الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْوَاعُ الطَّلَاقِ:
33 -
لِلطَّلَاقِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ النَّظَرِ إِلَيْهِ. - فَهُوَ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ عَلَى نَوْعَيْنِ: صَرِيحٌ وَكِنَائِيٌّ - وَمِنْ حَيْثُ الأَْثَرُ النَّاتِجُ عَنْهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: رَجْعِيٌّ وَبَائِنٌ، وَالْبَائِنُ عَلَى نَوْعَيْنِ: بَائِنٌ بَيْنُونَةٌ صُغْرَى، وَبَائِنٌ بَيْنُونَةٌ كُبْرَى - وَمِنْ حَيْثُ صِفَتُهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ - وَمِنْ حَيْثُ وَقْتُ وُقُوعِ الأَْثَرِ النَّاتِجِ عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: مُنَجَّزٌ، وَمُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَمُضَافٌ إِلَى الْمُسْتَقْبَل. وَتَفْصِيل ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
أَوَّلاً: الصَّرِيحُ وَالْكِنَائِيُّ:
34 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ (1)، عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ: مَا لَمْ يُسْتَعْمَل إِلَاّ فِيهِ غَالِبًا، لُغَةً أَوْ عُرْفًا، وَعُرِّفَ كَذَلِكَ بِأَنَّهُ: مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ التَّعْرِيفَيْنِ تَنَافٍ، بَل تَكَامُلٌ، فَالأَْوَّل تَعْرِيفُهُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَل فِيهِ، وَالثَّانِي بِحَسَبِ الأَْثَرِ النَّاتِجِ عَنْهُ.
(1) ابن عابدين 3 / 247 - 296، والدسوقي 2 / 378، ومغني المحتاج 3 / 280، والمغني 7 / 318 - 319.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكِنَائِيَّ فِي الطَّلَاقِ هُوَ: مَا لَمْ يُوضَعِ اللَّفْظُ لَهُ، وَاحْتَمَلَهُ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ أَصْلاً لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً، وَكَانَ لَغْوًا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ (1) . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ بِالنِّيَّةِ الْمُنَاقَضَةِ قَضَاءً فَقَطْ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ، وَقَال: لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَال: نَوَيْتُ غَيْرَ الطَّلَاقِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَصُدِّقَ دِيَانَةً، هَذَا مَا لَمْ يَحُفَّ بِاللَّفْظِ مِنْ قَرَائِنِ الْحَال مَا يَدُل عَلَى صِدْقِ نِيَّتِهِ فِي إِرَادَةِ غَيْرِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُل عَلَى عَدَمِ قَصْدِهِ الطَّلَاقَ صُدِّقَ قَضَاءً أَيْضًا، وَلَمْ يَقَعْ بِهِ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ صَرِيحًا غَيْرَ نَاوٍ بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِقَرِينَةِ الإِْكْرَاهِ (2) . وَهَذَا لَدَى الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنَ الْمُكْرَهِ كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا الْكِنَائِيُّ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إِلَاّ مَعَ النِّيَّةِ، ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِل الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، فَلَا يُصْرَفُ إِلَى الطَّلَاقِ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِالنِّيَّةِ فَلأَِنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ، فَيُصْرَفُ إِلَيْهِ بِهَا. وَقَدْ أَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةَ
(1) المغني 7 / 329.
(2)
الدسوقي 2 / 379.
بِالصَّرِيحِ، فَأَوْقَعُوا الطَّلَاقَ بِهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهِيَ الْكِنَايَاتُ الَّتِي تُسْتَعْمَل فِي الطَّلَاقِ كَثِيرًا وَإِنْ لَمْ تُوضَعْ لَهُ فِي الأَْصْل، وَهِيَ لَفْظُ: الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ. وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ هُنَا فِي قَوْل الْقَاضِي، إِلَاّ أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا.
35 -
وَهَل يَحِل مَحَل النِّيَّةِ قَرَائِنُ الْحَال فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؟ . ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ قَرَائِنَ الْحَال كَالنِّيَّةِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظِ الْكِنَائِيِّ، كَمَا لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ فِي حَالَةِ غَضَبٍ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَإِنَّهُ طَلَاقٌ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي حَالَةِ مُسَاءَلَةِ الطَّلَاقِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَدَمِ الاِعْتِدَادِ بِقَرَائِنِ الْحَال هُنَا، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ الْكِنَائِيِّ عِنْدَهُمْ إِلَاّ إِذَا نَوَاهُ مُطْلَقًا. وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الأَْلْفَاظَ الصَّرِيحَةَ فِي الطَّلَاقِ هِيَ مَادَّةُ (طَلَّقَ) وَمَا اشْتُقَّ مِنْهَا لُغَةً وَعُرْفًا، مِثْل: طَلَّقْتُكِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمُطَلَّقَةٌ.
فَلَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ كَانَ كِنَايَةً، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الإِْشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَنْزَلُوا
الْكِنَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ مَنْزِلَةَ الصَّرِيحِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنَ الصَّرِيحِ (1) . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الصَّرِيحَ أَلْفَاظٌ ثَلَاثَةٌ هِيَ: الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ، وَمَا اشْتُقَّ مِنْهَا لُغَةً وَعُرْفًا، مِثْل: طَلَّقْتُكِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمُطَلَّقَةٌ، فَلَوْ قَال: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ كَانَ كِنَايَةً، لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ فِي الطَّلَاقِ. وَأَمَّا الْكِنَائِيُّ فَمَا وَرَاءَ الصَّرِيحِ مِنَ الأَْلْفَاظِ مِمَّا يَحْتَمِل الطَّلَاقَ كَلَفْظِ: اعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ، وَالْحَقِي بِأَهْلِك، وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِغَيْرِ تَشْدِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (2) . وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظِ الْمُصَحَّفِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ اللَّفْظُ صَرِيحًا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، كَلَفْظِ: طَلَاغ، وَتَلَاغٍ، وَطَلَاكٍ، وَتَلَاكٍ. . . بِلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُطَلِّقُ عَالِمًا أَوْ جَاهِلاً، إِلَاّ أَنْ يَقُول الْمُطَلِّقُ: تَعَمَّدْتُ التَّصْحِيفَ هَذَا لِلتَّخْوِيفِ بِهِ، وَيَحُفُّ بِهِ مِنْ قَرَائِنِ الْحَال مَا يُصَدِّقُهُ، كَالإِْشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ قَبْل
(1) ابن عابدين 3 / 247 - 248، والدسوقي 2 / 378، المغني 7 / 322، 326، ومغني المحتاج 3 / 280.
(2)
مغني المحتاج 3 / 280، والمغني 7 / 318 - 321، ونيل المآرب 2 / 237.