لأنه يعد في العرف قليلاً وإن لم يكن في الشرع كذلك، والإمعان في الحكم بنجاسته إذا كان قليلاً لا معنى له، إذ لا نزاع فيه، وليس بمراد، وأما كون الصواب الحكم بنجاسته ما شك في كثرته فيرد عليه أنه حكم بالنجاسة مع الشك إذ الأصلان متعارضان، وهما طهارة الماء وقتله المقتضية للتنجيس، وهنا إذا تعارض أمران متضادان وجب التوقف، فكيف والقلة ليست مضادة للطهارة؛ بل مقتضية لضدها في هذه الصورة، وهذا معنى يصلح لترجح الطهارة، لأن المعارض لها أضعف منها، لكونه مقتضياً للضد لا نفس الضد، وإنما كان أضعف لكون المقتضي قد يتخلف المقتضى.
وقوله: إن أصل الطهراة تيقناً ما يعارضه مع يقين ما يعارضه ممنوع إذ الغرض الشك، ومع الشك كيف يدعي اليقين.
وقوله: في جانب الطهارة أصل مستصحب مع يقين ما يعارضه، إن أراد ما يرفعه ممنوع، وإن أراد ما يعارضه ويقاومه فيحصل الشك ويمتنع الحكم بالنجاسة، على خلاف غرضه، فإنه متى تقاومت المعارضة لا يجوز الحكم بالنجاسة، ويبقى الحال على ما كان عليه من الطهارة.
وقوله: في جانب التنجيس أصلان، عدم بلوغ الماء قلتين، وإعمال السبب الذي هو النجاسة، أعلم أن عدم بلوغ قلتين وحده ليس بأصل معارض للطهارة بل بما ضم إليه من السبب، والسبب وحده لا يسمى أصلاً، وإنما يسمى ظاهراً، فإما أن يجعله مع عدم بلوغ الماء قلتين سبباً واحداً في التنجيس، وحينئذ يعارضه أصل الطهارة، وإما أن يجعله سبباً، والقلة شرط أو الكثرة مانعة وحينئذ يقال: إن الشرط
أو انتقاء المانع يكتفي فيه بالأصل إذا لم يعارضه أصل آخر وهنا عارضه أصل آخر، والسبب وحده بدون شرطه أو انتفاء مانعه لا يعمل، وإما أن يجعل وقوع النجاسة محل الحكم ويقاوم، عليها أمران: أحدهم يقتضي التنجيس، والآخر ضده، فيقف الحكم. وعلى كل تقدير فيجب أن لا يحكم بالنجاسة، فخرج من هذا أن دعواه في جانب التنجيس أصلان ليس بصحيح، ولو قال: أصل وظاهر لكان أصح في العبارة، ويتوجه عليه المنع بأن ذلك إنما يكون في أصل مستقل بظاهر مستقل، وليس هنا كذلك؛ لأن القلة ليست بأصل، بل بما ضم إليها، على ما تبين.
وأما مسألة الظبية فإنما حمنا بالنجاسة لأن بول الظبية محقق، واستناد التغيير إليه ظاهر مستقل، لأن الأصل المعارض له معارض بالأصل النافي لطول المكث، ولا لما يقاوم الأصل إن علمنا بالسبب الظاهر المجرد الذي لا معارض له، فأين هذه المسألة من تلك، وقد جزم الصميري بالتنجيس متمسكاً بأن الأصل القلة، وسبق الغزالي دعوى ظهور التنجيس لتمسك بالقلة للتنجيس إمام الحرمي، فاقتصار الكتاني على كلام الغزالي دليل على أنه لم يقف على غيره.
قال كمال الدين جعفر الأدفوي: كان منازعة في النقل، قلت له يوماً: قال الرافعي إن أكثر الأصحاب على جواز النظر إلى الأجنبية في الوجه والكفين إذا أمن الفتنة، فأنكر ذلك، ثم اجتمعت به ثاني يوم بالمدرسة القراسنقرية، فقال: الرافعي قال ما قلت، ولكن من أين للرافعي هذا، وشرع يغالب ويتغلب. قال: وقلت له يوماً: قال النووي: الأصح العفو عن الكثير من دم البراغيث، ونحوها مطلقاً فنازع، وحضر منهاج النووي فرآه، فشرع يؤول.
وكان بعض الطلبة يقرأ عليه يوماً في أن المعير إذا رجع والذرع قائم، ولم يكن يحصد قصيلاً فإ (نه يبقى إلى الحصاد، فقال هو: واختلف ههنا: هل عليه الأجرة، وما قالوا بمثل ذلك فيما إذا باع مالك الأرض وفيها زرع فإنه يبقى ولا أجرة، وطلب الفرق. فقلت: الفرق أن البائع لما زرع تصرف في ملكه، والمشتري دخل على الإبقاء، والتصرف كان في الملك، فلا يناسب أجره، والمستعير تصرف في ملك غيره، والمالك بصدد الرجوع في كل وقت، لكن التصرف كان الإذن، فلا يناسب قلع الزرع وضياعه، ولا إشغال أرض المالك مجاناً، فجمعنا بني المصلحتين، فأبقيناه حتى لا يفسد، وألزمناه الأجرة حتى لا يشغل أرضه مجاناً، فنازع نزاعاً طويلاً، لا بالرد النظري، إلا بالإساءة. قال: فتركت الاجتماع به. ومع ذلك فكان محققاً مدققاً كثير النقل، يستحضر النظائر والأشباه، لم يكن في الفقه في زمنه مثله، انتهى.
قلت: ما صنف شيئاً ولا انتفع به أحد من الطلبة، وكان قل أن يفتي أحداً، ويقول لمن يأتيه بالفتوى: أنا ما أكتب لك عليها، روح إلى القضاة والى الذين لهم في الشهر من المعلوم كذا وكذا، وربما تحيل عليه بعض الناس فيما يرومه منه بأن يستصحب معه شاباً حسن الصورة فإنه كان يميل إلى ذلك لكن مع دين وعفاف وتصون كثير.
ولما دخلت إلى الديار المصرية قلت للأمير ناصر الدين محمد بن جنكلي رحمه الله تعالى: أريد أن أرى الشيخ زين الدين، وأجتمع به، فقال لي: ما تنتفع به ولا تنال منه مقصودك، ولكن اصبر، أنا أروح معك إليه، فتوجهنا إليه إلى داخل باب السعادة إلى دار الفارقاني، فصعد بي في سلم حجر أعلاه طبقة، فطرق الباب، فقال من؟ قال: محمد بن حنكلي فقال: ومليحك معك؟ قال: نعم، فقام، وفتح الباب، وبش بنا وأجلسنا، وانشرح، وأحضر شراب ليمون، وفيه قلب فستق،