الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وخمسين وستمائة
[انهزام المتّفقين على قصد الديار المصرية]
دَخَلَتْ والملك النّاصر والبحريّة، والملك المغيث متّفقون على قَصْد الدّيار المصريّة وطمعوا فيها لأنّ سلطانها صبيّ، فنزل الملك المغيث على غزّة فخرج الأمير سيف الدّين فظفر بعسكر مصر، ونزل بالعبّاسة لقتال الشّاميّين [1] .
ثمّ سار المغيث بالعساكر الشّاميّة، فضرب مع المصريّين رأسا فِي الرمل، فانكسر وأسِرت طائفة من أمرائه، وهم أيْبَك الرّوميّ، وأيْبَك الحَمَوي، وزكيّ الدين الصّيرفيّ، وابن أطلس خان الخُوَارَزْمي، فُضرِبت أعناقُهم صبرا بين يدي قُطُز، ودخلوا بالرّءوس إلى القاهرة، وهرب المغيث وأتابكه الصّوابيّ والبندقداريّ فِي أسوأ حالٍ وأنحسه إلى الكَرَك [2] .
كائنة بغداد [3]
كان هولاكو قد قصد الألمُوت، وهو معقل الباطنيّة الأعظم وبها المقدّم
[1] ذيل مرآة الزمان 1/ 85.
[2]
المختصر في أخبار البشر 3/ 195، عيون التواريخ 20/ 135، 136، التحفة الملوكية 40، النجوم الزاهرة 7/ 45، 46.
[3]
انظر عن (كائنة بغداد) في:
أخبار الأيوبيين 166، 167، والحوادث الجامعة 157- 159، ونزهة المالك، ورقة 103، والدرّة الزكية 34- 36، ودول الإسلام 2/ 159، 160، ومرآة الجنان 4/ 137، 138، وعيون التواريخ 20/ 129- 135، والبداية والنهاية 13/ 200- 203، وذيل الروضتين 198، 199، وتاريخ الخميس 2/ 420- 422، والفخري 334- 336، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 268- 274، ومذكرات جوانقيل 255، وتاريخ الزمان 307- 309، وتاريخ مختصر الدول 269- 272، والمختصر في أخبار البشر 3/ 193، 194، والعبر 5/ 225، 226، والمختار من تاريخ ابن الجزري 244، 245، وجامع التواريخ ج 2 ق 2/ 292- 294، وذيل مرآة الزمان 1/ 85- 89، وتاريخ ابن الوردي 2/ 195- 197، ودرّة الأسلاك (مخطوط) 1/ ورقة 15، 16، وتاريخ ابن خلدون 3/ 537، ومآثر الإنافة 2/ 90- 92، والعسجد المسبوك 2/ 630- 635، ونهاية الأرب 27/ 380- 383، والسلوك ج 1 ق 2/ 409، 410، وعقد الجمان (1) 167- 176، وتاريخ ابن سباط 1/ 373- 376، وشذرات الذهب 5/ 270، 271، وتاريخ الأزمنة 237، 239، وبدائع الزهور ج 1 ق 2/ 297، والتحفة الملوكية 41، والجوهر الثمين 1/ 220- 223، وأخبار الدول لابن القرماني (طبعة بيروت) 2/ 195- 197، ودول الإسلام الشريفة البهية وذكر ما ظهر لي من حكم الله
علاء الدين مُحَمَّد بن جلال الدين حَسَن المنتسب إلى نزار ابن المستنصر بن الظّاهر بن الحاكم العُبَيْدي الباطنيّ، فتُوُفي علاءُ الدين وقام بعده ابنُه شمسُ الشُموس، فنزل إلى هولاكو بإشارة النّصير الطُوسي عليه، وكان النّصير عنده وعند أَبِيهِ من قبل، فقتل هولاكو شمس الشّموس وأخذ بلاده وأخذ الروم، وأبقى بها ركن الدين ابن غياث الدين كيْخُسْرو صورة بلا معنى، والحُكْم والتصرّف لغيره.
وكان وزير العراق مؤيّد الدين ابن العَلْقمي رافضيّا جَلْدًا خبيثا داهية، والفتن فِي استعارٍ بين السّنّة والرّافضة حتّى تجالدوا بالسّيوف، وقُتِل جماعة من الرّوافض ونُهِبوا، وشكا أهل باب البصرة إلى الأمير رُكْن الدين الدوَيْدار والأمير أبي بكر ابن الخليفة فتقدّما إلى الجند بنهب الكرخ، فهجموه ونهبوا وقتلوا، وارتكبوا من الشّيعة العظائم، فحنق الوزير ونوى الشّرّ، وأمر أهل الكَرْخ بالصبْر والكفّ [1] .
وكان المستنصر باللَّه قد استكثر من الْجُنْد حتّى بلغ عدد عساكره مائة ألف فيما بَلَغَنَا، وكان مع ذلك يصانع التّتار ويُهاديهم ويُرْضيهم. فلمّا استخلف المستعصم كان خليّا من الرّأي والتّدبير، فأشير عليه بقطع أكثر الْجُنْد، وأنّ مصانعة التّتار وإكرامهم يحصل بها المقصود، ففعل ذلك [2] .
وأمّا ابن العلْقمي فكاتَبَ التّتار وأطمعهم فِي البلاد، وأرسل إليهم غلامه وأخاه، وسهّل عليهم فتْحَ العراق [3] ، وطلب أن يكون نائبَهم، فوعدوه بذلك
[ () ] الخفية في جلب طائفة الأتراك إلى الديار المصرية للمقدسي (من علماء القرن التاسع) مخطوطة دار الكتب المصرية، رقم 1033 تاريخ، ورقة 22، 23، وتاريخ الخلفاء 471، والنجوم الزاهرة 7/ 48- 53، وتحقيق النصرة للمراغي 70، وتالي وفيات الأعيان، ومنتخب الزمان في تاريخ الخلفاء والعلماء والأعيان، لأحمد بن علي المغربي الحريري (كتبه سنة 926 هـ.) - مخطوطة سوهاج بمصر، رقم 86 تاريخ ورقة 346.
[1]
أخبار الأيوبيين 167، المختصر في أخبار البشر 3/ 193، تاريخ ابن الوردي 2/ 195.
[2]
فصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس. (المختصر في أخبار البشر 3/ 194) و (تاريخ ابن الوردي 2/ 196) .
[3]
أخبار الأيوبيين 167 وفيه يقول جرجس ابن العميد وهو مؤرّخ نصراني: «وكان الوزير يميل إلى العلوية فشقّ عليه هذا الأمر إلى الغاية فكتب إلى هولاوون بأن يصل إلى بغداد ويأخذها، وهذا أمر مشهور» ، المختصر في أخبار البشر 3/ 193، تاريخ ابن الوردي 2/ 196.
وتأهّبوا لقصد بغداد، وكاتبوا صاحب المَوْصِل لؤلؤ فِي تهيئة الإقامات والسّلاح. فأخذ يكاتب الخليفة سرّا ويهيّئ لهم الآلات والإقامات. وكان الوزير هُوَ الكلّ، وكان لا يوصل مكاتبات صاحب الموصل ولا غيره إلى الخليفة وإنْ وصلت سرّا إلى الخليفة أطلع عليها ابن العلقميّ وردّ الأمر إليه [1] .
وكان تاج الدين ابن صَلايا نائب إرْبل يحذّر الخليفة ويحرّك عزْمه، والخليفة لا يتحرّك ولا يستيقظ. فلمّا تحقّق حركة التّتار نحوه سير إليهم شرفَ الدين ابن محيي الدين ابن الْجَوْزي رسولا يعِدُهم بأموالٍ عظيمة، ثمّ سيّر مائة رَجُل إلى الدرْبَنْد يكونون فِيهِ ويطالعون الأخبار، فمضوا فلم يطلع لهم خبرٌ لأنّ الأكراد الّذين هناك دلّوا التّتار عليهم فقتلوهم أجمعين فيما قيل [2] .
وركب هولاكو إلى العراق، وكان على مقدّمته باجونوين [3] وفي جيشه خلْق من الكَرْخ ومن عسكر بركة ابن عمّ هولاكو، ومدد من صاحب الموصل مع ولده الملك الصّالح رُكن الدين إِسْمَاعِيل. وأقبلوا من جهة البرّ الغربيّ عن دجلة، فخرج عسكر بغداد وعليهم رُكن الدين الدوَيْدار، فالتقاهم يوم تاسوعاء على نحو مرحلتين من بغداد، فانكسر البغداديّون بعد أن قتلوا عددا كثيرا من العدوّ، وأخذتهم السّيوف وغرق بعضهم فِي الماء، وهرب الباقون.
ثمّ ساق باجونوين فنزل القريّة مقابل دار الخلافة وبينه وبينها دجلة.
وقصد هولاكو بغداد من جهة البرّ الشّرقيّ، ثمّ إنّه ضرب سورا على عسكره وأحاط ببغداد. فأشار الوزير على المستعصم بمصانعتهم وقال: أخرج إليهم أَنَا فِي تقرير الصُّلح. فخرج وتوثّق لنفسه من التّتار وردّ إلى الخليفة وقال: إنّ الملك قد رغب فِي أن يزوّج بنته بابنك الأمير أَبِي بَكْر ويُبقيك فِي منصب الخلافة كما أبقى صاحبَ الروم فِي سلطنته، ولا يؤثر إلّا أن تكون الطّاعة له كما كان أجدادك مع السّلاطين السّلجوقيّة، وينصرف عنك بجيوشه فيجيبه مولانا إلى هذا فإنّ فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن يفعل
[1] العبر 5/ 225.
[2]
تاريخ ابن الوردي 2/ 196، مرآة الجنان 4/ 138.
[3]
في العبر 5/ 225 «ناجوانوين» . والمثبت هو الصحيح.
ما يريد. والرأي أن تخرج إليه.
فخرج فِي جماعة من الأعيان إلى هولاكو فأنزل فِي خيمة. ثمّ دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل، ليحضروا العقد يعني. فخرجوا من بغداد فضُرِبت أعناقهم، وصار كذلك يخرج طائفةٌ بعد طائفة فتُضرَب أعناقهم. ثمّ مدّ الجسر وبكّر باجونوين ومَن معه فبذلوا السّيف فِي بغداد، واستمرّ القتل والسّبي في بغداد بضعا وثلاثين يوما [1] ، ولم ينْجُ إلّا من اختفى. فَبَلَغَنا أنْ هولاكو أمر بعد ذلك بعدّ القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر.
والأصحّ أنّهم بلغوا ثمانمائة ألف [2] . ثمّ نودي بعد ذلك بالأمان، وظهر من كان قد تخبّأ وهم قليل من كثير [3] .
فممّن هلك فِي وقعة بغداد الخليفة، وابناه أَحْمَد وأبو [4] بَكْر [5] ، وابن الجوزيّ وأولاده الثّلاثة، والركْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُكَيْنَة كهْلًا، وكبير الشّافعية شهاب الدين محمود بن أَحْمَد الزّنجانيّ، والقُدْوة الشَّيْخ عليّ الخبّاز، والأديب نحويّ النّظاميّة جمال الدين عَبْد الله بن خنقز، وشيخ الخليفة صدر الدين عليّ بن النيّار [6] ، وقريبه عَبْد الله بن عُبَيْد الله، والعدل عَبْد الله بن عساكر البَعْقُوبي، والشرَف مُحَمَّد بن سُكيْنة أخو الركْن، والعدل عَبْد الوهّاب بن الصّدر عَبْد الرحيم بن عَبْد الوهّاب بن سُكَيْنَة وأخوه عَبْد الرَّحْمَن، ويحيى بن سعد البرديّ العدل، ووالد الرشيد بن أَبِي القاسم، وعَبْد القاهر بن مُحَمَّد بن الفُوطي كاتب ديوان العرض.
وفيها مات: عليّ بن الأخضر، والشّاعر عليّ الرُّصافي، وحسين بن داود الواسطيّ المحدّث، وعمر بن دهمان المحدّث قتلا، وأحمد بن مَسْعُود البَعْلي الْجُبَيْلي، وعبد الله بن ياسر البعليّ، ووالد الشّيخ عليّ البندنيجيّ العدل،
[1] في الأصل:، «بضع» ، وفي تاريخ ابن الوردي 2/ 197: دام القتل والنهب أربعين يوما.
[2]
الحوادث الجامعة 159.
[3]
العبر 5/ 225، 226.
[4]
في الأصل: «وأبي» .
[5]
الموجود في الحوادث الجامعة 158 قتلوا ولده أحمد، وولده الآخر عبد الرحمن وكنيته أبو الفضل. وقد ورد ذكر ولده أبي بكر في: المختار من تاريخ ابن الجزري 245.
[6]
في الأصل: «البيار» ، والتصحيح من: الحوادث الجامعة 158، وعيون التواريخ 20/ 135.
ومحمد بن الهيثميّ، والعدل عليّ بن أَبِي البدر.
وأمّا الوزير ابن العلْقَمِي فلم يتم [له] ما أراد، وما اعتقد أنّ التّتر يبذلون السيف مطلقا، فإنّه راح تحت السّيف الرّافضة والسّنّة وأمم لا يُحصُون، وذاق الهوان والذُل من التّتار، ولم تطل أيّامه بعد ذلك.
ثمّ ضرب هولاكو عنق باجونوين لأنّه بَلَغه عَنْهُ أنّه كاتبَ الخليفة وهو فِي الجانب الغربيّ.
وأمّا الخليفة فقُتِل خَنْقًا، وقيل: غُم فِي بساط، وقيل: رفسوه حتى مات [1] . وقتل الأمير مجاهد الدّين الدُّوَيْدار، والشّرابيّ، والأستاذ دار محيي الدّين ابن الجوزيّ ووالداه، وسائر الأمراء والحُجاب والكبار.
وقالت الشُعراء قصائد فِي مراثي بغداد وأهلها وتمثّل بقول سِبْط التّعاويذيّ:
بادت وأهلوها معا فبيوتُهُمْ
…
ببقاء مولانا الوزير خراب [2]
وكانت كسْرةُ عسكر الخليفة يوم عاشوراء، ونزل هولاكو بظاهر بغداد فِي الرابع عشر من المحرّم، وبقي السّيف يعمل فيها أربعة وثلاثين يوما.
وبَلَغَنَا أنْ آخر جمعة خطب فيها الخطيب ببغداد كانت الخطبة «الحمد للَّه الَّذِي هدم بالموت مُشَيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدّار» .
وكان السّيف يعمل فِي الجمعة الأخرى، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.
اللَّهمّ أجِرْنا فِي مُصيبتنا الّتي لم يُصَب الإسلامُ وأهلُه بمثلها.
ولتقيّ الدّين إِسْمَاعِيل بن أَبِي اليُسْر قصيدة مشهورة فِي بغداد، هي:
لسائل الدّمع عن بغداد أخبارُ
…
فما وقوفك والأحباب قد ساروا
[1] انظر عن (مقتل المستعصم باللَّه) في: نزهة المالك والمملوك، ورقة 103، الحوادث الجامعة 158، أخبار الأيوبيين 166، 167، المختصر في أخبار البشر 3/ 194، العبر 5/ 231، دول الإسلام 2/ 160، مختصر التاريخ 273.
[2]
البيت في: تاريخ الخلفاء، 472، وأخبار الدول 2/ 198، وتحقيق النصرة 70، وشذرات الذهب 5/ 271.
يا زائرين [1] إلى الزّوراء لا تفدوا [2]
…
فما بذاك الحمى والدّار ديارُ
تاجُ الخلافة والرّبع الَّذِي شرُفَتْ
…
به المعالم قد عفّاه إقفارُ [3]
أضحى لعصف البِلَى فِي ربُعه أثر
…
وللدّموع على الآثار آثارُ
يا نار قلبي من نارٍ لحربِ وَغَى
…
شبتْ عليه ووافى الربْعَ إعصارُ
علا الصليبُ على أعلى منابرها
…
وقام بالأمر من يحويه زنارُ
وكم حريم سَبَتْهُ التُّرْكُ غاصبةٌ
…
وكان من دون ذاك الستْر أستارُ
وكم بُدُور على البدريّة [4] انخسفت
…
ولم يعد لبدور الحيّ إبدار
وكم ذخائر أضحَت وهي شائعةٌ
…
من النّهّاب وقد حازته كفارُ
وكم حدود أقيمت من سيوفهم
…
على الرّقاب وحُطت فِيهِ أوزارُ
ناديت والسبْيُ مهتوك تجرّهم [5]
…
إلى السّفاح من الأعداء ذعارُ [6]
وهم يساقون للموت الَّذِي شهدوا
…
النّار يا ربّ من هذا ولا العارُ
والله يعلم أنّ القوم أغفلهم
…
ما كان من نِعم فيهنّ إكثارُ
فأهملوا جانب الجبّار إذ غفلوا
…
فجاءهم من جنود الكفر جبّار
يا للرجال بأحداثٍ يحدّثنا
…
بما غدا فيهم إعذار وإنذارُ
من بعد أسرِ بني الْعَبَّاس كلّهم
…
فلا أنار لِوجه الصّبع إسفارُ
ما راق لي قطّ شيء بعد بَيْنهِم
…
إلّا أحاديث أرويها وآثارُ
لم يبق للدّين والدّنيا وقد ذهبوا
…
شوقٌ لمجدٍ وقد بانوا وقد باروا
إنّ القيامة في بغدادَ قد وُجِدتْ
…
وحدّها حين للإقبال إدبار
آل النبيّ وأهل العِلْم قد سُبيوا [7]
…
فَمَنْ ترى بعدهم يحويه أمصار
[1] في أخبار الدول 2/ 199: «يا سائرين» .
[2]
في أخبار الدول: «لا تعدوا» .
[3]
حتى هنا في أخبار الدول 2/ 199.
[4]
البدرية: نسبة إلى بدر مولى المعتضد، والمراد بها قصر المنصور. (انظر تاريخ بغداد 1/ 108) .
[5]
في تاريخ الخلفاء «تجربهم» .
[6]
حتى هنا في تاريخ الخلفاء 472، 473، وشذرات الذهب 5/ 271، 272.
[7]
هكذا في الشعر، وهو خطأ.