الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ، بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ بِالنِّكَاحِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا فَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا
(فَصْلٌ) قَالَ رحمه الله (فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللِّحْيَةِ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُهَا وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا وَمَا فِيهَا مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَمِثْلُهُ ذُكِرَ عليه الصلاة والسلام فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْبَاقِي دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ إذْ النَّفْسُ لَا تَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْآدَمِيِّ تَعْظِيمًا لَهُ دَلِيلُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْأَعْضَاءُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا مَا هُوَ أَفْرَادٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُزْدَوَجٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْبَاعٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَعْشَارٌ وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمُزْدَوَجِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَعْشَارِ كَذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ وَهُوَ مَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ أَوْ قَطَعَ الْأَرْنَبَةَ وَهُوَ طَرَفُ الْأَنْفِ أَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إزَالَةِ الْجَمَالِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْأَنْفِ أَنْ تَجْتَمِعَ الرَّوَائِحُ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ لِتَعْلُوَ إلَى الدِّمَاغِ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِ الْمَارِنِ، وَكَذَا إذَا قُطِعَ اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ النُّطْقُ فَإِنَّ الْآدَمِيَّ يَمْتَازُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ مَصَالِحِهِ إلَّا بِإِفْهَامِ غَيْرِهِ أَغْرَاضَهُ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِهِ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِتَفْوِيتِ صُورَةِ الْآلَةِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ الْبَعْضِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ فَمَا أَصَابَ الْفَائِتَ يَلْزَمُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ فِيهِ وَهِيَ الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَلَا الشَّفَوِيَّةِ وَهِيَ الْبَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ، وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَسَّمَ الدِّيَةَ عَلَى الْحُرُوفِ فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ أُسْقِطَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَلْزَمَهُ بِحِسَابِهِ مِنْهَا، وَكَذَا الذَّكَرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ جَمَّةٍ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْيِ بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْأَعْلَاقِ عَادَةً، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقُ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ، وَكَذَا فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِهِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِالنِّكَاحِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ إسْقَاطُ الْبَاءِ
[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]
(فَصْلٌ). (قَوْلُهُ: وَالْيَدَيْنِ) مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى قَوْلِهِ وَالرِّجْلَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَجِبُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا دِيَةٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَعْضَاءٍ اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالذَّكَرُ فَإِذَا اُسْتُوْعِبَ الْأَنْفُ جَدْعًا أَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنْهُ وَحْدَهُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا اُسْتُوْعِبَ اللِّسَانُ أَوْ قُطِعَ مِنْهُ مَا يَذْهَبُ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ إذَا اُسْتُوْعِبَ أَوْ قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ
ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا يُعْرَفُ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَصَرِ يَعْرِفُهُ الِاطِّبَاءُ، فَيَكُونُ قَوْلُ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَيْنِ حُجَّةً فِيهِ، وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ فَإِنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ، ثُمَّ يُنَادَى، فَإِذَا أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِلَّا فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا، وَكَذَا فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْآدَمِيِّينَ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ وَلِهَذَا يَحْلِقُ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ الرَّأْيُ؛ وَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ فِي أَوَانِهَا جَمَالٌ، وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ جَمَالٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يَتَكَلَّفُ فِي سَتْرِهِ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَالٌ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالْقُرُونِ وَالذَّوَائِبِ» بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَمَالُ، وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ، فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يُزَيِّنُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِي لِحْيَتِهِ جَمَالٌ كَامِلٌ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَتْ الْمَنْبَتُ فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِ الْجَانِي أَثَرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبَةِ الَّتِي لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فِي الْبَدَنِ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ، فَإِذَا نَبَتَ أَبْيَضَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ يُزَادُ بِبَيَاضِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ يَشِينُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ بِاعْتِبَارِهِ وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ قِيمَتُهُ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَلَا يَثْبُتُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً فَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ السِّرَايَةُ بِخِلَافِ النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ وَيُؤَجَّلُ فِيهِ سَنَةً فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مُزْدَوَجًا مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَفِي قَطْعِهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» ؛ وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ نِصْفِ الْمَنْفَعَةِ فَيَجِبُ النِّصْفُ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْإِبْصَارِ وَالْبَطْشِ وَإِمْسَاكِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَنْفَعَةُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ وَفِي تَفْوِيتِ الرِّجْلَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ وَفِي الْأُذُنَيْنِ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَقَدْ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُذُنَيْنِ بِالدِّيَةِ» وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ تَفْوِيتُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ)، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا ذَكَرْنَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالْقَوْلُ لِلْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ هَذَا يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ إذْهَابُ بَصَرِ غَيْرِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى» ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ اللِّحْيَةُ الشَّعْرُ النَّازِلُ عَلَى الذَّقَنِ وَالْجَمْعُ لِحَى مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدْرٍ وَتُضَمُّ اللَّامُ أَيْضًا مِثْلُ حِلْيَةٍ وَحُلَى اهـ
مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِثَدْيِهَا حَلَمَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبِيِّ الِالْتِقَامُ عِنْدَ الِارْتِضَاعِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الشَّعْرِ، وَعِنْدَنَا يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَرْبَاعًا فَهِيَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهَا الدِّيَةُ إذَا قَلَعَهَا وَلَمْ تَنْبُتْ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَى مِنْ الْعَيْنِ وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفَ الْعَيْنَيْنِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَهْدَابَ وَسَمَّاهَا أَشْفَارًا تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَمِثْلُهُ سَائِغٌ لُغَةً كَمَا يُقَالُ سَالَ الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَهُوَ لَا يَسِيلُ وَإِنَّمَا الْمَاءُ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَأَرَادَ بِهِ الشَّعْرَ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ هُوَ الَّذِي يَنْبُتُ دُونَ الْجُفُونِ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْرِ وَمَنَابِتِهِ دِيَةً كَامِلَةً فَلَا يَخْتَلُّ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي قَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ أَوْ الْبَطْشِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَتُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهَا كَالْأَسْنَانِ وَالْيَدِ الْيُمْنَى مَعَ الْيُسْرَى وَكُلُّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثَهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ، وَأَمَّا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَسْنَانُ فَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَتُزَادُ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
. قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ كُلُّهُ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَنْبُتْ) ضَبَطَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْإِنْبَاتِ أَيْ إذَا لَمْ تَنْبُتُ الْأَشْفَارُ الْأَهْدَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سِنٍّ رُبْعُ ثُمْنِ الدِّيَةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْعُشْرِ فَيَخْطِرُ بِبَالِي أَنَّ عَدَدَ الْأَسْنَانِ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سِنًّا فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ أَسْنَانُ الْحُلُمِ قَدْ لَا تَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَقَدْ يَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضُهَا وَلِلْبَعْضِ كُلُّهَا فَالْعَدَدُ الْأَوْسَطُ لِلْأَسْنَانِ ثَلَاثُونَ، ثُمَّ لِلْأَسْنَانِ مَنْفَعَتَانِ الزِّينَةُ وَالْمَضْغُ فَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ الزِّينَةُ بَاقِيًا، وَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْأَوْسَطُ ثَلَاثِينَ فَمَنْفَعَةُ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الْأُخْرَى الَّتِي تُقَابِلُهَا سُدُسُ الْعُشْرِ وَمَجْمُوعُهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ اهـ. شَرْحُ وِقَايَةٍ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ فِي كِتَابِ التَّصْحِيحِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْأَسْنَانِ كُلِّهَا دِيَةً وَاحِدَةً كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ اهـ، وَذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ، وَقَالَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَأَسْنَانُ الْكَوْسَجِ قَالُوا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الْأَعْضَاءِ إلَّا أَنَّ الْمَرْجِعَ النَّصُّ. اهـ.