الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصاحب الرومُ رُكْن الدين وأخوه عزّ الدين.
وصاحب خراسان وما وراء النّهر والخطا القاآن ملك التّتار [1] .
[ظهور النّار بالمدينة [2]]
قال أَبُو شامة: جاء إلى دمشق كُتُبٌ من المدينة بخروج نارٍ عندهم فِي خامس جُمادى الآخرة، وكُتِبت الكُتُب فِي خامس رجب، والنّار بحالها بعدُ.
ووصلت إلينا الكُتُب فِي شعبان. فأخبرني مَن أثق به ممّن شاهدها بالمدينة أنّه بلغه أنّه كُتِب بتيماء على ضوئها الكُتُب.
قال: وكنّا فِي بيوتنا بالمدينة تلك اللّيالي، وكأنّ فِي دار كلّ واحدٍ سراجا. ولم يكن لها حَرَّ ولا لَفْح على عِظَمها، إنّما كانت آية.
قال أَبُو شامة: وهذه صورة ما وقفتُ عليه من الكُتُب: لمّا كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة ظهر بالمدينة دَوِي عظيم ثمّ زلزلةٌ عظيمة فكانت ساعة بعد ساعة إلى خامس الشهْر، فظهرت نارٌ عظيمة فِي الحَرّة قريبا من قُرَيظة تنوّر لها من دُورنا من داخل المدينة كأنّها عندنا.
وسالت أودية منها إلى وادي شطا مسيل الماء، وقد سدّت مسيل شطا وما عاد يسيل. والله لقد طلعنا جماعةٌ نُبْصِرُها فإذا الجبال تسيل نيرانه، وقد سَدّت الحَرَّة طريق الحاجّ العراقيّ، فسارت إلى أنْ وصلت إلى الحَرة، فوقفت ورجعت تسير فِي الشّرق يخرج من وسطها مُهود وجبال نار تأكل الحجارة،
[1] قارن بعيون التواريخ 20/ 86، وذيل مرآة الزمان 1/ 3، 4.
[2]
انظر خبر النار في المدينة، في:
المختصر في أخبار البشر 3/ 193، وتاريخ ابن الوردي 2/ 194، والعبر 5/ 215، 216، والمختار من تاريخ ابن الجزري 240، وذيل الروضتين 190- 192، وذيل مرآة الزمان 1/ 4- 10، ودول الإسلام 2/ 158، وعيون التواريخ، 2/ 87- 92، والبداية والنهاية 13/ 187- 193، ومرآة الجنان 4/ 131- 134، وتاريخ الخميس 2/ 415- 418، وتاريخ ابن سباط (باختصار شديد) 1/ 373 (حوادث سنة 655 هـ) . وأخبار الدول 2/ 199، 200، وتاريخ الخلفاء 465، 466، وسير أعلام النبلاء 23/ 180، والسلوك ج 1 ق 2/ 398، 399، والعسجد المسبوك 2/ 620، والطبقات الشافعية الكبرى 5/ 112، والنجوم الزاهرة 7/ 16- 19، وعقد الجمان (1) 92 (حوادث سنة 652 هـ) ، و 122- 127، وشذرات الذهب 5/ 263، وتحقيق النصرة للمراغي 69، 70، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 298، 299.
فيما أنموذج لِما أخبر الله تعالى: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ [1] صُفْرٌ 77: 32- 33 [2] . وقد أكلت الأرض. ولها الآن شهر وهي فِي زيادة، وقد عادت إلى الحرار فِي قُرَيْظة طريق الحاجّ إلى بُحيرة العراقيّ كلّها نيران تشتعل نبصرها فِي اللّيل من المدينة كأنّها مشاعل، وأمّا أمّ النّيران الكبيرة فهي جبال نيران حمر، وما أقدر أصف هذه النّار.
ومن كتاب آخر: ظهر فِي شرقيّ المدينة نارٌ عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض، وسال منها وادٍ من نار حتّى حاذت جبل أحُد، ثمّ وقفت. ولا ندري ماذا نفعل. ووقت ظهورها دخل أهلُ المدينة إلى نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم مستغفرين تائبين إلى ربّهم.
ومن كتاب آخر: في أوّل جُمادى الآخرة ظهر بالمدينة صوت كالرّعد البعيد، فبقي يومين، وفي ثالث الشّهر تعقّبه زلزال فتقيم ثلاثة أيّام، وقع فِي اليوم واللّيلة أربع عشرة زلزلة. فلمّا كان يوم خامسه انبجست الأرض من الحَرَّة بنارٍ عظيمة يكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي برأي العين من المدينة تُشاهد، وهي ترمي بشَرَرٍ كالقصْر. وهي بموضعٍ يقال له أخلين أو أخلبين.
وقد سال من هذه النّار وادٍ يكون مِقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعُمقة قامةٌ ونصف، وهو يجري على وجه الأرض وتخرج منه مِهاد وجبال صغار، ويسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتّى يبقى مثل الأتل، فإذا أَخمَد صار أسود، وقبل الخمود لونه أحمر.
وقد حصل إقلاع عن المعاصي وتقرّب بالطّاعات. وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة [3] .
ومن كتاب قاضي المدينة سِنان الحسينيّ [4] يقول في التّاريخ: «لقد والله
[1] في الأصل: «جمالات» ، ومثله في: ذيل الروضتين 190.
[2]
سورة المرسلات، الآيتين 32 33.
[3]
الحوادث الجامعة 152.
[4]
هو شمس الدين سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسيني، كما في: نهاية الأرب 29/ 449، وعيون التواريخ 20/ 89، والبداية والنهاية 13/ 188، وذيل الروضتين 191 وفيه «تميلة» .
زُلزِلت مرة ونحن حول الحُجْرة النّبويّة [1] ، فاضطرب لها المِنبر والقناديل. ثمّ طلع فِي رأس أخْيَلين [2] نارٌ عظيمة مثل المدينة المعظّمة، وما بانت لنا إلّا ليلة السّبت وأشفقنا منها.
وطلعتُ إلى الأمير وكلّمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجعْ إلى الله.
فأعتقَ كلّ مماليكه وردّ على جماعةٍ أموالهم. فلمّا فعل ذلك قلت: اهبط معنا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم. فهبط وبتنا ليلة السّبت، النّاس جميعُهم والنسوانُ وأولادُهن، وما بقي أحدٌ لا فِي النّخل [3] ولا فِي المدينة إلّا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأشفقنا منها، وظهر ضوءُها إلى أن أبصِرت من مكّة، ومن الفَلاة جميعها. ثمّ سال منها نهر من نارٍ، وأخذ فِي وادي أخَيلين [4] وسدّ الطّريق، ثمّ طلع إلى بحرة الحاجّ، وهو بحرُ نارٍ [5] يجري وفوقه حرَّة [6] تسير إلى أن قطعت وادي الشّظاه [7] ، وما عاد يجيء فِي الوادي سَيلٌ قطّ لأنّها حرّة، تجيء قامتين وثلاثٍ عُلُوها [8] .
واللهِ يا أخي إنّ عيشتنا اليوم مكدّرة [9] ، والمدينة قد تاب أهلُها ولا بقي يُسمع فيها رَبابٌ ولا دُف ولا شُرْب [10] . وتمّت النّار تسير إلى أن سدّت بعض طريق الحاجّ، وكان [11] فِي الوادي إلينا منها قَتِير [12] ، وخفنا أن تجيئنا، واجتمع النّاس وباتوا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم [13] وقد طُفِئ قَتِيُرها الَّذِي يلِينا بقُدرة الله عزّ
[1] في الأصل: «النبوة» .
[2]
في نهاية الأرب 29/ 450، والنجوم الزاهرة 6/ 18 «أحيلين» بالحاء المهملة، وهو واد قريب من المدينة. وفي البداية والنهاية 13/ 188 «أجيلين» .
[3]
في نهاية الأرب 29/ 450 «النخيل» ، ومثله في عيون التواريخ 20/ 89.
[4]
هكذا في الأصل بالخاء المعجمة، وفي عيون التواريخ 20/ 89 «ااجلين» وهو تصحيف.
[5]
في نهاية الأرب 29/ 450 «نهر نار» ، وفي عيون التواريخ 20/ 89 «بحر ناري» .
[6]
في نهاية الأرب 29/ 450 «جمرة» .
[7]
الشظاة: بالظاء المعجمة، واد يأتي من شرقي المدينة من أماكن بعيدة عنها، حتى يصل إلى الحرّة.
[8]
إلى هنا يتفق النص مع نهاية الأرب 29/ 449- 451.
[9]
في ذيل مرآة الزمان 1/ 7 «مكروه» وفي عيون التواريخ 20/ 89 «متكدّرة» .
[10]
هذه العبارة ليست في نهاية الأرب.
[11]
في نهاية الأرب 29/ 451 «وجاء» .
[12]
القتير: دخان فيه نار، ورائحة الشيء المحترق.
[13]
زاد اليونيني في ذيل مرآة الزمان 1/ 7: «ليلة الجمعة» .
وجلّ، وإلى السّاعة ما نَقَصتْ بل ترمي مثل الجبال [1] حجارة من نار، ولها دويّ، ما تدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدِر أصِف لك عِظَمَها ولا ما فيها من الأهوال. وأبصرها أهلُ يَنْبُع [2] ، ونَدَبوا قاضيهم ابنَ سعد [3] ، وجاء وغدا [4] إليها، وما أصبح يقدر يصِفُها من عِظَمها. وكتب يوم خامس رجب، والشّمس والقمر من يوم ظهرت ما يطلعان إلّا كاسِفَين [5] .
ومن كتاب آخر من بعض بني الفاشانيّ يقول: جرى عندنا أمر عظيم [6] .. إلى أن قال: من النّار ظهر للنّاس ألسنٌ تصعّد فِي الهواء حمراء كأنّها العَلَقَة، وعَظُمَت ففزع النّاس إلى المسجد، وابتهلوا إلى الله عز وجل، وغطتُ حُمرةٌ النّار السماءَ كلّها حتّى بقي النّاس فِي مثل ضوء القمر، وأيقنّا بالعذاب. وصعِد القاضي والفقيه إلى الأمير يعِظُونه فطرح المكس، وأعتق رقيقه كلّهم، وردّ علينا كلّ ما لنا تحت يده، وعلى غيرنا. وبقيت كذلك أيّاما، ثمّ سالت فِي وادي أُخَيْلين [7] تنحدر مع الوادي إلى الشّظاه، حتّى لحِق سَيَلانُها ببَحْرة الحاجّ، والحجارةُ معها تتحرّك وتسير حتّى كادت تقارب حرّة العِراض [8] . ثمّ سَكَنَتْ ووقفت أيّاما، ثمّ عادت ترمي بحجارة من خلفها وأمامها حتّى بَنَتْ جبلين خلفَها وأمامها، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين، لسانٌ لها أيّاما. ثمّ إنّها عَظُمَت الآن وسَنَاها [9] إلى الآن، وهي تتّقد كأعظم ما يكون. ولها كلّ يوم صوتٌ عظيم من آخر اللّيل إلى ضَحوه [10] ، والشّمس والقمر كأنّهما منكسفان إلى الآن. وكتب هذا ولها شهر [11] .
[1] في الأصل: «الجمال» .
[2]
في نهاية الأرب 29/ 451 «أهل التنعيم» ، وفي عيون التواريخ 20/ 90 «الينبع» .
[3]
في نهاية الأرب 29/ 451 «ابن أسعد» ، والمثبت يتفق مع عيون التواريخ 20/ 90.
[4]
في نهاية الأرب 29/ 451 «وعدّا» .
[5]
راجع نصّ الكتاب في نهاية الأرب 29/ 449- 451 ففيه زيادة ونقصان عمّا هنا، وذيل مرآة الزمان، وعيون التواريخ.
[6]
انظر النص في: ذيل مرآة الزمان 1/ 8.
[7]
في نهاية الأرب 29/ 452 «أحيلين» بالحاء المهملة.
[8]
في نهاية الأرب 29/ 453 «حرّة العريض» .
[9]
في الأصل: «وشباها» ، والتحرير من: نهاية الأرب، وعيون التواريخ 20/ 90.
[10]
في نهاية الأرب: «صحوة» .
[11]
انظر نصّ الكتاب في نهاية الأرب 29/ 452، 453 مع زيادة، وعيون التواريخ 20/ 90، 91.
قلت: أمر هذه النّار متواتر، وهي ممّا أخبر به المصطفى صلوات الله عليه وسلامه حيث يقول: لا تقوم السّاعة حتّى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تُضيء لها أعناق الإبل بِبُصْرى.
وقد حكى غيرُ واحدٍ ممّن كان بِبُصرى فِي اللّيل ورأى أعناق الإبل فِي ضوئها.
وقال أَبُو شامة: وفي ليلة السّادس عشر، كذا قال، من جُمادى الآخرة خُسِف القمر أوّل اللّيل، وكسِفت الشمس فِي عبدة، كذا قال، وما احمرّت وقت طلوعها وغروبها. وبقيت كذلك أيّاما متغيّرة ضعيفة النّور، واتّضح بذلك ما صوّره الشّافعيّ من اجتماع الكسوف والعبد.
قلت: هذا الكلام فِيهِ ما فِيهِ، وقوله كُسِفت الشّمس فِي العبدة دعوى ما علِمتُ أحدا وافقه عليها ولا ورّخها غيره. ثمّ بيّن مستنده باحمرار الشّمس وضعف نورها، وهذا لا يُسمى كسوفا أبدا. ولقد كنتُ فِي رحلتي إلى الإسكندريّة وأنا فِي المركب انظر إلى الشّمس قبل غروبها بساعة، وهي كأنّها نحاسةٌ حمراء ما لها من النّور شيء أصلا إلى أن تتوارى. وذلك لكثافة الأبخرة الأرضيّة. ومثل هذا إذا وقع لا تُصلى له صلاةُ الكسوف. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ نَسْمَعْهُ سَمَّى ذَلِكَ كُسُوفًا فِي وَصْفِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالآيَةِ الَّتِي مَيَّزَهَا بِهَا فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ صَبِيحَتِهَا وَلا شُعَاعَ لَهَا.
وَأَمَّا كُسُوفُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَشَيْءٌ ظاهر يبدو قليلا قليلا في القرض إِلَى أَنْ يَذْهَبَ نُورُهُمَا وَلَوْنُهُمَا، وَتَظْهَرُ الْكَوَاكِبُ بِالنَّهَارِ. وَقَدْ يَكُونُ كُسُوفًا نَاقِصًا فَيَبْقَى شَطْرٌ مِنَ الشَّمْسِ كَاسِفًا، وَشَطْرٌ نَيِّرًا.
وَأَمَّا حِسَابُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ لِذَلِكَ فَشَيْءٌ مَا عَلِمْتُهُ يُحَرَّمُ أَبَدًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ حِسَابٌ قَطْعِيٌّ، وَمَنْ نَظَرَ فِي مُسْتَنَدِهِمْ جَزَمَ بِهِ، بخلاف قَوْلُهُمْ فِي تَأْثِيرِ الْكُسُوفِ فِي الأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ عَظِيمٍ، أَوْ حَادِثٍ كَبِيرٍ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الإِفْكِ وَالزُّورِ وَالْهَذَيَانِ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهُ. وَذَلِكَ التَّأْثِيرُ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ ظَنٌّ وَحَدْسٌ والظّنّ الكذب. الحديث. وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» .