الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدِّيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدِّيَةَ وَأَنْوَاعَهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «قَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ وَدِيَةِ جَنِينِهَا عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ فَقَالَ أَبُو الْقَاتِلَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام هَذَا مِنْ الْكُهَّانِ» ، وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا وَجْهَ إلَى إهْدَارِهَا وَلَا إيجَابَ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى الْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَمَرْفُوعٌ عَنْهُ الْخَطَأُ وَفِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ وَاسْتِئْصَالِهِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةُ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَخَصَّ بِالضَّمِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَصِّرُ فِي الِاحْتِرَازِ لِقُوَّةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا لَا يَحْتَرِزُ فِي أَفْعَالِهِ إذَا كَانَ قَوِيًّا فَكَأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِأَحَدٍ وَتِلْكَ الْقُوَّةُ تَحْصُلُ بِأَنْصَارِهِ غَالِبًا وَهُمْ أَخْطَئُوا بِنُصْرَتِهِمْ لَهُ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَى التَّعَدِّي فَقَصَّرُوا بِهَا عَنْ حِفْظِهِ فَكَانُوا أَوْلَى بِالضَّمِّ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يَنْقَلِبُ مَالًا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ.
قَالَ رحمه الله (وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهِمْ فِي الدِّيوَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَكَانَ كَذَلِكَ إلَى أَيَّامِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ، وَلِأَنَّهَا صِلَةٌ فَالْأَقَارِبُ بِهَا أَوْلَى كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنَى الْعَقْلِ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ بِالْحَلِفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ يُعَدُّ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَةٍ وَفِي عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ وَإِنْ كَانُوا بِالْحَلِفِ فَأَهْلُهُ وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهِمَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّخْفِيفُ وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ خَرَجَتْ عَطَايَا ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ بِالْقَضَاءِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ وَهُوَ التَّخْفِيفُ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَوْنُ كُلِّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ ضَرُورَةً وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يَجِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا أَوْ انْقَلَبَ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ مَالًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الدِّيَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَبِالسُّنَّةِ، نَحْوُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مُنْكِرَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ أَصْلًا وَوُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدِيَةِ جَنِينِهَا عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُمْ وَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَيْنِ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بِلَادِ قَوْمِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْبَصْرَةِ وَابْتَنَى بِهَا دَارًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ، وَكَذَا الَّذِي بَاشَرَ شِبْهَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْآلَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ) أَيْ إجْحَافِ الْخَاطِئِ أَيْ إهْلَاكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) أَيْ ابْتِدَاءً وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَا ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ حَيْثُ يَكُونُ مُوجَبُ الْقَتْلِ الْقِصَاصَ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ إلَى الدِّيَةِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْأَبِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ صُلْحًا عَنْ الْعَمْدِ يَجِبُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً إلَّا إذَا اشْتَرَطَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
[مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ) اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الْمَقَالَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَفِيهَا مَا يُنَاسِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَفَوَائِدُ جَلِيلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ بِالْحِلْفِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَهْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَدِّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا) أَيْ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمْ التَّنَاصُرُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ إلَخْ) أَنَّهُ جَعَلَ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
فِي مَالِهِ يَكُونُ حَالًّا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّخْفِيفِ لِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابِلَةِ النَّفْسِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ إذَا كَانَ خَطَأً فَلَا يَتَعَدَّاهُ فَيَجِبُ مُؤَجَّلًا وَلَوْ قَتَلَ عَشْرَةٌ رَجُلًا وَاحِدًا خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ فَيُؤَجَّلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمِثْلُ وَالنَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِهِ وَنَظِيرُهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانِيًّا فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ. قَالَ رحمه الله (وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيَنْقُصُ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ كَمَا ذَكَرَ هُنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَرْبَعَةً يَكُونُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اثْنَا عَشْرَ دِرْهَمًا فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ التَّخْفِيفِ لِبُلُوغِهِ حَدَّ الْجِزْيَةِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَاخْتَلَفُوا فِي آبَاءِ الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا أَنْسَابَهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ الْمَحَالَّ وَالْقُرَى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ تَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ أَيْ أَقْرَبُهُمْ نُصْرَةً إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَيَعْتَبِرُ بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ هِيَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الزَّكَاةِ، أَلَا تَرَى لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا تَحْقِيقًا لِزِيَادَةِ التَّخْفِيفِ وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا فَأُقِيمَ مَقَامَهَا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا صِلَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يُؤْخَذُ كُلَّمَا خَرَجَ رِزْقُ ثُلُثِ الدِّيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَبِحِسَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَصْلٌ وَمِنْ الْأَرْزَاقِ خَلَفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْخَلَفُ مَعَ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَيْسَرُ لَهُمْ، وَالْأَخْذُ مِنْ الْأَرْزَاقِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ إذْ الْأَرْزَاقُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَيَتَضَرَّرُونَ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ وَالْأَعْطِيَةُ لِيَكُونُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ مِنْهُ.
قَالَ رحمه الله (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمِثْلُ) أَيْ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الضَّمَانِ هُوَ الْمِثْلُ الْفَائِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ الصَّالِحِ لِلْكَرَامَاتِ كَالْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَبَيْنَ الْمَالِ، وَالتَّحَوُّلُ مِنْ الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْآدَمِيُّ إلَى قِيمَةِ الْآدَمِيِّ الْفَائِتِ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ فَاعْتُبِرَ ابْتِدَاءً مُدَّةَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي مَقْلُوبِ الْوَرَقَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ إلَخْ مَا يُؤَكِّدُهُ فَانْظُرْهُ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْقَاتِلُ. اهـ. مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَمَنْ جَنَى مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ فُرِضَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عَلَى الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِي الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنِي الْأَعْمَامِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَهَلْ يُدْخِلُ الْبَنُونَ وَالْآبَاءُ بَعْضَهُمْ قَالُوا يُدْخِلُونَ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يُدْخِلُونَ لِأَنَّ الِانْتِصَارَ غَيْرُ مُعْتَادٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعُ دِينَارٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَعْطِيَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَالْعَطِيَّةُ مَا تُفْرَضُ لِيَكُونُوا قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ الْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلِ وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا اقَالَ إذَا كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ وَأَعْطِيَاتٌ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ أَيْضًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْوَرَقَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِي كَلَامِ الشَّرْحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ) حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا صَحِيحَ الْعَقْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَاقِلَةٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ كَاللَّقِيطِ وَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَأَمَّا إذَا عَاقَدَ أَحَدًا عَقْدَ الْوَلَاءِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي وَالَاهُ