الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَصَبَةِ حَتَّى يُعْطَى مَا ذُكِرَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَنَقُولُ الْعَصَبَةُ نَوْعَانِ نَسَبِيَّةٌ وَسَبَبِيَّةٌ فَالنَّسَبِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ جُزْءُ الْمَيِّتِ وَأَصْلُهُ وَجُزْءُ أَبِيهِ، وَجُزْءُ جَدِّهِ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى فَرْضُهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ، وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ أُنْثَى غَيْرِهَا كَالْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ. وَالسَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةُ، وَالْأُنْثَى لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ إنَّمَا سُمِّيَ عَصَبَةً لِقُوَّتِهِ، وَلِحُصُولِ التَّنَاصُرِ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّنَاصُرُ بِالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا صِرْنَ عَصَبَةً تَبَعًا أَوْ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَقَطْ.
قَالَ رحمه الله (وَالْأَحَقُّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ جُزْءُ الْمَيِّتِ، وَإِنْ سَفَلَ وَغَيْرُهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى أَنْ قَالَ سبحانه وتعالى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] فَجَعَلَ الْأَبَ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ سَهْمًا مُقَدَّرًا فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْعُصُوبَةِ، وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ وَلَدَ وَلَدِهِ عَلَى وَالِدِهِ، وَيَخْتَارُ صَرْفَ مَالِهِ لَهُ، وَلِأَجْلِهِ يَدَّخِرُ مَالَهُ عَادَةً عَلَى مَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِكَسْبِهِ مَحَلَّ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّا صَرَفْنَا مِقْدَارَ الْفَرْضِ لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنْتَ أَيْضًا عَلَيْهِ، وَعَلَى كُلِّ عَصَبَةٍ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ اخْتِيَارَهُ بِتَعْيِينِ الْفَرْضِ لَهَا، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لَأَوْلَى رَجُلٍ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا) أَيْ ثُمَّ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ أُصُولُ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَاهُمْ بِهِ الْأَبُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِإِرْثِ الْإِخْوَةِ الْكَلَالَةَ، وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ضَرُورَةً، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ بَعْدَ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ فَمَا ظَنُّك مَعَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ كَأَعْمَامِهِ وَأَعْمَامِ أَبِيهِ، وَالْجَدُّ أَبٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ رحمه الله (ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ) وَإِنَّمَا قُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِرْثَ فِي الْكَلَالَةِ لِلْإِخْوَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ، وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ جُزْءُ الْأَبِ فَكَانُوا أَقْرَبَ مِنْ الْأَعْمَامِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِاتِّصَالِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُقَدَّمُ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِهَذَا تُقَدَّمُ فِي الْفَرْضِ فَكَذَا فِي الْعُصُوبَةِ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ أَعْمَامُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ فَكَانُوا أَقْرَبَ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبَ بَعْدَهُمْ، وَقَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِخْوَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ عَلَى وَلَدِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِي أَعْمَامِ الْأَبِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ ذُو قَرَابَتَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ، وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى قَالَ رحمه الله (ثُمَّ الْمُعْتِقُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ، وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ إنْ شَكَرَكَ فَخَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَشَرٌّ لَهُ وَخَيْرٌ لَك، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتَهُ» ، وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ «ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِصْفَ مَالِهِ لِابْنَتِهِ، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ، وَهِيَ الْمُعْتِقَةُ» قَالَ رحمه الله
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]
قَوْلُهُ «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ» ) هُوَ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْبُخْلِ وَمَظِنَّةٌ لَهُ أَيْ يَحْمِلُ أَبَوَيْهِ عَلَى الْبُخْلِ وَيَدْعُوهُمَا إلَيْهِ فَيَبْخَلَانِ بِالْمَالِ لِأَجْلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ رحمه الله (قَوْلُهُ «مَجْبَنَةٌ») لِأَنَّهُ يُحِبُّ الْبَقَاءَ وَالْمَالَ لِأَجْلِهِ اهـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ
(ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ عَصَبَةُ الْمَوْلَى، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَعَصَبَتُهُ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وَهُوَ الْمَوْلَى عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِأَنْ يَكُون الْجُزْءُ الْمَوْلَى أَوْلَى وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ، أُصُولُهُ ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ يُقَدَّمُونَ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَبِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ.
قَالَ رحمه الله (وَاَللَّاتِي فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ) وَهُنَّ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ الْبَنَاتُ، وَبَنَاتُ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ، وَهَؤُلَاءِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ مِيرَاثِهِنَّ، وَقَوْلُهُ بِإِخْوَتِهِنَّ هَذَا فِي الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عُصُوبَتُهُنَّ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بَنَاتُ الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِأَبْنَاءِ أَعْمَامِهِنَّ أَيْضًا وَإِنْ سَفَلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلِ التَّشْبِيبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي حَقِّهِنَّ بِإِخْوَتِهِنَّ أَوْ بِمَنْ لَهُ حُكْمُ إخْوَتِهِنَّ وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله ذَكَرَ الْعَصَبَاتِ هُنَا وَاسْتَوْفَاهُ إلَّا الْعَصَبَةَ مَعَ غَيْرِهِ، وَهِيَ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُنَّ هُنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ، وَإِنَّمَا سُمِّينَ عَصَبَةً مَعَ غَيْرِهِ، وَمَعَ إخْوَتِهِنَّ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَهُوَ الْبَنَاتُ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِنَّ عَصَبَةً، وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ لِأَنَّ أَنْفُسَهُنَّ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَكَيْفَ يَجْعَلْنَ غَيْرَهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كُنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ بِنَفْسِهِمْ عَصَبَةٌ فَيَصِرْنَ بِهِ عَصَبَةً تَبَعًا.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ يُدْلِي بِغَيْرِهِ حُجِبَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى وَلَدِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ يُدْلِي بِالْأُمِّ، وَلَا تَحْجُبُهُ بَلْ هِيَ تُحْجَبُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا لَا تَحْجُبُهُ الْأُمُّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَلَا يَرِثُ هُوَ إرْثَهَا لِأَنَّهَا تَرِثُ بِالْوِلَادِ، وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْبُ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ تُحْجَبُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ أَوْلَى بِهِ مِنْهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَبِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يَحْجُبُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِهِ، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ كُلُّهُمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ الِابْنُ يَحْجُبُ ابْنَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَجْبَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِمَنْ يُدْلِي بِهِ بِشَرْطِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ يَكُونُ الْحَاجِبُ أَقْرَبَ كَالْأَعْمَامِ يُحْجَبُونَ بِالْإِخْوَةِ وَبِأَوْلَادِهِمْ، وَكَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ يُحْجَبُونَ بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهُمْ.
قَالَ رحمه الله (وَالْمَحْجُوبُ يَحْجُبُ كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مَعَ الْأَبِ) وَهُمَا لَا يَرِثَانِ مَعَهُ لِأَنَّ إرْثَ الْإِخْوَةِ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ، وَإِرْثَ الْأُمِّ الثُّلُثَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي أَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ فَجَعَلَ لِلْإِخْوَةِ مَا نَقَصَ مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ لَنَا أَنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِهِمْ لَا يُوجِبُ لَهُمْ مَا نَقَصَ مِنْ نَصْبِهَا فَيَحْجُبُونَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ شَيْءٌ.
قَالَ رحمه الله (لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ وَالْقَتْلِ مُبَاشَرَةً وَاخْتِلَافِ الدِّينِ أَوْ الدَّارِ) أَيْ لَا يَحْجُبُ الْمَحْرُومُ عَنْ الْإِرْثِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَحْجُبُ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِنَقْصِ نَصِيبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ بِالْوَلَدِ الْمَحْرُومِ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَلَدَ مُطْلَقًا، وَنَقَصَ بِهِ نَصِيبَهُمْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ مَحْرُومًا، وَكَذَا نَقَصَ نَصِيبُ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيُتْرَكُ عَلَى إطْلَاقِهِ.
وَلَا يَحْجُبُ حَجْبَ الْحِرْمَانِ لِأَنَّهُ لَوْ حُجَبُ هَذَا الْحَجْبَ وَهُوَ لَا يَرِثُ لَأَدَّى إلَى دَفْعِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْوَارِثِ أَوْ إلَى تَضْيِيعِهِ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَيْضًا لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ أَوْ الْإِخْوَةِ وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَحْرُومَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْمَيِّتِ لِأَنَّهُ حُرِمَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَالْمَيِّتِ ثُمَّ الْمَيِّتُ لَا يَحْجُبُ فَكَذَا الْمَحْرُومُ فَصَارَ كَحَجْبِ الْحِرْمَانِ، وَالنُّصُوصُ الَّتِي تُوجِبُ نُقْصَانَ إرْثِهِمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَوْلَادَ أَوَّلًا، وَأَثْبَتَ لَهُمْ مِيرَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا، وَهُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ.
وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْهُمْ فِي الْإِرْثِ هُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ فَكَذَا الْمَذْكُورُونَ فِي الْحَجْبِ هُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحْرُومَ اتَّصَلَتْ بِهِ صِفَةٌ تَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ فَأَلْحَقَتْهُ بِالْمَعْدُومِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَحْجُوبُ فَإِنَّهُ أَهْلٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ حَاجِبَهُ غَلَبَهُ عَلَى إرْثِهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَمَلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ بِقَوْلِهِ لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ إلَخْ لِيُبَيِّنَ الْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْإِرْثِ فَإِنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ) عَصَبَة الْمُعْتِقِ تَرِثُ الْمُعْتَقَ أَمَّا عَصَبَةُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ لَا يَرِثُ الْمُعْتَقُ بَيَانُهُ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنًا وَزَوْجًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِابْنِ الْمُعْتِقَةِ وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ الْأَبَ الَّذِي هُوَ زَوْجُ الْمُعْتِقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ لَا يَرِثُ الْأَبُ.
وَإِنْ كَانَ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الِابْنِ وَالِابْنُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ عَصَبَةَ الْمُعْتِقَةِ لَا يَرِثُ. اهـ. خُلَاصَةٌ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ
(قَوْلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الرِّقِّ وَالْقَتْلِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ اهـ
الْإِرْثَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إلَّا الطَّلَاقَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِنًّا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ.
وَهُوَ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ لَهُمْ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، وَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ أَوْ الْكَفَّارَةُ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ، وَهُوَ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ.
وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يُعَلِّقُهُ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ حَتَّى لَا يَرِثَ عِنْدَهُ إذَا قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ قَاضِيًا فَحَكَمَ بِذَلِكَ أَوْ شَاهِدًا فَشَهِدَ بِهِ أَوْ بَاغِيًا فَقَتَلَهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ سَيْفًا فَقَتَلَهُ دَفْعًا كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ عِنْدَهُ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ أَوْ أَجَازَ لَهُ قَتْلَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ سَائِرُ عُقُوبَاتِ الْقَتْلِ.
، فَكَذَا الْحِرْمَانُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ» هُوَ الْقَتْلُ بِالتَّعَدِّي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثٌ» بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ أَيْ قَاتِلٌ هُوَ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً عَنْ الْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ.
وَاخْتِلَافُ الدِّينِ أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِلَلِ الْكُفَّارِ كَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْوَثَنِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ «وَقَالَ عليه الصلاة والسلام النَّاسُ كُلُّهُمْ حَيِّزٌ، وَنَحْنُ حَيِّزٌ» وَاخْتِلَافُ الدَّارِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ الْإِرْثُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا، وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا حَقِيقَةً، وَالدَّارُ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمِلْكِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ، وَدَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاخْتِلَافِ مِلْكِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالْإِرْثُ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ. .
قَالَ رحمه الله (وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ مُكَلَّفٌ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ حُجِبَ أَحَدُهُمَا فَبِالْحَاجِبِ) أَيْ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي الْكَافِرِ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ حَجَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَهَذَا الْوَلَدُ ابْنُهَا، وَابْنُ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ، وَلَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا مَكَانَ الِابْنِ تَرِثُ الثُّلُثَيْنِ؛ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَالسُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ الِابْنِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَتَرِثُ مِنْ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا تَرِثُ مِنْ أُمِّهَا النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَتَرِثُ الْبَاقِيَ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا مِنْ أَبِيهَا، وَهِيَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهَا تَرِثُ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ بِنْتٍ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذِي سَهْمٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ يَرِثُ بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ وَآكَدِهِمَا أَيْ بِأَقْوَاهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ، وَالْمَانِعُ الْحَاجِبُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيَأْخُذُ بِالْجِهَتَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ إذَا اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ، وَتَرَكَتْ ابْنَ عَمِّهَا، وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ، وَالْعُصُوبَةِ فَكَذَا الْكَافِرُ إذْ هُوَ لَا يُخَالِفُ الْمُسْلِمَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْعُصُوبَةِ، وَلَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ) حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَخِيهِ الذِّمِّيِّ وَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَخٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ لَا أَخُوهُ الذِّمِّيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ) حَتَّى إذَا دَخَلَ ذِمِّيٌّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ عِنْدَ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ وَرِثَهُ أَخُوهُ الذِّمِّيُّ لَا أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ. اهـ.
يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ، وَهِيَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِهَا بَلْ لِلتَّرْجِيحِ فَقَطْ عِنْدَ مُزَاحَمَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ. كَالْأَخِ لِأَبٍ
قَالَ رحمه الله (لَا بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ) أَيْ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ لَا يَرِثُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ فَكَانَ كَالْفَاسِدِ
قَالَ رحمه الله (وَيَرِثُ وَلَدُ الزِّنَا وَاللِّعَانِ بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) لِأَنَّ نَسَبَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَرِثُ بِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ثَابِتٌ فَيَرِثُ بِهِ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ مِنْ الْأُمِّ بِالْفَرْضِ لَا غَيْرُ، وَكَذَا تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ مِنْ أُمِّهِ فَرْضًا لَا غَيْرُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أُمَّهُ أَوْ وَلَدَهُ بِالْعُصُوبَةِ، وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتَقَهُ أَوْ مُعْتَقَ مُعْتَقِهِ أَوْ وَلَدِهِ بِذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (وَوَقَفَ لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ) أَيْ إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ امْرَأَتَهُ حَامِلًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا وَقَفَ لِأَجْلِهِ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَعَنْهُ يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله لِأَنَّ وِلَادَةَ الِاثْنَيْنِ مُعْتَادٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ أَرْبَعَةِ بَنِينَ أَوْ أَرْبَعِ بَنَاتٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وِلَادَةُ أَرْبَعَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَيُتْرَكُ نَصِيبُهُمْ احْتِيَاطًا، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ وِلَادَةَ الْوَاحِدِ هُوَ الْغَالِبُ، وَالْأَكْثَرُ مِنْهُ مَوْهُومٌ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَقِلَّتِهِمْ، وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ أَوْلَادًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا يُتْرَكُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَدَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ هُوَ غَيْرُ الْوَلَدِ نَصِيبَهُ ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْأَوْلَادِ، وَيُتْرَكُ نَصِيبُ الْحَمْلِ مِنْهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ، وَالْحَمْلُ مِنْ الْمَيِّتِ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْحَمْلَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَيُّهُمَا أَقَلُّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ يَرِثُ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُ عَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ حَيًّا، وَعَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ مَيِّتًا يَرِثُ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا لِلِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي قَالَ رحمه الله (وَيَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ فَمَاتَ لَا أَقَلُّهُ) أَيْ الْحَمْلُ يَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ، وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ وَإِنْ خَرَجَ أَقَلُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ لَا يَرِثُ لِأَنَّ انْفِصَالَهُ حَيًّا مِنْ الْبَطْنِ شَرْطٌ لِإِرْثِهِ، وَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ ثُمَّ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا فَالْمُعْتَبَرُ صَدْرُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مَنْكُوسًا فَالْمُعْتَبَرُ سُرَّتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتَى) أَيْ إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ فِي الْغَرَقِ أَوْ الِاحْتِرَاقِ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا جَمِيعًا مَعًا فَيَكُونُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا إذَا عُرِفَ تَرْتِيبُ مَوْتِهِمْ فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَزَيْدٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُبْتَنَى عَلَى الْيَقِينِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَرِثُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا مَا وَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَوَجْهُهُ أَنَّ حَيَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَتْ ثَابِتَةً بِيَقِينٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ فَيَرِثُ مِنْهُ إلَّا مِمَّا وَرِثَهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَرِثَهُ مَالَهُ مِنْ وَارِثِهِ مُحَالٌ قُلْنَا إذَا اسْتَحَالَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ اسْتَحَالَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إذْ سَبَبُ الْإِرْثَ مُتَّحِدٌ لَا يَقْبَلُ التَّجَزِّي، وَظَاهِرُ حَيَاتِهِمْ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا مَاتُوا بِانْهِدَامِ الْجِدَارِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا.
قَالَ رحمه الله (وَذُو رَحِمٍ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَصَبَةِ أَيْ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ، وَذُو رَحِمٍ قَالَ رحمه الله (وَهُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ) أَيْ ذُو الرَّحِمِ هُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَلَا بِعُصُوبَةٍ، وَهَذَا عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ، وَفِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَرْضًا لَا غَيْرُ) فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ بِنْتٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ تَوْأَمٍ مِنْ الزِّنَا أَوْ اللِّعَانِ فَالْمَالُ لِلْبِنْتِ وَالْأُمِّ أَرْبَاعًا فَرْضًا وَرَدًّا وَلَا شَيْءَ لِلتَّوْأَمِ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَلَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا) كَأُمِّهِ أَوْ امْرَأَةِ أَخِيهِ أَوْ امْرَأَةِ جَدِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيُؤْخَذُ كَفِيلًا اهـ
الْحَقِيقَةِ الْوَارِثُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ، وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَرِيبٌ هُوَ ذُو سَهْمٍ، وَقَرِيبٌ هُوَ عَصَبَةٌ وَقَرِيبٌ هُوَ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ.
وَمَضَى الْكَلَامُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَبَقِيَ فِي الثَّالِثِ فَنَقُولُ عِنْدَنَا هُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَإِنَّهُ قَالَ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى حِمَارِهِ فَوَقَفَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ رَجُلٌ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ، وَيَفْعَلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُمَا» ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ لَا أُرَى يَنْزِلُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَا شَيْءَ لَهُمَا.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَجِدُ لَهُمَا شَيْئًا وَإِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ» وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.
«وَحِينَ مَاتَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ، وَكَانَ غَرِيبًا آتِيًا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَبَا لُبَابَةَ بْنَ الْمُنْذِرِ ابْنَ أُخْتِهِ فَأَعْطَاهُ مِيرَاثَهُ» ، وَعَنْ أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ «أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا خَالٌ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ آثَارٌ مُتَّصِلَةٌ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي عَمٍّ لِأُمٍّ وَخَالَةٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْعَمَّ الثُّلُثَيْنِ وَالْخَالَةَ الثُّلُثَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِيمَنْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً: لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ يَرِثُونَهُ جَمِيعًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ وَرِثَ مَالَهُ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا مَا حُكِيَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَاقِعَاتِ، وَمَا رَوَوْهُ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْ مَذْهَبِ الْخَصْمِ أَنْ لَا يَكُونَ حُجَّةً فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَمِثْلُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ ثُمَّ هُوَ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي دَفْعِ مَوَارِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ مَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لَا شَيْءَ لَهُمَا أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ أَيْ لَا فَرْضَ لَهُمَا مُقَدَّرٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا لِلتَّوَارُثِ بِالْإِيخَاءِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْعَصَبَةَ وَأَصْحَابَ السِّهَامِ، وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُهُمْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وَهِيَ عَامَّةٌ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مِنْهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ خَالَفُوهُ، وَذَهَبُوا إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فُقَهَائِهِمْ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ الْمَصَارِفِ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَرِثُ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ سِوَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ ذِي فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْفَرْضِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَيَرِثُونَ مَعَهُ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ أَوْلَى مِنْهُ.
وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ أَوْلَى مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَّا الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا قَرَابَةَ لَهُمَا مَعَ الْمَيِّتِ، وَإِرْثُهُمَا نَظِيرُ الدَّيْنِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا فَضَلَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِهِمَا، عَلَى ذَلِكَ كَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه يَرُدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه لَا يَرَى الرَّدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَمَا فَضَلَ مِنْهُمْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُ.
وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رحمه الله (وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) أَيْ تَرْتِيبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَكَانَ غَرِيبًا أَتِيًّا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْأَتِيُّ وَالْأَتَاوِيُّ الْغَرِيبُ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ أَتِيٌّ فِينَا أَيْ غَرِيبٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَأَتَى الرَّجُلُ الْقَوْمَ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَتِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيْلِ يَأْتِي مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَلَا يُصِيبُ تِلْكَ الْأَرْضَ أَتِيٌّ أَيْضًا اهـ
الْإِرْثِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ فُرُوعُ الْمَيِّتِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ أُصُولُهُ كَالْأَجْدَادِ الْفَاسِدِينَ وَالْجَدَّاتِ الْفَاسِدَاتِ وَإِنْ عَلَوْا ثُمَّ فُرُوعُ أَبَوَيْهِ كَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ فُرُوعُ جَدَّيْهِ وَجَدَّتَيْهِ كَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَإِنْ بَعُدُوا فَصَارُوا أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ.
وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ الْأُصُولُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْفُرُوعَ أَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ رحمه الله (وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) لِأَنَّ إرْثَهُمْ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ بِكَوْنِ الْأَصْلِ وَارِثًا إذَا اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ.
بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَكَانَ مَنْ يُدْلِي بِهِ أَقْوَى، وَلِلْقُوَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُونَ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ فِي الْعُصُوبَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ رحمه الله (وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضَعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَانَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَقْوَى فَيَكُونُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اتَّفَقَ الْأُصُولُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) أَيْ إنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْمُدْلَى بِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا أُصُولًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُونُوا قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا فَالْعَدَدُ مِنْهُمْ، وَالْوَصْفُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ) أَيْ إنْ لَمْ تَتَّفِقْ صِفَةُ الْأُصُولِ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ مِنْ الْفُرُوعِ أَيْ الْمُدْلُونَ بِهِمْ.
وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى ذَلِكَ الْبَطْنِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ بِعَدَدِ فُرُوعِهِ حَتَّى يُجْعَلَ الذَّكَرُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ ذُكُورًا بِعَدَدِ فُرُوعِهِ، وَالْأُنْثَى الْوَاحِدَةُ إنَاثًا بِعَدَدِ فُرُوعِهَا، وَيُعْطَى الْفُرُوعُ مِيرَاثَ الْأُصُولِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ بُطُونٌ مُخْتَلِفَةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ثُمَّ يُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً، وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمَا أَصَابَ الذُّكُورَ يُجْمَعُ، وَيُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِنَاثَ، وَهَكَذَا يُعْمَلُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ.
وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ، وَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ جِهَتَانِ أَوْ أَكْثَرَ تُعْتَبَرُ الْجِهَتَانِ أَوْ الْجِهَاتُ فَيَرِثُ بِكُلِّ جِهَةٍ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رحمه الله يَعْتَبِرُهَا فِي الْفُرُوعِ وَمُحَمَّدًا رحمه الله فِي الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ لَا تَرِثُ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَذُو الرَّحِمِ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ.
وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بِاسْمِ الْجَدَّةِ، وَالِاسْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَهُنَّ، وَإِرْثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالْقَرَابَةِ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ جَمِيعًا، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
قَالَ رحمه الله (وَالْفُرُوضُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ) أَيْ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ السِّتَّةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ عَلَى التَّنْصِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَكْثَرِ أَوْ عَلَى التَّضْعِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَقَلِّ فَتَقُولُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا أَوْ تَقُولُ الثُّمُنُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَخَارِجُهَا اثْنَانِ لِلنِّصْفِ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ لِسَمِيِّهَا، وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ مَخَارِجُ هَذِهِ الْفُرُوضِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ السِّتَّةُ سَبْعَةٌ اثْنَانِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِلَاطِ اخْتِلَاطَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوضَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِيءَ كُلُّ فَرْضٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ مُنْفَرِدًا فَمَخْرَجُ كُلِّ فَرْضٍ سَمِيُّهُ، وَهُوَ الْمَخْرَجُ الَّذِي يُشَارِكُهُ فِي الْحُرُوفِ إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِسَمِيٍّ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) كَبِنْتِ الْبِنْتِ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) كَبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا وَلَدُ وَارِثٍ فَإِنَّهَا وَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ وَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ وَابْنُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَلَدُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَهِيَ ذَاتُ رَحِمٍ اهـ ضَوْءٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اتِّفَاقًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ) وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَلْ هُوَ حَاشِيَةٌ أُلْحِقَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ) قَالَ صَاحِبُ الضَّوْءِ رحمه الله وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ يَقُولُ إنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي اهـ قَوْلُهُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ أَيْ فِي الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَفَاصِيلَ مُتَعَدِّدَةٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي ضَبْطُهَا.
وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ