الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِْمَامِ بِتَأْوِيلٍ يُبِيحُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي نَظَرِهِمْ يُعْتَبَرُ بَغْيًا لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ. وَيَجِبُ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالدُّخُول فِي الْجَمَاعَةِ وَكَشْفِ شُبَهِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا وَجَبَ قِتَالُهُمْ كَمَا فَعَل عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ الْخَوَارِجِ. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاةٌ) .
ب - وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّأْوِيل فِي مَنْعِ أَدَائِهَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ.، وَيَجِبُ حَمْل الْمَانِعِينَ عَلَى أَدَائِهَا بِالْقُوَّةِ، وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ مَانِعِي الزَّكَاةِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَل عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (1) فَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ (2) . وَالتَّفْصِيل يُنْظَرُ فِي (الزَّكَاةُ) .
ج - حُرْمَةُ شُرْبِ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّأْوِيل لاِسْتِحْلَال شُرْبِهَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ، وَيَجِبُ تَوْقِيعُ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهَا الْمُتَأَوِّل. وَقَدْ حَدَثَ أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ
(1) سورة التوبة / 103.
(2)
التبصرة لابن فرحون بهامش فتح العلي المالك 2 / 280، والاختيار 1 / 104، وأسنى المطالب 4 / 111، وشرح منتهى الإرادات 1 / 417.
الْخَمْرَ (1)، فَقَال لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَال: إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (2) وَإِنِّي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْل بَدْرٍ وَأُحُدٍ، فَطَلَبَ عُمَرُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُجِيبُوهُ، فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: " إِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِلْمَاضِينَ لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْل أَنْ تَحْرُمَ، وَأَنْزَل:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (3) حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ. وَقَال لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ أَخْطَأْتَ التَّأْوِيل يَا قُدَامَةُ، إِذَا اتَّقَيْتَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ (4) .
8 -
ثَانِيًا: تَأْوِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ:
وَذَلِكَ مِثْل التَّأَوُّل فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ حَلَفَ فَتَأَوَّل فِي يَمِينِهِ فَلَهُ تَأْوِيلُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ. وَلَا يَخْلُو حَال الْحَالِفِ الْمُتَأَوِّل مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، مِثْل مَنْ
(1) أثر " قدامة بن مظعون. . . " أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9 / 242 - ط المجلس العلمي بالهند) .
(2)
سورة المائدة / 93.
(3)
سورة المائدة / 90.
(4)
المغني 8 / 304، وهامش الفروق 1 / 182، ومغني المحتاج 4 / 193.
يَسْتَحْلِفُهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ لَوْ صَدَّقَهُ لَظَلَمَهُ، أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، أَوْ نَال مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ، فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَاَلَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَقٍّ عِنْدَهُ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إِلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ وَلَا يَنْفَعُ الْحَالِفَ تَأْوِيلُهُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ (1) وَلأَِنَّهُ لَوْ سَاغَ التَّأْوِيل لَبَطَل الْمَعْنَى الْمُبْتَغَى بِالْيَمِينِ.
ثَالِثُهَا: أَلَاّ يَكُونَ ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ. وَالْمَذَاهِبُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَظْلُومَ إِذَا تَأَوَّل فِي يَمِينِهِ فَلَهُ تَأْوِيلُهُ. (2) (ر: أَيْمَانٌ) .
9 -
ثَالِثًا: هُنَاكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ مَا اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَرِيبًا، فَأَصْبَحَ دَلِيلاً فِي اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ، فِي حِينِ اعْتَبَرَهُ الْبَعْضُ الآْخَرُ بَعِيدًا، فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلاً.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ، وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالأَْكْل أَوِ الْجِمَاعِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
(1) حديث: " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " أخرجه مسلم (3 / 1274 - ط الحلبي) .
(2)
البدائع 3 / 20، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 377، ومغني المحتاج 4 / 475، والمغني 8 / 727.
وَالْمَالِكِيَّةِ، وَبِالْجِمَاعِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ رَأَى هِلَال رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ ظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَأَفْطَرَ بِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، أَمَّا ظَنُّ الإِْبَاحَةِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (1)، وَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ (2) - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، إِذْ رَدُّ الشَّهَادَةِ يُعْتَبَرُ تَأْوِيلاً قَرِيبًا فِي ظَنِّ الإِْبَاحَةِ. (3) وَمِثْل هَذِهِ الاِخْتِلَافَاتِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، بَل بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ كَثِيرَةٌ فِي الْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ. فَالْحَنَفِيَّةُ مَثَلاً لَا يُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِي مَال الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيُنْتَقَضُ عِنْدَهُمُ الْوُضُوءُ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، خِلَافًا لِبَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(1) سورة البقرة / 185.
(2)
حديث: " صوموا لرؤيته. . . " أخرجه البخاري (الفتح4 / 119 - ط السلفية) ومسلم (2 / 759 - ط الحلبي) .
(3)
البدائع 2 / 80، والاختيار 1 / 129، والشرح الصغير1 / 250، والدسوقي 1 / 532، والمجموع 6 / 235، وكشاف القناع 2 / 326.