الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشَّغْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ فَعَثَرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ مِنْهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادًا عَلَى الْقَتِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَائِطِ جَنَاحٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يُضْمَنُ الْقَتِيلُ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْجَنَاحِ جِنَايَةٌ إذْ الْوَضْعُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الثَّانِي مُضَافًا إلَيْهِ كَالْأَوَّلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ الطَّرِيقِ عَنْ الْقَتِيلِ أَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ صَارَ جَانِيًا وَفِي الْحَائِطِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ اسْتِحْسَانًا فَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ سُقُوطُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الثَّانِي بِفِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيغُ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْحَائِطَ أَوْ النَّقْضَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ لَمَا بَرِئَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَنَاحَ، وَلَوْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا وَحْدَهُ، وَلَوْ سَقَطَتْ الْجَرَّةُ وَحْدَهَا لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي مِلْكِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ)
قَالَ رحمه الله (ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلٍ أَوْ ذَنَبٍ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ،) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا مُطْلَقًا يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَسَدُّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَالصَّدْمِ وَالْكَدْمِ وَالْخَبْطِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ نُقَيِّدْهُ بِهَا وَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الطَّرِيقَ يُشْبِهُ مِلْكَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرُورَ فِيهِ مُبَاحٌ لَهُ وَيُشْبِهُ مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ يُطْلَقُ لَهُ التَّصَرُّفُ فَوَفَّرْنَا حَظَّ الشَّبَهَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ كَمِلْكِ غَيْرِهِ فِي حَقِّ مَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَكَمِلْكِهِ فِي حَقِّ مَا لَا يُمْكِنُ كَيْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ وَفِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْإِيطَاءَ وَهُوَ رَاكِبُهَا؛ لِأَنَّ الْإِيطَاءَ مُبَاشَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ حَتَّى يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِهِ وَغَيْرُهُ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَهُوَ وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ هِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهَا هُوَ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مَعَهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنْ أَدْخَلَهَا هُوَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِالْإِدْخَالِ، وَالْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ كَمِلْكِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ السَّيْرَ وَالْإِيقَافَ فِيهِ وَبَابُ الْمَسْجِدِ كَالطَّرِيقِ فِي الْإِيقَافِ، وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إيقَافُ الدَّابَّةِ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ الْفَلَاةُ وَطَرِيقُ مَكَّةَ إذَا وَقَفَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ، أَمَّا الْمَحَجَّةُ فَهِيَ كَالطَّرِيقِ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ كَبِيرًا ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ وَالْغُبَارِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ، وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ قِلَّةِ هِدَايَةِ الرَّاكِبِ فَيَضْمَنُ
. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ عَطِبَ بِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ رَوْثٍ وَبَوْلٍ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا إذَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ وَهِيَ تَسِيرُ، وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَا تَلِفَ بِالنَّقْضِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَكُونُ إشْهَادًا عَلَى النَّقْضِ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَقَّلْ بِالنَّقْضِ، وَلَكِنْ تَعَقَّلَ بِمَيِّتٍ هَلَكَ بِالْحَائِطِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَكِنَّ رَفْعَ النَّقْضِ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
[بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ]
(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّةٍ، أَيَّ الدَّوَابِّ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَهِيَ تَسِيرُ فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلدَّابَّةِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَهِيَ مَجْبُورَةٌ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ جِنَايَتُهَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ خَاطِئٌ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لَهَا فِي النَّفْحَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهَا قَاتِلًا حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا تَسْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَمَا حَدَثَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي التَّسْيِيرِ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّبَبُ الْمَحْضُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَقَدْ عَدِمَ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ التَّعَدِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَحَجَّةُ) الْمَحَجَّةُ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ وَوَسَطُهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ هَذَا مِنْ قِبَلِ عُنْفِهِ فِي أَمْرِ السُّوقِ فَيُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَيُؤْخَذُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا وَاقِفًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ أَوْ رَاثَتْ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ وَهُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا أَيْضًا مِنْ السَّيْرِ لِكَوْنِهِ أَدْوَمَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ. قَالَ رحمه الله (وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ يَضْمَنَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ كَالرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ فَيَجِبُ فِيهِمَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي فِيهِ كَالرَّاكِبِ، وَقَوْلُهُ وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ فِي الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ السَّائِقَ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ؛ لِأَنَّهَا بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ السَّيْرِ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُمَا التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنَّ السَّائِقَ لَيْسَ لَهُ عَلَى رِجْلِهَا شَيْءٌ يَمْنَعُهَا بِهِ عَنْ النَّفْحَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِخِلَافِ الْكَدْمِ وَالصَّدْمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَضْمَنُونَ كُلُّهُمْ النَّفْحَةَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ. قَالَ رحمه الله (وَعَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةُ لَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَمُرَادُهُ فِي الْإِيطَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلُ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا مُسَبِّبَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ بِالْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ وَالْكَفَّارَةُ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ لَا حُكْمُ التَّسْبِيبِ، وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيطَاءِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ قِيلَ لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَقِيلَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَالنَّاخِسُ سَائِقٌ وَالْآمِرُ رَاكِبٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فَيَشْتَرِكَانِ، وَهَذَا مِنْهُ فَإِنَّ السَّوْقَ مُتْلِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ رَاكِبٌ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتْلِفٍ بِلَا إلْقَاءٍ، وَعِنْدَ الْإِلْقَاءِ وُجِدَ التَّلَفُ بِهِمَا فَأُضِيفَ إلَى آخِرِهِمَا كَمَسْأَلَةِ الْقُفَّةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ فَيَشْتَرِكَانِ
. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةَ الْآخَرِ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا أَوْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَارَ عَلَيْهِمَا أَوْ وَقَعَا فِيهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِي قَارِعَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا وُقُوفُ الدَّابَّةِ لِأَمْرٍ آخَرَ، فَلَيْسَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ تَعَدِّيًا فَلَمْ يُجْعَلْ مَا اتَّصَلَ بِهِ عَفْوًا مِنْ التَّلَفِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا ضَمِنَ سِرَايَتَهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ) وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بِالرِّجْلِ أَوْ النَّفْحَةِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُبَارٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَإِلَّا يَلْزَمُ الْإِلْغَاءُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَإِنْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ أَوْ سَائِقٌ وَقَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: كَمَسْأَلَةِ الْقُفَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ كَمَا قَالُوا فِي سَفِينَةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالطَّعَامِ إذَا جَاءَ رَجُلٌ وَطَرَحَ فِيهَا مَنًّا زَائِدًا فَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْمَنَّ الزَّائِدَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ اهـ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَةِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْمُصْطَدِمَيْنِ هَلَكَا نِصْفُ الضَّمَانِ سَاقِطٌ إذْ شُرِكَا قَالَ فِي الْمُصَفَّى، وَهَذَا إذَا كَانَا جَرَيْنَ وَكَانَ الِاصْطِدَامُ خَطَأً، أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَوْلُنَا كَقَوْلِهِ اهـ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ وَمُلَّا مِسْكِينٍ فِي شَرْحَيْهِمَا تُفِيدُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عِنْدَنَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِمَا عَلِمْت وَلَعَلَّ الَّذِي أَوْقَعَ الْعَيْنِيُّ رحمه الله فِي ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ وَلَمْ يَتَفَطَّنْ لِقَوْلِهِ هُنَا فِي دَلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا فَإِنَّ هَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخَطَأِ وَأَنَّ الْعَمْدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي آخِرِ دَلِيلِنَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا إلَخْ يُفْصِحُ عَنْ أَنَّ الِاصْطِدَامَ الْعَمْدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَسَاغَ لِلشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي الْحُرَّيْنِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَا فِيهِ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ بِالْوَاوِ اهـ
الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهُمَا تَعَمَّدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا وَجَرْحِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَيْضًا، فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ الدَّمُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَصِيرُ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ وَهُوَ الْقِيمَةُ أَوْ نِصْفُهَا فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ، وَإِذَا تَجَاذَبَ رَجُلَانِ حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَسَقَطَا وَمَاتَا يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْقَفَا لَا تَجِبُ لَهُمَا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَا وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ فَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْقَفَا لَا دِيَةَ لَهُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ
. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ)، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامُ فِي الشَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ بِيَدِهِ بِخِلَافِ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ عَادَةً فَلَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ وَلِأَنَّ اللِّبَاسَ تَبَعٌ لِلَّابِسِ وَهُوَ لَوْ وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ وَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَكَذَا إذَا عَثَرَ بِلِبَاسِهِ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَوَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ)؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ وَالتَّسْبِيبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الضَّمَانُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا إذَا تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ يَضْمَنُ هُوَ وَحْدَهُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا هُوَ قُدَّامَهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) إلَّا أَنَّ الْعَمْدَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ إذْ هُوَ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ وَلِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ حُرَّيْنِ، وَقَدْ تَعَمَّدَا ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا اصْطَدَمَ الْعَبْدَانِ خَطَأً فَمَاتَا هُدِرَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلِهَذَا يُدْفَعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى، فَلَمَّا مَاتَ فَاتَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ بِلَا خُلْفٍ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَكَانَ كَالْخَطَأِ فَهُدِرَ الدَّمُ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ يُقَالُ هُدِرَ دَمُهُ أَيْ بَطَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَإِ مَاتَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ وَفِي الْعَمْدِ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَسَقَطَ النِّصْفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ)، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا) فِي الِاخْتِيَارِ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْقَفَا فَانْظُرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ) أَيْ وَضَمِنَ الْحَبْلَ فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَا عَلَى وَجْهِهِمَا إذَا قُطِعَ الْحَبْلُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَطْعِ الْحَبْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِطَارَ بِيَدِهِ يَسِيرُ بِسَوْقِهِ وَيَقِفُ بِإِيقَافِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ فَمَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ الْقِطَارِ لِتَسْبِيبِهِ فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَادَ أَعْمَى فَأَوْطَأَ الْأَعْمَى إنْسَانًا فَقَتَلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَائِدِ الضَّمَانُ قِيلَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَفِعْلُهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ فَفِعْلُهَا يُنْسَبُ إلَى الْقَائِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ الْإِبِلَ غَيْرَ آخِذٍ بِزِمَامِ الْبَعِيرِ، أَمَّا إذَا أَخَذَ الزِّمَامَ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي هَلَكَ خَلْفَهُ لَا عَلَى الْقَائِدِ الْمُقَدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الزِّمَامُ عَنْ الْقِطَارِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِدُ الْمُقَدَّمُ قَائِدًا لِمَا خَلْفَ السَّائِقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مَا هُوَ قُدَّامَهُ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهَا، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِبِلُ الَّتِي خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لَهَا إلَّا إذَا كَانَ أَخَذَ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ، أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى تَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ رَبَطَ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِدِيَةِ مَا أَتْلَفَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) أَيْ إذَا رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ وَالْقَائِدُ لِذَلِكَ الْقِطَارِ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْبَعِيرُ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُونَ قِطَارَهُ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ بِهِ، فَإِذَا تَرَكَ الصِّيَانَةَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ وَهُوَ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ؛ لِأَنَّ الرَّابِطَ آمِرٌ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنَّ جَهْلَهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ، فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّبْطِ، وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى أَحَدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالرَّبْطِ وَالْإِيقَافِ عَلَى الطَّرِيقِ لَكِنْ زَالَ ذَلِكَ بِالْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَحَوَّلَهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَائِدُ بِالرَّبْطِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُنَافِي التَّسْبِيبَ وَلَا الضَّمَانَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الرُّجُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا
. قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لَهَا فَأُضِيفَ فِعْلُهَا إلَيْهِ كَمَا يُضَافُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَالْمُرَادُ بِالسَّوْقِ أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهَا مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَلْفَهَا فَمَا دَامَتْ فِي فَوْرِهَا فَهُوَ سَائِقٌ لَهَا فِي الْحُكْمِ فَيَلْحَقُ بِالسَّوْقِ وَإِنْ تَرَاخَى انْقَطَعَ السَّوْقُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَهِيمَةِ الْكَلْبُ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَرْسَلَ طَيْرًا أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُ سَائِقًا لَهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، أَمَّا الطَّيْرُ فَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَلَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّ بَدَنَهَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا السَّوْقُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ وَلَا حُكْمًا بِأَنْ يُصِيبَ عَلَى فَوْرِ الْإِرْسَالِ، وَالتَّعَدِّي يَكُونُ بِالسَّوْقِ فَلَا يَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يُضَافُ إلَى فَاعِلِهِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْبَهِيمَةِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ السَّوْقُ فَأَضَفْنَاهُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَتَسْبِيبًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ إلَى صَيْدٍ حَيْثُ يُؤْكَلُ مَا أَصَابَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسِلِ مَا دَامَ الْكَلْبُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَلَمْ يُفَتَّرْ عَنْهَا إذْ لَا طَرِيقَ إلَى الِاصْطِيَادِ سِوَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِهِ مَشْرُوعٌ، وَلَوْ شَرَطَ السَّوْقَ لَا نَسُدُّ بَابَهُ وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَأُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ مَعَ الصَّيْدِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ وَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُرْسِلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَّتِهَا، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ، وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ، ثُمَّ سَارَتْ أَيْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ بِالْوَقْفَةِ أَيْضًا كَمَا يَنْقَطِعُ بِالْعَطْفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ الْكَلْبُ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ، ثُمَّ سَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تُحَقِّقُ مَقْصُودَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ) أَيْ ثُمَّ قَادَ صَاحِبُ الْقِطَارِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالرَّبْطِ أَوَّلًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ الْبَهِيمَةَ وَيَكُونُ سَائِقًا لَهَا فَتُصِيبُ فِي فَوْرِهَا قَالَ هُوَ ضَامِنٌ، وَقَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ طَائِرًا فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ أَرَادَ بِالْبَهِيمَةِ الْكَلْبَ وَأَرَادَ بِكَوْنِهِ سَائِقًا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَنِهَا) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَقَدْ مَرَّ. اهـ. مِعْرَاجٌ