الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَيْضًا فَإِنَّ تَكْلِيفَ الصَّحِيحَةِ عَنِ الْمِرَاضِ إِخْلَالٌ بِالْمُوَاسَاةِ، وَمَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَيْهَا (1) ، وَهَذَا هُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ (2) .
وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ غُلَامُ الْخَلَاّل إِلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ إِلَاّ صَحِيحَةٌ، لأَِنَّ أَحْمَدَ قَال: لَا يُؤْخَذُ إِلَاّ مَا يَجُوزُ فِي الأَْضَاحِيِّ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ ذَاتِ الْعَاهَةِ فِي حَدِيثِ: وَلَا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةً، وَلَا ذَاتَ عَوَارٍ (3) .
وَعَلَى هَذَا، فَيَشْتَرِي شَاةً صَحِيحَةً يُخْرِجُهَا عَنْ غَنَمِهِ الْمِرَاضِ وَالْمَعُوهَاتِ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا مَالِكٌ، قَدْ نَقَلَتِ الْمُدَوَّنَةُ قَوْلَهُ: يُحْسَبُ عَلَى رَبِّ الْغَنَمِ كُل ذَاتِ عَوَارٍ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا، وَالْعَمْيَاءُ مِنْ ذَوَاتِ الْعَوَارِ، وَلَا تُؤْخَذُ فِيهَا، وَلَا مِنْ ذَوَاتِ الْعَوَارِ، وَسُئِل مَالِكٌ: إِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ كُلُّهَا قَدْ جَرِبَتْ؟ فَقَال: عَلَى رَبِّ الْمَال أَنْ يَأْتِيَهُ بِشَاةٍ فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ، وَسُئِل: وَكَذَلِكَ ذَوَاتُ الْعَوَارِ إِذَا كَانَتِ الْغَنَمُ ذَوَاتَ عَوَارٍ كُلُّهَا؟ قَال: نَعَمْ.
وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مَا اسْتَثْنَاهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي
(1) المغني 2 / 600.
(2)
المرجع السابق، والأم 2 / 5، وفتح القدير 2 / 182.
(3)
سبل السلام 2 / 124، والمبدع 2 / 319. وحديث:" ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 321) من حديث أبي بكر.
حَدِيثِهِ السَّابِقِ فَقَال: لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ ذَوَاتِ الْعَوَارِ إِلَاّ إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَأَفْضَل (1) .
هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتْ حَيَوَانَاتُ النِّصَابِ كُلُّهَا مَرِيضَةً مَعُوهَةً، أَمَّا إِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَعِيبَةِ عَنِ الصَّحِيحَةِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مَعِيبًا، وَبَعْضُهَا صَحِيحًا، فَلَا يَقْبَل عَنْهَا فِي الزَّكَاةِ إِلَاّ الصَّحِيحَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ نِصْفُ مَالِهِ صَحِيحًا، وَنِصْفُهُ الآْخَرُ مَعِيبًا، كَانَ لَهُ إِخْرَاجُ صَحِيحَةٍ وَمَعِيبَةٍ، قَال: وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ (2) .
ثَالِثًا: أَثَرُ عَاهَةِ الزَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ:
31 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ عَاهَةِ الزَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ، وَاخْتِلَافُهُمْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ بِنَفْسِ الْخُرُوجِ، كَمَا قَال تَعَالَى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ} (3) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِْدْرَاكِ (4) .
(1) المدونة 1 / 312.
(2)
المغني 2 / 600.
(3)
سورة البقرة / 267
(4)
المبسوط للسرخسي 2 / 206.
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (1) .
وَعِنْدَ مَالِكٍ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الزَّرْعِ إِذَا أَفْرَكَ وَاسْتَغْنَى عَنِ الْمَاءِ إِذَا بَلَغَ نِصَابًا (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إِلَاّ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (3) ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْل مَالِكٍ إِذَا أَفْرَكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ خِلَافًا لاِبْنِ أَبِي مُوسَى الَّذِي قَال: تَجِبُ زَكَاةُ الْحَبِّ يَوْمَ حَصَادِهِ (4) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} .
فَإِذَا هَلَكَتِ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ بِعَاهَةٍ قَبْل وَقْتِ الْوُجُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ (5) .
وَإِذَا هَلَكَتْ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَالْحَنَفِيَّةُ لَا يُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِيمَا هَلَكَ، سَوَاءٌ كَانَ هَلَاكُهُ بَعْدَ حَصَادِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو حَنِيفَةَ النِّصَابَ، وَاشْتَرَطَهُ الصَّاحِبَانِ وَقَالُوا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، لأَِنَّ الْوَاجِبَ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ، وَالْقَوْل بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ يُحِيلُهُ إِلَى صِفَةِ الْعُسْرِ (6) .
وَعِنْدَ مَالِكٍ إِذَا هَلَكَتِ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ قَبْل
(1) سورة الأنعام / 141
(2)
المدونة 1 / 348.
(3)
التنبيه 58، والمنهاج برح الجلال 2 / 20.
(4)
انظر المغني 2 / 702.
(5)
انظر المراجع السابقة.
(6)
فتح القدير 2 / 202.
أَنْ يُدْخِلَهَا بَيْتَهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْل حَصَادِهِ وَبَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، أَوْ بَعْدَ حَصَادِهَا، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ، إِلَاّ إِذَا بَقِيَ بَعْدَ الْهَلَاكِ نِصَابٌ.
وَإِذَا جَمَعَهُ بَعْدَ حَصَادِهِ فِي مَكَانٍ، وَعَزَل مِنْهُ الْعُشْرَ لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَتَلِفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي حِفْظِهِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى اعْتِبَارِ التَّفْرِيطِ مِقْيَاسًا، فَإِذَا حَصَل الْهَلَاكُ بَعْدَ أَنْ حَلَّتْ زَكَاةٌ فَمَنْ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ أَوْ فِي تَأْخِيرِ الدَّفْعِ يُعَامَل بِتَفْرِيطِهِ، وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِ يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّطْ: فَإِنْ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ، كَمَا لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا هَلَكَ مِنْ أَمْوَالِهِ قَبْل الْحَوْل (2) .
وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَاّ بِجَعْل الثِّمَارِ فِي الْجَرِينِ، وَبِجَعْل الزَّرْعِ فِي الْبَيْدَرِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْل ذَلِكَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ، وَلَا يُحَاسَبُ عَلَى مَا هَلَكَ؛ لأَِنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَسْتَقِرَّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الزَّكَاةُ ابْتِدَاءً (3) .
وَإِذَا كَانَ الْهَلَاكُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فِيمَا هَلَكَ مِنَ الأَْمْوَال، فَيُحَاسَبُ
(1) المدونة 1 / 344.
(2)
الأم 2 / 44.
(3)
المبدع لابن مفلح 2 / 346.