الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَنِّي الْمُجَرَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ سَمِعَ بَغْتَةً فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ فَهْمَ الْقَوَافِي وَالْفَصَاحَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ التَّغَنِّي لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَلَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -، وَلَوْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ أَوْ عِبَرٌ أَوْ فِقْهٌ لَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَهِيَ مَيِّتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً يُكْرَهُ.
(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)
قَالَ رحمه الله: (حَرُمَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) أَيْ حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَحَلَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِهِ وَحَرَّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» ، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ عَفْوٌ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ كَمَا ذَكَرَ هُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا هَكَذَا وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَضَمَّهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَعَنْ «أَسْمَاءَ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِهِ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَلَمَّا قُبِضَتْ عَائِشَةُ قَبَضْتَهَا إلَيَّ فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ فَيُسْتَشْفَى بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ الشِّبْرِ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مُقَطَّعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَكَذَا الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَكَذَا تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَلِبْنَتُهُ، وَهُوَ الْقَبُّ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ.
قَالَ رحمه الله: (وَحَلَّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: رحمه الله يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ» وَالْمَيَاثِرُ شَيْءٌ كَانَتْ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مَرَافِقِ الْحَرِيرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِدَابَّةٍ عَلَى سَرْجِهَا حَرِيرٌ فَقَالَ هَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَلِأَنَّ التَّنَعُّمَ بِالتَّوَسُّدِ وَالِافْتِرَاشِ مِثْلُ التَّنَعُّمِ بِاللُّبْسِ، وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ» ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]
(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)(قَوْلُهُ: كِسْرَوَانِيَّةٍ) مَنْسُوبٌ إلَى كِسْرَى، وَهُوَ لَقَبُ مُلُوكِ الْفَرَسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا مُقَطَّعًا) أَيْ الْيَسِيرَ مِنْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ)، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَرِهَ تِكَّةَ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمَ، وَقَالَ فِي فَتَاوَى الصُّغْرَى، وَلَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْعَلَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي سُتَرِ الْحَرِيرِ، وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُمَا الْعُمُومَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ، وَهِيَ تَشْمَلُ اللُّبْسَ وَالتَّوَسُّدَ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِيْثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ الْمِيثَرَةُ بِالْكَسْرِ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْوَثَارَةِ يُقَالُ وَثُرَ وَثَارَةً فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ، وَأَصِلُهَا مِوْثَرَةٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ الْمِيمِ، وَهِيَ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ تُعْمَلُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ دِيبَاجٍ وَالْأُرْجُوَانُ صِبْغٌ أَحْمَرُ وَيُتَّخَذُ كَالْفِرَاشِ الصَّغِيرِ، وَيُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ صُوفٍ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ تَحْتَهُ عَلَى الرِّحَالِ فَوْقَ الْجِمَالِ، وَيَدْخُلُ مَيَاثِرُ السُّرُوجِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُ كُلَّ مِيْثَرَةٍ حَمْرَاءَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ. اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَاوِ مَعَ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ حَلَالٌ، وَهُوَ الْعَلَمُ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ، وَهُوَ التَّوَسُّدُ وَالِافْتِرَاشُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ كَامِلٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّدَ وَالِافْتِرَاشَ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالٌ، وَهُوَ مَعَ كُلٍّ امْتِهَانٌ فَقَصُرَ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مِنْ اللُّبْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْكَامِلُ إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلُّبْسِ وَنَمُوذَجًا، وَتَرْغِيبًا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمِرْفَقَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وِسَادَةُ الِاتِّكَاءِ. اهـ.
كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَمُوذَجًا وَنَظِيرُهُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُفْسِدُ فَكَذَا الْكَثِيرُ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ كُرْسِيِّ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ فِي حَقِّهِ إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ فَلَا يَكُونُ نَمُوذَجًا؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَمُوذَجًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ نَمُوذَجًا إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْهُ.
قَالَ رحمه الله: (وَلُبْسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ)؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُسْدَى بِالْحَرِيرِ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَصِيرُ ثَوْبًا إلَّا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ أَوْ نَقُولُ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُمَا، وَهُوَ اللُّحْمَةُ؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَنْظَرِ فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى.
قَالَ رحمه الله: (وَعَكْسُهُ حَلَّ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) أَرَادَ بِهِ عَكْسَ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرْبِ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلُّحْمَةِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْحَرْبِ ضَرُورَةً، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ، وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ مِنْهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إمَّا حَرِيرٌ خَالِصٌ أَوْ مَخْلُوطٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ سُدًى أَوْ لُحْمَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ، وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ فَلَا يَكُونُ ثَوْبًا.
قَالَ رحمه الله: (وَلَا يَتَحَلَّى الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ مُسْتَثْنَى تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَرَدَ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمُ فِضَّةٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ فِي طَلَبِهِ مَالًا عَظِيمًا فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَالتَّشْوِيشُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ رضي الله عنه، وَلَا يَتَخَتَّمُ بِغَيْرِ الْفِضَّةِ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ ثُمَّ عَادَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام هَذَا شَرٌّ مِنْهُ هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ» .
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِحَجَرٍ يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ وَالتَّخَتُّمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: نَمُوذَجًا) النَّمُوذَجُ بِالْفَتْحِ وَالْأُنْمُوذَجُ بِالضَّمِّ تَعْرِيبُ نموده، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَذَّةَ مَا وُعِدَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ، وَيَرْغَبُ فِي سَبَبٍ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ) أَيْ، وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ مِنْهُمَا الْكُرْسِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ الْجُلُوسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ أُنْمُوذَجًا إلَى الْكَامِلِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ أَيْ الْكُرْسِيُّ فِي الدُّنْيَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلُبْسُ مَا سَدَاه حَرِيرٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السَّدَى وَزَّانُ الْحَصَى مِنْ الثَّوْبِ خِلَافُ اللُّحْمَةِ، وَهُوَ مَا يُمَدُّ طُولًا فِي النَّسْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُلْحَمُ مِنْ الثِّيَابِ مَا سَدَاه إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ إبْرَيْسَمٍ، وَمِنْهُ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَتِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ مَا يُنْسَجُ عَرْضًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ لُغَةً، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثَعْلَبٌ وَاللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ وَالْفَتْحُ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: الْخَزَّ) الْخَزُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُتَّخِذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ، وَهُوَ تَرْكِيبُ السَّدَى بِاللُّحْمَةِ فَكَانَ صَيْرُورَتُهُ ثَوْبًا مُضَافًا إلَيَّ اللُّحْمَةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا تَعَلَّقَ وُجُودُهُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي إبَاحَةَ الْعَتَّابِيِّ وَنَحْوِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي أَنَّ السَّدَى لَوْ كَانَ ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ يُكْرَهُ لُبْسُهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ) أَيْ شِدَّتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْقَزِّ) الْقَزُّ مُعَرَّبٌ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ. مِصْبَاحٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْفِضَّةِ) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ. اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ) فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ النَّاسِ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ، وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْفَصِّ يَكُونُ فِيهِ الْحَجَرُ فِيهِ مِسْمَارُ ذَهَبٍ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ النَّهْيَ حَيْثُ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْقَضَّةِ، وَمَنْ النَّاسِ مَنْ أَبَاحَ التَّخَتُّمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالصُّفْرِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْكِتَابِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا التَّخَتُّمَ بِالْيَشْبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ فَأَمَّا الْيَشْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ بِهِ كَالْعَقِيقِ فَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(فَرْعٌ) نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ
بِالذَّهَبِ حَرَامٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ» ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ التَّخَتُّمِ وَالنَّمُوذَجِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى، وَهِيَ الْفِضَّةُ وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ الْحَجَرِ، وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّنْيَةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَخَتَّمَ إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ يَخْتِمُ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ أَيْ فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ، وَلَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى مِثْقَالٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اتَّخِذْهُ مِنْ الْوَرِقِ، وَلَا تُزِدْهُ عَلَى مِثْقَالٍ» . قَالَ رحمه الله: (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ وَحَرُمَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ)، وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله: (وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ) أَيْ يَحِلُّ شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكُ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَحِلُّ بِالذَّهَبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَحِلُّ بِالذَّهَبِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ «عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ كِلَابٍ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» ؛ وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ الْحُرْمَةُ فِيهِمَا فَإِذَا حَلَّ التَّضْبِيبُ بِأَحَدِهِمَا حَلَّ بِالْآخِرِ. وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا حَرَامٌ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْأَدْنَى، وَهُوَ الْفِضَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَعْلَى فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْفِضَّةِ حَيْثُ أَنْتَنَتْ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِي السِّنِّ وَالْمَرْوِيَّ فِي الْأَنْفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ فِي الْأَنْفِ عَدَمُ الْإِغْنَاءِ فِي السِّنِّ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّخَتُّمَ جَازَ لِأَجْلِ الْخَتْمِ ثُمَّ لَمَّا، وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْأَدْنَى لَا يُصَارُ إلَى الْأَعْلَى، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَنْفِ فَكَذَا هُنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَصَّ عَرْفَجَةَ بِذَلِكَ كَمَا خَصَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِأَجْلِ الْحَكَّةِ فِي جِسْمِهِمَا.
قَالَ رحمه الله: (وَكُرِهَ إلْبَاسُ ذَهَبٍ وَحَرِيرٍ صَبِيًّا)؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ أَيْضًا كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا الصَّبِيَّ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ.
قَالَ رحمه الله: (لَا الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ، وَمُخَاطٍ وَالرَّتَمُ) أَيْ لَا تُكْرَهُ الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ، وَلَا الرَّتَمُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ حَمْلُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَتَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَمْسَحُونَ بِأَطْرَافِ أَرْدِيَتِهِمْ، وَفِيهَا نَوْعُ تَجَبُّرٍ، وَتَكَبُّرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَلَا الرَّتَمُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ مَنَادِيلَ الْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِمَسْحِ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَلِحَمْلِ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ لَوْ حَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ يُكْرَهُ كَالتَّرَبُّعِ وَالِاتِّكَاءِ فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَا إذَا كَانَا لِحَاجَةٍ، وَيُكْرَهَانِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالرَّتَمُ هِيَ الرَّتِيمَةُ، وَهِيَ خَيْطُ التَّذَكُّرِ يُعْقَدُ فِي الْأُصْبُعِ، وَكَذَلِكَ الرَّتَمَةُ قَالَ الشَّاعِرُ.
إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ
…
فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ
، وَقِيلَ الرَّتَمُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ
هَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ
…
كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ
وَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ عَمَدَ إلَى هَذَا الشَّجَرِ فَشَدَّ بَعْضَ أَغْصَانِهِ بِبَعْضٍ فَإِذَا رَجَعَ، وَأَصَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ لَمْ تَخُنِّي امْرَأَتِي، وَإِذَا أَصَابَهُ قَدْ انْحَلَّ قَالَ خَانَتْنِي هَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّ اللَّيْثَ ذَكَرَ الرَّتَمَ بِمَعْنَى الرَّتِيمَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تُشْتَبَهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَهِيَ خَيْطٌ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زُمُرُّدٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ أَوْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ رَبِّي اللَّهُ أَوْ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَفِي الْأَجْنَاسِ، وَيَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى، وَلَا يَلْبَسُهُ فِي الْيُمْنَى، وَلَا فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصَابِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَسَوَّى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ التَّخَتُّمُ إنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً إذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى التَّخَتُّمِ بِأَنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى التَّخَتُّمِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) وَالشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كِلَابٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالْكَافِ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ وَادٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعَرَبِ فِي حَدِيثِهَا طُولٌ وَلِلْعَرَبِ فِيهَا أَشْعَارٌ. اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْكُلَابُ وِزَانُ غُرَابٍ مَاءٌ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ بِهِ، وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَهُوَ عَنْ الْيَمَامَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَكَرِهَ إلَخْ)، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يُكْرَهُ. اهـ. ع
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَكَبُّرًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ، وَمَنْ فَعَلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَنَظِيرُهُ التَّرَبُّعُ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءُ قَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ نَخْوَةً، وَتَكَبُّرًا، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ) وَالتِّعْقَادُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ عَلَى وَزْنِ التِّفْعَالِ كَالتَّلْعَابِ وَالتَّهْذَارِ وَالْبَيْتُ بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ هَلْ يَنْفَعَنك بِلَفْظِ هَلْ، وَهُوَ الْقِيَاسُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْفُقَهَاءُ رَوَوْهُ فِي كُتُبِهِمْ لَا يَنْفَعَنك بِحَرْفِ النَّفْيِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ لَا يَدْخُلُ فِي النَّفْيِ إلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ، وَقَوْلُهُ: هَمَّتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ، وَهِيَ