الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الْوَاجِبِ الصِّنَاعِيِّ: كُل مَا كَانَ مِنْ مَسَائِل الْخِلَافِ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُخْتَارَةِ لِكُل قَارِئٍ مِنَ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ، حَيْثُ يَرَى بَعْضُهُمُ التَّفْخِيمَ وَيَرَى غَيْرُهُ التَّرْقِيقَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ، وَلَا يَتَّصِفُ بِالْفِسْقِ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ الْوَقْفُ عَلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ يَأْثَمُ، وَلَا يَحْرُمُ الْوَقْفُ عَلَى كَلِمَةٍ بِعَيْنِهَا إِلَاّ إِذَا كَانَتْ مُوهِمَةً وَقَصَدَهَا، فَإِنِ اعْتَقَدَ الْمَعْنَى الْمُوهِمَ لِلْكُفْرِ كَفَرَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - كَأَنْ وَقَفَ عَلَى قَوْله تَعَالَى:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ) دُونَ قَوْلِهِ: (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا)، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ:(وَمَا مِنْ إِلَهٍ) دُونَ (إِلَاّ اللَّهُ) .
أَمَّا قَوْل عُلَمَاءِ الْقِرَاءَةِ: الْوَقْفُ عَلَى هَذَا وَاجِبٌ، أَوْ لَازِمٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ لَا يَحِل، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ التَّحْرِيمِ فَلَا يُرَادُ مِنْهُ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، مِمَّا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ عَكْسُهُ، بَل الْمُرَادُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ لِمَعْنًى يُسْتَفَادُ مِنَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، أَوْ لِئَلَاّ يُتَوَهَّمَ مِنَ الْوَصْل تَغْيِيرُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، أَوْ لَا يَنْبَغِي الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلَا الاِبْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَعْنَى أَوْ رَدَاءَةِ التَّلَفُّظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُمْ: لَا يُوقَفُ عَلَى كَذَا، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ صِنَاعَةً، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ
الْوَقْفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، بَل خِلَافُ الأَْوْلَى، إِلَاّ إِنْ تَعَمَّدَ قَاصِدًا الْمَعْنَى الْمُوهِمَ. (1)
ثُمَّ تَطَرَّقَ ابْنُ غَازِيٍّ إِلَى حُكْمِ تَعَلُّمِ التَّجْوِيدِ بِالنِّسْبَةِ لِمُرِيدِ الْقِرَاءَةِ، فَقَرَّرَ عَدَمَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْقِرَاءَةَ عَلَى شَيْخٍ مُتْقِنٍ، وَلَمْ يَتَطَرَّقِ اللَّحْنُ إِلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ عِلْمِيَّةٍ بِمَسَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ عَلَى الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ اللَّحْنُ إِلَيْهِ، بِأَنْ كَانَ طَبْعُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّجْوِيدِ، فَإِنَّ تَعَلُّمَ هَذَيْنِ لِلأَْحْكَامِ أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ. أَمَّا مَنْ أَخَل بِشَيْءٍ مِنَ الأَْحْكَامِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا فَصِيحًا، فَلَا بُدَّ فِي حَقِّهِ مِنْ تَعَلُّمِ الأَْحْكَامِ وَالأَْخْذِ بِمُقْتَضَاهَا مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ. (2)
قَال الإِْمَامُ الْجَزَرِيُّ فِي النَّشْرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الأُْمَّةَ كَمَا هُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِفَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ، كَذَلِكَ هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِتَصْحِيحِ أَلْفَاظِهِ وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (3)
مَا يَتَنَاوَلُهُ التَّجْوِيدُ مِنْ أُمُورٍ:
5 -
التَّجْوِيدُ عِلْمٌ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الْعُلُومِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقُرْآنِ بِأَنَّهُ
(1) نهاية القول المفيد نقلا عن ابن غازي ص 26.
(2)
نهاية القول المفيد ص 26.
(3)
النشر للجزري 1 / 210، والإتقان للسيوطي 1 / 100.