الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَاتِ الْبَيْنِ كَانَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَ بِهِ شَيْءٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلشَّيْءِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُرُوسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ أَوْ قَامَ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا ضَمِنَ عِنْدَهُ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ كَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلذِّكْرِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النِّهَايَةِ
[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]
(فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ) قَالَ رحمه الله (حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إنْ طَالَبَ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ لَا مُبَاشَرَةُ عِلَّةٍ وَلَا مُبَاشَرَةُ شَرْطٍ أَوْ سَبَبٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْتَقِيمًا وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ فَقَدْ أَشْغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي قُدْرَتِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حَجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ حَتَّى يَضْمَنَ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَتَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَارِ الْوُقُوعِ عَلَيْهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَتَعَيَّنَ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَالرَّمْيِ إلَى الْكُفَّارِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ، ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الِاسْتِئْصَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ دُونَ الْخَطَأِ، فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّخْفِيفِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّقْضِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِظَاهِرِ الْيَدِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ جُحُودِهِ أَوْ جُحُودِ عَاقِلَتِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الشُّفْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ النَّقْضِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَاهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ فَيُتْلِفَ شَيْئًا أَوْ اهْدِمْهُ فَإِنَّهُ مَائِلٌ صَحَّ الطَّلَبُ وَصَارَ إشْهَادًا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا صَحَّ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ، بَلْ هُوَ مَشْهُورَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِيغِ كَالْمَالِكِ وَالْوَصِيِّ فِي مِلْكِ الصَّغِيرِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَالتَّالِفُ بِهِ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ مَالًا وَالنَّفْسُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَإِلَى الرَّاهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْهَدْمِ وَإِلَى الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ إنْ أَتْلَفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ). لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَسْبِيبِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَذَكَرَ مَسَائِلَهُ بِلَفْظِ الْفَصْلِ فِي أَوَّلِهَا لَا بِلَفْظِ الْبَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ نَوْعٌ مِمَّا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَصْلِ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ وَالْجَمَادُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْحَيَوَانِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَائِطَ تُنَاسِبُ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَغَيْرَهُ فَلِهَذَا أَلْحَقَهُ بِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا تُقُدِّمَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ مَاضِي التَّقَدُّمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَطْعُ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ عِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ) وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ فِيمَا أَصَابَ الْحَائِطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ) حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَى الْمُكَاتَبِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبٌ لَهُ حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَفِيهِ دِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ كَنِيفًا، ثُمَّ عَتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ وَقَتَلَ إنْسَانًا كَانَ عَلَيْهِ
لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ يَسْكُنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُودَعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ السَّاكِنُ وَلَا الْمَالِكُ وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ تِلْكَ الْوِلَايَةِ إلَى وَقْتِ السُّقُوطِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَيُشْتَرَطُ لِلضَّمَانِ أَنْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ النَّقْضِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ حَتَّى إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ نَقْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى التَّقَدُّمِ لَا عَلَى الْقَتْلِ وَسَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُطَالِبُ بِالنَّقْضِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ أَيٍّ مَنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةُ حَقٍّ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَهْلِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِمُطَالَبَةِ حَقِّهِمْ فَكَذَا لِحَقِّ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُمْ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيُّ فِي الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ جَازَ طَلَبُهُمْ وَإِشْهَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْإِذْنِ الْتَحَقُوا بِالْحُرِّ الْبَالِغِ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ تَكُونُ الْخُصُومَةُ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ بِلَا طَلَبٍ)؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ فَصَارَ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ إلَى رَبِّهَا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَجَّلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ) أَيْ إنْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ فِي الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ، وَالسَّاكِنُ فِي الدَّارِ كَالْمَالِكِ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ لِمَا ذَكَرْنَا
. قَالَ رحمه الله (حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ أُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ضَمِنَ خُمْسَ الدِّيَةِ، دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ وَفِي الْحَفْرِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا إذَا هَلَكَ بِجَرْحِ الرَّجُلِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَعَقْرِ الْأَسَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ مِنْهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً عَلَى حِدَةٍ فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لِلتَّلَفِ صَغُرَتْ الْجِرَاحَةُ أَمْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ التَّلَفَ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ يُضَافُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِطَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْهَدْمِ، وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَعَثَرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ فَمَاتَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مِلْكُهُ، فَيَكُونُ التَّفْرِيغُ إلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، وَالْفَرْقُ مَا قُلْنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْحَائِطِ كَالْمُبْتَدِئِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَكَأَنَّهُ قَتَلَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَتِيلًا ابْتِدَاءً فَأَمَّا إخْرَاجُ الْجَنَاحِ وَالْكَنِيفِ فَجِنَايَةٌ وَاقِعَةٌ فَلَمْ تُجْعَلْ مُبْتَدَأً بَعْدَ الْعِتْقِ، بَلْ كَانَ مُضَافًا إلَى حَالِ الرِّقِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ إلَخْ) وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَمَا مَلَكَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا النَّقْضَ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فَإِذًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ وَبَاعَ الْجَنَاحَ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ جِنَايَةٌ فَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لَا يُغَيِّرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ تَرْكُ النَّقْضِ، وَإِذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ فِي حَالِ الْوُقُوعِ خَرَجَ فِعْلُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الْقَتْلِ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً عَلَى الْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ، بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى مَيَلَانِ الْحَائِطِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اهـ
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ) أَيْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَوَاءَ الْبُقْعَةِ فِي حُكْمِهَا، وَلَوْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَذَلِكَ إذَا بَنَى فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي بَابِ الصُّلْحِ مَا نَصُّهُ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ مَا تَحْتَهَا إلَى الثَّرَى وَمَا فَوْقَهَا إلَى السَّمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَالْمُطَالَبَةُ إلَيْهِمْ وَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُعِيرُ اهـ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الثِّقَلُ) أَيْ فِي الْحَائِطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ) أَيْ الْمُهْلِكُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعُمْقُ) أَيْ فِي الْبِئْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ) أَيْ الْمُهْلِكُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ مِيزَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ