الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا السَّكْرَانُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ، كَمَا إِذَا سَكِرَ مُضْطَرًّا، أَوْ مُكْرَهًا أَوْ بِقَصْدِ الْعِلَاجِ الضَّرُورِيِّ إِذَا تَعَيَّنَ بِقَوْل طَبِيبٍ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ بِالاِتِّفَاقِ، لِفِقْدَانِ الْعَقْل لَدَيْهِ كَالْمَجْنُونِ دُونَ تَعَدٍّ، هَذَا إِذَا غَابَ عَقْلُهُ أَوِ اخْتَلَّتْ تَصَرُّفَاتُهُ، وَإِلَاّ وَقَعَ طَلَاقُهُ.
وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ، كَأَنْ شَرِبَ الْخَمْرَةَ طَائِعًا بِدُونِ حَاجَةٍ، وَقَعَ طَلَاقُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ رَغْمَ غِيَابِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ، وَذَلِكَ عِقَابًا لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ: الأُْولَى: بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ كَالْجُمْهُورِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَاّل وَالْقَاضِي. وَالثَّانِيَةُ: بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمِ، وَطَاوُسٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدِ اسْتُدِل لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ
الصَّحَابَةَ جَعَلُوا السَّكْرَانَ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ.
كَمَا اسْتُدِل لِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ بِأَنَّهُ فَاقِدُ الْعَقْل كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، وَبِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَال الْعَقْل بِمَعْصِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، بِدَلِيل أَنَّ مَنْ كُسِرَ سَاقَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَأَنَّ امْرَأَةً لَوْ ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا فَنَفِسَتْ، سَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ (1) .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ - الْقَصْدُ وَالاِخْتِيَارُ:
19 -
الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَصْدُ اللَّفْظِ الْمُوجِبِ لِلطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إِجْبَارٍ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِ الْهَازِل، وَهُوَ: مَنْ قَصَدَ اللَّفْظَ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ مَا يَدُل عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ (2) وَلأَِنَّ الطَّلَاقَ ذُو خَطَرٍ كَبِيرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَحَلَّهُ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ إِنْسَانٌ، وَالإِْنْسَانُ أَكْرَمُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ
(1) رد المحتار 3 / 239 - 240، حاشية الدسوقي 2 / 365، مغني المحتاج 3 / 279، المغني 7 / 114 - 115 ط. دار المنار.
(2)
حديث: " ثلاث جدهن جد. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 481) من حديث أبي هريرة، ونقل الزيلعي في نصب الراية (3 / 292) عن ابن القطان تعليله بجهالة أحد رواته.