الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 -
الْعُجْبُ مَذْمُومٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} (1) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الإِْنْكَارِ، وَقَال صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ (2) وَقَال صلى الله عليه وسلم: لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ لَخَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ: الْعُجْبَ الْعُجْبَ (3) فَجَعَل الْعُجْبَ أَكْبَرَ الذُّنُوبِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: الْهَلَاكُ فِي شَيْئَيْنِ: الْعُجْبُ وَالْقُنُوطُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، لأَِنَّ السَّعَادَةَ لَا تُنَال إِلَاّ بِالطَّلَبِ، وَالْقَانِطُ لَا يَطْلُبُ، وَالْمُعْجَبُ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِمُرَادِهِ فَلَا يَسْعَى (4) .
(1) سورة التوبة / 25.
(2)
حديث: " ثلاث مهلكات: شح مطاع. . . ". أخرجه البزار كما في كشف الأستار للهيثمي (1 / 60) وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (2 / 286) وقال: رواه البزار والبيهقي وغيرهما، وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وأسانيده - وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال - فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى.
(3)
حديث: " لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك. . . ". رواه البزار كما في كشف الأستار (4 / 244) من حديث أنس، وهو حسن لطرقه كما في فيض القدير للمناوي (5 / 331) .
(4)
إحياء علوم الدين 3 / 358 - 359، ومختصر منهاج القاصدين ص 243، والذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني ص 306.
وَقَال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: الإِْعْجَابُ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَةُ الأَْلْبَابِ (1) .
وَقَال الشِّيرَازِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُجْبَ وَصْفٌ رَدِيءٌ يَسْلُبُ الْفَضَائِل وَيَجْلُبُ الرَّذَائِل، وَيُوجِبُ الْمَقْتَ وَيُخْفِي الْمَحَاسِنَ وَيُشْهِرُ الْمَسَاوِئَ وَيُفْضِي إِلَى الْمَهَالِكِ (2) .
أَنْوَاعُ الْعُجْبِ:
5 -
مَا بِهِ الْعُجْبُ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ:
الأَْوَّل: أَنْ يَعْجَبَ بِبَدَنِهِ فَيَلْتَفِتَ إِلَى جَمَال نَفْسِهِ وَيَنْسَى أَنَّهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلزَّوَال فِي كُل حَالٍ (3) .
وَيَنْفِي هَذَا الْعُجْبَ: النَّظَرُ فِي بَدْءِ خَلْقِهِ وَإِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ.
الثَّانِي: الْقُوَّةُ، اسْتِعْظَامًا لَهَا مَعَ نِسْيَانِ شُكْرِهَا، وَتَرْكُ الاِعْتِمَادِ عَلَى خَالِقِهَا، كَمَا حُكِيَ عَنْ قَوْمٍ حِينَ قَالُوا فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ:{مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} (4) .
وَيَنْفِي هَذَا الْعُجْبَ اعْتِرَافُهُ بِمُطَالَبَةِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا عُرْضَةٌ لِلسَّلْبِ، فَيُصْبِحُ أَضْعَف الْعِبَادِ (5) .
(1) المنهج المسلوك في سياسة الملوك ص 414 وأدب الدنيا والدين 232 ط. الحلبي.
(2)
المنهج المسلوك في سياسة الملوك ص 413.
(3)
إحياء علوم الدين 3 / 363 وبدائع السلك في طبائع الملك 1 / 496.
(4)
سورة فصلت / 15.
(5)
بدائع السلك في طبائع الملك 1 / 496، وإحياء علوم الدين 3 / 363 - 364.
الثَّالِثُ: الْعَقْل، اسْتِحْسَانًا لَهُ وَاسْتِبْدَادًا بِهِ.
وَيَنْفِي الْعُجْبَ فِيهِ تَرْدِيدُ الشُّكْرِ عَلَيْهِ، وَتَجْوِيزُ أَنْ يُسْلَبَ مِنْهُ كَمَا فُعِل بِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ إِنِ اتَّسَعَ فِي الْعِلْمِ بِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ إِلَاّ قَلِيلاً (1) .
الرَّابِعُ: النَّسَبُ الشَّرِيفُ افْتِخَارًا بِهِ وَاعْتِقَادًا لِلْفَضْل بِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادِ.
وَيَنْفِي هَذَا الْعُجْبَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجْلِبُ ثَوَابًا وَلَا يَدْفَعُ عَذَابًا، وَأَنَّ أَكْرَمَ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لِكُلٍّ مِنِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ وَعَمَّتِهِ صَفِيَّةَ رضي الله عنهما: لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا (2) .
وَمِنَ الْعُجْبِ التَّكَبُّرُ بِالأَْنْسَابِ عُمُومًا، فَمَنِ اعْتَرَاهُ الْعُجْبُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا تَعَزُّزٌ بِكَمَال غَيْرِهِ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ الْقَرِيبَ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَبَاهُ الْبَعِيدَ تُرَابٌ (3) .
الْخَامِسُ: الاِنْتِسَابُ إِلَى ظَلَمَةِ الْمُلُوكِ وَفَسَقَةِ أَعْوَانِهِمْ تَشَرُّفًا بِهِمْ (4) .
قَال الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْل وَعِلَاجُهُ
(1) إحياء علوم الدين 3 / 364، وبدائع السلك في طبائع الملك 1 / 496.
(2)
حديث: " لا أغني عنك من الله شيئا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 8 / 501) من حديث ابن عباس.
(3)
بدائع السلك 1 / 496، وإحياء علوم الدين 3 / 364، ومختصر منهاج القاصدين ص 242، 245.
(4)
بدائع السلك 1 / 496.
أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي مَخَازِيهِمْ وَأَنَّهُمُ الْمَمْقُوتُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (1) .
السَّادِسُ: كَثْرَةُ الأَْوْلَادِ وَالأَْقَارِبِ وَالأَْتْبَاعِ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمْ وَنِسْيَانًا لِلتَّوَكُّل عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَيَنْفِي الْعُجْبَ بِهِ تَحَقُّقُهُ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ كَثْرَتَهُمْ لَا تُغْنِي عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ شَيْئًا (2) .
السَّابِعُ: الْمَال، اعْتِدَادًا بِهِ وَتَعْوِيلاً عَلَيْهِ كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ صَاحِبِ الْجَنَّتَيْنِ إِذْ قَال:{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} (3) وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً غَنِيًّا جَلَسَ بِجَنْبِهِ فَقِيرٌ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ ثِيَابِهِ فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخَشِيتَ يَا فُلَانُ أَنْ يَعْدُوَ غِنَاكَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَعْدُوَ إِلَيْكَ فَقْرُهُ (4) وَذَلِكَ لِلْعُجْبِ بِالْغِنَى.
وَيَنْفِيهِ عِلْمُهُ أَنَّ الْمَال فِتْنَةٌ، وَأَنَّ لَهُ آفَاتٍ مُتَعَدِّدَةً (5) .
الثَّامِنُ: الرَّأْيُ الْخَطَأُ، تَوَهُّمًا أَنَّهُ نِعْمَةٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ نِقْمَةٌ، قَال تَعَالَى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (6) .
(1) إحياء علوم الدين 3 / 366.
(2)
بدائع السلك 1 / 496، وإحياء علوم الدين 3 / 366.
(3)
سورة الكهف / 34.
(4)
حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غنيا. . . ". أخرجه أحمد في الزهد (ص38) وفي إسناده إرسال.
(5)
بدائع السلك 1 / 497، وإحياء علوم الدين 3 / 366.
(6)
سورة فاطر / 8.