الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَبَرُّعٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
التَّبَرُّعُ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ بَرَعَ الرَّجُل وَبَرُعَ بِالضَّمِّ أَيْضًا بَرَاعَةً، أَيْ: فَاقَ أَصْحَابَهُ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ بَارِعٌ، وَفَعَلْتُ كَذَا مُتَبَرِّعًا أَيْ: مُتَطَوِّعًا، وَتَبَرَّعَ بِالأَْمْرِ: فَعَلَهُ غَيْرَ طَالِبٍ عِوَضًا. (1)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلَاحِ، فَلَمْ يَضَعِ الْفُقَهَاءُ تَعْرِيفًا لِلتَّبَرُّعِ، وَإِنَّمَا عَرَّفُوا أَنْوَاعَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا، وَكُل تَعْرِيفٍ لِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَْنْوَاعِ يُحَدِّدُ مَاهِيَّتَهُ فَقَطْ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ مَعْنَى التَّبَرُّعِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ لِهَذِهِ الأَْنْوَاعِ، لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ التَّبَرُّعِ بَذْل الْمُكَلَّفِ مَالاً أَوْ مَنْفَعَةً لِغَيْرِهِ فِي الْحَال أَوِ الْمَآل بِلَا عِوَضٍ بِقَصْدِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ غَالِبًا.
(1) الصحاح للجوهري والمصباح مادة: (برع) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّطَوُّعُ:
2 -
التَّطَوُّعُ: اسْمٌ لِمَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ (1) وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ التَّبَرُّعِ، فَالتَّبَرُّعُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ وَاجِبًا، وَيَكُونُ التَّطَوُّعُ أَيْضًا فِي الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ النَّوَافِل كُلُّهَا الزَّائِدَةُ عَنِ الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّبَرُّعِ:
3 -
حَثَّ الإِْسْلَامُ عَلَى فِعْل الْخَيْرِ وَتَقْدِيمِ الْمَعْرُوفِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّبَرُّعِ بِأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْخَيْرِ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الأَْدِلَّةِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، وَهُوَ كُل مَعْرُوفٍ يُقَدَّمُ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِتَقْدِيمِ الْمَال أَمِ الْمَنْفَعَةِ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (3)
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَإِنَّ الأَْحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَعْمَال
(1) التعريفات للجرجاني.
(2)
سورة المائدة / 2.
(3)
سورة البقرة / 180.
الْخَيْرِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَال: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ: أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُبْتَاعُ، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُوهَبُ. قَال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيل اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيل، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ
. (1) قَال: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ: غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ، قَال مُحَمَّدٌ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً.
قَال ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ، أَنَّ فِيهِ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: تَهَادَوْا تَحَابُّوا (2) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَيَاتِكُمْ؛ لِيَجْعَلَهَا
(1) حديث: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 354 - 355 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1255 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2)
حديث: " تهادوا تحابوا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد (برقم 594 ص 155 - ط السلفية) وجوده السخاوي في المقاصد (ص 166 - ط الخانجي) .
لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ. (1)
وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ فَقَدِ اتَّفَقَتِ الأُْمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّعِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ. (2)
4 -
وَالتَّبَرُّعَاتُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا: تَبَرُّعٌ بِالْعَيْنِ، وَمِنْهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ، وَتَكُونُ التَّبَرُّعَاتُ، حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً، أَوْ مُضَافَةً إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّبَرُّعُ بِأَنْوَاعِهِ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ بِأَقْسَامِهِ.
5 -
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّبَرُّعَ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ: فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا؛ تَبَعًا، لِحَالَةِ التَّبَرُّعِ وَالْمُتَبَرَّعِ لَهُ وَالْمُتَبَرَّعِ بِهِ.
فَإِنْ كَانَ التَّبَرُّعُ وَصِيَّةً، فَتَكُونُ وَاجِبَةً لِتَدَارُكِ قُرْبَةٍ فَاتَتْهُ كَزَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ، وَتَكُونُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ وَهِيَ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَكُونُ حَرَامًا إِذَا أَوْصَى لِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِمُحَرَّمٍ، وَتَكُونُ مَكْرُوهَةً إِذَا أَوْصَى لِفَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَهُ فَقِيرٌ قَرِيبٌ، وَتَكُونُ مُبَاحَةً إِذَا أَوْصَى بِأَقَل مِنَ الثُّلُثِ لِغَنِيٍّ أَجْنَبِيٍّ وَوَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءُ.
(1) حديث: " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم. . . " أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (4 / 212 - ط القدسي) وقال عن طرقه ابن حجر في بلوغ المرام (ص 221 - ط عبد الحميد حنفي) : كلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضا.
(2)
مغني المحتاج 2 / 276.