الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَنْقَسِمُ اللَّفْظِيُّ قِسْمَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: مَا يُحَسُّ بِالْبَصَرِ، كَمَا سَبَقَ.
وَثَانِيهِمَا: مَا يُحَسُّ بِالسَّمْعِ، نَحْوُ حَدِيثٍ لِعَاصِمٍ الأَْحْوَل رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَقَال وَاصِلٌ الأَْحْدَبُ فَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ مِنْ تَصْحِيفِ السَّمْعِ، لَا مِنْ تَصْحِيفِ الْبَصَرِ، كَأَنَّهُ ذَهَبَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَبَهُ مِنْ حَيْثُ الْكِتَابَةُ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِيهِ السَّمْعُ مِمَّنْ رَوَاهُ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا التَّحْرِيفُ الْمَعْنَوِيُّ: فَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْمَعْنَى بِحَمْل اللَّفْظِ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، قَصْدًا أَوْ بِدُونِ قَصْدٍ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ، حَدَّثَ بِحَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى عَنَزَةٍ (1) . فَقَال: نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَرَفٌ، صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا. وَإِنَّمَا الْعَنَزَةُ هُنَا: حَرْبَةٌ نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَصَلَّى إِلَيْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ قَبِيلَةَ عَنَزَةَ. قَال ابْنُ الصَّلَاحِ: وَأَظْرَفُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَعْرَابِيًّا زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاةٌ. أَيْ صَحَّفَهَا إِلَى عَنْزَةٍ بِإِسْكَانِ النُّونِ (2) .
حُكْمُ التَّحْرِيفِ وَالتَّصْحِيفِ:
التَّحْرِيفُ إِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ الأَْحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ، أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الْكَلَامِ:
(1) حديث " صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى عنزة " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 463 - ط السلفية) .
(2)
مقدمة ابن الصلاح ص 284، وكشاف اصطلاحات الفنون ص 836، وشرح ألفية العراقي 2 / 296 - 298.
أ -
التَّحْرِيفُ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى:
5 -
ضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ كِتَابَهُ مِنَ التَّبْدِيل وَالتَّحْرِيفِ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَبَانِيهِ حَتَّى يَبْقَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا أُنْزِل، قَال تَعَالَى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) فَعَزَل الشَّيَاطِينَ عَنِ اسْتِمَاعِهِ، وَرَجَمَهُمْ عِنْدَ الْبَعْثَةِ بِالشُّهُبِ، وَجَعَل الْقُرْآنَ {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (2) وَلَمْ يَجْعَل اللَّهُ تَعَالَى لأَِحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُبَدِّل كَلَامَهُ أَوْ يُغَيِّرَ فِيهِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَال الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُل مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} (3) وَدَعَتِ الشَّرِيعَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ وَضَبْطِهِ، فَقَامَتِ الأُْمَّةُ الإِْسْلَامِيَّةُ بِذَلِكَ خَيْرَ قِيَامٍ، بِحَيْثُ أُمِنَ أَنْ يَتَبَدَّل مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ بَدَّل أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْهُ لَوَجَدَ الْعَشَرَاتِ بَل الْمِئَاتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كِبَارًا وَصِغَارًا مِمَّنْ يُبَيِّنُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيفَ، وَيَنْفُونَ ذَلِكَ التَّبْدِيل.
وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَا فَعَلَهُ أَهْل الْكِتَابِ، مِنْ تَحْرِيفٍ لِمَا لَدَيْهِمْ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بِالزِّيَادَةِ أَوِ الْحَذْفِ أَوِ التَّغْيِيرِ، فَقَال: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ
(1) سورة الحجر / 9.
(2)
سورة عبس / 13 - 16.
(3)
سورة يونس / 15.
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (1) وَقَال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2) وَقَال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (3) وَقَال: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} (4)
وَلأَِجْل الأَْمْنِ مِنْ أَيِّ تَحْرِيفٍ أَوْ تَغْيِيرٍ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْتَزَمَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الأُْمَّةِ رَسْمَ خَطِّ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ دُونَ تَغْيِيرٍ فِيهِ، مَهْمَا تَغَيَّرَ اصْطِلَاحُ الْكِتَابَةِ فِي الْعُصُورِ اللَاّحِقَةِ. قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَيْفَ اُتُّفِقَ، بَل عَلَى أَمْرٍ عِنْدَهُمْ قَدْ تَحَقَّقَ. وَقَال أَبُو الْبَقَاءِ فِي كِتَابِ اللُّبَابِ: ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ إِلَى كِتَابَةِ الْكَلِمَةِ عَلَى لَفْظِهَا، إِلَاّ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُمُ اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ مَا وَجَدُوهُ فِي الْمُصْحَفِ الإِْمَامِ. وَقَال أَشْهَبُ: سُئِل مَالِكٌ رحمه الله: هَل تَكْتُبُ الْمُصْحَفَ عَلَى مَا أَخَذَهُ النَّاسُ مِنَ الْهِجَاءِ؟ فَقَال: لَا، إِلَاّ عَلَى الْكَتْبَةِ
(1) سورة آل عمران / 78.
(2)
سورة البقرة / 75.
(3)
سورة المائدة / 13.
(4)
سورة المائدة / 41.
الأُْولَى. رَوَاهُ الدَّانِيُّ، ثُمَّ قَال: وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الأُْمَّةِ، وَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: تَحْرُمُ مُخَالَفَةُ خَطِّ مُصْحَفِ عُثْمَانَ " أَيْ رَسْمِهِ " فِي يَاءٍ أَوْ وَاوٍ أَوْ أَلِفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: اتِّبَاعُ حُرُوفِ الْمُصْحَفِ عِنْدَنَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ لأَِحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّاهَا (1) إِلَاّ أَنَّ لِلإِْمَامِ الشَّوْكَانِيِّ فِي ذَلِكَ رَأْيًا مُخَالِفًا بَيَّنَهُ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (2) مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: قَال: وَقَدْ كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ، وَهَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لَا يَلْزَمُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذِهِ النُّقُوشَ الْكِتَابِيَّةَ أُمُورٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَا يُشَاحُّ فِي مِثْلِهَا، إِلَاّ فِيمَا كَانَ يَدُل بِهِ عَلَى الْحَرْفِ الَّذِي كَانَ فِي أَصْل الْكَلِمَةِ وَنَحْوِهِ. قَال: وَعَلَى كُل حَالٍ فَرَسْمُ الْكَلِمَةِ وَحَمْل نَقْشِهَا الْكِتَابِيِّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ بِهَا هُوَ الأَْوْلَى (3)
أَمَّا التَّغْيِيرُ فِي الْقِرَاءَةِ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ رَسْمِ الْمُصْحَفِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّغْيِيرُ عَمَّا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَوِ
(1) البرهان في علوم القرآن 1 / 376 - 380، القاهرة، عيسى الحلبي، 1376 هـ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2 / 167، القاهرة، مصطفى الحلبي، 1354 هـ.
(2)
سورة البقرة / 275.
(3)
فتح القدير للشوكاني 1 / 265 القاهرة، مصطفى الحلبي، 1349 هـ.