الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ، وَتُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَال؛ لأَِنَّهُ أَجِيرٌ، وَلأَِنَّ بَيْتَ الْمَال لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْهَا.
وَعِنْدَهُمْ أَيْضًا: يَسْتَحِقُّ الْعَامِل الزَّكَاةَ بِعَمَلِهِ عَلَى سَبِيل الأُْجْرَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ كُلٌّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَقَّهُ يَسْقُطُ، كَنَفَقَةِ الْمُضَارِبِ تَكُونُ فِي مَال الْمُضَارَبَةِ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ؛ لأَِنَّ الْعَامِل عِنْدَهُمْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ بِعَمَلِهِ عَلَى سَبِيل الْكِفَايَةِ لاِشْتِغَالِهِ بِهَا، لَا عَلَى سَبِيل الأُْجْرَةِ؛ لأَِنَّ الأُْجْرَةَ مَجْهُولَةٌ (2) .
بَيْعُ الْعَامِل مَال الزَّكَاةِ:
10 -
قَال الْفُقَهَاءُ: لَا يَجُوزُ لِلسَّاعِي بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَال الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، بَل يُوصِلُهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَعْيَانِهَا إِذَا كَانَ مُفَوَّضًا لِلتَّفْرِيقِ عَلَيْهِمْ؛ لأَِنَّ أَهْل الزَّكَاةِ أَهْل رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِدُونِ إِذْنِهِمْ، أَوْ يُوصِلُهَا إِلَى الإِْمَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُفَوَّضًا لِلتَّفْرِيقِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ بَاعَ بِلَا ضَرُورَةٍ ضَمِنَ.
(1) المجموع للنووي 6 / 175، مغني المحتاج 3 / 119، جواهر الإكليل 2 / 139، البدائع 2 / 44، كشاف القناع 2 / 276.
(2)
البدائع 2 / 44، حاشية ابن عابدين 2 / 38، 59.
فَإِنْ وَقَعَتْ ضَرُورَةُ الْبَيْعِ، كَأَنْ خَافَ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَاشِيَةِ، أَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ خَطَرٌ، أَوِ احْتَاجَ إِلَى رَدِّ جُبْرَانٍ، أَوْ إِلَى مُؤْنَةِ النَّقْل، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ لِلضَّرُورَةِ (1) .
مَا يُسْتَحَبُّ فِي جَمْعِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا:
11 -
يُسْتَحَبُّ لِلإِْمَامِ أَوِ الْعَامِل أَنْ يُعَيِّنَ لِلنَّاسِ شَهْرًا يَأْتِيهِمْ فِيهِ لأَِخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا حَوَلَانُ الْحَوْل عَلَيْهَا، كَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّهْرُ مِنَ السَّنَةِ هُوَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ (2) وَلأَِنَّهُ أَوَّل السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ، وَلِيَتَهَيَّأَ أَرْبَابُ الأَْمْوَال لِدَفْعِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ، وَيَتَهَيَّأَ الْمُسْتَحِقُّونَ لأَِخْذِ الزَّكَاةِ، وَالأَْفْضَل أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ قَبْل شَهْرِ الْمُحَرَّمِ، لِيَصِل إِلَيْهِمْ فِي أَوَّلِهِ.
أَمَّا فِيمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْل مِنْ أَمْوَال الزَّكَاةِ
(1) المجموع للنووي 6 / 175، مغني المحتاج 3 / 119، المغني لابن قدامة 2 / 674.
(2)
حديث: " هذا شهر زكاتكم ". أخرجه مالك (322) وأبو عبيد في الأموال (177) موقوفا على عثمان بن عفان وأخرجه البيهقي (4 / 148) وقال: رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان، وأراد بذلك أن أصله في البخاري كما في التلخيص الحبير (2 / 164) .
كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، فَيَبْعَثُ الإِْمَامُ الْعُمَّال لأَِخْذِ زَكَوَاتِهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا، وَهُوَ وَقْتُ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّاعِي كَذَلِكَ: أَنْ يَعُدَّ الْمَاشِيَةَ عَلَى الْمَاءِ إِنْ كَانَتْ تَرِدُ الْمَاءَ، وَفِي أَفْنِيَتِهِمْ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرِدُ الْمَاءَ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ مِيَاهِهِمْ أَوْ عِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ (1) .
فَإِنْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْمَال بِعَدَدِهَا - وَهُوَ ثِقَةٌ - فَلَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَعْمَل بِقَوْلِهِ؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، أَوْ أَرَادَ الاِحْتِيَاطَ بَعْدَهَا عَدَّهَا.
فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَدِّ بَعْدَ الْعَدِّ، وَكَانَ الْفَرْضُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، أَعَادَ الْعَدَّ ثَانِيَةً.
وَإِنِ اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْمَال فِي حَوَلَانِ الْحَوْل كَأَنْ يَقُول الْمَالِكُ: لَمْ يَحِل الْحَوْل بَعْدُ، وَيَقُول السَّاعِي: بَل حَال الْحَوْل، أَوْ قَال الْمَالِكُ: هَذِهِ السِّخَال تَوَلَّدَتْ بَعْدَ الْحَوْل، وَقَال السَّاعِي: بَل تَوَلَّدَتْ قَبْلَهُ، أَوْ قَال
(1) حديث: " تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم. . . ". أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص299) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه ابن ماجه (1 / 577) بلفظ مقارب، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 318)، ولكن له شاهدًا من حديث عائشة أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 79) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
السَّاعِي: كَانَتْ مَاشِيَتُكَ نِصَابًا ثُمَّ تَوَالَدَتْ، وَقَال الْمَالِكُ: بَل مَاشِيَتِي تَمَّتْ نِصَابًا بِالتَّوْلِيدِ، فَالْقَوْل قَوْل الْمَالِكِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرُهَا مِمَّا لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ، لأَِنَّ الأَْصْل بَرَاءَتُهُ، وَلأَِنَّ الزَّكَاةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الرِّفْقِ.
وَإِنْ رَأَى السَّاعِي - الْمُفَوَّضُ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا - الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَكِّل مَنْ يَأْخُذُهَا مِنَ الْمُزَكِّي عِنْدَ حُلُولِهَا وَيُفَرِّقَهَا عَلَى أَهْلِهَا فَعَل.
وَإِنْ وَثِقَ بِصَاحِبِ الْمَال، وَرَأَى أَنْ يُفَوِّضَ إِلَيْهِ تَفْرِيقَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَعَل أَيْضًا، لأَِنَّ الْمَالِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ زَكَاتَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْعَامِل، فَمَعَ إِذْنِهِ أَوْلَى.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مَعَ السَّاعِي - لأَِخْذِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ - مَنْ يَخْرُصُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى خَرْصِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ خَارِصَانِ ذَكَرَانِ حُرَّانِ.
كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلإِْمَامِ - أَوِ الْعَامِل إِنْ كَانَ مُفَوَّضًا لِلْقِسْمَةِ - أَنْ يَكُونَ عَارِفًا عَدَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَقَدْرَ حَاجَتِهِمْ، لِيَتَعَجَّل حُقُوقَهُمْ، وَلِيَأْمَنَ هَلَاكَ الْمَال عِنْدَهُ.
وَيَبْدَأُ فِي الْقِسْمَةِ بِالْعَامِلِينَ، لأَِنَّ