الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْئًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: هُوَ ظِهَارٌ، وَالأُْخْرَى: هُوَ يَمِينٌ (1) .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
13 -
أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الظِّهَارِ دَالَّةً عَلَى إِرَادَتِهِ:
الظِّهَارُ الَّذِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ هُوَ مَا يَكُونُ بِصِيغَةٍ تَدُل عَلَى إِرَادَةِ وُقُوعِهِ.
وَالصِّيغَةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً أَوْ كِنَايَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا أَوْ إِضَافَةً.
فَصَرِيحُ الظِّهَارِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا دَل عَلَى الظِّهَارِ دَلَالَةً وَاضِحَةً وَلَا يَحْتَمِل شَيْئًا آخَرَ سِوَاهُ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَالظِّهَارُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بِوُضُوحٍ، بِحَيْثُ يَسْبِقُ إِلَى أَفْهَامِ السَّامِعِينَ بِدُونِ احْتِيَاجٍ إِلَى نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ.
وَحُكْمُ الصَّرِيحِ وُقُوعُ الظِّهَارِ بِهِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَصْدِ وَالإِْرَادَةِ، فَلَوْ قَال الرَّجُل هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَلَمْ يَقْصِدِ الظِّهَارَ كَانَ ظِهَارًا، وَلَوْ قَال: إِنَّهُ نَوَى بِهِ غَيْرَ الظِّهَارِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لأَِنَّهُ إِذَا نَوَى غَيْرَ الظِّهَارِ فَقَدْ أَرَادَ صَرْفَ اللَّفْظِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَإِذَا ادَّعَى إِرَادَةَ غَيْرِ الظِّهَارِ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهُ؛ لأَِنَّهَا خِلَافُ
(1) المغني لابن قدامة 1 / 341 - 342، 7 / 341 - 342.
الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً أَيْ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ (1) .
وَالْكِنَايَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَا يَحْتَمِل الظِّهَارَ وَغَيْرَهُ وَلَمْ يَغْلِبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الظِّهَارِ عُرْفًا، وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ: مِثْل أُمِّي، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الظِّهَارِ؛ لأَِنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهَا مِثْل أُمِّهِ فِي الْكَرَامَةِ وَالْمَنْزِلَةِ، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي التَّحْرِيمِ، فَإِنْ قَصَدَ أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي الْكَرَامَةِ وَالْمَنْزِلَةِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ كَانَ ظِهَارًا؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِل كُل هَذِهِ الأُْمُورِ، فَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَرَادَهُ كَانَ صَحِيحًا وَحُمِل اللَّفْظُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَال: لَمْ أَقْصِدْ شَيْئًا لَا يَكُونُ ظِهَارًا، لأَِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَل فِي التَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى التَّحْرِيمِ إِلَاّ بِنِيَّةٍ (2) .
14 -
وَالظِّهَارُ تَارَةً يَكُونُ خَالِيًا مِنَ الإِْضَافَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَمِنَ التَّعْلِيقِ عَلَى حُصُول أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَتَارَةً يَكُونُ مُشْتَمِلاً عَلَى التَّعْلِيقِ عَلَى حُصُول أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل أَوِ الإِْضَافَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَإِذَا خَلَا التَّعْبِيرُ
(1) البدائع 3 / 231، الشرح الصغير 2 / 637، روضة الطالبين 8 / 262.
(2)
البدائع 3 / 231، وبداية المجتهد 2 / 90، والمغني لابن قدامة 7 / 342، والخرشي 4 / 107 ط. بيروت.
عَنِ التَّعْلِيقِ وَالإِْضَافَةِ كَانَ الظِّهَارُ مُنَجَّزًا، وَإِنِ اشْتَمَل عَلَى الإِْضَافَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ كَانَ مُضَافًا، وَإِنِ اشْتَمَل عَلَى التَّعْلِيقِ كَانَ مُعَلَّقًا.
فَالظِّهَارُ الْمُنَجَّزُ هُوَ: مَا خَلَتْ صِيغَةُ إِنْشَائِهِ عَنِ الإِْضَافَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ وَعَنِ التَّعْلِيقِ عَلَى حُصُول أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل مِثْل أَنْ يَقُول الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَهَذَا يُعْتَبَرُ ظِهَارًا فِي الْحَال، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ بِمُجَرَّدِ صُدُورِهِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُصُول شَيْءٍ آخَرَ.
وَالظِّهَارُ الْمُعَلَّقُ هُوَ: مَا رَتَّبَ حُصُولَهُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل بِأَدَاةٍ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ الْمَعْرُوفَةِ مِثْل " إِنْ "" وَإِذَا "" وَلَوْ "" وَمَتَى " وَنَحْوِهَا.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ: أَنْ يَقُول الرَّجُل: لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ سَافَرْتِ إِلَى بَلَدِ أَهْلِكِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُعْتَبَرُ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّجُل ظِهَارًا قَبْل وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ التَّعْلِيقَ يَجْعَل وُجُودَ التَّصَرُّفِ الْمُعَلَّقِ مُرْتَبِطًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَفِي الْمِثَال الْمُتَقَدِّمِ لَا يَكُونُ الرَّجُل مُظَاهِرًا قَبْل أَنْ تُسَافِرَ زَوْجَتُهُ إِلَى بَلَدِ أَهْلِهَا، فَإِذَا سَافَرَتْ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ صَارَ مُظَاهِرًا، وَلَزِمَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ.
وَإِذَا عَلَّقَ الظِّهَارَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَطَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ مُكَفِّرَةٌ، فَصَحَّ فِيهَا الاِسْتِثْنَاءُ.
وَإِذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، أَوْ بِمَشِيئَتِهَا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَقَعُ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ فِي الْمَجْلِسِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ الظِّهَارِ إِذَا عُلِّقَ عَلَى مَشِيئَةِ فُلَانٍ، وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ قَوْلِهِمْ (1) .
15 -
وَالظِّهَارُ الْمُضَافُ هُوَ: مَا كَانَتْ صِيغَةُ إِنْشَائِهِ مَقْرُونَةً بِوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ يَقْصِدُ الزَّوْجُ تَحْرِيمَ زَوْجَتِهِ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يَقُول الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بَعْدَ الشَّهْرِ الْقَادِمِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعْتَبَرُ مَا صَدَرَ عَنِ الزَّوْجِ ظِهَارًا مِنْ وَقْتِ صُدُورِهِ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلَاّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ الظِّهَارُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الإِْضَافَةَ لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَ التَّصَرُّفِ سَبَبًا لِحُكْمِهِ، وَلَكِنَّهَا تُؤَخِّرُ حُكْمَهُ، إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ، فَفِي قَوْل الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بَعْدَ الشَّهْرِ الْقَادِمِ يُعْتَبَرُ مُظَاهِرًا مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّيغَةُ، وَلِهَذَا
(1) درر الأحكام 1 / 393، كشاف القناع 5 / 373، حاشية الدسوقي 2 / 391.