الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيل لَهُ: هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقَال عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ (1) .
تَجَسُّسُ الْمُحْتَسِبِ:
12 -
الْمُحْتَسِبُ هُوَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَرْكُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعْلُهُ. قَال تَعَالَى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2) وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ مِنْ كُل مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْمُحْتَسِبَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ، لَكِنَّ غَيْرَهُ فُرِضَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيل الْكِفَايَةِ.
وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ فَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَنْهَا وَلَا أَنْ يَهْتِكَ الأَْسْتَارَ حَذَرًا مِنَ الاِسْتِتَارِ بِهَا، فَقَدْ قَال صلى الله عليه وسلم: اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ. (3)
فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِتَارُ قَوْمٍ بِهَا لأَِمَارَاتٍ دَلَّتْ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى 279 - 281، والماوردي 252، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 407، والقرطبي 16 / 331.
(2)
سورة آل عمران / 104.
(3)
حديث: " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها. . .) أخرجه الحكم (4 / 244 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْل أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلاً خَلَا بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا أَوْ رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْل هَذِهِ الْحَال أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَفِعْل الْمَحْظُورَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ وَقَصُرَ عَنْ حَدِّ هَذِهِ الرُّتْبَةِ، فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الأَْسْتَارِ عَنْهُ (1) كَمَا تَقَدَّمَ. (2)
عِقَابُ التَّجَسُّسِ عَلَى الْبُيُوتِ:
13 -
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ حَل لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ (3)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَال
(1) الأحكام السلطانية للماوردي في أحكام الحسبة 240 وما بعدها.
(2)
وما يجري الآن في الدول وما يطبق في التجسس على المفسدين ومن يظن فيهم الشر وهتك الأعراض واغتصاب الأموال ومخالفة الأنظمة الواجب اتباعها، وما يحصل في الكشف عمن يظن فيهم الاتجار في المحظورات كالخمر والحشيش بقرائن ظاهرة والغش في المعاملات وتعقب المجرمين والمخر
(3)
حديث: " من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقئوا عينه " أخرجه مسلم (3 / 1699 - ط الحلبي) .
بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيَحِل لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ الْمُطَّلِعِ حَال الاِطِّلَاعِ، وَلَا ضَمَانَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنْ فَقَأَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ قَبْل نُزُول قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (1) وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ الْعَمَل بِهِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ لَمَّا مَدَحَهُ قَال لِبِلَالٍ: قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ (2) وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فَقْءَ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ: أَنْ يَعْمَل بِهِ عَمَلاً حَتَّى لَا يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ.
وَفِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: وَلَوْ نَظَرَ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ مِنْ بَابٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ضَمِنَ، لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى زَجْرِهِ وَدَفْعِهِ بِالأَْخَفِّ، وَلَوْ قَصَدَ زَجْرَهُ
(1) سورة النمل / 126.
(2)
حديث: " قال لبلال: قم فاقطع لسانه " أخرجه ابن إسحاق في سيرته كما في سيرة ابن هشام (2 / 493 - 494 - ط الحلبي) .
بِذَلِكَ فَأَصَابَ عَيْنَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ فَقْأَهَا فَفِي ضَمَانِهِ خِلَافٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْمُطَّلِعِ إِلَاّ بِفَقْءِ عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا لَا ضَمَانَ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِدُونِ فَقْءِ عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
أَمَّا إِذَا تَجَسَّسَ وَانْصَرَفَ فَلَيْسَ لِلْمُطَلَّعِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ اتِّفَاقًا. وَيُنْظَرُ لِلتَّفْصِيل: (دَفْعُ الصَّائِل) . (1)
أَمَّا عُقُوبَةُ الْمُتَجَسِّسِ فَهِيَ التَّعْزِيرُ، إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، وَالتَّعْزِيرُ يَخْتَلِفُ وَالْمَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى الإِْمَامِ (ر: تَعْزِيرٌ (2)) .
(1) تفسير القرطبي 12 / 212 - 213 ط دار الكتب، وتبصرة الحكام 2 / 304، والمغني 8 / 325، 9 / 189 وما بعدها، وابن عابدين 5 / 353.
(2)
ابن عابدين 3 / 251، والزيلعي 3 / 207، 208، وتبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك 2 / 80، 308، وتحفة المحتاج 9 / 175 - 181، ومغني المحتاج 4 / 191، 192، 193، وحاشية القليوبي 4 / 205 - 259، والمغني 5 / 52 و8 / 325، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 295، 296.