الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، إِلَى أَنَّهَا سَنَةٌ فَأَكْثَرُ، وَفِي قَوْلٍ لِلْغِرْيَانِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ لَيْسَتْ بِطُولٍ، بَل لَا بُدَّ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ مِنْهُمْ عَلَى الاِجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ.
ب - أَنْ تَخْشَى الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْسِهَا الضَّرَرَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْغَيْبَةِ، وَالضَّرَرُ هُنَا هُوَ خَشْيَةُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَلَيْسَ اشْتِهَاءُ الْجِمَاعِ فَقَطْ، وَالْحَنَابِلَةُ وَإِنْ أَطْلَقُوا الضَّرَرَ هُنَا إِلَاّ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ خَشْيَةَ الزِّنَى كَالْمَالِكِيَّةِ.
إِلَاّ أَنَّ هَذَا الضَّرَرَ يَثْبُتُ بِقَوْل الزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، لأَِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَاّ مِنْهَا، إِلَاّ أَنْ يُكَذِّبَهَا ظَاهِرُ الْحَال.
ج - أَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ لِعُذْرٍ كَالْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِهَذَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ عِنْدَهُمْ إِذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ عَلَى سَوَاءٍ.
د - أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي إِلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا أَوْ نَقْلِهَا إِلَيْهِ أَوْ تَطْلِيقِهَا وَيُمْهِلَهُ مُدَّةً مُنَاسِبَةً، إِذَا كَانَ لَهُ عِنْوَانٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهَا، أَوْ نَقَلَهَا إِلَيْهِ أَوْ طَلَّقَهَا فَبِهَا، وَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا لِغِيَابِهِ لَمْ يُفَرِّقْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ دُونَ
الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ لَمْ يَرُدَّ بِشَيْءٍ وَقَدِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْوَانٌ مَعْرُوفٌ، أَوْ كَانَ عِنْوَانُهُ لَا تَصِل الرَّسَائِل إِلَيْهِ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِطَلَبِهَا.
نَوْعُ الْفُرْقَةِ لِلْغَيْبَةِ، وَطَرِيقُ وُقُوعِهَا:
89 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْرِيقِ لِلْغَيْبَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي لأَِنَّهَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَلَا تُنَفَّذُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لِلْغَيْبَةِ فَسْخٌ، وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا طَلَاقٌ، وَهَل هِيَ طَلَاقٌ بَائِنٌ؟ لَمْ نَرَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ صَرَّحَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، إِلَاّ أَنَّ إِطْلَاقَاتِهِمْ تُفِيدُ أَنَّهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ، فَقَدْ جَاءَ فِي رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ قَوْلُهُ: إِنَّ كُل طَلَاقٍ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ طَلَاقٌ بَائِنٌ إِلَاّ طَلَاقَ الْمُولِي وَطَلَاقَ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ طَلَاقٌ لِلضَّرَرِ - وَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ - إِلَاّ أَنَّ الدُّسُوقِيَّ أَوْرَدَ الْفُرْقَةَ لِلْغَيْبَةِ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ عَنِ الْفُرْقَةِ لِلإِْيلَاءِ، وَهِيَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، فَاحْتَمَل أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، إِلَاّ أَنَّ الاِحْتِمَال الأَْوَّل هُوَ الأَْرْجَحُ.
2 - التَّفْرِيقُ لِلْفَقْدِ:
90 -
إِذَا غَابَ الزَّوْجُ عَنْ زَوْجَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً خَفِيَتْ فِيهَا أَخْبَارُهُ، وَجُهِلَتْ فِيهَا
حَيَاتُهُ، فَهَل لِزَوْجَتِهِ حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِ؟
الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي الْغَائِبِ، ذَلِكَ أَنَّ الْمَفْقُودَ غَائِبٌ وَزِيَادَةٌ، فَيَكُونُ لِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ مَا لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ مِنْ أَمْرِ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِ.
فَإِذَا لَمْ تَطْلُبْ زَوْجَتُهُ الْمُفَارَقَةَ، فَهَل تَكُونُ عَلَى زَوْجِيَّتِهِ عُمْرَهَا كُلَّهُ؟
فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ أَحْوَالٌ وَشُرُوطٌ، اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ عَلَى أَقْوَالٍ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي: -
أ - إِذَا كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَةِ الزَّوْجِ السَّلَامَةَ، كَمَا إِذَا غَابَ فِي تِجَارَةٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ. . وَلَمْ يَعُدْ، وَخَفِيَتْ أَخْبَارُهُ وَانْقَطَعَتْ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ حَيٌّ فِي الْحُكْمِ، وَلَا تَنْحَل زَوْجِيَّتُهُ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تَتَرَبَّصُ فِي هَذِهِ الْحَال أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ غَيْبَتِهِ، ثُمَّ يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ، فَتَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَتَحِل بَعْدَهَا لِلأَْزْوَاجِ.
ب - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلَاكَ، كَمَنْ فُقِدَ بَيْنَ أَهْلِهِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، أَوْ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ فُقِدَ فِي سَاحَةِ
الْقِتَال. . . فَقَدْ ذَهَبَ أَحْمَدُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ زَوْجَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ فَتَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، ثُمَّ تَحِل لِلأَْزْوَاجِ، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَغَيْرِهِمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، إِلَى أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِمَوْتِ الأَْقْرَانِ، مَهْمَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ، كَمَنْ غَابَ وَظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةُ عَلَى سَوَاءٍ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَقْسِيمٌ خَاصٌّ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، هُوَ: أَنَّ الْمَفْقُودَ إِمَّا أَنْ يُفْقَدَ فِي حَالَةِ حَرْبٍ أَوْ حَالَةِ سِلْمٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَقْدُهُ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، أَوْ دَارِ الشِّرْكِ، وَقَدْ يُفْقَدُ فِي قِتَالٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ طَائِفَةٍ مُسْلِمَةٍ وَأُخْرَى كَافِرَةٍ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ حُكْمٌ خَاصٌّ بِهَا عِنْدَهُمْ بِحَسَبِ مَا يَلِي:
أ - فَإِذَا فُقِدَ فِي حَالَةِ السِّلْمِ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تُؤَجَّل أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، ثُمَّ تَحِل لِلأَْزْوَاجِ، هَذَا إِنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ، وَإِلَاّ طَلَّقَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ.
ب - وَإِذَا فُقِدَ فِي دَارِ الشِّرْكِ، كَالأَْسِيرِ لَا يُعْلَمُ لَهُ خَبَرٌ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَبْقَى مُدَّةَ التَّعْمِيرِ أَيْ مَوْتِ أَقْرَانِهِ، حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ