الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْل وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . (1)
فَالإِْصْلَاحُ وَالتَّحْكِيمُ يُفَضُّ بِهِمَا النِّزَاعُ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَوْلِيَةٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الْخَصْمَيْنِ، وَالإِْصْلَاحُ يَكُونُ الاِخْتِيَارُ فِيهِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ مُتَبَرِّعٍ بِهِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
التَّحْكِيمُ مَشْرُوعٌ.، وَقَدْ دَل عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ (2) .
4 -
أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} . (3)
قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ هَذِهِ الآْيَةَ دَلِيل إِثْبَاتِ التَّحْكِيمِ. (4)
5 -
وَأَمَّا السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ، فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَضِيَ بِتَحْكِيمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه فِي
(1) سورة الحجرات / 9.
(2)
مجمع الأنهر 2 / 173، وشرح العناية 5 / 498.
(3)
سورة النساء / 35.
(4)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 / 179 ط دار الكتب المصرية.
أَمْرِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، حِينَ جَنَحُوا إِلَى ذَلِكَ وَرَضُوا بِالنُّزُول عَلَى حُكْمِهِ. (1)
وَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَضِيَ بِتَحْكِيمِ الأَْعْوَرِ بْنِ بَشَامَةَ فِي أَمْرِ بَنِي الْعَنْبَرِ، حِينَ انْتَهَبُوا أَمْوَال الزَّكَاةِ. (2)
وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ هَانِئَ بْنَ يَزِيدَ رضي الله عنه لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ.، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ فَقَال: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ.، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَحْسَنَ هَذَا.، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ قَال: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. قَال: فَمَا أَكْبَرُهُمْ؟ قُلْتُ: شُرَيْحٌ. قَال: أَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ. وَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ. (3)
6 -
أَمَّا الإِْجْمَاعُ، فَقَدْ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما مُنَازَعَةٌ فِي نَخْلٍ، فَحَكَّمَا
(1) تحكيم سعد بن معاذ في أمر اليهود. أخرجه البخاري (الفتح 6 / 165 - ط السلفية) .
(2)
حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي بتحكيم الأعور بن بشامة " أخرجه ابن شاهين في الصحابة، وفي إسناده جهالة. (الإصابة لابن حجر 1 / 55 - نشر الرسالة) .
(3)
حديث: " إن الله هو الحكم " أخرجه أبو داود (5 / 240 - ط عزت عبيد دعاس) والنسائي (8 / 226 - ط المكتبة التجارية) وجامع الأصول (1 / 373) وإسناده حسن.
بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه (1) .
وَاخْتَلَفَ عُمَرُ مَعَ رَجُلٍ فِي أَمْرِ فَرَسٍ اشْتَرَاهَا عُمَرُ بِشَرْطِ السَّوْمِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى شُرَيْحٍ (2) .
كَمَا تَحَاكَمَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنهم (3) ، وَلَمْ يَكُنْ زَيْدٌ وَلَا شُرَيْحٌ وَلَا جُبَيْرٌ مِنَ الْقُضَاةِ.
وَقَدْ وَقَعَ مِثْل ذَلِكَ لِجَمْعٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا. (4)
7 -
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ. (5)
إِلَاّ أَنَّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ امْتَنَعَ عَنِ الْفَتْوَى بِذَلِكَ، وَحُجَّتُهُ: أَنَّ السَّلَفَ إِنَّمَا يَخْتَارُونَ لِلْحُكْمِ مَنْ كَانَ عَالِمًا صَالِحًا دَيِّنًا، فَيَحْكُمُ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، أَوْ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِينَ. فَلَوْ قِيل بِصِحَّةِ التَّحْكِيمِ الْيَوْمَ
(1) المبسوط 21 / 62 وفتح القدير 5 / 498، والمغني 10 / 190، وكشاف القناع 6 / 303.
(2)
المغني 10 / 190، وطلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ص 146.
(3)
المغني 10 / 190، وكشاف القناع 6 / 303، وأسنى المطالب 4 / 67.
(4)
المبسوط 21 / 62، وشرح العناية 5 / 498، ومغني المحتاج 4 / 378، ونهاية المحتاج 8 / 230.
(5)
فتح القدير 5 / 498، وبدائع الصنائع 7 / 3، ومواهب الجليل 6 / 112، وتبصرة الحاكم 1 / 43، والشرح الكبير 4 / 135، ونهاية المحتاج 8 / 230، والمغني 10 / 190، ومطالب أولي النهى 6 / 471.
لَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ، وَمَنْ كَانَ فِي حُكْمِهِمْ إِلَى تَحْكِيمِ أَمْثَالِهِمْ، فَيَحْكُمُ الْحَكَمُ بِجَهْلِهِ بِغَيْرِ مَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الأَْحْكَامِ، وَهَذَا مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلِذَلِكَ أَفْتَوْا بِمَنْعِهِ. (1)
وَقَال أَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجْزِهِ ابْتِدَاءً. (2) وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَال بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِجَوَازِهِ فِي الْمَال فَقَطْ. (3)
وَمَهْمَا يَكُنْ فَإِنَّ جَوَازَ التَّحْكِيمِ هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَفَاذُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ. (4)
8 -
وَطَرَفَا التَّحْكِيمِ هُمَا الْخَصْمَانِ اللَّذَانِ اتَّفَقَا عَلَى فَضِّ النِّزَاعِ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى الْمُحَكِّمَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ الْمَكْسُورَةِ.
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 430.
(2)
التاج والإكليل 6 / 112، ومواهب الجليل 6 / 112، وحاشية الدسوقي 4 / 135.
(3)
روضة الطالبين 11 / 121، ونهاية المحتاج 8 / 230 - 231، ومغني المحتاج 4 / 379.
(4)
حاشية ابن عابدين 5 / 430، والعقود الدرية 1 / 319، والروضة 11 / 121، وكشاف القناع 6 / 308، ومواهب الجليل 6 / 112، وحاشية الدسوقي 4 / 135.