المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَلَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٦

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[سَبَب الْأُضْحِيَّة وَشَرَائِطهَا]

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[مَا يُضَحَّى بِهِ]

- ‌[ مِمَّا تَكُون الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِي لَحْم الْأُضْحِيَّة]

- ‌[ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[يذبح المضحي بِيَدِهِ]

- ‌[ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)

- ‌(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

- ‌(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌{فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ}

- ‌{كِتَابُ الصَّيْدِ}

- ‌[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]

- ‌[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]

- ‌[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ]

- ‌ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ}

- ‌{بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ}

- ‌(بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ)

- ‌[فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ]

- ‌(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)

- ‌(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)

- ‌[بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ]

- ‌[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ)

- ‌[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]

- ‌(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ)

- ‌[فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً]

- ‌[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌(بَابُ الْقَسَامَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ)

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ]

- ‌(وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)

- ‌لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ

- ‌[ لَا يَعْقِل أَهْل مِصْر عَنْ أَهْل مِصْر آخِر]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ]

- ‌ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ

- ‌ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ

- ‌ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ

- ‌[الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة]

- ‌[ وَصِيَّة الْمُكَاتَب]

- ‌(بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]

- ‌[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ]

- ‌(كِتَابُ الْخُنْثَى)

- ‌[لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي]

- ‌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى

- ‌[مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل أَنْ يستبين أمره]

- ‌[قَبَلَ رَجُل الْخُنْثَى الْمُشْكِل بشهوة]

- ‌[تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى]

- ‌(مَسَائِلُ شَتَّى)

- ‌(إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ

- ‌[ مِيرَاث الْخُنْثَى]

- ‌[حَدّ قاذف الْخُنْثَى]

- ‌[لف ثَوْب نجس فِي آخِر طَاهِر]

- ‌[غنم مذبوحة وميتة حُكْم الْأَكْل مِنْهَا]

- ‌[سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض]

- ‌ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ

- ‌ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ

- ‌[ الْعَقَار الْمُتَنَازِع فِيهِ لَا يَخْرَج مِنْ يَد ذَوِي الْيَد]

- ‌[بَاعَ ضيعة ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَاده]

- ‌[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

- ‌[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[أحوال الْأَب فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْأُمّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[للجدات أحوال فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[الأخوات لِأَب وَأُمّ أحوالهن فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْفُرُوض المقدرة فِي الْمَوَارِيث]

- ‌[التصحيح فِي الْفَرَائِض]

- ‌[ خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: وَلَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ

وَلَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ آخُذُهُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله حَرِيمُهُ قَدْرُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ رحمهم الله فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَرْيِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)

قَالَ رحمه الله (هُوَ نَصِيبُ الْمَاءِ) أَيْ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ نَصِيبُ الْمَاءِ وَالصَّوَابُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] أَيْ نَصِيبٍ قَالَ رحمه الله: (الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ، وَيَتَوَضَّأَ بِهِ، وَيَشْرَبَهُ وَيَنْصِبَ الرَّحَى عَلَيْهِ، وَيُكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا يَدٌ عَلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُحْرِزًا وَالْمِلْكُ بِالْإِحْرَازِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ فَإِذَا أُحْرِزَ فَقَدْ مُلِكَ فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَالصَّيْدِ إذَا أُحْرِزَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ.

وَشَرَطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ بِأَنْ يَمِيلَهُ بِالْكَرْيِ أَوْ نَصْبِ الرَّحَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلَأِ الْحَشِيشُ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبِتَهُ أَحَدٌ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْرَعَهُ، وَيَسْقِيَهُ فَيَمْلِكُهُ مَنْ قَطَعَهُ، وَأَحْرَزَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ الِاسْتِضَاءَةُ بِضَوْئِهَا، وَالِاصْطِلَاءُ بِهَا، وَأَلَّا يُقَادَ مِنْ لَهَبِهَا، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمْرَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ.

قَالَ رحمه الله: (وَفِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْآبَارِ وَالْحِيَاضِ لِكُلٍّ شُرْبُهُ وَسَقْيُ دَوَابِّهِ لَا أَرْضِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبَقَرِ يَمْنَعُ)، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حَقُّ الشُّرْبِ وَسَقْيِ الدَّابَّةِ فِيهِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْأَنْهَارَ وَالْآبَارَ وَالْحِيَاضَ لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ فَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَاءِ تَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَمَنْ سَافَرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ مِنْ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى طَرِيقِهِ لِنَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ، وَصَاحِبُهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَهُ حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرَاضِي حَيْثُ يَمْنَعُ صَاحِبُ الْمَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا أَرْضِهِ؛ لِأَنَّ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ إذْ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَيَذْهَبُ بِهِ مَنْفَعَتُهُ فَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَا كَذَلِكَ شُرْبُهُ وَسَقْيُ دَابَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِمِثْلِهِ ضَرَرٌ عَادَةً حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّرَرُ بِكَسْرِ ضِفَّتِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبَقَرِ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا حَقَّ الشُّرْبِ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ إذْ بِهِ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهُ.

قَالَ رحمه الله: (وَالْمُحَرَّزُ فِي الْكُوزِ وَالْجُبِّ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ مَسَائِلُ الشِّرْبِ]

(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)(قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ إلَخْ) أَقُولُ كَانَ الشَّارِحُ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَوَهَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى اللَّامِ كَغُلَامِ زَيْدٍ وَنَصِيبِ زَيْدٍ فَبَادَرَ إلَى تَخْطِئَةِ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ ظُهُورِ اسْتِقَامَتِهِ حِينَئِذٍ إذْ الْمَاءُ لَا نَصِيبَ لَهُ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الشَّارِحِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ بِمَعْنَى اللَّامِ بَلْ بِمَعْنَى مِنْ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ بَعْضًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَصَالِحًا لِحَمْلِهِ عَلَيْهِ كَخَاتَمِ حَدِيدٍ وَبَابِ سَاجٍ فَالْخَاتَمُ بَعْضُ الْحَدِيدِ وَالْبَابُ بَعْضُ السَّاجِ وَالنَّصِيبُ بَعْضُ الْمَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمُضَافِ، وَهُوَ الْحَدِيدُ وَالسَّاجُ وَالْمَاءُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَيُقَالُ الْخَاتَمُ حَدِيدٌ وَالْبَابُ سَاجٌ وَالنَّصِيبُ مَاءٌ فَظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّوَابُ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخَطَأِ الْعُجَابِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ» إلَخْ) شَرِكَةُ إبَاحَةٍ لَا شَرِكَةُ مِلْكٍ فَمَنْ سَبَقَ إلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي وِعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَحْرَزَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ يَجُوزُ لَهُ تَمْلِيكُهُ بِجَمِيعِ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَصَايَاهُ كَمَا يَجُوزُ فِي أَمْلَاكِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ الِاسْتِضَاءَةُ وَالِاصْطِلَاءُ بِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله فَأَمَّا الشَّرِكَةُ فِي النَّارِ فَبَيَانُهُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِ كِتَابِ الشِّرْبِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي مَفَازَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ النَّارَ تَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَجْمَعَ حَتَّى لَوْ جَاءَ إنْسَانٌ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَضِيءَ بِضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبًا لَهُ حَوْلَ النَّارِ أَوْ يَصْطَلِيَ بِهَا فِي زَمَانِ الْبَرْدِ أَوْ يَتَّخِذَ مِنْهُ سِرَاجًا لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ النَّارِ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْقَدَ النَّارَ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ لَا بِالنَّارِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فَتِيلَةِ سِرَاجِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْجَمْرَةِ فَإِنَّ لِصَاحِبِ النَّارِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَوْ أَطْلَقْنَاهُ لِلنَّاسِ لَمْ يَبْقَ لَهُ نَارٌ يَصْطَلِي بِهَا، وَيَخْبِزُ بِهَا، وَهَذَا الْأَوْجَهُ لَهُ. اهـ. حُكْمُ الْكَلَأِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمَرَاعِي، وَإِجَارَتِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ ضِفَّتِهِ) أَيْ ضِفَّةِ النَّهْرِ، وَهِيَ حَافَّتُهُ وَرَوَاهَا

ص: 39

فَكَانَ أَخَصَّ بِهِ كَالصَّيْدِ إذَا أَخَذَهُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا فَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ الْمَاءُ فِيهِ، وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ، وَلَا كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] حَيْثُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِلَفْظِ الشُّرَكَاءِ فَلَمْ يَمْنَعْ اخْتِصَاصَ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا الْمَالُ لِأَهْلِ بَلَدِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَالِهِ، وَلَا يُقَالُ هُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْرَثَ مِثْلُهُ شُبْهَةً لَانْسَدَّ بَابُ إقَامَةِ الْحُدُودِ كُلِّهَا حَتَّى حَدُّ الزِّنَا، وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إلَيْهِ أَوْ تَتْرُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضِفَّتَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الشَّفَةِ فِي الْمَاءِ الَّذِي فِي حَوْضِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قِيلَ هَذَا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَمَّا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ حَقًّا لِلْكُلِّ وَالْإِحْيَاءَ لِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ، وَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ فَلَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ.

وَحُكْمُ الْكَلَأِ حُكْمُ الْمَاءِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ قِيلَ لِلْمَالِكِ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ، وَتَدْفَعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَتْرُكَهُ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءَ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْعَطَشَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِأَثَرِ عُمَرَ رضي الله عنه؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ الشَّفَةِ، وَهُوَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُحَرَّزًا فِي الْأَوَانِي فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ. وَفِي الْكَافِي قِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِسِلَاحٍ حَيْثُ جَعَلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ بِهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَا وَالشَّفَةُ إذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ كَسَقْيِ الْأَرْضِ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَاءَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ فِي النَّهْرِ، وَيَغْسِلُ الثِّيَابَ فِيهِ قُلْنَا فِي ذَلِكَ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَيُدْفَعُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ وَحَمَلَ الْمَاءَ إلَيْهِ بِالْجَرَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ، وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ نَخِيلَهُ، وَأَرْضَهُ وَشَجَرَهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَبِئْرِهِ، وَقَنَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا.

وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْمُقَاسَمَةِ انْقَطَعَتْ شَرِكَةُ الشُّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ لَوْ بَقِيَتْ لَانْقَطَعَ شُرْبُ صَاحِبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَفَرَ نَهْرًا إلَى أَرْضِهِ فَيُفْضِي إلَى كَسْرِ ضِفَّتِهِ، وَإِلَى الْحَفْرِ فِي حَرِيمِ بِئْرِهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ، وَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَيَمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ الْمِيَاهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْأَنْهُرُ الْعِظَامُ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَالْأَنْهَارُ الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ، وَمَا صَارَ فِي الْأَوَانِي فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ رحمه الله: (وَكَرْيُ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ بَيْت الْمَالِ)

؛ لِأَنَّ

ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لَهَا فَكَانَ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ مِنْهُ قَالَ رحمه الله:(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَجْبَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ نُصِبَ نَاظِرًا، وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى النَّاسِ، وَقَلَّمَا يَنْفُقُ الْعَوَامُّ عَلَى الْمَصَالِحِ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ، وَفِي نَظِيرِهِ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَوْ تَرَكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ إلَّا أَنَّهُ يُخْرِجُ لَهُ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ.

قَالَ رحمه الله: (وَكَرْيُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ عَلَى أَهْلِهِ، وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى كَرْيِهِ)؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ خَاصًّا لَا يُجْبَرُ وَالْفَاصِلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

صَاحِبُ الْمُغْرِبِ بِكَسْرِ الضَّادِ، وَفَتْحِهَا جَمِيعًا، وَفِي الدِّيوَانِ بِالْكَسْرِ جَانِبُ النَّهْرِ وَبِالْفَتْحِ جَمَاعَةُ النَّاسِ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ) نَقُولُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَرِيدُ لِلْكَلَأِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهُ خُذْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إحْرَازٌ فَبَقِيَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ إلَخْ) وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ السَّاقِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا كُلُّ مَا أُعِدَّ لِلشُّرْبِ حَتَّى قَالُوا فِي الْحِيَاضِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلشُّرْبِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوَضُّؤُ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ مَاءَ السِّقَايَةِ إلَى بَيْتِهِ لِلشُّرْبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا) السَّفْسَافُ الْأَمْرُ الْحَقِيرُ وَالرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ ضِدُّ الْمَعَالِي وَالْمَكَارِمِ، وَأَصْلُهُ مَا يَطِيرُ مِنْ غُبَارِ الدَّقِيقِ إذَا نُخِلَ وَالتُّرَابِ إذَا أُثِيرَ. اهـ ابْنُ الْأَثِيرِ

(قَوْلُهُ: وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجَعَلَ مُحَمَّدٌ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الْخَاصُّ مِنْ النَّهْرِ مَا لَوْ بِيعَتْ أَرْضٌ عَلَى هَذَا النَّهْرِ كَانَ لِجَمِيعِ أَهْلِ النَّهْرِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ التَّحْدِيدِ هُوَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ إنْ كَانُوا مَا دُونَ الْمِائَةِ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ تُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ، وَإِنْ كَانُوا مِائَةً فَصَاعِدًا فَالشَّرِكَةُ عَامَّةٌ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْكُلِّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ. اهـ

ص: 40

بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّ مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ، وَمَا لَا تُسْتَحَقُّ بِهِ عَامٌّ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْعَامِّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ، وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ بِإِلْزَامِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بَلْ وَاجِبٌ إذَا تَعَيَّنَ مِدْفَعًا فَبِدُونِ الضَّرَرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْآبِيَ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ نَفْعٌ بِمُقَابَلَتِهِ فَأَمْكَنَ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَاصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَإِنَّمَا فِيهِ دَفْعُ ضَرَرٍ خَاصٍّ، وَهُوَ ضَرَرُ شُرَكَائِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا، وَيُمْكِنُ دَفْعُ ضَرَرِ شُرَكَائِهَا بِدُونِ ذَلِكَ بِأَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَامًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ وَرُبَّمَا لَا تُقْبَلُ الْمُؤْنَةُ الْقِسْمَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَدْرِي حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ فِي كَرْيِ النَّهْرِ الْخَاصِّ إحْيَاءُ حُقُوقِ أَهْلِ الشَّفَةِ فَيَكُونُ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا جَبْرَ لِأَجْلِ حَقِّ أَهْلِ الشَّفَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الشُّرْبِ كُلَّهُمْ لَوْ امْتَنَعُوا عَنْ الْكَرْيِ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ، وَلَوْ كَانَ حَقُّ الشَّفَةِ مُعْتَبَرًا لَأُجْبِرُوا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ.

قَالَ رحمه الله (وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ فَإِنْ جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ بَرِيءٍ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إلَى آخِرِهِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِالْأَسْفَلِ كَمَا يَنْتَفِعُ بِالْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَسْيِيلِ الْفَاضِلِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إذَا سَدَّ عَلَيْهِ فَاضَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِهِ، وَأَفْسَدَ زَرْعَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِالنَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلِهَذَا يَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهِ فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْغُنْمِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ مُؤْنَةَ الْكَرْيِ عَلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِالنَّهْرِ، وَيَسْقِي الْأَرَاضِيَ مِنْهُمْ فَإِذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَ رَجُلٍ فَلَيْسَ لَهُ فِي كَرْيِ مَا بَقِيَ مَنْفَعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَبِانْتِفَاعِهِ فِي أَسْفَلَ مِنْ حَيْثُ إجْرَاءُ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ عِمَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ حَقُّ تَسْيِيلِ مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَا يَلْزَمُهُ عِمَارَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِاعْتِبَارِ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْمَاءِ عَنْهُ بِسَدِّ فُوَّهَةِ النَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ مِنْ أَسْفَلَ وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَرْيَ إذَا انْتَهَى إلَى فُوَّهَةِ أَرْضِهِ مِنْ النَّهْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ حَدَّ أَرْضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الْفُوَّهَةَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ إنْ شَاءَ مِنْ أَعْلَى، وَإِنْ شَاءَ مِنْ أَسْفَلَ فَكَانَ مُنْتَفِعًا بِالْكَرْيِ انْتِفَاعَ سَقْيِ الْأَرْضِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ أَرْضِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا كَرْيَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ)؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ إذْ أَهْلُ الدُّنْيَا كُلُّهُمْ لَهُمْ حَقُّ الشَّفَةِ، وَمُؤْنَةُ الْكَرْيِ لَا تَجِبُ عَلَى قَوْمٍ لَا يُحْصَوْنَ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا سَقْيُ الْأَرَاضِي، وَأَهْلُ الشَّفَةِ أَتْبَاعٌ وَالْمُؤْنَةُ تَجِبُ عَلَى الْأُصُولِ دُونَ الْأَتْبَاعِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الشُّفْعَةَ.

قَالَ رحمه الله: (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعَى فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ؛ وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُدَّعَى إذَا ثَبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالشُّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِدُونِ أَرْضٍ فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي فِيهِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشُّرْبَ مَرْغُوبٌ فِيهِ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُمْلَكَ بِغَيْرِ أَرْضٍ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ دُونَ الشُّرْبِ فَيَبْقَى لَهُ الشُّرْبُ وَحْدَهُ فَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ وَلِآخَرَ فِيهَا نَهْرٌ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يُجْرِيَ النَّهْرَ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّهْرِ مِنْهَا فِي يَدِ رَبِّ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِيَسْقِيَهَا فَيَقْضِيَ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَ الدَّعْوَى فِيهِ أَوْ حَقُّ الْإِجْرَاءِ بِإِثْبَاتِ الْمَجْرَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمِلْكِ، وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابُ أَوْ الْمَمْشَى فِي دَارِ غَيْرِهِ فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ نَظِيرُهُ فِي الشُّرْبِ.

قَالَ رحمه الله: (نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشُّرْبِ سَقْيُ الْأَرَاضِيِ وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْأَرَاضِي، وَكَثْرَتِهَا وَالظَّاهِرُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. اهـ ابْنُ فِرِشْتَا.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا كَرْيَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ) أَصْلُ الشَّفَةِ شَفَهَةٌ وَلِهَذَا تَقُولُ فِي تَصْغِيرِهَا شُفَيْهَةٌ، وَفِي جَمْعِهَا شِفَاهُ، وَالتَّصْغِيرُ وَالتَّكْثِيرُ يَرُدَّانِ الْأَشْيَاءَ إلَى أَصْلِهَا وَحُذِفَتْ الْهَاءُ تَخْفِيفًا يُقَالُ هُمْ أَهْلُ الشَّفَةِ أَيْ لَهُمْ حَقُّ الشُّرْبُ بِشَفَاهُمْ، وَأَنْ يَسْقُوا بَهَائِمَهُمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرْضُونَ، وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ أَصْلُهُ بَيْنَهُمْ فَاخْتَلَفُوا وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ فَالشُّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ صَاحِبِ كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ عَشَرَةُ أَجْرِبَةٍ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةٌ إلَّا أَنَّ أَرْضَهُ لَا تَكْتَفِي لِلزِّرَاعَةِ بِقَدْرِ الْمَاءِ يَأْخُذُهُ فَعَلَى مَا قَالَهُ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ نِصْفَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الدَّقَّاقِ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ زِيَادَةً. اهـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ أَصْلُهُ إلَخْ فَأَمَّا إذَا عُلِمَ يُقْسَمُ عَلَى مَا كَانَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 41

أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الشُّرْبِ بِقَدْرِ أَرْضِهِ وَبِقَدْرِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشُّرَكَاءُ حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ سَعَةُ الدَّارِ وَضِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الِاسْتِطْرَاقُ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ، وَلَا يُقَالُ قَدْ اسْتَوَوْا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى النَّهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً إذْ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِفَاعَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَرَاضِي فَيَتَفَاوَتُ الْإِحْرَازُ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الِانْتِفَاعِ فَيَكُونُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُسَكِّرَ النَّهْرَ عَلَى الْأَسْفَلِ، وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ فِي السَّكْرِ إحْدَاثَ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فِي وَسَطِ النَّهْرِ وَرَقَبَةُ النَّهْرِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ بِدُونِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ الْأَعْلَى يُسَكِّرُ النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَكِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّهُمْ، وَقَدْ زَالَ بِتَرَاضِيهِمْ، وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُسَكِّرَ بِلَوْحٍ أَوْ بَابٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَكِّرَ بِالطِّينِ وَالتُّرَابِ لِئَلَّا يَنْكَبِسَ النَّهْرُ بِهِ، وَفِيهِ إضْرَارٌ بِالشُّرَكَاءِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي النَّهْرِ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي إلَى أَرْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِالسَّكْرِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يُسَكِّرُوا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُسَكِّرُوا قَبْلَهُمْ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءُ عَلَى أَهْلِ الْأَعْلَى حَتَّى يَرْوُوا، وَهَذَا يُوجِبُ بُدَاءَةَ أَهْلِ الْأَسْفَلِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دَالِيَةً أَوْ جِسْرًا أَوْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ، وَقَدْ وَقَعَ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى أَوْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِيهِ شِرْبٌ بِلَا رِضَاهُمْ)؛ لِأَنَّ فِي شَقِّ النَّهْرِ وَنَصْبِ الرَّحَى كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَشَغْلَ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِالْبِنَاءِ، وَفِي الْكَسْرِ تَغْيِيرُ الْمَاءِ عَنْ سُنَنِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّحَى لَا تَضُرُّ بِالنَّهْرِ، وَلَا بِالْمَاءِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ صَاحِبِهَا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبِنَاءِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَبِسَبَبِ الرَّحَى لَا يَنْقُصُ الْمَاءُ، وَمَعْنَى الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ كَسْرُ ضِفَّتِهِ وَبِالْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ سُنَنِهِ أَوْ يَنْقُصَ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَالْمَانِعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ مُتَعَنِّتٌ قَاصِدٌ إلَى الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ لَا دَافِعٌ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى تَعَنُّتِهِ.

وَالدَّالِيَةُ وَالسَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّحَى، وَفِي الْقَنْطَرَةِ وَالْجِسْرِ إشْغَالُ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَكِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ الدَّالِيَةُ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأُرْزِ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ لِيَسْتَقِيَ بِهَا، وَقِيلَ هُوَ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ يُسْتَقَى عَلَيْهِ مِنْ الْبِئْرِ وَالْجِسْرُ اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ، وَيُرْفَعُ مِمَّا يَكُونُ مُتَّخَذًا مِنْ الْأَلْوَاحِ وَالْخَشَبِ، وَالْقَنْطَرَةُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْآجُرِّ وَالْحَجَرِ يَكُونُ مَوْضُوعًا، وَلَا يُرْفَعُ، وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ خَالِصٌ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ مِنْ نَهْرٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقَنْطِرَ عَلَيْهِ، وَيَسُدَّهُ مِنْ جَانِبَيْهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَنْطَرًا مَسْدُودًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَزِيدُ فِي أَخْذِ الْمَاءِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ بِنَاءً هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ وَمِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ فِي أَخْذِ الْمَاءِ مُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ الشُّرَكَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضِفَّتِهِ، وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى.

وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِالْكُوَى؛ لِأَنَّهُ إذَا وَسَّعَ فَمَ النَّهْرِ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَدْخُلُ فِي كُوَّتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَدْخُلُ قَبْلَهُ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ فَمَ النَّهْرِ فَيَجْعَلُهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ فَمِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِيهِ فَيَزْدَادُ دُخُولُ الْمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْفِلَ كُوَاهُ أَوْ يَرْفَعَهُ مِنْ حَيْثُ الْعُمْقُ فِي مَكَان حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَاءِ فِي الْأَصْلِ وَقَعَ بِاعْتِبَارِ سَعَةِ الْكُوَّةِ وَضِيقِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّسَفُّلِ، وَالتَّرَفُّعُ فِي الْعُمْقِ هُوَ الْعَادَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْنَعُ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُوًى مُسَمَّاةٌ فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ كُوَّةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ خَاصَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكُوَى فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَشُقَّ نَهْرًا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ الْكُوَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.

وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ فِيهَا شَرْبٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَخْشَى أَنْ يَدَّعِيَ حَقَّ الشِّرْبِ لَهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ مَعَ الْأُولَى.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ) يَعْنِي يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّسْفِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَأَمَّا فِي تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ يَتَصَرَّفُ فِي حَافَّتَيْ النَّهْرِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَيَضُرُّ بِشُرَكَائِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِتَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ يَأْخُذُ مِنْ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا شَيْئًا مِنْ مَاءِ أَصْحَابِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: هَذَا النَّهْرُ مَعَ الْأُولَى) أَيْ الْأَرْضِ الْأُولَى. اهـ.

ص: 42

إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَحْفُورِ لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ إلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ فِي أَرْضِهِ الْأُولَى حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَسْقِيَ الْأُخْرَى، وَهُوَ نَظِيرُ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي مِفْتَحُهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَارَّةَ لَا تَزْدَادُ، وَلَهُ حَقُّ الْمُرُورِ، وَيَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَهُوَ الْجِدَارُ بِالرَّفْعِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ، وَفِيهِ كُوًى بَيْنَهُمَا أَنْ يَسُدَّ بَعْضَهَا دَفْعًا لِفَيْضِ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا تَنِزَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ النَّهْرَ مُنَاصَفَةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكُوَى تَقَدَّمَتْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَبَعْدَ التَّرَاضِي لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ، وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةُ الشِّرْبِ لَا مُبَادَلَةٌ؛ لِأَنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا إجَارَةُ الشِّرْبِ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَعَيَّنَتْ الْإِعَارَةُ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكُوَى قَدْ تَمَّتْ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْقُضَ تِلْكَ الْقِسْمَةَ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعِيرًا نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ فِيهَا هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ؛ وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ.

قَالَ رحمه الله: (وَيُورَثُ الشِّرْبُ، وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ، وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَرَثَةَ خُلَفَاءُ الْمَيِّتِ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَأَمْلَاكِهِ، وَجَازَ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ وَالْخَمْرِ فَكَذَا الشِّرْبُ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَكَانَتْ مِثْلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ أَوْ الْجَهَالَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْحَالِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ بِعَقْدٍ وَالْوَصِيَّةُ بِبَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ مِثْلُ بَيْعِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الْخُلْعِ، وَلَا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ عَنْ دَعْوَى لَكِنْ هَذِهِ الْعُقُودُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا يَمْلِكُ الشِّرْبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ رَدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْمَهْرِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى دَعْوَاهُ لِبُطْلَانِ الْمُسَمَّى، وَلَوْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَا يُبَاعُ الشِّرْبُ بِدُونِ الْأَرْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْضٌ قِيلَ يَجْمَعُ الْمَاءَ فِي كُلِّ نَوْبَتِهِ فِي حَوْضٍ فَيُبَاعُ الْمَاءُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَنْظُرُ الْإِمَامُ إلَى أَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهَا فَيَضُمُّ هَذَا الشِّرْبَ إلَيْهَا فَيَبِيعُهُمَا بِرِضَا صَاحِبِهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ، وَإِلَى قِيمَتِهَا مَعَهُ فَيَصْرِفُ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالسَّبِيلُ فِي مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الشِّرْبِ إذَا أَرَادَ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَنْ يُقَوَّمَ الشِّرْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعُقْرِ الْوَاجِبِ بِشُبْهَةٍ يَنْظُرُ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِكَمْ كَانَتْ تُسْتَأْجَرُ عَلَى الزِّنَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ عُقْرُهَا فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ اشْتَرَى عَلَى تَرْكَةِ هَذَا الْمَيِّتِ أَرْضًا بِغَيْرِ شِرْبٍ ثُمَّ ضَمَّ هَذَا الشِّرْبَ إلَيْهَا وَبَاعَهُمَا فَيُؤَدِّي مِنْ الثَّمَنِ ثَمَنَ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ، وَالْفَاضِلُ لِلْغُرَمَاءِ.

قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ مَلَأَ أَرْضَهُ مَاءً فَنَزَتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ غَرِقَتْ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ، وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي التَّسَبُّبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهَا لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَدٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ أَرْضَهُ مَاءً، وَيَسْقِيَهَا قَالُوا هَذَا إذَا سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا مُعْتَادًا بِأَنْ سَقَاهَا قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا سَقَاهَا سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ فَيَضْمَنُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي دَارِهِ فَاحْتَرَقَ دَارُ جَارِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أَوْقَدَ مِثْلَ الْعَادَةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْعَادَةِ يَضْمَنُ، وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إسْمَاعِيلُ يَقُولُ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ بِالسَّقْيِ الْمُعْتَادِ إذَا كَانَ مُحِقًّا فِيهِ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ، وَأَمَّا إذَا سَقَاهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي فِي السَّبَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ) أَيْ تَتَشَرَّبُهُ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ بِبَيْعِهِ، وَهِبَتِهِ) أَيْ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ شِرْبُهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ يُوهَبَ لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ. اهـ.

ص: 43