الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَاّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ قَوْلُهُ: وَإِذَا قَال لَهَا: أَنْتِ بَرِيَّةٌ، أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَهُوَ عِنْدِي ثَلَاثٌ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أُفْتِيَ بِهِ، سَوَاءٌ دَخَل بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُل (1) . أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَيُوقِعُونَ بِذَلِكَ ثَلَاثًا إِنْ نَوَاهَا، لاِحْتِمَال اللَّفْظِ لَهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ بِهِ ثَلَاثٌ.
وَالْمَالِكِيَّةُ مَعَ الْجُمْهُورِ فِي كُل مَا تَقَدَّمَ، إِلَاّ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الأَْخِيرَةِ يَقُولُونَ: يَقَعُ ثَلَاثٌ مُطْلَقًا، إِلَاّ فِي الْخُلْعِ أَوْ قَبْل الدُّخُول، فَيَكُونُ وَاحِدَةً (2) . فَإِذَا قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، وَبَطَلَتِ النِّيَّةُ، لِعَدَمِ احْتِمَال اللَّفْظِ لَهَا، فَإِنْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى بِهِ وَاحِدَةً، وَقَعَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لِصَرَاحَةِ اللَّفْظِ، فَلَا تَعْمَل النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ.
فَإِنْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا، وَقَعَ بِهِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (3) .
(1) المغني 7 / 324.
(2)
المغني 7 / 325، والدسوقي 2 / 364.
(3)
الدسوقي 2 / 364، ومغني المحتاج 3 / 326، والمغني 7 / 420 - 421.
ثَالِثًا - السُّنِّيُّ وَالْبِدْعِيُّ:
40 -
قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ الشَّرْعِيُّ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ يُرِيدُونَ بِالسُّنِّيِّ: مَا وَافَقَ السُّنَّةَ فِي طَرِيقَةِ إِيقَاعِهِ، وَالْبِدْعِيُّ: مَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَعْنُونَ بِالسُّنِّيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ الْمُنَفِّرَةِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ أَحْوَال كُلٍّ مِنَ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ، وَاتَّفَقُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، كَمَا يَلِي: قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الطَّلَاقَ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَقَسَّمُوا السُّنِّيَّ إِلَى قِسْمَيْنِ: حَسَنٌ وَأَحْسَنُ فَالأَْحْسَنُ عِنْدَهُمْ: أَنْ يُوقِعَ الْمُطَلِّقُ عَلَى زَوْجَتِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، وَلَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَطَأْهَا غَيْرُهُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ أَيْضًا، فَإِنْ زَنَتْ فِي حَيْضِهَا ثُمَّ طَهُرَتْ، فَطَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ بِدْعِيًّا. وَأَمَّا الْحَسَنُ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا طَلْقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فِي طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ دُونَ وَطْءٍ، هَذَا إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْل الْحَيْضِ، وَإِلَاّ طَلَّقَهَا ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، كَمَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ.
وَهَذَا فِي الْمَدْخُول أَوِ الْمُخْتَلَى بِهَا، أَمَّا غَيْرُ
الْمَدْخُول أَوِ الْمُخْتَلَى بِهَا، فَالْحَسَنُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فَقَطْ، وَلَا يُهِمُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّ أَنَّ طَلَاقَهَا يَكُونُ بَائِنًا؛ لأَِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَاّ كَذَلِكَ.
وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَبِدْعِيٌّ عِنْدَهُمْ، كَأَنْ يُطَلِّقَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ، أَوْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، أَوْ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِي الْحَيْضِ قَبْلَهُ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ، كَانَ الثَّانِي بِدْعِيًّا أَيْضًا؛ لأَِنَّهُمَا بِمَثَابَةِ طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ حَيْضَهَا الثَّانِيَ، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهُ طَلَّقَهَا إِنْ شَاءَ، وَيَكُونُ سُنِّيًّا عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ ارْتَجَعَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ كَانَ بِدْعِيًّا فِي الأَْرْجَحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَال الْقُدُورِيُّ: يَكُونُ سُنِّيًّا.
وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً، أَوْ صَغِيرَةً دُونَ سِنِّ الْحَيْضِ، أَوْ آيِسَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا، سَوَاءٌ مَسَّهَا أَمْ لَمْ يَمَسَّهَا؛ لأَِنَّهَا فِي طُهْرٍ مُسْتَمِرٍّ، وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ زَادَ كَانَ بِدْعِيًّا.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْبِدْعِيِّ عَامَّةً: الْخُلْعَ، وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَالتَّفْرِيقَ لِلْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا وَلَوْ كَانَ فِي الْحَيْضِ، لِمَا
فِيهِ مِنَ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ تَخْيِيرُهَا فِي الْحَيْضِ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا فِي الْحَيْضِ، سَوَاءٌ أَخَيَّرَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْ قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ الْمَحْضِ (1) . وَقَسَّمَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ الشَّرْعِيُّ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لِلسُّنِّيِّ تَقْسِيمًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ قِسْمٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، إِلَاّ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ قَسَّمُوا الطَّلَاقَ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَمَا لَيْسَ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ، وَاَلَّذِي لَيْسَ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا هُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْبِدْعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَالسُّنِّيُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ مَا يَشْمَل الْحَسَنَ وَالأَْحْسَنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَعًا. وَالْبِدْعِيُّ عِنْدَهُمْ: مَا يُقَابِل الْبِدْعِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَاّ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي أُمُورٍ، أَهَمُّهَا: أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثِ حَيْضَاتٍ سُنِّيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ بِدْعِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ سُنِّيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (2) .
(1) الدر المختار وابن عابدين عليه 3 / 230 - 234.
(2)
المغني 7 / 301، ومغني المحتاج 3 / 311 - 312، والدسوقي 2 / 361 وما بعدها.