الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ فِيهِ كَدَفْعِ الْعَيْنِ فِي الْقِنِّ وَدَفْعُ الْعَيْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهَا وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِي الْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حَالَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا قَتَلَ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَلْفَا دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْأَوْسَطِ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، فَيَكُونُ لِوَلِيِّ الْأَوْسَطِ أَلْفٌ مِنْهَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَوَّلِ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَكَذَا الثَّالِثُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يُعْطَى خَمْسَمِائَةٍ فَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَوْسَطِ يُضْرَبُ الْأَوَّلُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَيُضْرَبُ الْأَوْسَطُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ تِسْعَةُ آلَافٍ لِوُصُولِ الْأَلْفِ إلَيْهِ فَبَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ تُقَسَّمُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِيهَا فَيَضْرِبُ الثَّالِثُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةٍ إلَّا مَا أَخَذَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ وَيَضْرِبُ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا مَا أَخَذَ فِي الْمَرَّتَيْنِ. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءٍ فَجَنَى أُخْرَى يُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ جِنَايَاتِهِ كُلَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا تَعَدِّيَ مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَيَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ اتَّبَعَ السَّيِّدَ أَوْ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ) أَيْ لَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَحْدُثُ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرَةِ تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا وَالْجِنَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ كَالْمُقَارِنَةِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِيهَا كُلُّهُمْ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفُذَ هَذَا الدَّفْعُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ، فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي وَهُوَ حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَ وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَتُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ، وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ، وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا بِالْإِعْتَاقِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِامْتِنَاعِ الدَّفْعِ كَالْمُدَبَّرِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]
َ) قَالَ رحمه الله (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْهُ بَرِئَ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ حِينَ قَطَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) تَرْجَمَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْجَمَةِ الصَّبِيَّ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ جِنَايَتِهِمَا مَعَ غَصْبِهِمَا لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامَهُ إلَى بَيَانِ غَصْبِ الصَّبِيِّ اهـ
مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِاخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ وَضْعًا وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ وَلَمْ يُوجَدْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ التَّلَفِ بِالسِّرَايَةِ يَكُونُ هَدَرًا إلَّا أَنْ يُنْسَبَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ الْجَانِي.
قَالَ رحمه الله (غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ) أَيْ إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَهَذَا مِنْ أَفْعَالِهِ فَيَضْمَنُ.
قَالَ رحمه الله (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ سَيِّدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْقِنِّ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ قَالَ رحمه الله (وَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ مَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَحِقَّ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَلَا رَدٍّ.
قَالَ رحمه الله (وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَكَيْ لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فَيَسْتَحِقُّ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا عَنْ الْحَقِّ أَخَذَهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ. وَقَوْلُهُ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ عِوَضٌ مَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ، وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَالذِّمِّيِّ إذَا بَاعَ خَمْرًا وَقَضَى بِثَمَنِهَا دَيْنَ مُسْلِمٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ثَمَنُ الْخَمْرِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ بَدَلُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. قَالَ رحمه الله (ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَوَّلِ الْغَصْبِ فَلَمَّا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ كَانَ تَخَلُّلُ الْغَصْبِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالسِّرَايَةِ قَاطِعًا لِلسَّرَايَةِ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ الْبَيْعُ وَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ السِّرَايَةِ صَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ عَبْدًا أَقْطَعَ الْيَدِ وَمَاتَ عِنْدَهُ وَأَوْرَدَ أَبُو اللَّيْثِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ الْمَوْلَى فَلِمَ لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ الْغَصْبُ صَارَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْهَلَاكِ فَلَا يَسْتَنِدُ الْهَلَاكُ إلَى الْقَطْعِ فَصَارَ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ كَأَنَّ الْعَبْدَ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي صَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْهَلَاكِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَصْبُ ظَاهِرًا فَيَضْمَنُ فِي الْحَالِ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ يُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مُبْقًى فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ اهـ غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوب عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي مُدَبَّرٍ لِرَجُلٍ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ نِصْفَانِ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ أَيْضًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيُسَلِّمُ لَهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى أَحَدٍ وَإِذَا كَانَ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَلْزَمَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى فَنَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ بَيْنَ وَلِيَّيْ الْجِنَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ) فَيَصِيرُ مُبْطِلًا حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهَا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ) لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَلِيِّ. اهـ.
مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ فِي يَدِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَ لَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثَانِيًا، وَصُورَتُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله فَإِنَّمَا امْتَنَعَ الدَّفْعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا دَفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَفِي الْأُولَى يَجْتَمِعُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا لَمْ يَدْفَعْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى سَلَّمَ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ بِمَا دَفَعَ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الَّذِي دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا هُنَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَوْلَى ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِيهَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَالْقِنُّ كَالْمُدَبَّرِ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْعَبْدَ هُنَا وَثَمَّةَ الْقِيمَةَ) أَيْ الْعَبْدَ الْقِنَّ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالْمُدَبَّرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِنَّ وَفِي الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ حَتَّى إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا قِنًّا فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَدْفَعُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْأُولَى بَلْ يُسَلِّمُ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُدَبَّرِ وَإِنْ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ فَرَدَّهُ فَغَصَبَهُ فَجَنَى عِنْدَهُ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَرَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِالتَّدْبِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَاسْتَحَقَّ كُلَّهُ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ وَالنِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَيَرْجِعُ بِالنِّصْفِ لِذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (وَدَفَعَ نِصْفَهَا إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ عِنْدَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقَّهُ بِحُكْمِ الْمُزَاحِمَةِ مِنْ بَعْدُ.
قَالَ رحمه الله (وَرَجَعَ بِذَلِكَ النِّصْفَ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا النِّصْفِ ثَانِيًا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا إلَى وَلِيِّ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا النِّصْفَ لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ وَقْتَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ وَالْمُزَاحِمَةُ مَوْجُودَةٌ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ وَلِيِّ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَجَعَ حَقُّهُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ أَخَذَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ كَالْأُولَى وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضُ مَا سَلَّمَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ ثَانِيًا) مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ لَا بِالْمَأْخُوذَةِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْأُولَى) يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَتَّى يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى مَا رَجَعَ بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا يَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بَاقِيَ حَقِّهِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا اذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا قَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ) أَيْ لَوْ قِيلَ بِالرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ عَمَّا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَصَبَ صَبِيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَرَادَ بِغَصْبِ الصَّبِيِّ أَخْذَهُ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَالِ لَا فِي غَيْرِهِ اهـ
لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشَةِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقٌ رَقَبَةً فَالْحُرُّ يَدًا وَرَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَالصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَهَذَا لِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ إتْلَافٌ مِنْهُ تَسْبِيبًا وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ وَهُوَ الْوَلِيُّ فَيَضْمَنُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ وَالصَّوَاعِقَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْوَلِيِّ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فَيُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ نَقُولُ إنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسْبِيبًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ، وَالْحُرُّ الصَّغِيرُ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِدُونِ رِضَاهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْوَلِيِّ فَمَاتَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَضْمَنُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صَنَعَ بِهِ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ وَالْحُرُّ الْكَبِيرُ أَيْضًا كَمَا يَضْمَنُ الصَّغِيرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ بِتَقْصِيرِ حِفْظِهِ.
قَالَ رحمه الله (كَصَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَهُ الْغَاصِبِ كَمَا يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ إذَا قَتَلَ عَبْدًا أُودِعَ عِنْدَهُ وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالطَّعَامِ الْمُودَعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيَّ الْمُودَعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُودِعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤَاخِذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَكَذَا الْإِعَارَةُ فِيهِمَا ثُمَّ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَبِيٍّ عُمُرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي الْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَكَمَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لَمَا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي سُلِّطَ الْغَيْرُ فِيهِ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحِ حَتَّى لَا يَضْمَنَهُ مَنْ اسْتَهْلَكَهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يُؤَاخِذُ بِضَمَانِهِ كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي يَدٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ فَلَمْ تَبْقَ مَعْصُومَةً إلَّا إذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ) فَلَا يَضْمَنُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ مَاتَ بِحُمَّى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ) قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْدَعَ الْعَبْدُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَمَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ مَالًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ.
وَإِنْ كَانَ قَبِلَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا لِلْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ ضَمِنَ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ ضَمِنَ وَأَجْمَعُوا إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُؤَاخَذُ بِهِ وَيُطَالِبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَكُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَاحِدٌ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ إلَخْ) وَصُورَةُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ قَدْ أَوْدَعَ صَبِيًّا قَدْ عَقَلَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْدَعَ غُلَامًا مَا فَقَتَلَهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ اهـ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ تَسْلِيطَهُ هَدَرٌ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إلَخْ) وَالْغَالِبُ مِمَّنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا اهـ.
(قَوْلُهُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ مَذْهَبُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.