المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ التسمية عند الإرسال للصيد] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٦

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[سَبَب الْأُضْحِيَّة وَشَرَائِطهَا]

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[مَا يُضَحَّى بِهِ]

- ‌[ مِمَّا تَكُون الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِي لَحْم الْأُضْحِيَّة]

- ‌[ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[يذبح المضحي بِيَدِهِ]

- ‌[ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)

- ‌(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

- ‌(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌{فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ}

- ‌{كِتَابُ الصَّيْدِ}

- ‌[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]

- ‌[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]

- ‌[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ]

- ‌ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ}

- ‌{بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ}

- ‌(بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ)

- ‌[فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ]

- ‌(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)

- ‌(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)

- ‌[بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ]

- ‌[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ)

- ‌[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]

- ‌(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ)

- ‌[فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً]

- ‌[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌(بَابُ الْقَسَامَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ)

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ]

- ‌(وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)

- ‌لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ

- ‌[ لَا يَعْقِل أَهْل مِصْر عَنْ أَهْل مِصْر آخِر]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ]

- ‌ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ

- ‌ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ

- ‌ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ

- ‌[الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة]

- ‌[ وَصِيَّة الْمُكَاتَب]

- ‌(بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]

- ‌[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ]

- ‌(كِتَابُ الْخُنْثَى)

- ‌[لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي]

- ‌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى

- ‌[مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل أَنْ يستبين أمره]

- ‌[قَبَلَ رَجُل الْخُنْثَى الْمُشْكِل بشهوة]

- ‌[تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى]

- ‌(مَسَائِلُ شَتَّى)

- ‌(إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ

- ‌[ مِيرَاث الْخُنْثَى]

- ‌[حَدّ قاذف الْخُنْثَى]

- ‌[لف ثَوْب نجس فِي آخِر طَاهِر]

- ‌[غنم مذبوحة وميتة حُكْم الْأَكْل مِنْهَا]

- ‌[سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض]

- ‌ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ

- ‌ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ

- ‌[ الْعَقَار الْمُتَنَازِع فِيهِ لَا يَخْرَج مِنْ يَد ذَوِي الْيَد]

- ‌[بَاعَ ضيعة ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَاده]

- ‌[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

- ‌[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[أحوال الْأَب فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْأُمّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[للجدات أحوال فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[الأخوات لِأَب وَأُمّ أحوالهن فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْفُرُوض المقدرة فِي الْمَوَارِيث]

- ‌[التصحيح فِي الْفَرَائِض]

- ‌[ خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[ التسمية عند الإرسال للصيد]

مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَعَ التَّذَكُّرِ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَأَمَّا الْجُرْحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْجُرْحِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَثَعْلَبَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِلَّا لَزِمَ نَسْخُهُ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَمَا تُلِيَ مُطْلَقٌ وَكَذَا مَا رُوِيَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ، وَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَوَادِثُ أَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ

أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ يُؤْكَلُ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ كَالْبَازِي لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ هُوَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ»

؛ وَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ إنَّمَا صَارَ ذَكَاةً لِعِلْمِهِ وَبِالْأَكْلِ لَا يَعُودُ جَاهِلًا فَصَارَ كَالْبَازِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ رضي الله عنه وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لَهُ «إذَا أَرْسَلْت كِلَابَك الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَرْوِيُّهُمَا غَرِيبٌ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ قَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ صَادَ الْكَلْبُ صَيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ عَلَامَةُ جَهْلِهِ وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الِابْتِدَاءِ

وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا هُوَ مُحَرَّزٌ فِي الْبَيْتِ يَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ قَدْ تُنْسَى وَقَدْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُوعُ فَيَأْكُلُ مَعَ عِلْمِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ قَدْ أَمْضَى الْحُكْمَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْقُضُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحَرَّزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ أَكْلَهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا فَبِالْأَكْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ الْأَكْلَ كَانَ بِسَبَبِ الشِّبَعِ لَا لِلتَّعَلُّمِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا ظَاهِرًا فَبَقِيَ جَهْلُهُ مَوْهُومًا وَالْمَوْهُومُ فِي بَابِ الصَّيْدِ يَلْحَقُ بِالْمُتَحَقِّقِ احْتِيَاطًا مَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ جَمِيعًا دُونَ الْغَائِبِ

وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ أَوْ أَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدْ قَدَّدَ تِلْكَ الصُّيُودُ لَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فِي الْمَاضِي مِنْ الزَّمَانِ وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا حِينَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]

قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مَعَ التَّذَكُّرِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَهُ فِي صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ الْكُلَّ يَحِلُّ الْكُلُّ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ذَبَحَ شَاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّبْحَ فِي بَابِ الْكَلْبِ يَحْصُلُ بِالْإِرْسَالِ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْإِرْسَالِ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ وَاحِدًا تَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ ذَبْحُ صُيُودٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً ثُمَّ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ مَذْبُوحًا بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله سَتَأْتِي هَذِهِ الْحَاشِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّيْدِ إنَّمَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ إذَا أَمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَتَلَهُ إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالْجُرْحِ وَالْعَقْرِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ صَدْمًا أَوْ جَثْمًا أَوْ خَنْقًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ فَانْظُرْهُ وَمَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ بَعْدَ سَبْعِ قَوْلَاتٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالْحِلِّ عَلَى مَا صَادَهُ إذَا جَرَحَهُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ يُعْتَبَرُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَجْمُوعِ الْعُرُوقِ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْفَصْلِ وَاكْتَفَى بِأَصْلِ الْجُرْحِ فِي مَوْضِعِ الِاضْطِرَارِ اهـ

ص: 52

اصْطِيَادِ تِلْكَ الصُّيُودِ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: رحمه الله الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَوْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ وَقَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَكْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْقَى إلَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ، وَهُوَ عَادَةُ الصَّيَّادِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا آخَرَ، وَكَذَا إذَا خَطَفَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَه بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّزَهُ الْمَالِكُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ

وَلَوْ نَهَشَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بَضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَشَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضُرُّهُ فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ نَهْشَ الْبَضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حِيلَةً فِي الِاصْطِيَادِ لِيُضْعِفَهُ بِالْقَطْعِ مِنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ فَإِنَّ أَكْلَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.

قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيٍّ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدِرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَالْبَازِي وَالسَّهْمُ كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ) أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكَّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ حَيًّا صَارَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى فَبِتَرْكِهِ يَصِيرُ مَيْتَةً، وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ بَقَرَ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلذَّكَاةِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى حَلَّتْ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَنَحْوُهَا بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ

وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهَا بَيِّنَةً، وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْقَى فَوْقَ مَا يَبْقَى الْمَذْبُوحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهَا لِيَكُونَ مَوْتُهَا مُضَافًا إلَى الذَّكَاةِ وَالسَّهْمُ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الذَّبْحِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَاهَدُ الْمُعَايَنُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً بِجُرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيٍّ «فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَفْصِيلًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ إنْ

لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا)، وَهُوَ إجَابَتُهُ إلَى صَاحِبِهِ دَاعِيًا وَمُرْسِلًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ)؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِمُتَوَحِّشٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ وَقَدْ زَالَ التَّوَحُّشُ بِالْقَتْلِ وَزَالَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُحَرَّزٍ بِالْإِحْرَازِ فَالْتَحَقَ بِالشَّاةِ وَلَوْ تَنَاوَلَ مِنْ الشَّاةِ لَا يُحْكَمُ بِجَهْلِهِ فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا أَصْلًا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ) أَيْ حَتَّى مَاتَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى حَدِّ الْأَكْلِ إذَا ذَكَّى الصَّيْدَ وَفِيهِ حَيَاةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ غَايَةٌ

ص: 53

لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا إذَا خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَلِمَا بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْجُرْحِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي فَقَالَ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك وَسَمَّيْت فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ فَقَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ رحمهم الله، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ إنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِأَكْلِ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَيْضًا؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرَّمُ فَيُغَلَّبُ فِيهِ جِهَةُ الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» ؛ وَلِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ التَّرْكِ

وَالْحَلَالَ جَائِزُ التَّرْكِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِوُجُودِ الْمُعَاوَنَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجُرْحِ ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَفَرَّدَ بِالْجُرْحِ وَالْأَخْذِ غَلَبَ جَانِبُ الْحِلِّ، فَصَارَ حَلَالًا وَأَوْجَبَتْ إعَانَةُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ الْكَرَاهَةَ دُونَ الْحُرْمَةِ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكِلَابِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ أَصْلًا وَفِعْلُ الْكَلْبِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَتَحَقَّقَتْ الْمُشَارَكَةُ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَيْهِ لَكِنْ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ، فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْأَوَّلِ حَتَّى ازْدَادَ طَلَبًا، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الصَّيْدِ، فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى التَّبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّمَ فَيُصَادُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ الْكَلْبُ عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ فِي الْفِعْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ وَالْبَازِي فِي ذَلِكَ كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ.

قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَرُمَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ التَّهْيِيجُ أَيْ هَيَّجَهُ فَهَاجَ بِأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ فَازْدَادَ فِي الْعَدْوِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ فِي الْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ، فَلَا يَنْتَسِخُ بِهِ الْإِرْسَالُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَنَسْخِ الْآيِ فَلَا يَرْتَفِعُ إرْسَالُ الْمُسْلِمِ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا إرْسَالُ الْمَجُوسِيِّ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالزَّجْرِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُحْرِمِ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ غَيْرَ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالزَّجْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالدَّلَالَةِ، وَهُوَ دُونَهُ فَبِالزَّجْرِ أَوْلَى، وَهُوَ فَوْقَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْجَزَاءِ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ انْتِسَاخِ الْفِعْلِ.

قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ جُعِلَ ذَكَاةً عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ انْعَدَمَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحِلُّ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ يُجْعَلُ إرْسَالًا؛ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلُ طَاعَتِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَيَحِلُّ إذْ لَيْسَ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالُ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ الزَّجْرُ دُونَ الِانْفِلَاتِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ الِانْفِلَاتُ فَصَارَ مِثْلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْجَامِعُ أَنَّ الزَّجْرَ فِيهِمَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الزَّجْرُ إنْ كَانَ دُونَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ وَلَمْ يَخْنُقْهُ وَلَكِنَّهُ كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ فَمَاتَ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْئًا مُصَرِّحًا وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ الْمَسْأَلَةَ وَأَجَابَ فِيهَا جَوَابًا مُطْلَقًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي إثْرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِنَابٍ وَلَا مِخْلَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَمَهُ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْ وَلَمْ يَجْرَحْ فَإِنْ جَرَحَ بِنَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ أَوْ كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجُرْحَ كَالْكَسْرِ وَجْهُهُ أَنَّ الْكَسْرَ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فِيهِ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ وَوَجْهُ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْجُرْحَ يَقَعُ بِإِنْهَارِ الدَّمِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بِالْكَسْرِ فَصَارَ كَالْخَنْقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ اشْتَدَّ) أَيْ اشْتَدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَى أَثَرِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ الْمُعَلَّمِ يَعْنِي عَدَا خَلْفَهُ وَاتَّبَعَهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى عَدَا الْكَلْبُ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ عَدَا كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْمَجُوسِيُّ الصَّيْدَ عَلَى الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْكَلْبِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

ص: 54

الِانْفِلَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَنُسِخَ الِانْفِلَاتُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْمِثْلَيْنِ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي نَسْخِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يُسَاوِي الْإِرْسَالَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ، فَكَانَ دُونَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ مُعَيَّنٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ، وَهُوَ عَلَى سَنَنِهِ حَلَّ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَالتَّسْمِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى عَلَيْهَا وَخَلَّاهَا فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: رحمه الله يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ بِالتَّعْيِينِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله حَتَّى لَا يَحِلَّ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ إذَا عَيَّنَ يَتَعَيَّنُ وَعِنْدَنَا التَّعْيِينُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ وَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إيجَادُ الْإِرْسَالِ دُونَ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ الْبَازِيَ وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُعَيِّنُهُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الصُّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ وَكَذَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَى أَخْذِ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مَالِكٌ رحمه الله؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الشَّاةِ مُمْكِنٌ وَكَذَا غَرَضُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ فَتَتَعَلَّقُ التَّسْمِيَةُ هُنَاكَ بِالْمَضْجَعِ لِلذَّبْحِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صُيُودٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَقَتَلَ الْكُلَّ حَلَّ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ

وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، وَالْفِعْلُ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَاحِدٌ فَيَكْتَفِي بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ التَّسْمِيَةِ وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهُ يَحْتَالُ لِأَخْذِهِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْإِرْسَالِ، وَكَيْفَ يَنْقَطِعُ وَقَصْدُ صَاحِبِهِ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، مِنْهَا أَنْ يَكْمُنَ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرْكِبَهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ، فَلَا أَذِلُّ

وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَفْعَلُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ مِنْ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَهُ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَغَيْرَهُ وَلَوْ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) سَاقَ الْخِلَافَ فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ وَلَا مُكْثٍ يُحِلُّهُ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا قَيَّدَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْصَرَفَ عَنْ طَرِيقِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ مَكَثَ لَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا وَسَاقَ الْأَتْقَانِيُّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَالِكٍ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فَقَالَ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَيَأْخُذُ صَيْدًا غَيْرَهُ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ أَيُؤْكَلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدَ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ أَوْ أَخَذَ عَدَدًا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ مَا دَامَ فِي وَجْهِ إرْسَالِهِ فَإِنْ قَتَلَ وَاحِدًا أَوْ جَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَالِ الْإِرْسَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي اهـ

(قَوْلُهُ فَكَمَنَ) أَيْ اسْتَتَرَ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَمَنَ كُمُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ تَوَارَى وَاسْتَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ أَيْ السَّرَخْسِيُّ) نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ يُقَالُ إنَّ فِي الْفَهْدِ خِصَالًا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي بَنِي آدَمَ لَكَانَ مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ) أَيْ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذَّكِيَّةَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْخَبِيثَ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الطَّيِّبَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلْبُ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا أَرْسَلَهُ الرَّجُلُ فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ الْفَهْدُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا صَادَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْثَ سَاعَةً حِيلَةٌ مِنْهُ لِلِاصْطِيَادِ لَا لِلِاسْتِرَاحَةِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ حَذَاقَةِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا لِلْإِرْسَالِ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ كَالْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ كَلْبُهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ مِنْ فِعْلِ الْكَلْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمَ تَرْكَ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَمَا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَكَانَ قَتْلُهُ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله -

ص: 55

أَرْسَلَ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ، فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ إذْ لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً لِلْكَمِينِ وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَا لَا يُؤْكَلُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ وَلَئِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَجَرَحَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا مَا لَمْ يَكُنْ إرْسَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبًا فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ إذَا كَانَ إرْسَالُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّا وَالْمِلْكُ لِصَاحِبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ أَثْخَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ فَمَلَكَهُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ بِجُرْحِ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ الثَّانِيَ حَصَلَ إلَى الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَلَا تُعْتَبَرُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أُكِلَ) أَيْ رَمَى إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَهُ يُؤْكَلُ إذَا جَرَحَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَشَرَطَ الْجُرْحَ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا رَمَيْت فَسَمَّيْت فَخَزَقْت فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْت وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقَةِ إلَّا مَا ذَكَّيْت» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُصِيبَ الرَّمِيَّ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الصَّيْدِ كَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أَكَلَ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْمِيَّ وَلَا الْمُصَابَ حَتَّى يَدْخُلَ تَحْتَهُ مَا إذَا سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُصَابُ مَأْكُولًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ اصْطِيَادًا مَعَ قَصْدِهِ ذَلِكَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِتَغَلُّظِ حُرْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهِ وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ لَا يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فِيهِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] فَكَانَ اصْطِيَادُهُ مُبَاحًا وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا وَقَدْ لَا يَثْبُتُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمَحَلُّ، وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ جَرَادٍ أَوْ سَمَكٍ، ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي أَنَّ الْمُصَابَ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ ذَكَاةً وَأَوْرَدَهُ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ حَلَّ الْمُصَابُ فَقَالَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحْتَاجُ فِي حِلِّ أَكْلِهِ إلَى الذَّبْحِ أَوْ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَرَّجَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْحِلِّ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ ذَلِكَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ) أَيْ جَرَحَ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا رَمَيْت فَسَمَّيْت فَخَزَقْت فَكُلْ) وَفِي حَدِيثِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «أَرْمِ بِالْمِعْرَاضِ فَيَخْزِقُ قَالَ إنْ خَزَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا خَزَقْتُمْ فَكُلُوهُ إذَا ذَكَرْتُمْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» وَالسِّينُ لُغَةٌ وَالرَّاءُ تَصْحِيفٌ قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْخَاءِ مَعَ الزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ إلَخْ) يَعْنِي رَمَى الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ سَهْمُهُ صَيْدًا غَيْرَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ كَانَ صَيْدًا لَا آدَمِيًّا وَلَا شَاةً وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ حَلَّ مَا أَصَابَهُ سَهْمُهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ بِالرَّمْيِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَجُمْلَةُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا وَبَانَ أَنَّ الْحِسَّ الَّذِي سَمِعَهُ لَمْ يَكُنْ حِسَّ صَيْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ آدَمِيًّا لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ يَعْلَمُ بِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحِسُّ حِسَّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ فَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا أَكَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّبَاعِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ، وَإِنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ) أَيْ يَثْبُتُ التَّنَاوُلُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُ الْمَحَلُّ يَعْنِي إنْ كَانَ يَقْبَلُ الْمَحَلُّ التَّنَاوُلَ مِنْ حَيْثُ اللَّحْمُ يَثْبُتُ تَنَاوُلُ اللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ تَنَاوُلَ الْجِلْدِ لَا اللَّحْمِ يَثْبُتُ ذَلِكَ فَيَنْتَفِعُ بِجِلْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ تَنَاوُلَهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْخِنْزِيرِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاصْطِيَادُ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ فَإِذَا كَانَ الِاصْطِيَادُ مُبَاحًا حَلَّ الْمُصَابُ إذَا كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا) أَيْ أَوْ شَعْرًا أَوْ رِيشًا أَوْ دَفْعَ أَذِيَّتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ) أَيْ مَأْكُولٍ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ لَا ذَكَاةَ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 56

الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لَوْ رَمَى إلَى جَرَادٍ أَوْ سَمَكَةٍ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ فَأَصَابَ طَائِرًا أَوْ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ، وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ آدَمِيٌّ أَوْ حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ أَوْ ظَبْيٌ مُسْتَأْنَسٌ أَوْ مُوثَقٌ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ اصْطِيَادًا فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ الصُّيُودِ وَفَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي أَهُوَ وَحْشِيٌّ أَمْ لَا حَلَّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي أَهُوَ نَادٌّ أَمْ لَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ فَيُحْكَمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ صَيْدًا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ

وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا سَمِعَ حِسًّا بِاللَّيْلِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ حَيَّةٌ فَرَمَاهُ فَإِذَا ذَلِكَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ سَهْمُهُ ذَلِكَ الصَّيْدَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ أَوْ أَصَابَ صَيْدًا آخَرَ وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ أَنْ يَرْمِيَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ وَسَمِعَ حِسَّهُ وَرَمَى إلَيْهِ صَيْدًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ وَعَلَى اقْتِضَاءِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَنْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْمُصَابَ صَيْدٌ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَيْضًا فِيهَا صَيْدٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّهَايَةِ بِفَرْقٍ غَيْرِ مُخْلِصٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ فِيهِ لَوْ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَقَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْأَصْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَفِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَيَسْتَقِيمُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ صَاحِبَ الْحِسِّ مَا هُوَ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ مَا أَصَابَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُصَابُ بِالشَّكِّ وَالْبَازِي وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ.

قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا فِي الْكَلْبِ مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاةُ اضْطِرَارٍ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ دَلَالَةً لِاسْتِوَائِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ وَقَعَ سَهْمٌ بِصَيْدٍ فَتَحَامَلَ وَغَابَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ حَلَّ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِأَبِي ثَعْلَبَةَ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَدْرَكْته فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي الْحُرُمَاتِ كَالْمُتَحَقَّقِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الِاصْطِيَادِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَتَوَارٍ عَنْ عَيْنِهِ غَالِبًا فَيُعْذَرُ مَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ وَجَعَلَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كُلْ مَا أَصَمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْته وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رحمه الله فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْك إذَا لَمْ يَبِتْ لَيْلَةً يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أَكَلَ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ كُتُبِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا رحمهم الله وَلَوْ حَمَلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ إلَخْ) قَالُوا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى طَيْرٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ، وَهُوَ كَالشَّاةِ وَلَوْ أَرْسَلَ بَازَهُ عَلَى ظَبْيٍ، وَهُوَ لَا يَصِيدُ الظِّبَاءَ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ هَذَا الْإِرْسَالَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَصَارَ كَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَلَّ الْمُصَابُ)، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّيْرَ الدَّاجِنَ إذَا رُئِيَ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يَحِلَّ بِالْعَقْرِ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي الْبُيُوتَ فَتَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا رَمَى إلَى طَيْرٍ ثُمَّ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ فِي الطَّيْرِ التَّوَحُّشُ حَتَّى يُعَلَّمَ الِاسْتِئْنَاسَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَمْيِهِ الْإِبَاحَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُنْتَقَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ) لَفْظُ كَالْكَلْبِ هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ بَدَلُ كَالْكَلْبِ كَالسَّهْمِ فَلْيُتَأَمَّلْ

ص: 57

مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ يُبِيحُ مَا غَابَ عَنْهُ وَبَاتَ لَيَالِيَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت، وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ «إذَا وَجَدْت سَهْمَك وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَدِيًّا رضي الله عنه قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي فِي الصَّيْدِ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ قَالَ «إذَا عَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَمَارَةُ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمَارَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وَلِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَكُلْ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِهِ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُهْلِكَةٌ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ فِي الْمُحْتَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ

وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْد التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فَاسْتَقَرَّ وَلَمْ يَتَرَدَّ حَلَّ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ حَيْثُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرَدِّيهِ، وَهُوَ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ أَوْ انْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ رحمه الله: وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَوْتِ بِانْفِلَاقِ الرَّأْسِ وَانْشِقَاقِ الْبَطْنِ ظَاهِرٌ وَبِالرَّمْيِ مَوْهُومٌ مُتَرَدِّدٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمَوْهُومِ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْشَقَّ وَلَمْ يَنْفَلِقْ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَحْرُمُ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِ

وَحَمَلَ السَّرَخْسِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الصَّخْرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَحَلَّ لِذَلِكَ فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَا يُبَالَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ مَائِيًّا فَإِنْ لَمْ تَنْغَمِسْ الْجِرَاحَةُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ، وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِهِ دُونَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ تَشَرُّبَ الْجُرْحِ الْمَاءَ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْأَلَمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ.

قَالَ رحمه الله (وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ الْبُنْدُقَةُ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ «قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ فَقَالَ إذَا رَمَيْت بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيدُ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» رَوَاهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ) أَيْ مَوْتُهُ بِجِرَاحَةٍ سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَازِي) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ حَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ أَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحِلَّ اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَقَعُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ السُّقُوطِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ) وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ وَلَا نَصْلٍ يَمْضِي عَرْضًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَخَزَقَ) بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالرَّاءِ تَصْحِيفٌ. اهـ. مُغْرِبٌ يُقَالُ خَزَقَ الْمِعْرَاضُ بِالزَّايِ أَيْ نَفَذَ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الثَّوْبِ اهـ.

ص: 58