الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الشَّرْعِ: تَوْضِيحُ مَعْنَى الآْيَةِ، وَشَأْنِهَا، وَقِصَّتِهَا، وَالسَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ بِلَفْظٍ يَدُل عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّأْوِيل: بَيَانُ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ، وَالتَّفْسِيرَ: بَيَانُ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ. (1)
وَقَال ابْنُ الأَْعْرَابِيِّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ: التَّفْسِيرُ وَالتَّأْوِيل بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَال الرَّاغِبُ: التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيل، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الأَْلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَال التَّأْوِيل فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَل. وَكَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَل فِي الْكُتُبِ الإِْلَهِيَّةِ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَل فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. وَقَال غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ: بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِل إِلَاّ وَجْهًا وَاحِدًا. وَالتَّأْوِيل: تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَا ظَهَرَ مِنَ الأَْدِلَّةِ. وَقَال أَبُو طَالِبٍ الثَّعْلَبِيُّ: التَّفْسِيرُ: بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا، كَتَفْسِيرِ (الصِّرَاطِ) بِالطَّرِيقِ، وَ (الصَّيِّبِ) بِالْمَطَرِ. وَالتَّأْوِيل: تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الأَْوْل وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الأَْمْرِ. فَالتَّأْوِيل: إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ، وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ
(1) دستور العلماء 1 / 330.
دَلِيل الْمُرَادِ؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ، وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ (1) .
ب -
الْبَيَانُ:
3 -
الْبَيَانُ لُغَةً: الإِْظْهَارُ وَالإِْيضَاحُ وَالاِنْكِشَافُ، وَمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الشَّيْءُ مِنَ الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا. (2) وَأَمَّا فِي الاِصْطِلَاحِ: فَهُوَ إِظْهَارُ الْمَعْنَى وَإِيضَاحُهُ لِلْمُخَاطَبِ. (3) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْوِيل وَالْبَيَانِ: أَنَّ التَّأْوِيل مَا يُذْكَرُ فِي كَلَامٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى مُحَصَّلٌ فِي أَوَّل وَهْلَةٍ لِيُفْهَمَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ. وَالْبَيَانُ مَا يُذْكَرُ فِيمَا يُفْهِمُ ذَلِكَ بِنَوْعِ خَفَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْضِ (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ بِاخْتِلَافِ مَا يَدْخُلُهُ التَّأْوِيل، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
4 -
أَوَّلاً: بِالنِّسْبَةِ لِلنُّصُوصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقَائِدِ،
(1) كشاف اصطلاحات الفنون 5 / 1116، ولسان العرب، والمفردات للراغب مادة:" فسر " و " أول ".
(2)
لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح مادة:" بين " وإرشاد الفحول ص 167، 168.
(3)
إرشاد الفحول نقلا عن شمس الأئمة السرخسي ص 168، والتعريفات للجرجاني
(4)
دستور العلماء 1 / 257 نقلا عن التعريفات للجرجاني ص 41.
وَأُصُول الدِّيَانَاتِ، وَصِفَاتِ الْبَارِي عز وجل، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْقِسْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ لَا مَدْخَل لِلتَّأْوِيل فِيهَا، بَل تَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يُؤَوَّل شَيْءٌ مِنْهَا. وَهَذَا قَوْل الْمُشَبِّهَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ لَهَا تَأْوِيلاً، وَلَكِنَّا نُمْسِكُ عَنْهُ، مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ} (1)، قَال ابْنُ بُرْهَانٍ: وَهَذَا قَوْل السَّلَفِ.
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَالْمَنْهَجُ الْمَصْحُوبُ بِالسَّلَامَةِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مَهَاوِي التَّأْوِيل، وَكَفَى بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ قُدْوَةً لِمَنْ أَرَادَ الاِقْتِدَاءَ، وَأُسْوَةً لِمَنْ أَحَبَّ التَّأَسِّيَ، عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُرُودِ الدَّلِيل الْقَاضِي بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَهُوَ قَائِمٌ مَوْجُودٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ. قَال ابْنُ بُرْهَانٍ: وَالأَْوَّل مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ بَاطِلٌ، وَالآْخَرَانِ مَنْقُولَانِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَنُقِل هَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الأَْلْفَاظِ الْمُشْكِلَةِ: إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَعَلَى
(1) سورة آل عمران / 7.
الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَوَّل شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لِسَانُ الْعَرَبِ وَيَفْهَمُونَهُ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ وَلَمْ نُبَدِّعْهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَلَيْهِ وَاسْتَبْعَدْنَاهُ وَرَجَعْنَا إِلَى الْقَاعِدَةِ فِي الإِْيمَانِ بِمَعْنَاهُ مَعَ التَّنْزِيهِ. (1) وَفِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، قَال الْجُوَيْنِيُّ: ذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الاِنْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيل، وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقْدُ اتِّبَاعِ سَلَفِ الأُْمَّةِ، فَحُقَّ عَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنْزِيهَ الْبَارِي عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ، وَلَا يَخُوضَ فِي تَأْوِيل الْمُشْكِلَاتِ، وَيَكِل مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى. (2)
5 -
ثَانِيًا: النُّصُوصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفُرُوعِ، وَهَذِهِ لَا خِلَافَ فِي دُخُول التَّأْوِيل فِيهَا. وَالتَّأْوِيل فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الاِسْتِنْبَاطِ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ تَأْوِيلاً صَحِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ تَأْوِيلاً فَاسِدًا. فَيَكُونُ صَحِيحًا إِذَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ، مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِوَضْعِ اللُّغَةِ، أَوْ عُرْفِ الاِسْتِعْمَال، وَمِنْ قِيَامِ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي حُمِل عَلَيْهِ، وَمِنْ كَوْنِ الْمُتَأَوِّل أَهْلاً لِذَلِكَ.
(1) إرشاد الفحول / 176، 177.
(2)
أعلام الموقعين 4 / 246.