الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَبَغٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
التَّبَغُ (بِتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ) لَفْظٌ أَجْنَبِيٌّ دَخَل الْعَرَبِيَّةَ دُونَ تَغْيِيرٍ، وَقَدْ أَقَرَّهُ مَجْمَعُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَهُوَ نَبَاتٌ مِنَ الْفَصِيلَةِ الْبَاذِنْجَانِيَّة يُسْتَعْمَل تَدْخِينًا وَسَعُوطًا وَمَضْغًا، وَمِنْهُ نَوْعٌ يُزْرَعُ لِلزِّينَةِ، وَهُوَ مِنْ أَصْلٍ أَمْرِيكِيٍّ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَرَبُ الْقُدَمَاءُ.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الدُّخَانُ، وَالتُّتُنُ، وَالتُّنْبَاكُ.
لَكِنَّ الْغَالِبَ إِطْلَاقُ هَذَا الأَْخِيرِ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ التَّبَغِ كَثِيفٍ يُدَخَّنُ بِالنَّارَجِيلَةِ لَا بِاللَّفَائِفِ.
2 -
وَمِمَّا يُشْبِهُ التَّبَغَ فِي التَّدْخِينِ وَالإِْحْرَاقِ: الطُّبَّاقُ، وَهُوَ نَبَاتٌ عُشْبِيٌّ مُعَمَّرٌ مِنْ فَصِيلَةِ الْمُرَكَّبَاتِ الأُْنْبُوبِيَّةِ الزَّهْرِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، خِلَافًا لِلتَّبَغِ، وَالطُّبَّاقُ: لَفْظٌ مُعَرَّبٌ. وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: الطُّبَّاقُ: الدُّخَانُ، يُدَخَّنُ وَرَقُهُ مَفْرُومًا أَوْ مَلْفُوفًا (1) .
(1) المعجم الوسيط (تبغ - طبق) ولسان العرب المحيط قسم المصطلحات، وتهذيب الفروق 1 / 216.
3 -
وَقَال الْفُقَهَاءُ عَنِ الدُّخَّانِ: إِنَّهُ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ الْهِجْرِيِّ وَأَوَائِل الْقَرْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ، وَأَوَّل مَنْ جَلَبَهُ لأَِرْضِ الرُّومِ (أَيِ الأَْتْرَاكِ الْعُثْمَانِيِّينَ) الإِْنْكِلِيزُ، وَلأَِرْضِ الْمَغْرِبِ يَهُودِيٌّ زَعَمَ أَنَّهُ حَكِيمٌ، ثُمَّ جُلِبَ إِلَى مِصْرَ، وَالْحِجَازِ، وَالْهِنْدِ، وَغَالِبِ بِلَادِ الإِْسْلَامِ. (1)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّبَغِ:
حُكْمُ اسْتِعْمَالِهِ:
4 -
مُنْذُ ظُهُورِ الدُّخَّانِ - وَهُوَ الاِسْمُ الْمَشْهُورُ لِلتَّبَغِ - وَالْفُقَهَاءُ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ، بِسَبَبِ الاِخْتِلَافِ فِي تَحَقُّقِ الضَّرَرِ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ، وَفِي الأَْدِلَّةِ الَّتِي تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ، إِذْ لَا نَصَّ فِي شَأْنِهِ.
فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ حَرَامٌ، وَقَال آخَرُونَ: إِنَّهُ مُبَاحٌ، وَقَال غَيْرُهُمْ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ.
وَبِكُل حُكْمٍ مِنْ هَذِهِ الأَْحْكَامِ أَفْتَى فَرِيقٌ مِنْ كُل مَذْهَبٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِهِ وَأَدِلَّتُهُمْ:
5 -
ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل بِتَحْرِيمِ شُرْبِ الدُّخَّانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الشَّيْخُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَالْمَسِيرِيُّ،
(1) فتح العلي المالك 1 / 118، 190، الطبعة الأخيرة للحلبي، وتهذيب الفروق 1 / 216، والدر المحتار وحاشية ابن عابدين عليه 5 / 295.
وَصَاحِبُ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيِّ.
وَقَال بِتَحْرِيمِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ اللَّقَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْفَكُّونُ، وَخَالِدُ بْنُ أَحْمَدَ، وَابْنُ حَمْدُونَ وَغَيْرُهُمْ.
وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ: نَجْمُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ، وَالْقَلْيُوبِيُّ، وَابْنُ عَلَاّنَ، وَغَيْرُهُمْ.
وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبُهُوتِيُّ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ النَّجْدِيِّينَ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا مَنْ أَلَّفَ فِي تَحْرِيمِهِ كَاللَّقَّانِيِّ وَالْقَلْيُوبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْفَكُّونِ، وَابْنِ عَلَاّنَ (1) . وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِالْحُرْمَةِ بِمَا يَأْتِي:
6 -
أ - أَنَّ الدُّخَّانَ يُسْكِرُ فِي ابْتِدَاءِ تَعَاطِيهِ إِسْكَارًا سَرِيعًا بِغَيْبَةٍ تَامَّةٍ، ثُمَّ لَا يَزَال فِي كُل مَرَّةٍ يَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَطُول الأَْمَدُ جِدًّا،
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 295، 296، وتهذيب الفروق بهامش الفروق 1 / 216، 217، وفتح العلي المالك 1 / 118، 189، 190، الطبعة الأخيرة للحلبي، وبغية المسترشدين ص 260، وحاشية القليوبي 1 / 69، وحاشية الجمل 1 / 170، وحاشية الشرواني 4 / 237، ومطالب أولي النهى 6 / 217 إلى 219، والفواكه العديدة في المسائل المفيدة 2 / 78، ورسالة إرشاد السائل إلى دلائل المسائل ص 50، 51، من مجموعة الرسائل السلفية في إحياء سنة خير البرية للشوكاني ط دار الكتب العلمية.
فَيَصِيرُ لَا يُحِسُّ بِهِ، لَكِنَّهُ يَجِدُ نَشْوَةً وَطَرَبًا أَحْسَن عِنْدَهُ مِنَ السُّكْرِ. أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالإِْسْكَارِ: مُطْلَقُ الْمُغَطِّي لِلْعَقْل وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِمَنْ يَتَعَاطَاهُ أَوَّل مَرَّةٍ. وَهُوَ عَلَى هَذَا يَكُونُ نَجِسًا، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ، وَيَحْرُمُ مِنْهُ الْقَلِيل وَالْكَثِيرُ.
7 -
ب - إِنْ قِيل: إِنَّهُ لَا يُسْكِرُ، فَهُوَ يُحْدِثُ تَفْتِيرًا وَخَدَرًا لِشَارِبِهِ، فَيُشَارِكُ أَوَّلِيَّةَ الْخَمْرِ فِي نَشْوَتِهِ، وَقَدْ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُل مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ (1) قَال الْعُلَمَاءُ: الْمُفَتِّرُ: مَا يُحْدِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الأَْطْرَافِ وَصَيْرُورَتَهَا إِلَى وَهَنٍ وَانْكِسَارٍ، وَيَكْفِي حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حُجَّةً، وَدَلِيلاً عَلَى تَحْرِيمِهِ.
وَلَكِنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ نَجِسًا وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ، وَيَحْرُمُ الْقَلِيل مِنْهُ كَالْكَثِيرِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي التَّأْثِيرِ، إِذِ الْغَالِبُ وُقُوعُهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَحِفْظُ الْعُقُول مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْل الْمِلَل. (2)
8 -
ج - أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى شُرْبِهِ الضَّرَرُ فِي الْبَدَنِ وَالْعَقْل وَالْمَال، فَهُوَ يُفْسِدُ الْقَلْبَ، وَيُضْعِفُ
(1) حديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. . . " أخرجه أبو داود (4 / 90 - ط عزت عبيد دعاس) وإسناده ضعيف (عون المعبود 3 / 374 - ط نشر دار الكتاب العربي) .
(2)
ابن عابدين 5 / 296، وتهذيب الفروق 1 / 217، 218، والفواكه العديدة في المسائل المفيدة 2 /، 80، 81.
الْقُوَى، وَيُغَيِّرُ اللَّوْنَ بِالصُّفْرَةِ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ تَكَاثُفِ دُخَانِهِ فِي الْجَوْفِ الأَْمْرَاضُ وَالْعِلَل، كَالسُّعَال الْمُؤَدِّي لِمَرَضِ السُّل، وَتَكْرَارُهُ يُسَوِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَتَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْحَرَارَةُ، فَتَكُونُ دَاءً مُزْمِنًا مُهْلِكًا، فَيَشْمَلُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (1) وَهُوَ يَسُدُّ مَجَارِيَ الْعُرُوقِ، فَيَتَعَطَّل وُصُول الْغِذَاءِ مِنْهَا إِلَى أَعْمَاقِ الْبَدَنِ، فَيَمُوتُ مُسْتَعْمِلُهُ فَجْأَةً. (2)
ثُمَّ قَالُوا: وَالأَْطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ مُضِرٌّ، قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: أَخْبَرَ بَعْضُ مُخَالِطِي الإِْنْكِلِيزِ أَنَّهُمْ مَا جَلَبُوا الدُّخَانَ لِبِلَادِ الإِْسْلَامِ إِلَاّ بَعْدَ إِجْمَاعِ أَطِبَّائِهِمْ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِالاِقْتِصَارِ عَلَى الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ، لِتَشْرِيحِهِمْ رَجُلاً مَاتَ بِاحْتِرَاقِ كَبِدِهِ وَهُوَ مُلَازِمُهُ، فَوَجَدُوهُ سَارِيًا فِي عُرُوقِهِ وَعَصَبِهِ، وَمُسَوِّدًا مُخَّ عِظَامِهِ، وَقَلْبُهُ مِثْل إِسْفَنْجَةٍ يَابِسَةٍ، فَمَنَعُوهُمْ مِنْ مُدَاوَمَتِهِ، وَأَمَرُوهُمْ بِبَيْعِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لإِِضْرَارِهِمْ. . . قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَاّ هَذَا لَكَانَ بَاعِثًا لِلْعَقْل عَلَى اجْتِنَابِهِ، (3) وَقَدْ قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَلَال
(1) سورة النساء / 29.
(2)
فتح العلي المالك 1 / 118، 123، وحاشية قليوبي 1 / 69، والبجيرمي على الخطيب 4 / 276، والفواكه العديدة في المسائل المفيدة 2 / 81.
(3)
فتح العلي المالك 1 / 122، والفواكه العديدة 2 / 81.
بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْل الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. (1)
هَذَا وَفِي الْمَرَاجِعِ الْحَدِيثَةِ مَا يُثْبِتُ ضَرَرَ التَّدْخِينِ. (2)
9 -
د - فِي التَّدْخِينِ إِسْرَافٌ وَتَبْذِيرٌ وَضَيَاعٌ لِلْمَال، قَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: لَوْ سُئِل الْفُقَهَاءُ - الَّذِينَ قَالُوا: السَّفَهُ الْمُوجِبُ لِلْحَجْرِ تَبْذِيرُ الْمَال فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ - عَنْ مُلَازِمِ اسْتِعْمَال الدُّخَانِ، لَمَّا تَوَقَّفُوا فِي وُجُوبِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَسَفَهِهِ، وَانْظُرْ إِلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِضَاعَةِ الأَْمْوَال فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَحِرْمَانِهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَفْسَدَهُ الدُّخَّانُ عَلَى الْمُتَرَفِّهِينَ بِهِ، وَسَمَاحَةِ أَنْفُسِهِمْ بِدَفْعِهَا لِلْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ أَعْدَاءِ الدِّينِ،
(1) حديث: " الحلال بين والحرام بين. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 290 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1219 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2)
تذكر المراجع الحديثة أن التقارير عن التدخين أثبتت ضرره،وأنه مصدر خطر على الصحة، ويؤدي إلى مرض السرطان، وأن نسبة المتوفين من المدخنين أعلى منها بين غير المدخنين. انظر في هذا دائرة المعارف البريطانية ط 1968 م مادة (TOBCCO) وكتاب التدخين وسرطان الرئة للدكتور نبيل الطويل ص 30.