الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُحْتَالِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ النُّطْقَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الظِّهَارِ، ثُمَّ يَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ سَبْقَ لِسَانٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ (1) .
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ - إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَقْصِدِ النُّطْقَ بِصِيغَةِ الظِّهَارِ، بَل قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَزَل لِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الظِّهَارِ لَا يَكُونُ ظِهَارًا فِي الْقَضَاءِ، كَمَا لَا يَكُونُ ظِهَارًا فِي الدِّيَانَةِ وَالْفَتْوَى (2) .
وَيَتَّضِحُ مِمَّا تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الإِْكْرَاهِ وَالْهَزْل وَالْخَطَأِ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي الإِْكْرَاهِ تَكُونُ الْعِبَارَةُ صَادِرَةً عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَلَكِنَّهُ اخْتِيَارٌ غَيْرُ سَلِيمٍ لِوُجُودِ الإِْكْرَاهِ، وَهُوَ يُؤَثِّرُ فِي الإِْرَادَةِ وَيَجْعَلُهَا لَا تَخْتَارُ مَا تَرْغَبُ فِيهِ وَتَرْتَاحُ إِلَيْهِ، بَل تَخْتَارُ مَا يَدْفَعُ الأَْذَى وَالضَّرَرَ.
وَفِي الْهَزْل تَكُونُ الْعِبَارَةُ مَقْصُودَةً، لأَِنَّهَا تَصْدُرُ بِرِضَا الزَّوْجِ وَاخْتِيَارِهِ، وَلَكِنَّ حُكْمَهَا لَا يَكُونُ مَقْصُودًا؛ لأَِنَّ الزَّوْجَ لَا يُرِيدُ هَذَا الْحُكْمَ، بَل يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ هُوَ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ.
وَفِي الْخَطَأِ لَا تَكُونُ الْعِبَارَةُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا
(1) الفتاوى الهندية 1 / 330، / 457، والدر وحاشية ابن عابدين 2 / 656 - 657.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 366، وشرح الخرشي 3 / 172، 173، ومغني المحتاج 3 / 287.
الزَّوْجُ مَقْصُودَةً أَصْلاً، بَل الْمَقْصُودُ عِبَارَةٌ أُخْرَى وَصَدَرَتْ هَذِهِ بَدَلاً عَنْهَا.
الشَّرْطُ السَّادِسُ
19 -
قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. قِيَامُ الزَّوَاجِ حَقِيقَةً يَتَحَقَّقُ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ وَعَدَمِ حُصُول الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الدُّخُول، فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً زَوَاجًا صَحِيحًا، ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا كَانَ الظِّهَارُ صَحِيحًا، دَخَل بِهَا قَبْل الظِّهَارِ أَوْ لَمْ يَدْخُل، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الدُّخُول: قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (1) فَإِنَّهُ يَدُل دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الظِّهَارِ: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا مِنْ نِسَاءِ الرَّجُل، وَالْمَرْأَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُل بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، دَخَل بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل.
وَقِيَامُ الزَّوَاجِ حُكْمًا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا كَانَ الزَّوَاجُ بَعْدَهُ قَائِمًا طِوَال مُدَّةِ الْعِدَّةِ؛ لأَِنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيل رَابِطَةَ الزَّوْجِيَّةِ إِلَاّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَالْمُطَلَّقَةُ
(1) سورة المجادلة / 3.
طَلَاقًا رَجْعِيًّا تَكُونُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ، كَمَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَال الرَّجُل لاِمْرَأَةٍ لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ وَلَا مُعْتَدَّةً لَهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ ظِهَارًا، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَل لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَذَا هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (1) . وَوَجْهُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الظِّهَارَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُل، وَالأَْجْنَبِيَّةُ أَوِ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ رَجْعِيٍّ لَا تُعْتَبَرُ مِنْ نِسَائِهِ، فَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ مِنْهَا صَحِيحًا.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَال الرَّجُل لاِمْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ ظِهَارًا، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا لَا يَحِل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْكَفَّارَةِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ تَنْتَهِي بِالْكَفَّارَةِ، فَصَحَّ انْعِقَادُهُ قَبْل النِّكَاحِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى (2) .
20 -
وَإِذَا عَلَّقَ الظِّهَارَ مِنَ الأَْجْنَبِيَّةِ عَلَى الزَّوَاجِ بِهَا، مِثْل أَنْ يَقُول رَجُلٌ لاِمْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ تَزَوَّجْتُكِ، فَقَدِ
(1) البدائع 3 / 232، وشرح الخرشي على المختصر لخليل 3 / 244، ومغني المحتاج 3 / 353.
(2)
المغني لابن قدامة 7 / 354.
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِهِ. فَقَال الْحَنَفِيَّةُ (1) وَالْمَالِكِيَّةُ (2) وَالْحَنَابِلَةُ (3) : إِنَّهُ يَنْعَقِدُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُل الْمَرْأَةَ الَّتِي عَلَّقَ الظِّهَارَ مِنْهَا عَلَى الزَّوَاجِ بِهَا كَانَ مُظَاهِرًا، فَلَا تَحِل لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَال فِي رَجُلٍ قَال: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا، قَال: " عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ (4) وَلأَِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زَوْجَةٌ، فَتَكُونُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ كَمَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ (5) : الظِّهَارُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الزَّوَاجِ لَا يَنْعَقِدُ، وَتَأْسِيسًا عَلَى هَذَا: لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُل الْمَرْأَةَ الَّتِي عَلَّقَ الظِّهَارَ مِنْهَا عَلَى الزَّوَاجِ بِهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا، فَيَحِل لَهُ قُرْبَانُهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ:
أَوَّلاً - قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا جَعَل الظِّهَارَ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُل، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يُعَلِّقُ الظِّهَارَ مِنْهَا عَلَى الزَّوَاجِ بِهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُل عِنْدَ إِنْشَاءِ الظِّهَارِ، فَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ مِنْهَا صَحِيحًا.
(1) البدائع 3 / 232، والفتاوى الهندية 1 / 458.
(2)
الشرح الكبير 2 / 444 - 445.
(3)
المغني لابن قدامة 7 / 354 - 355.
(4)
المصدر المتقدم.
(5)
مغني المحتاج 3 / 353.
ثَانِيًا - قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا طَلَاقَ قَبْل نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ قَبْل مِلْكٍ (1) م فَإِنَّهُ يَدُل عَلَى بُطْلَانِ الطَّلَاقِ قَبْل الزَّوَاجِ عَلَى سَبِيل الْعُمُومِ، فَيَشْمَل كُل طَلَاقٍ قَبْل الزَّوَاجِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَالظِّهَارُ مِثْل الطَّلَاقِ كِلَاهُمَا يُفِيدُ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْل الزَّوَاجِ مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا، اعْتِبَارًا بِالطَّلَاقِ.
الشَّرْطُ السَّابِعُ:
21 -
التَّكْلِيفُ:
يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُل لِكَيْ يَكُونَ ظِهَارُهُ صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِأُمُورٍ:
أ - الْبُلُوغُ: فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنَ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا؛ لأَِنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ التَّحْرِيمُ، وَخِطَابُ التَّحْرِيمِ مَرْفُوعٌ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، يَدُل عَلَى ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَعْقِل (2) .
(1) حديث: " لا طلاق قبل نكاح. . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 660) من حديث المسور بن مخرمة وحسَّن إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 211) .
(2)
أخرجه أبو داود (4 / 558 - 559) والحاكم (2 / 59) من حديث ابن عباس وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الظِّهَارِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ، فَهُوَ كَالطَّلَاقِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَطَلَاقُ الصَّبِيِّ لَا يُعْتَبَرُ، فَكَذَلِكَ ظِهَارُهُ لَا يُعْتَبَرُ (1) .
ب - الْعَقْل: فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنَ الْمَجْنُونِ حَال جُنُونِهِ، وَلَا مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِل؛ لأَِنَّ الْعَقْل أَدَاةُ التَّفْكِيرِ وَمَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِل.
وَمِثْل الْمَجْنُونِ فِي الْحُكْمِ: الْمَعْتُوهُ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ.
وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ ظِهَارَهُ لَا يُعْتَبَرُ إِنْ كَانَ سُكْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ تَحْتَ ضَغْطِ الإِْكْرَاهِ، لأَِنَّ السَّكْرَانَ لَا وَعْيَ عِنْدَهُ، وَلَا إِدْرَاكَ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ أَوْ كَالنَّائِمِ، فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ الظِّهَارُ الصَّادِرُ مِنَ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ الظِّهَارُ الصَّادِرُ مِنَ السَّكْرَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ سُكْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ مُحَرَّمٍ، بِأَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ حَتَّى سَكِرَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ ظِهَارِهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي اعْتِبَارِ طَلَاقِهِ، فَمَنْ قَال مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ طَلَاقِهِ قَال
(1) المغني لابن قدامة 7 / 338، والبدائع 3 / 230، ومغني المحتاج 3 / 352، والشرح الكبير 2 / 439.
بِاعْتِبَارِ ظِهَارِهِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ (1) .
وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمَّا تَنَاوَل الْمُحَرَّمَ بِاخْتِيَارِهِ كَانَ مُتَسَبِّبًا فِي زَوَال عَقْلِهِ، فَيُجْعَل عَقْلُهُ مَوْجُودًا حُكْمًا عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ.
وَمَنْ قَال مِنَ الْفُقَهَاءِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ قَال لَا يُعْتَبَرُ ظِهَارُهُ، وَهُمْ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، (2) وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَعْتَمِدُ عَلَى الْقَصْدِ وَالإِْرَادَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالسَّكْرَانُ قَدْ غَلَبَ السُّكْرُ عَلَى عَقْلِهِ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ قَصْدٌ وَلَا إِرَادَةٌ صَحِيحَةٌ، فَلَا يُعْتَدُّ بِالْعِبَارَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ، كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالْعِبَارَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.
ج - الإِْسْلَامُ: فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا أَمْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
(1) الهداية مع فتح القدير 3 / 40، والبدائع 3 / 230، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 439، ومغني المحتاج 3 / 353، والمغني لابن قدامة 7 / 114، 238.
(2)
الهداية مع فتح القدير 3 / 40، والبدائع 3 / 99، والمغني لابن قدامة 7 / 114، 115. (3) البدائع 3 / 230، والشرح الكبير 2 / 439.
(3)
البدائع 3 / 230، والشرح الكبير 2 / 439.
إِسْلَامُ الزَّوْجِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الظِّهَارِ، فَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِ (1) .
وَحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} فَإِنَّ الْخِطَابَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَدُل عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ.
وَالأَْزْوَاجُ الْمَذْكُورُونَ فِي الآْيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ الآْيَةِ وَهِيَ: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (2) لَا يُرَادُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُ الْمُسْلِمِينَ بَل الْمُرَادُ بِهِمُ الأَْزْوَاجُ الْمَذْكُورُونَ فِي الآْيَةِ السَّابِقَةِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الآْيَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ لِبَيَانِ حُكْمِ الظِّهَارِ الْمَذْكُورِ فِي الآْيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ الظِّهَارُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الظِّهَارَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ تَحْرِيمًا يَنْتَهِي بِالْكَفَّارَةِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلاً لِلْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِنْهُ (3) .
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (4) فَإِنَّهُ عَامٌّ، فَيَشْمَل الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِينَ،
(1) مغني المحتاج 3 / 352، والمغني لابن قدامة 7 / 338، 339، والإنصاف 9 / 198.
(2)
سورة المجادلة / 3.
(3)
البدائع 3 / 230.
(4)
سورة المجادلة / 3.