الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقَال: تَحَصَّنَ الْعَدُوُّ: إِذَا دَخَل الْحِصْنَ وَاحْتَمَى بِهِ، (1) فَالتَّحَصُّنُ نَوْعٌ مِنَ التَّسَتُّرِ وَالتَّوَقِّي أَثْنَاءَ الْحَرْبِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
3 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ رَمْيُ الْكُفَّارِ إِذَا تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَأَسَارَاهُمْ أَثْنَاءَ الْقِتَال أَوْ حِصَارِهِمْ مِنْ قِبَل الْمُسْلِمِينَ، إِذَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ فِي الْكَفِّ عَنْ قِتَالِهِمُ انْهِزَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْخَوْفُ عَلَى اسْتِئْصَال قَاعِدَةِ الإِْسْلَامِ. وَيُقْصَدُ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارُ.
وَلَكِنْ إِذَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إِلَى رَمْيِهِمْ لِكَوْنِ الْحَرْبِ غَيْرَ قَائِمَةٍ، أَوْ لإِِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ، فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مَا عَدَا الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ - لأَِنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالدَّفْعِ عَنْ مُجْتَمَعِ الإِْسْلَامِ، إِلَاّ أَنَّهُ عَلَى الرَّامِي أَلَاّ يَقْصِدَ بِالرَّمْيِ إِلَاّ الْكُفَّارَ. (2)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ، وَلَا
(1) لسان العرب، وتاج العروس، ومعجم متن اللغة: مادة: " حصن ".
(2)
فتح القدير 5 / 198 ط إحياء التراث العربي، وابن عابدين 3 / 333 ط إحياء التراث العربي، والحطاب 3 / 351 ط دار الفكر، وحاشية الدسوقي 2 / 178 ط دار الفكر، ونهاية المحتاج 8 / 65، والأم 4 / 287 ط دار المعرفة، والمغني 8 / 449 - 450 ط مكتبة الرياض الحديثة.
يَقْصِدُونَ الْمُتَتَرَّسَ بِهِمْ، إِلَاّ إِذَا كَانَ فِي عَدَمِ رَمْيِ الْمُتَتَرَّسِ بِهِمْ خَوْفٌ عَلَى أَكْثَرِ الْجَيْشِ الْمُقَاتِلِينَ لِلْكُفَّارِ، فَتَسْقُطُ حُرْمَةُ التُّرْسِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَتَرَّسِ بِهِمْ أَكْثَرَ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ أَمْ أَقَل، وَكَذَلِكَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِالصَّفِّ، وَكَانَ فِي تَرْكِ قِتَالِهِمُ انْهِزَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ. (1)
وَعَلَى هَذَا فَإِنْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَتِيجَةَ الرَّمْيِ وَقُتِل، وَعُلِمَ الْقَاتِل، فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ، وَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِالْفَرَائِضِ، خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَإِنَّهُ يَقُول بِوُجُوبِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ قَوْلاً وَاحِدًا. أَمَّا الدِّيَةُ فَفِيهَا عَنْهُمْ قَوْلَانِ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ عَلِمَهُ الرَّامِي مُسْلِمًا، وَكَانَ يُمْكِنُ تَوَقِّيهِ وَالرَّمْيُ إِلَى غَيْرِهِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ رَمْيُ الْكُفَّارِ إِلَاّ بِرَمْيِ الْمُسْلِمِ فَلَا. (2)
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي رِوَايَةٍ لأَِنَّهُ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَا دِيَةَ
(1) الحطاب 3 / 351 ط دار الفكر، وحاشية الدسوقي 2 / 178 ط دار الفكر.
(2)
فتح القدير 5 / 198، والمبسوط 10 / 31 - 65، وشرح الروض 4 / 191، وروضة الطالبين 10 / 246، وقد جعل صاحب نهاية المحتاج القيدين الواردين في الدية واردين في الكفارة أيضا، ونهاية المحتاج 8 / 43، والمغني 8 / 449 - 450.