الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ كَانَ الرَّجُل قَدْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى: أَلَاّ يُظَاهِرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَقَال لَهَا هَذِهِ الْعِبَارَةَ السَّابِقَةَ حُكِمَ بِحِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ الْمُضَافَةِ، وَلَكِنْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مُعَاشَرَةُ زَوْجَتِهِ إِلَاّ عِنْدَ حُلُول الزَّمَنِ الَّذِي أَضَافَ الظِّهَارَ إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (1) .
وَوَجْهُهُ: أَنَّ الظِّهَارَ مِثْل الطَّلَاقِ فِي تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا وَمُعَلَّقًا، فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الظِّهَارَ إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، أَوْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حُصُول أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَكَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مُحَقَّقَ الْحُصُول أَوْ غَالِبُ الْحُصُول فِي الْمُسْتَقْبَل، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُنَجَّزًا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ فِي الْحَال، فَإِذَا قَال الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ، كَانَ مُظَاهِرًا فِي الْحَال، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ، لأَِنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ كِلَاهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ أَوِ الْمُعَلَّقُ عَلَى أَمْرٍ مُحَقَّقِ الْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَل، أَوْ غَالِبِ الْوُقُوعِ فِيهِ،
(1) البدائع 3 / 232، المغني لابن قدامة 7 / 350، ومغني المحتاج 3 / 354، وروضة الطالبين 8 / 265.
يَكُونُ مُنَجَّزًا، فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ (1) .
الشَّرْطُ الْخَامِسُ:
16 -
أَنْ يَكُونَ الْمُظَاهِرُ قَاصِدًا الظِّهَارَ. وَيَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ النُّطْقَ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الظِّهَارِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِذَا كَانَ مَعَ هَذِهِ الإِْرَادَةِ رَغْبَةٌ فِي الظِّهَارِ كَانَ الظِّهَارُ صَادِرًا عَنْ رِضًا صَحِيحٍ، وَإِنْ وُجِدَتِ الإِْرَادَةُ وَحْدَهَا، وَانْتَفَتِ الرَّغْبَةُ فِي الظِّهَارِ لَمْ يَتَحَقَّقِ الرِّضَا، وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُكْرَهًا عَلَى الظِّهَارِ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْل أَوِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوِ الْحَبْسِ الْمَدِيدِ، فَيَصْدُرُ الظِّهَارُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ مَا هُدِّدَ بِهِ لَوِ امْتَنَعَ، فَإِنَّ صُدُورَ الصِّيغَةِ مِنَ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَنْ رِضًا صَحِيحٍ.
وَالظِّهَارُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - حَالَةِ الإِْكْرَاهِ - يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ، لأَِنَّ الظِّهَارَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مَعَ الإِْكْرَاهِ كَالطَّلَاقِ (2) ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقِيَاسِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِل، لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَصْدُرُ عَنْهُ صِيغَةُ التَّصَرُّفِ عَنْ قَصْدٍ
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 440 وشرح الخرشي مع حاشية العدوي 3 / 243.
(2)
البدائع 3 / 231.
وَاخْتِيَارٍ، لَكِنَّهُ لَا يُرِيدُ الْحُكْمَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
وَظِهَارُ الْهَازِل مُعْتَبَرٌ كَطَلَاقِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ (1) فَيَكُونُ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ مُعْتَبَرًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْهَازِل.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: (2) لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (3) .
17 -
وَإِذَا صَدَرَتْ صِيغَةُ الظِّهَارِ مِنَ الزَّوْجِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ مُوجِبَهَا، بَل أَرَادَ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ - وَهَذَا هُوَ الْهَازِل - فَإِنَّ الظِّهَارَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (4) .
(1) منتقى الأخبار مع نيل الأوطار 6 / 249. وحديث: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. . ". أخرجه أبو داود (2 / 643 - 644) والترمذي (3 / 481) من حديث أبي هريرة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(2)
شرح الخرشي 4 / 102، الدسوقي 2 / 439، ومغني المحتاج 3 / 352، والمغني لابن قدامة 7 / 339.
(3)
حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". أخرجه ابن ماجه (1 / 659) والحاكم (2 / 198) من حديث ابن عباس وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(4)
البدائع 3 / 231، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 366، ومغني المحتاج 3 / 288، والمغني لابن قدامة 6 / 535.
وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ (1) وَالظِّهَارُ كَالطَّلَاقِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَلأَِنَّ الْهَازِل يَصْدُرُ عَنْهُ السَّبَبُ - وَهُوَ الصِّيغَةُ - وَهُوَ قَاصِدٌ مُخْتَارٌ، إِلَاّ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْحُكْمَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الأَْحْكَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا مَوْكُولٌ إِلَى الشَّارِعِ لَا إِلَى الْعَاقِدِ.
18 -
وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الظِّهَارِ، فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الظِّهَارُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَصْلاً - وَهَذَا هُوَ الْمُخْطِئُ - فَلَا يُعْتَبَرُ ظِهَارًا دِيَانَةً، وَيُعْتَبَرُ ظِهَارًا قَضَاءً، وَمَعْنَى اعْتِبَارِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الدِّيَانَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالظِّهَارِ إِلَاّ الزَّوْجُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي مُعَاشَرَةِ زَوْجَتِهِ بِدُونِ حَرَجٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا سَأَل فَقِيهًا عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِأَلَاّ شَيْءَ عَلَيْهِ، مَتَى عَلِمَ صِدْقَهُ فِيمَا يَقُول، فَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ، وَرُفِعَ الأَْمْرُ إِلَى الْقَاضِي حَكَمَ بِتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُل حَتَّى يُكَفِّرَ، لأَِنَّ الْقَاضِيَ يَبْنِي أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، وَلَوْ قَبِل فِي الْقَضَاءِ دَعْوَى أَنَّ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ شَيْءٌ آخَرُ لَانْفَتَحَ الْبَابُ أَمَامَ
(1) حديث: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. . ". تقدم تخريجه فـ 16.