الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمُ بِالظَّنِّ:
6 -
ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ لِلظَّنِّ حَالَتَيْنِ: حَالَةٌ تُعْرَفُ وَتَقْوَى بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الأَْدِلَّةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، وَأَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقَعَ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِ، فَهَذَا هُوَ الشَّكُّ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (1)، وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ (2) .
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْعَمَل بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الأَْحْكَامُ غَالِبًا، بَل الْمُرَادُ تَحْقِيقُ الظَّنِّ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ، وَكَذَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِل الظُّنُونِ إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِرُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ (3) ، وَيُؤَيِّدُهُ
(1) سورة الحجرات / 12، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16 / 323 ط. المصرية.
(2)
حديث: " إياكم والظن فإن الظن أكذبُ الحديث ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 484) ومسلم (4 / 1985) من حديث أبي هريرة.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي (16 / 118 - 119) .
حَدِيثُ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا (1) .
عَدَمُ اعْتِبَارِ الظَّنِّ إِذَا ظَهَرَ خَطَؤُهُ:
7 -
مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ: لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ، وَمَعْنَاهَا أَنَّ الظَّنَّ الَّذِي يَظْهَرُ خَطَؤُهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ (2) .
وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ ظَنَّ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ ثُمَّ عَاشَ وَفَعَلَهُ فَأَدَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ (3) .
وَمِنْ فُرُوعِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَل الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا، وَظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ ضَاقَ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَل الْفَجْرُ، فَإِذَا بَطَل يُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ
(1) حديث: " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 548، 549) ومسلم (1 / 116) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم
(2)
المنثور 2 / 353 ط. الأولى، الأشباه والنظائر لابن نجيم وحاشية الحموي 1 / 193 ط. العامرة، والأشباه والنظائر للسيوطي 157 ط. العلمية.
(3)
أسنى المطالب 1 / 118، 119 ط المكتبة الإسلامية، نهاية المحتاج 1 / 356 ط. المكتبة الإسلامية، الأشباه والنظائر للسيوطي 157 ط. العلمية، جواهر الإكليل 1 / 23 ط. الحلبي.