الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي بن المظفر
ابن إبراهيم بن زيد، الأديب البارع الكاتب الفاضل، المقرئ، المحدث، المنشئ، الناظم، علاء الدين الكندي الإسكندراني ثم الدمشقي المعروف بالوادعي، كاتب ابن وداعة.
وتلا بالسبع على علم الدين القاسم، وشمس الدين بن أبي الفتح. وطلب الحديث، ونسخ الأجزاء. وسمع من عبد الله الخشوعي، وعبد العزيز الكفرطابي، والصدر البكري، وعثمان ابن خطيب القرافة، وإبراهيم بن خليل، والنقيب بن أبي الجن، وابن عبد الدائم، ومن بعدهم. ونظر في العربية.
وكان ناظماً غواصاً على المعاني، شاعراً قادراً على إحكام ما للأبيات من المباني. جود المقاطيع دون القصائد، وأتى في كل بدر العقود وجواهر القلائد، يغوص على المعاني ويغور، ويفوح أرج نظمه ويفور.
وكتب المنسوب الذي أزرت لآليه بياقوت، وأذكر الناس بما يروى من
السحر عن هاروت وماروت، ما كأن طروسه إلا حدائق، ولا كأن حروفه إلا رياض بين العذيب وبارق، ولا كأن مداده إلا شعرات في صدغي غلام مراهق.
جمع المجاميع الأدبية، وانتقى الأحاديث النبوية، وله التذكرة الكندية التي بخانقاه الشميساطي تشهد بفضله، وتعترف بنباهته ونبله، وديوانه يدخل في مجلدين كبيرين، وقفت عليهما فأطرباني، وقلت للدف والشبابة بعدهما لا تقرباني، ولملكتهما فملكا قلبي، ووضعتهما بين كتبي، وقد سكنا خلبي وقد انتقيت منهما ما راق نظمه، وكمل بدره تمه، ومن ذلك قطعة وافرة في الجزء الثالث والثلاثين من التذكر التي لي.
إلا أنه كان يتشيع، ويتوعر بذلك في ألفاظه وما يتورع.
وكتب الدرج موقعاً بالحصون مدة طويلة، ثم دخل آخر عمره ديوان الإنشاء بدمشق، على رأي العوام، بألف حيلة، وكان هجاماً على الأعراض، هجاء للجواهر والأعراض، وكان الناس ينفرون منه لذلك، ويرون فضائله المضيئة كأنها الليل الحالك، ومع تفنن فضائله وتوسع رسائله لما دخل الديوان لا راح ولا جا، ولم يره الجماعة في باب الكتابة ولا جا، كما جرى لبعض الناس، وقال الجماعة للمتعجب:" ما في وقوفك ساعة من باس "، حتى قلت أنا:
لقد طال عهد الناس بابن فلانة
…
وما جاء في الديوان إلا إلى ورا
فقلت كذا كان الوداعي قبله
…
ولا شك فيه أنه كان أشعرا
ولم يزل على اله إلى أن تحقق الوداعي من الحياة وداعة، واسترجع الأجل ماله عنده من وداعة.
وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الأربعاء سابع عشر رجب سنة ست عشرة وسبع مئة.
ومولده سنة أربعين وست مئة تقريباً.
وتوفي ببستانه عند قبة المسجف.
قال شيخنا الذهبي: كان يخل بالصلوات فيما بلغني.
وكان شاهداً بديوان الجامع الأموي، وولي مشيخة الحديث بالنفيسية، وتولى نظر الصبية وبانياس فيما أظن، وأنشدني من لفظه القاضي شهاب الدين بن فضل الله ما كتبه على ديوان الوداعي رحمهما الله تعالى:
بعثت بديوان الوداعي مسرعاً
…
إليك وفي أثنائه المدح والذم
حكى شجر الدفلى رواء ومخبراً
…
فظاهره شم وباطنه سم
ولما شاع عنه كثرة الهجو تطلب القاضي نجم الدين بن صصرى ديوانه، وتذكرته من خانقاه الشميساطي، وكشط من ذلك أهاجي الناس، ولم يقدر على استيعاب ذلك، فإنني وجدت له بعد ذلك بخطه كثيراً.
وكان شيخاً مسناً، وله ذؤابة بيضاء إلى أن مات، ونقلت من خطه له:
يا عائباً مني بقاء ذؤابتي
…
تالله قد أفرطت في تعييبها
قد واصلتني في زمان شبيبتي
…
فعلام أٌطعها أوان مشيبها
قلت: نقل هذا من الحكاية التي تحكى عن بعض الوعاظ أنه طلع المنبر ووعظ والسلطان قد حضر ميعاده على كراهية له وهو يتكلم والمقص إلى جانبه والطواقي، والناس يصعدون إليه ويتوبون على يديه، فيقص شعورهم ويلبسهم الطواقي، فما كان
إلا أن طلع إليه بعض خواص السلطان ممن يحبه ويهواه، وله ذؤابة سوداء مليحة طويلة، فتغير السلطان، وقال لمن يعز عليه: والله إن قطع شعر هذا المملوك لأقطعن يده، فلما صعد إلى الواعظ علم أنه قد وقع في خطر، فأخذ شعره في يده، وأخذ يفكر في خلاصه من تلك الورطة، وشغل المجلس بأشعار وحكايات، ثم قال: يا جماعة! أتدرون ما يقول لسان حال هذه الذؤابة، فقالوا له: ما يقول؟ قال: يقول: أنا كنت معه في زمن المعصية بالله لا تفرق بيني وبينه في زمن الطاعة، انزل روح يا سيدي، فأعجب السلطان ذلك والناس، ووقع كلامه منهم بموقع جد.
وإنما سمي علاء الدين الوداعي، لأنه كان يكتب للصاحب علاء الدين بن وداعة، ولذلك قال، ونقلته من خطه:
ولقد خدمت الصاحب ابن وداعة دهراً طويلاً
فلقيت منه ما التقى
…
أنس وقد خدم الرسولا
وأنشدني شيخنا شمس الدين الذهبي، قال: أنشدنا المذكور من لفظه لنفسه، ونقلته أنا من خطه:
من زار بابك لم تبرح جوارحه
…
تروي محاسن ما أوليت من منن
فالعين عن قرة والكف عن صلة
…
والقلب عن جابر والأذن عن حسن
ونقلت منه ما كتبه لبعض أصحابه بمصر:
رو بمصر وبسكانها
…
شوقي وجدد عهدي البالي
وصف لي القرط وشنف به
…
سمعي وما العاطل كالحالي
وارو لنا يا سعد عن نيلها
…
حديث صفوان بن عسال
فهو مرادي لا يزيد ولا
…
ثورا وإن رقا وراقا لي
ونقلت منه:
وزائر مبتسم
…
يقول لما جا: أنا
فقال أيري منشداً
…
أهلاً بتين جاءنا
قلت: يشير إلى قول الشاعر:
أهلاً بتين جاءنا
…
مفتح على طبق
كسفرة من أدم
…
مجموعة بلا حلق
ونقلت منه له:
لله ما أرشقه من كاتب
…
ليس له سوى دموعي مهرق
يميس رقصاً في قباء أسود
…
فقلت: هذا ألف محقق
ونقلت منه له:
وذي دلال أحور أجحر
…
أصبح في عقد الهوى شرطي
طاف على القوم بكاساته
…
وقال: ساقي، قلت: في وسطي
ونقلت منه له:
ولم أرد الوادي ولا عدت صادراً
…
مع الركب إلا قلت: يا حادي النوق
فديتك عرج بي وعرس هنيهة
…
لعلي أبل الشوق من آبل السوق
ونقلت منه له:
سقيا لكرم مدامة
…
أنشت لها النشوات ليلا
خلعت علينا سكرة
…
بدوية كما وذيلا
ونقلت منه له:
ويوم لنا بالنيربين رقيقة
…
حواشيه خال من رقيب يشينه
وقفنا فسلمنا على الدوح غدوة
…
فردت علينا بالرؤوس غصونه
ونقلت منه له:
ذكرت شوقاً وعندي ما يصدقه
…
قلب تقلبه الذكرى وتقلقه
هذا على قرب دارينا ولا عجب
…
فالطرف للطرف جار ليس يرمقه
قلت: أخذه من قول الأول، والأول أحسن:
لئن تفرقنا ولم نجتمع
…
وعاقت الأقدار عن وقتها
فهذه العينان مع قربها
…
لا تنظر الأخرى إلى أختها
ونقلت من خطه له:
الغرب خير وعند ساكنه
…
أمانة أوجبت تقدمه
فالشرق من نيريه عندهم
…
يودع ديناره ودرهمه
وقال أيضاً:
حوى كل من الأفقين فضلاً
…
يقربه الغبي مع النبيه
فهذا مطلع الأنوار منه
…
وهذا منبع الأنوار فيه
قلت: أخذ الوداعي معناه الأول وبعض الثاني من قول القاضي الفاضل رحمه الله تعالى: " وتلك الجهة وإن كانت غربية فإنها مستودع الأنوار وكنز دينار الشمس ومصب أنهار النهار ".
ونقلت من خطه له:
رمتني سود عينيه
…
فأصمتني ولم تبطي
وما في ذاك من بدع
…
سهام الليل ما تخطي
ونقلت منه له وظرف:
لنا صاحب قد هذب الطبع شعره
…
فأصبح عاصية على فيه طيعا
إذا خمس الناس القصيد لحسنه
…
فحق لشعر قاله أن يسبعا
ونقلت منه له:
قل للذي بالرفض أتهمني أضل الله قصده
أنا رافضي لاعن الشيخين والده وجده
ونقلت منه له:
ولا تسألوني عن ليال سهرتها
…
أراعي نجوم الأفق فيها إلى الفجر
حديثي علا في السماء لأنني
…
أخذت الأحاديث الطوال عن الزهري
ونقلت منه له:
امرؤ القيس بن حجر جدنا
…
كان من أعجب أملاك الزمان
ضل لما ظل يبغي ملكهم
…
وهدى الناس إلى طرق المعاني
ونقلت منه له:
كم رمت أن أدع الصبابة والصبا
…
فثنى الغرام العامري زمامي
بذوائب ذابت عليها مهجتي
…
ومناطق نطقت بفرط سقامي
ونقلت منه له:
تأمل إلى الزهر في دوحه
…
ومن زاره من ملاح الفتون
تظن الوجوه التي تحته
…
تساقطن من فوقه من عيون
ونقلت منه ما قاله في رأس العين ببعلبك:
لله در العين ليلة زرتها
…
فوجدتها راقت ورقت مشرعا
واستقبلت قمر السماء بوجهها
…
فأرتني القمرين في وقت معا
ونقلت منه له:
يا عاذلي في وحدتي بعدهم
…
وأن ربعي ما به من جليس
وكيف يشكو وحدة من له
…
دمع حميم وأنين أنيس
ونقلت منه له:
قسماً بمرآك الجميل فإنه
…
عربي حسن من بني زهران
لا حلت عنك ولو رأيتك من بني
…
لحيان لا بل مني بني شيبان
ونقلت منه له:
قلت وقد ماس في الكسا رشاً
…
يخجل بدر التمام حين بدا
إن الكسائي لم يمل أبداً
…
أحسن من قده إذ أبدا
ونقلت منه له:
أدام الله أيام العذار
…
وبارك في لياليه القصار
وأغنى الله روضة كل خد
…
إذا استحيت من الديم الغزار
ولا زالت مباسم كل ثغر
…
لشائم برقا ذات افترار
ولا برحت على العشاق تصفو
…
ثياب العار في خلع العذار
قلت: قد حذا حذو شمس الدين بن العفيف التلمساني حيث قال وهو ألطف:
أعز الله أنصار العيون
…
وخلد ملك هاتيك الجفون
وضاعف بالفتور لها اقتداراً
…
وإن تك أضعفت عقلي وديني
وأسبغ ظل ذاك الشعر يوماً
…
على قد به هيف الغصون
وصان حجاب هاتيك الثنايا
…
وإن ثنت الفؤاد إلى الشجون
وخلد دولة الأعطاف فينا
…
وإن جارت على قلبي الطعين
وقول شمس الدين محمد أيضاً:
أدام الله أيام الجمال
…
وخلد ملك هاتيك الليالي
وأسبغ ظل أغصان التداني
…
وزاد قدودها حسن اعتدال
ولا زالت ثمار الأنس فيها
…
تزيد لطافة في كل حال
ولا برحت لنا فيها عيون
…
تغازل مقلتي خشف الغزال
ونقلت من خطه له: