الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالبلبل والهزار والشحرور
…
يسبى طرباً قلب الشجي المهجور
فانهض عجلاً وانهب من اللذة ما
…
جادت كرماً به يد المقدور
وأنشدني شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي إجازة، قال: أنشدنا لنفسه:
حياة وعلم قدرة وإرادة
…
وسمع وإبصار كلام مع البقا
صفات لذات الله، جل، قديمة
…
كذا الأشعري الحبر ذو العلم والتقى
علي بن محمد بن عبد الله
ابن عبد الظاهر بن نشوان، الصدر الكبير الرئيس النبيل الكاتب علاء الدين بن القاضي فتح الدين بن القاضي محيي الدين.
سمع بقراءة الشيخ شمس الدين الذهبي من ابن الخلال.
وكان القاضي علاء الدين كثير المكارم، بيته مجمع الفضلاء والأدباء، ومحله محط الخاملين والنبهاء والنبلاء، لا يزلا يراعي مصالح الناس ويساعدهم على بلوغ مآربهم البعيدة من القياس. يؤثر الواردين والصادرين بملابيسه ومراكيبه، وينتاشهم من ورطاتهم، ولو كانوا بني ما ضغي الدهر ومخاليبه.
وكان في أيام سلار هو المشار إليه، والمعول فيما يرسم به عن الدولة عليه. وكان
هو الذي خرج بهاء الدين أرسلان وهذبه، وفقهه وكتبه، لأنه كان يهواه، ويغضي طرفه، ويطوي على جوانحه جواه.
ولما عاد السلطان من الكرك، وتولى أرسلان الدوادارية ما شك هو ولا غيره أن كتابة السر تتعداه، ولا أن الملك يضطلع بغيره ويتحداه، فما قدر الله له ذلك، ولم يجئ حساب الدهر هنالك، ولكنه كان يوقع في الدست بين يدي السلطان إلى آخر وقت، والسلطان يضمر له البغض والمقت، ويقول إذا رآه من بعيد: سبحان الرازق، هذا يأكل رزقه على رغم أنفي وأنف الخلائق.
وكان القاضي علاء الدين حسن الشكل ظريف العمامة نظيف الملبوس ظاهر الوسامة طيب الرائحة، يعم مجلساً يكون فيه بهباته الفائحة. يكتب خطاً فائقاً من أين للعقود اتساقه، وللروض اليانع زهراته التي تضمنها أوراقه. قل أن اجتمعت مفرداته في غيره، أو بلغ مترفع في الجو مطار طيره، وإليه كانت الرياسة في زمانه، وإياه عنى مداح عصره وأوانه.
ولم يزل في توقيع الدست إلى أن اجتث منه الدهر جرثومة الرئاسة، وأخلى مصره من السيادة والنفاسة. وتوفي رحمه الله تعالى يوم الخميس رابع شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبع مئة.
ومولده سنة ست وسبعين وست مئة.
وكتب الإنشاء في الدولة المنصورية، وعمره إحدى عشرة سنة، سنة ست وثمانين وست مئة.
وكان الملك الناصر يكرهه لكونه قد اختص بالأمير سيف الدين سلار.
أخبرني القاضي شهاب الدين بن فضل الله، قال: قال لي السلطان الملك الناصر: ما كرهته لأجل شيء، وإنما خان مخدومه يعني سلار، لأنه استكتبه شيئاً واستكتمه إياه، فجاء إلي وعرفني به. وأخبرني أيضاً أن السلطان لما جاء من الكرك قال للأمير عز الدين الدوادار: الساعة يجيء إليك طعام من عند علاء الدين بن عبد الظاهر، فأقبله منه، فلم يكن قليل حتى جاءه ذلك فقبله. وعرف به السلطان، فقال له السلطان: الساعة يبعث إليك خرفاناً وأرزاً وسكراً، ويقول: يا خوند، أنا ما عندي من يطبخ ما يصلح لك، دع مماليك يشوون لك هذا، فما كان إلا عن قليل حتى جاء ذلك فأخذه وعرف السلطان به، فقال: الساعة يجهز إليك ذهباً ويقول: هذا أريده يكون وديعة في خزانة الأمير، فإنه أحرز عنده من بيتي، فما كان إلا أن جرى ذلك، وقال: يا خوند، قد بعت لي ملكاً، وأخاف أن
يسرق ثمنه، وقد أرصدته للحجاز، وأريد أن يكون في خزائنك، فأخذ الورقة، وعرضها على السلطان، فقال له السلطان: اكتب في قفاها: يا علاء الدين، نحن ما نغير شرف الدين بن فضل الله، وإن غيرناه فما نولي إلا علاء الدين بن الأثير، فوفر ذهبك عليك، وخله عندك.
وكان القاضي علاء الدين كثير الرياسة والإحسان إلى من ينتمي إليه.
وللعلامة شيخنا شهاب الدين محمود فيه أمداح كثيرة، ولما مات رثاه بقصيدة طنانة كتب بها إلى ناصر الدين شافع رحمهم الله أجمعين أنشدنيها إجازة، وهي:
الله أكبر أي ظل زالا
…
عن آمليه وأي طود مالا
أنعي إلى الناس المكارم والندى
…
والجود والإحسان والإفضالا
ومهذباً ملأ القلوب مهابة
…
والسمع وصفاً والأكف نوالا
حاز الرئاسة فاغتدى فيها به
…
أهل المفاخر تضرب الأمثال
وحوى من الآدب ما أضحى به
…
أهل البيان على علاه عيالا
طلق المحيا لو يقابل وجهه ال؟
…
أنواء ظل جهامها هطالا
متمكن من عقله فكأنه
…
قد شد فيه عن الهنات عقالا
رحب الندى تنسي بشاشة وجهه
…
ما زاده أوطانه والآلا
طرقته أيدي الحادثات فزعزعت
…
منه مآلاً للعفاة ومالا
وسطت على الشرف الرفيع فقلصت
…
عن ذك الحرم المنيع ظلالا
فجعت يتامى من ذؤابة هاشم
…
أمسى أباً لهم وإن يك خالا
فقدت أياماهم بفقد عليهم
…
وكذا اليتامى عصمة وثمالا
ونضت مكلاءة كل مكرمة ضفت
…
عنها فعاد لباسها الأسمالا
وأعادت المجد المؤثل بعده
…
كأنا غدير حياً فعادا آلا
من للسماحة والفصاحة بعده
…
قولاً يقال وكان قبل فعالا
من للوجاهة والنباهة بعده
…
إن قال في نادي الندى أو قالا
من للفتوة والمروة أزمعا
…
لما ترحل بعده الترحالا
من للكتابة حين أضحى جيدها ال؟
…
حالي بدر بيانه معطالا
قد كان فارسها الذي بيراعه
…
كم راع قبل أسنة ونصالا
وجوادها إن رام سبقا حازه
…
فيها وقرطس إن أراد نضالا
وخطيبها ما أم منبر كفه
…
قلم فغادر للأنام مقالا
من للبلاغة رامها من بعده
…
كل فكانت كالنجوم منالا
يا نجل فتح الدين أغلق رزئكم
…
باب الرجاء وأوثق الأقفالا
لهفي على تلك البشاشة كم بها
…
بسطت لوافد رفده آمالا
لهفي على تلك المكارم كم سقت
…
ظامي الرجاء البارد السلسالا
لهفي على تلك المروءة كم قضت
…
سولاً لمن لم يبد منه سؤالا
لهفي على آلائه كم ثقلت
…
ظهراً وكم قد خففت أثقالا
لهفي على تلك المآثر لم تطع
…
في فعلها اللوام والعذالا
أبكي عليه وقل مني أنني
…
أبكي عليه وأكثر الإعوالا
أدعو دموعي والعزا فيجيبني
…
ذا هاملاً ويصد ذا إهمالا
وإذا اعتبرت الحزن كان حقيقة
…
وإذا اعتبرت الصبر كان محالا
وإذا غفلفت أقام لي إحسانه
…
في كل وقت من سناه مثالا
وإذا هجعت فإنما زار الكرى
…
ليروع قلبي أن أراه خيالا
قد كان يكرم جانبي ويجلني
…
وإذا ذكرت أطابه وأطالا
ويجلني كأبيه في تبجيله
…
حتى أقول قد استوينا حالا
فعلام لا أبكي وأستسقي له
…
سحب القبول من الكريم تعالى
ولقد صحبت أباه قبل وجده
…
وهما هما مجداً سما وكمالا
فوجدته قد حاز مجدهما معاً
…
فرداً ونال من العلا ما نالا
ومضى حميداً طاهراً ما دنست
…
أيدي الهوى لبروده أذيالا
عجل الحمام على صباه فلا ترى
…
إلا دموعاً تستفيض عجالا
يا ناصر الدين ادرع صبراً فقد
…
فارقت ثم صبرت ذاك الخالا
ورزيت قبل فراق خالك بابنه
…
فحملت أعباء الخطوب ثقالا
وختام هاتيك الحوادث فقد ذا
…
فأعاد حزناً كان مر وزالا
فاسلم لتبلغ بابنه العليا التي
…
فسحت لهم فيها النجوم مجالا
فالأجر جم والعزاء طريقه
…
فاصبر فلست ترى لها أمثالا
هي هذه الدنيا كشمس إن علت
…
وافت عزوباً بعده وزوالا
كم خيبت أملاً وأتبعت الرجا
…
يأساً وغادرت المصون مذالا
يسري بنا الآمال فيها غرة
…
فيزيرنا ذاك السرى الآجالا
تباً لها من غفلة فإلى متى
…
نرجو البقاء ونرجئ الآمالا
أو ما ترى فعل المنون بغيرنا
…
نادتهم فتتابعوا إرسالا
سيما لمن قد جاز معتك الردى
…
وغدا لقطب رحى المنون ثفالا
عجباً لبال في غد تحت الثرى
…
أنى يرى في اليوم ينعم بالا
كم تخطئ الأسقام من أضحى لها
…
هدفاً وقد بعثت إليه نبالا
سيان من نزل القبور اليوم والسفر الذين غدوا غداً نزالا
مع أنهم قطعوا الطريق وخلفوا
…
للخالف الأوجاع والأوجالا
فأعاننا الرب الرحيم على مدى
…
بلغوا وحسن للجميع مآلا
وسقته من عفو الإله سحائب
…
يتلو سرى غدواتها الآصالا
ومن إنشاء القاضي علاء الدين رحمه الله تعالى رسالة في المفاخرة بين الرمح والسيف، وهي: بعثت إليك رسالتي وفي ذهني أنك الكمي الذي لا يجاريك ند، والشجاع الذي أظهر حسن الائتلاف لو شك الضد، والبطل المنيع الجار، والأسد الذي لك الأسل وجار، والباسل الذي كم لخمر الغمود بتجريدك عن وجوه البيض انحسار. ولك معرفة في الحرب ولاماتها، والشجاعة وآلاتها، وإليك في أمرها التفصيل، ولديك علم ما لجملتها من تفصيل. وها هي احتوت على المفاضلة بين الرمح والسيف، ولم تدر بعد ذلك كيف فإن السيف قد شرع يتقوى بحده، ولا يقف في معرفة نفسه عند حده، والرمح يتكسر بأنابيبه ويستطيل بلسان سنانه، ولم يثن في وصف نفسه
فضل عنانه. قد أطرقتهما حماك لتحكم بنيهما بالحق السوي وتنصف بين الضعيف والقوي: أما السيف فإنه يقول: أنا الذي لصفحتي الغرر، ولحدي الغرار، وتحت ظلالي في سبيل الله الجنة، وفي إطلالي على الأعداء النار، ولي البروق التي هي للأبصار والبصائر خاطفه، وطالما لمعت فسحت سحب النصر واكفه، ولي الجفون التي ما لها غير نصر الله من بصر، وكم أغفت فمر بها طيف من الظفر، وكم بكت علي الأجفان لما تعوضت عنها الأعناق غموداً، وكم جابت الأماني بيضاً والمنايا سوداً، وكم ألحقت راساً بقدم، وكم رعيت في خصيب نبته اللمم، وكم جاء النصر الأبيض لما أسلت النجيع الأحمر، وكم اجتني ثمر التأييد من ورق حديدي الأخضر، وكم من آية ظفر تلوتها لما صليت وانقد لهيب فكري فأصليت فوصفي هو لذاتي المشهور، وفضلي هو المأثور، فهل يتطاول الرمح إلى مفاخرتي وأنا لجوهر وهو العرض، وهو الذي يعتاض عنه بالسهام وما عني عوض، وإن كان ذاك ذا أسنة، فأنا أتقلد كالمنة، كم حملته يد فكانت حمالة الحطب، وكم فارس كسبه بحملاته فما أغنى عنه ما كسب، حدث ليس من جنسه، ونفعه ليس من شأن نفسه، وأين سمر الرماح من بيض الصفاح، وأين ذو الثعالب من الذي تحمى به أسود الضرائب. وهل أنت إلا طويل بلا بركة، وعامل كم عزلتك النبال بزائد حركة؟!
فنطق الرمح بلسان سنانه مفتخراً، وأقبل في علمه معتجراً، وقال: أنا الذي طلت حتى اتخذت أسنتي الشهب، وعلوت حتى كادت السماء تعقد علي لواء من السحب. كم ميل نسم النصر غصني وميد، وكم وهى بي ركن للملحدين، وللموحدين تشيد. وكم شمس ظفر طلعت وكانت أسنتي شعاعها. وكم دماء أطرت شعاعها. طالما أثمر غصني الرؤوس في رياض الجهاد، وغدت أسنتي فكأنما صيغت من سرور فما يخطرن إلا في فؤاد، وكم شبهت أعطاف الحسان بمالي بمن ميل، وضرب طبول ظل قناتي المثل، وزاحمت في المناكب للرياح بالمناكب، وحسبي الشرف الأسنى أن أعلى الممالك ما علي يبنى، ما لمع سناني في الظلماء إلا خاله المارد من رجوم السماء، فهل للسيف فخر يطال فخري، أو قدر يسامي قدري، ولو وقف السيف عند حده لعلم أنه القصير وإن كان ذا الحلى، وأنا الطويل ذو العلا، وطالما صدع هاماً، فعاد كهاما، وقصر عن العدى، وألم بصفحته كلف الصدا، وفل حده، وأذابه الرعب فلولا غمده.. فهل يطعن في بعيب، وأنا الذي أطعن حقيقة بلا ريب، ومن ههنا آن أن أمسك عنك لسان سناني، ونرجع إلى من يحم برفعه شانك وشأني، ونسعى إلى بابه، ونبث محاورتنا برحابه.
وقد أوردهما المملوك حماك، فاحكم بما بصرك الله وأراك.
ومن شعر علاء الدين، وقد رتبت معاليمهم على شطنوف: