الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثمان بن علي بن إسماعيل
ابن الشيخ الإمام العلامة صاحب الفنون، قاضي القضاة. فخر الدين أبو عمرو بن زين الدين الطائي الحلبي الشافعي ابن خطيب جبرين، فقيه حلب ومقرئها وحاكمها.
كان فاضلاً إذا قلت فاضل، وعالماً يقر له كل مناظر ومناضل، قادراً على حل كلام الناس في سائر الفنون، مبادراً إلى شرح ما يقرأ عليه ويأتي من ذلك بالنكت والعيون، لم أر له في هذا الشأن نظيراً يقاربه، ولا من يجاريه فيسالمه أو يحاربه، وكان في كل فن ماهراً، وعلى كل علم ظاهرا، كأن ابن الخطيب ابن خطيب الري وكلاهما فخر، وكأن هذا ذاك إلا أن الأول فينا يقطف من زهر وذاك يقطع من صخر، يحل كلام كل مصنف بغير كلفه، ويتسرع إلى فهمه، كأن له دربة قديمة وألفه.
لقد كنت أعجب من شأنه وحق لي العجب، وأتفكر في بيانه الذي أطلع على كل غائب وما احتجب، وما كان إلا أعجوبة الزمان، ونادرة الوجود في نوع الإنسان. لكنه تولى قضاء قضاة حلب فما حمد في ذلك العقبي، وضرب بينه وبين الراحة بسد فما استطاع له نقبا، وطلب إلى مصر وأنكر السلطان ولا يته وزجره، فنزل من القلعة، وكان ذلك مِنْ مَنْ أمره نهايته:
فمالنا اليوم ولا للنهى
…
من بعده إلا البكا والنحيب
وتوفي رحمه الله في القاهرة بالمنصورية سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة اثنتين وستين بالقاهرة، كذا رأيته بخط بعض الفضلاء.
وكان رحمه الله قد تلا بالسبع على شمس الدين الخابوري، والبدر التاذفي، وابن بهرام، والكمال الغرناطي. وتفقه بقاضي حلب شمس الدين بن بهرام، وقاضي حماة شرف الدين، وأخذ عن ابن ملي علم الكلام.
وتصدر وأقرأ، وتخرج به الناس، واشتهر اسمه، وكان عاقلاً ذكياً غزير المادة، كثير الإطلاع. قرأت أنا عليه بحلب سنة.. في الأربعين للإمام فخر الدين الرازي، وفي الشمسية مشروحة لابن المطهر في المنطق. وحضرت دروسه الجماعة الذين يقرؤون عليه، فكنت أرى منه العجب، لم يحضر إليه أحد بأي كتاب كان في أي علم كان في أي باب كان من ذلك الكتاب إلا وأقرأه فيه، وحل كلام ذلك المصنف، ولم أر مثله في هذا الباب ولا رأى غيري إلا ما حكاه لنا الأشياخ عن الشيخ كمال الدين بن يونس، فإنه كان عجباً في هذا الباب.
وكان يقرئ في الشاطبية وكتب القراءات، وفي الحاوي، وكتب الفروع، وفي المختصر لابن الحاجب، والمحصل للإمام فخر الدين، وفي الفرائض، والجبر، والمقابلة، وفي الحساب، وعلم: الصواب، وكتاب التحت والميل، وفي الحاجبية، وفي تصريف ابن الحاجب، وفي تمرين التصريف، وفي كتب الحكمة مثل الملخص لفخر الدين، وفي كتب الطب، وفي كتب الهجاء، وفي أشياء غير ذلك.
وكان يومئذ ينوب عن القاضي زين الدين الشافعي، وعن القاضي ناصر الدين بن العديم الحنفي، ومع ذك كله يحكم بين الناس، وإذا فرغ من الحكم سبح، وكذلك في التعليم إذا قرأ الطالب اشتغل بالسبحة.
وصنف شرح الشامل الصغير وشرح التعجيز وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح البديع لابن الساعاتي. وله في الفرائض نظم، وشرحه في مجلد. ومصنف في المناسك، وفي اللغة، وشرح الحاوي في الفقه فيما أظن.
وتلا عليه بالسبع محتسب حلب نجم الدين بن السفاح الحلبي، والشيخ علي السرميني، وجمال الدين يوسف بن حسن التركماني، وأحمد بن يعقوب، ولم يكمل.
وتولى قضاء قضاة حلب الشافعية في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وسبع مئة.
ثم إن السلطان طلبه وطلب ولده إلى مصر، فلما مثلا بين يديه روعهما الحضور قدامه، لكلام أغلظه لهما، فنزلا مرعوبين، ومرض بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة، ومات ولده قبله، وتوفي هو رحمه الله بعده بيوم أو يومين، مدة المرض دون الجمعة.
وكان قد ولي حلب عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب.
وكنت قلت فيه:
غدا ابن خطيب الري للناس آية
…
فضائله منها البدور تمام
وفي حلب قاضي القضاة نظيره
…
ففخرهما يسمو وليس يسام
كما اشتركا في ابن الخطيب إضافة
…
ولكن ذا قاض وذاك إمام
ومن شعره في مقلمة:
تأمل تر حالي بعديعاً وقصتي
…
وأنعم رعاك فكرك في أمري
حويت الذي رزق الخلائق كلهم
…
وأحكامهم طول الزمان به تجري
ولو رمت مما في يد الناس حبه
…
عجزت ولم أبلغ مرامي مدى عمري
ومنه في مروحة:
وخادم ما مثلها خادم
…
بكل معنى حسن توصف
يروق من يبصرها حسنها
…
أخلاقهها محبوبة تؤلف
لباسها الوشي وفي حجرها
…
عود لها وهي به أعرف
يحرك الأرواح ترويحها
…
ويشتفي المكروب إذ تطرف
ومنه:
وقائل ما الذي ترجوه حين ترى
…
ببابك الموت قد أرسى ولم ترم
وما الذي أنت يا مسكين قائله
…
إذا حللت بضيق اللحد والظلم
فقلت: توحدي رب العرش مدخري
…
وحسن ظني بربي بارئ النسم
والقول فاسمع رعاك الله قول فتى
…
على سوى الحق يا مولاي لم يقم
أمسيت جارك يا من لا يضام له
…
جار وضيفك يا ذا الجود والكرم
ومنه في أسماء الولائم:
بوليمة سم كل دعوة مأكل
…
بتقيد لكن لعرف أطلق
ولذي الختان فتك إعذار وما
…
للطفل فهي عقيقة بتحقق
وسلامة الحبلى من الطلق اجعلا
…
خرساً لها ولأجل غائب انطق
بنقيعة ووكيرة لعمارة
…
ووضيمة لمصيبة بتصدق
وسم اليتامى ما لها سبب بمأ
…
دبة وخد يا صاح قول محقق
قلت: لا بأس بتصحيح ألفاظ هذه الولائم خوفاً من التصحيف: فطعام الختان إعذار وهو بالعين المهملة والدال المعجمة والراء، لأن العرب تقول عذرت الغلام إذا ختنته. وطعام المولود في اليوم السابع عقيقة، بعين مهملة وقافين وهو مشهور.
وطعام سلامة الحبلى من الطلق خرس، بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبعدها سين مهملة، تقول العرب فيه: خرسه.
وطعام الغائب إذا قدم من سفره نقيعة بنون مفتوحة وقاف مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وعين مهملة مفتوحة.
وطعام الدار إذا فرغت عمارتها وكيرة بفتح الواو بعدها كاف وياء آخر الحروف وراء بعدها هاء.
وطعام المصيبة وضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وبعد ها ياء آخر الحروف ساكنة وبعدها ميم وهاء.
والطعام بلا سبب مأدبة بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الدال المهملة وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء على وزن مأربة، فإن كانت المأدبة عامة فهي الجفلى بفتح الجيم والفاء واللام وبعدها ألف مقصورة، وإن كانت المأدبة خاصة لقوم بأعيانهم النقرى بفتح النون والقاف والراء وبعدها ألف مقصورة.
ومن شعر الشيخ فخر الدين في أسماء خيل الحلبة.
أسامي خيول الحلبة أعلم أنها
…
لمن عدها عشر فخد قول واصف
مجل مصل قل مسل لثالث
…
ورابعها التالي وخمس بعاطف
وسدس بمرتاح حظي مؤمل
…
لطيم سكيت فاره غير خائف
وخذها على الترتيب والفسكل الذي يجيء أخيراً فاستمع قول عارف
قلت: لا بأس بتقييد أسماء خيل الحلبة ليؤمن فيها التصحيف: الأول: المجلي، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد اللام.
والثاني: المصلي مثل اسم الفاعل من الصلاة.
والثالث: المسلي، بضم الميم وفتح السين وتشديد اللام.
والرابع: التالي، اسم فاعل من تلا يتلو.
والخامس: العاطف بالعين المهملة والألف والطاء المهملة والفاء.