الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَادَ فِي الثَّمَرَةِ لَفْظَةَ أَبَدًا صَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَوْجُودَ وَمَا سَيُوجَدُ فِيهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ إذْ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَنَاوَلَ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى. وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا الْمَوْجُودُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ تَنَاوَلَهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا، وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يُسْتَحَقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَبِالْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَا يُسْتَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) قَالَ رحمه الله (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ)؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُ فَيُورَثُ فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ بَقِيَ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَسْجِدَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ فِيهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ يُتْرَكُونَ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا كَذَلِكَ الْبِيعَةُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ فَإِنَّهَا لِمَنَافِعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً عَنْ حُقُوقِهِمْ فَكَانَ مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمَّيْنَ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ أَوْ بِثَمَرَةِ أَرْضِهِ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ وَقَعَ عَلَى الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَبَدَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تِلْكَ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَالْمُوصَى لَهُ مَا دَامَ حَيًّا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ لَهُ وَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَعَادَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَالثِّمَارُ الْقَائِمَةُ تَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِصُوفِ غَنَمِهِ إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى بِالصُّوفِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]
(بَابُ وَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ) لَمَّا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ إلَخْ) مَعْنَاهُ جَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَهُمْ إحْدَاثُ الْبِيَعِ فِيهِ كَالْقُرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ مُسْلِمًا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ صَارَ مِيرَاثًا فَكَذَلِكَ هَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُضَافًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّمَا يُورَثُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ بِمَا لَا يَكُونُ قُرْبَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ) أَيْ يُحْصَى عَدَدُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ اهـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ.
فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِدَارِهِ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِدَارِهِ أَنْ تُبْنَى كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ حَرْبِيٍّ إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ كَنِيسَةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةً وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرَ الْمَعْصِيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَنَحْنُ أَمَرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، فَيَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه بَيْنَ بِنَائِهَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا أَنَّ الْبِنَاءَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ.
وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَانِي بِأَنْ يَصِيرَ مُحَرَّرًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتُوَرَّثَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرَ أَنَّ ثُبُوتَ مُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ امْتَنَعَ فِيمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ فَيَبْقَى فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا يُوَرَّثُ قَالَ مَشَايِخُنَا رحمهم الله هَذَا إذَا أَوْصَى بِبِنَائِهَا فِي الْقُرَى. وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُذْبَحَ خَنَازِيرُهُ وَيُطْعَمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ أَيْضًا قُرْبَةٌ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ أَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ أَوْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِأَنْ تُسْرَجَ مَسَاجِدُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَتَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا النَّوْعَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ تَسْرِيجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا هُوَ بَلْ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا شَاءُوا.
؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ وَصَاحِبُ الْهَوَى إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ فَجَعَلَهَا كَالذِّمِّيَّةِ، وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَا تَصِحَّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا. وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا.
قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةُ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ قَاضِي خَانْ الْمُرْتَدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالذِّمِّيَّةِ فَيَجُوزُ مِنْهَا مَا جَازَ مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَمَا لَا فَلَا.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى الْحَرْبِيُّ لِمُسْلِمٍ فَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّمْلِيكِ مُنَجَّزًا كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَكَذَا مُضَافًا، وَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .