الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب -
تَعَارُضُ التَّحْسِينِيَّاتِ مَعَ غَيْرِهَا:
6 -
التَّحْسِينِيَّاتُ وَإِنْ كَانَتْ مُكَمِّلَةً لِلْحَاجِيَّاتِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ لَهَا، إِلَاّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِهَا مُكَمِّلَةً: أَلَاّ تَعُودَ عَلَى أَصْلِهَا بِالإِْبْطَال، فَإِذَا كَانَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا تُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا فَإِنَّهَا تُتْرَكُ، وَمِثْل ذَلِكَ الْحَاجِيَّاتُ مَعَ الضَّرُورِيَّاتِ، لأَِنَّ كُل تَكْمِلَةٍ يُفْضِي اعْتِبَارُهَا إِلَى إِبْطَال أَصْلِهَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي إِبْطَال الأَْصْل إِبْطَال التَّكْمِلَةِ؛ لأَِنَّ التَّكْمِلَةَ مَعَ مَا كَمَّلَتْهُ كَالصِّفَةِ مَعَ الْمَوْصُوفِ، فَإِذَا كَانَ اعْتِبَارُ الصِّفَةِ يُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاعِ الْمَوْصُوفِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ ارْتِفَاعُ الصِّفَةِ أَيْضًا، فَاعْتِبَارُ هَذِهِ التَّكْمِلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُؤَدٍّ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا، وَهَذَا مُحَالٌ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ لَمْ تُعْتَبَرِ التَّكْمِلَةُ، وَاعْتُبِرَ الأَْصْل مِنْ غَيْرِ مَزِيدٍ.
الثَّانِي: أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا تَقْدِيرًا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ التَّكْمِيلِيَّةَ تَحْصُل مَعَ فَوَاتِ الْمَصْلَحَةِ الأَْصْلِيَّةِ، لَكَانَ حُصُول الأَْصْلِيَّةِ أَوْلَى لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مُهِمٌّ كُلِّيٌّ، وَحِفْظَ الْمُرُوءَاتِ مُسْتَحْسَنٌ، فَحَرُمَتِ النَّجَاسَاتُ حِفْظًا لِلْمُرُوءَاتِ، وَإِجْرَاءً لأَِهْل الْمُرُوءَاتِ عَلَى مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، فَإِنْ دَعَتِ
الضَّرُورَةُ إِلَى إِحْيَاءِ النَّفْسِ بِتَنَاوُل النَّجِسِ كَانَ تَنَاوُلُهُ أَوْلَى (1) .
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: أَنَّ الْمَصَالِحَ إِذَا تَعَارَضَتْ حُصِّلَتِ الْعُلْيَا مِنْهَا، وَاجْتُنِبَتِ الدُّنْيَا مِنْهَا فَإِنَّ الأَْطِبَّاءَ يَدْفَعُونَ أَعْظَمَ الْمَرَضَيْنِ بِالْتِزَامِ بَقَاءِ أَدْنَاهُمَا، وَيَجْلِبُونَ أَعْلَى السَّلَامَتَيْنِ وَالصِّحَّتَيْنِ وَلَا يُبَالُونَ بِفَوَاتِ أَدْنَاهُمَا، فَإِنَّ الطِّبَّ كَالشَّرْعِ، وُضِعَ لِجَلْبِ مَصَالِحِ السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ، وَلِدَرْءِ مَفَاسِدِ الْمَعَاطِبِ وَالأَْسْقَامِ، وَلِدَرْءِ مَا أَمْكَنَ دَرْؤُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلِجَلْبِ مَا أَمْكَنَ جَلْبُهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ دَرْءُ الْجَمِيعِ أَوْ جَلْبُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ تَسَاوَتِ الرُّتَبُ تَخَيَّرَ، وَإِنْ تَفَاوَتَتِ اُسْتُعْمِل التَّرْجِيحُ عِنْدَ عِرْفَانِهِ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ الْجَهْل بِهِ. (2)
ج -
الاِحْتِجَاجُ بِهَا:
7 -
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالتَّحْسِينِيَّاتِ بِمُجَرَّدِهَا إِنْ لَمْ تَعْتَضِدْ بِشَهَادَةِ أَصْلٍ، إِلَاّ أَنَّهَا قَدْ تَجْرِي مَجْرَى وَضْعِ الضَّرُورَاتِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ، فَحِينَئِذٍ إِنْ لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ بِرَأْيٍ فَهُوَ
(1) الموافقات 2 / 13 - 16 ط دار المعرفة.
(2)
قواعد الأحكام / 4 ط العلمية.