الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِيهِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْمَالَ كَمَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بَطَلَ الْحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِقَوَدٍ أَوْ سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عِنْدَهُ أَصْلِيٌّ كَالْقَوَدِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ تَعَيَّنَ الْمَالُ وَلَنَا أَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَفُوتُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَدْ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَسَلِمَتْ لَهُ مَعْنًى فَيَغْرَمُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّفْسِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِغَيْرِهِ فَقُتِلَ بِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ.
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَالِ فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ اسْتَوْعَبَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ، وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ؛ فَلِأَنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا، وَفِي اسْتِيفَاءِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجَّ مِنْ الشَّيْنِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ ثُمَّ لَوْ اخْتَارَ الْقَوَدَ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَفِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ يَتَخَيَّرُ أَيْضًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الشَّيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ، وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا إلَى قَفَاهُ وَلَا تَأْخُذُ إلَى قَفَا الْآخَرِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْكَبِيرِ أَنَّ لَهُ الِاقْتِصَاصَ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُنْظَرُ إلَى الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَالْيَدِ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الشَّجَّةِ لِأَجْلِ الشَّيْنِ، وَهُوَ يَتَفَاوَتُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَفِي قَطْعِ الْيَدِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَهِيَ لَا تَتَفَاوَتُ وَلَعَلَّ الصَّغِيرَةَ أَنْفَعُ مِنْ الْكَبِيرَةِ فَافْتَرَقَا
(فَصْلٌ). قَالَ رحمه الله (وَإِنْ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ) أَيْ إذَا صُولِحَ الْقَاتِلُ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ حَالًّا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخْذُ الْمَالِ بِرِضَا الْقَاتِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَهُ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ مَجَّانًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ مِنْ إحْسَانِ الْوَلِيِّ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ فَكَذَا التَّعْوِيضُ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَيَكُونُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْهُ رِبًا وَإِنَّمَا وَجَبَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحَوْلُ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الْمَالِ إلَّا مُقَابَلًا بِهِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ
قَالَ رحمه الله (وَيَتَنَصَّفُ إنْ أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَسَيِّدُ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَمَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَنْقَسِمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيَنْتَصِفُ مُوجِبُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ حَظِّهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ عَفَا فَلِمَنْ بَقِيَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ أَوْ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ عَفْوُهُ وَصُلْحُهُ فَيَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ أَيْضًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَكَذَا سُقُوطًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ فَبِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ ثُبُوتًا هَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ) حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَهَا فِي طُولِهَا إلَى حَيْثُ يَبْلُغُ ثُمَّ يَكُفُّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ لَهُ الِاقْتِصَاصَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ. اهـ
[فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ]
(فَصْلٌ)(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً إلَخْ) إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا اُفْتُرِضَتْ فِيهِ الدِّيَةُ، وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ) أَيْ سُقُوطَ الْقَوَدِ. اهـ. .
فِيهِ، فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَةِ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ عَنْ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا فَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَلَا فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمه الله لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ، وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامُ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كُلًّا فَعَلَيَّ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ» ، فَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ كَالْمَالِ «وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ» ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَتَّى إنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ فَثَبَتَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ الْإِرْثُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يُقَسِّمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَالدِّيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِصَاصُ بَدَلُ النَّفْسِ كَالدِّيَةِ فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَاسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ، بَلْ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْعَقْلِ عَدَمُ الْإِرْثِ لِلْقِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالنِّسَاءَ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَعْقِلْنَ وَيَرِثْنَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَعْقِلُ عَنْهَا أَبْنَاؤُهَا الْكِبَارُ وَيَرِثُونَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَهُنَّ حَقُّ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ لِضَعْفِهَا وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ الْكَافِرَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَلَا تُوضَعُ عَلَيْهَا الْجِزْيَةُ الْوَاجِبَةُ مَكَانَ الْقَتْلِ فَصَارَتْ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّغِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ قُلْنَا إنَّهَا إنْ لَمْ تَقْدِرْ تُوَكِّلْ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ
. قَالَ رحمه الله (وَيُقْتَلُ الْجَمِيعُ بِالْفَرْدِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْتَلَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه بِهِ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ دَمًا بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا فَاسْتَشَارَ عُمَرُ رضي الله عنه ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَرَى هَذَا قَدْ أَحْيَاهُ فَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ أَنْ يُمِيتَ مَا أَحْيَاهُ حَمَلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ أَحَدِ شَرِيكَيْ الدَّمِ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ مَالِكٌ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَهُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَتْلِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَضِيَّةُ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ قَضِيَّتَهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عِنْدَنَا بِالسَّبَبِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ مَوْرُوثَةٌ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَالدِّيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ مَالٌ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نَصِيبِهِ أَوْ يُصَالِحَ عَنْهُ وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَى الْقَاتِلِ حَقُّ مَنْ لَمْ يَعْفُ عَنْ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَرَدَ عَلَى كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ «وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ الدِّيَةُ بَيْنَ مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ؛ وَلِأَنَّهَا مَالٌ لِلْمَيِّتِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي دَمِ عَمْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ زُفَرُ فِي سَنَتَيْنِ لَنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ فَيَسْقُطُ فِي السِّنِينَ الثَّلَاثِ كَمَا لَزِمَ بَعْضَ الْعَاقِلَةِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ لَمْ تَلْزَمْ مِنْ أَجْزَاءِ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةُ الْوَاجِبِ فَصَارَ كَمَا يَجِبُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ بِقَطْعِ الْيَدِ خَطَأً اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الضِّبَابِيُّ مَا نَصُّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالضِّبَابُ بَطْنٌ مِنْ الْعَرَبِ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَةِ اللُّغَةِ وَأَشْيَمَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ قَتَلَهُ خَطَأً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْفَرْدِ) بِشَرْطِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا سَارِيًا. اهـ. خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ: تَمَالَأَ) أَصْلُهُ الْمُعَاوَنَةُ فِي مِلْءِ الدَّلْوِ، ثُمَّ عَمَّ فَقَالُوا تَمَالَئُوا أَيْ تَعَاوَنُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
الْقِصَاصِ وَفَتْحُ بَابِ التَّفَانِي إذْ لَا يُوجَدُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُهُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا نَادِرًا وَالزَّاجِرُ يُشْرَعُ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ؛ وَلِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ
. قَالَ رحمه الله (وَالْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً) أَيْ يُقْتَلُ الْفَرْدُ إذَا قَتَلَ جَمَاعَةً وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيُقْضَى بِالْقَوَدِ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَبِالدِّيَةِ لِلْبَاقِينَ وَفِي قَوْلٍ قُتِلَ لَهُمْ جَمِيعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ قَتْلَاتٌ وَمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ قَتْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَمَاثُلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَحَصَلَ التَّمَاثُلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا الْقِصَاصُ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّمَاثُلَ ثَابِتٌ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِثْلَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِثْلًا لِلْآخَرِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مِثْلًا لَهُ كَاسْمِ الْأَخِ وَالزَّوْجِ فَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ إذْ هُوَ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَكَسْرِ الْعَظْمِ أَوْ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَمَّا تَوَهَّمَ مَوْتَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ
. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ قَتَلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ كَمَوْتِ الْقَاتِلِ) أَيْ إذَا حَضَرَ أَوْلِيَاءُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْتُولِينَ قَتَلَ لَهُمْ وَسَقَطَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ بَقِيَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَمَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ
. قَالَ رحمه الله (وَلَا تُقْطَعُ يَدُ رَجُلَيْنِ بِيَدٍ) مَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَالْمَفْرُوضُ إذَا أَخَذَا سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْفَصَلَتْ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا وَمُلْحَقَةٌ بِهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مَا انْقَطَعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَالِاثْنَتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ لَا غَيْرُ وَفِي الطَّرَفِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي النَّفْعِ وَالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَالنَّفْسُ السَّالِمَةُ عَنْ الْعُيُوبِ تُقْتَلُ بِالْمَفْلُوجِ وَالْمَشْلُولِ فَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ؛ وَلِأَنَّ زُهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ فَأُضِيفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا وَقَطْعُ الْعُضْوِ يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ وَيُتْرَكَ الْبَاقِي وَفِي الْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَلْقِهِ حَتَّى الْتَقَيَا فِي الْوَسَطِ وَمَاتَ مِنْهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْيَدِ لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ مَخَافَةَ الْغَوْثِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَاتٍ بَطِيئَةٍ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِسَبَبِهَا كَالشَّدِّ أَوْ نَقُولُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلٍ قُتِلَ لَهُمْ جَمِيعًا) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْوَاحِدُ يُقْتَلُ بِالْجَمَاعَةِ قِصَاصًا عَلَى سَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ اكْتِفَاءً غَيْرَ أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ اكْتِفَاءً وَتَجِبُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ عَلَى الْمُقَارَنَةِ لَهُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يُقْتَلُ بِالْوَاحِدِ غَيْرُ عَيْنٍ وَتَجِبُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ وَفِي قَوْلٍ يُقْرَعُ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَتَجِبُ الدِّيَاتُ لِلْبَاقِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّرِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ اهـ. (فَرْعٌ). فَإِنْ قُلْت فَمَا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تُقْطَعُ بِالْأَيْدِي اكْتِفَاءً، بَلْ تُقْطَعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الْمَالِ قُلْت الطَّرَفُ مُتَبَعِّضٌ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى اسْتِيفَائِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَوْفِيًا لِجُزْءِ حَقِّهِ وَيَنْتَقِلُ فِي الْبَاقِي إلَى الْمَالِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَوَجَدُوا قَفِيزًا وَاحِدًا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ وَيَنْتَقِلُونَ فِي الْبَاقِي إلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَعِّضٌ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمُتَبَعِّضٍ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ وَحَزِّ الرَّقَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ) وَلَنَا أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْجَمَاعَةِ يَسْتَدْعِي التجزي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَصَلَ مِنْهُ بَعْضُ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَسْتَدْعِي التجزي؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَهُوَ الْيَدُ يَقْبَلُ التجزي فَإِذَا حَصَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضُ الْقَطْعِ لَمْ يَجُزْ إضَافَةُ الْقَطْعِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَلَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ قَتْلِ الْأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَلًا فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا عَلَى الْكَمَالِ فَحَصَلَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَنْفُسِ وَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَالِاعْتِدَاءُ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ قَالَ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وَقَالَ تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} [غافر: 40] وَقَطْعُ الْيَدِ مُتَجَزِّئٌ فَلَا تَجُوزُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَيْدِي وَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ لِلْيَدِ نِصْفًا وَرُبُعًا وَثُمُنًا وَنَحْوُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا
. قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعَةِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ فَيَجِبُ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ قِصَاصًا فَمَنَعَ اسْتِحْقَاقَهَا الثَّانِي بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ آخَرَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَالْأَرْشُ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقُرْعَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَحْسِبَهُ بِحَقِّهِ وَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ إذَا اُسْتُهْلِكَ وَيَقْبِضُ بَدَلَهُ، فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الْيَدِ، وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ حَقِّهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالَبُ الْقَاطِعُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتًا فِيهَا لَطَالَبَهُ بِهِ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا فَيُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيُقْضَى لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ
. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقُطِعَ يَدُهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ، وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ وَالْآخَرُ غَائِبٌ حَيْثُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْآخَرُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ لِلْحَاضِرِ وَطَلَبَ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا لِسَلَامَتِهَا لَهُ، وَلَوْ قُضِيَ بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ فَلِلْآخَرِ الْقَوَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِالْقَضَاءِ أَثْبَتَ الشِّرْكَةَ بَيْنَهُمَا فَعَادَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْبَعْضِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْآخَرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ فَالْعَفْوُ قَبْلَهُ كَالْعَفْوِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْقَاطِعِ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِذَهَابِ الْيَدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا كَمَا إذَا قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَطْعِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا، ثُمَّ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ ذِرَاعَ الْقَاطِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةَ عَدْلٍ فِي قَطْعِ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْقَاطِعِ كَانَتْ مَقْطُوعَةً مِنْ الْكَفِّ حِينَ قَطَعَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَكَانَتْ كَالشَّلَّاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَاحِدًا فَقُطِعَ الْقَاطِعُ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلِلْمَقْطُوعِ مِنْ الْمِرْفَقِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَا ذَكَرْنَا
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِقَتْلِ عَمْدٍ يُقْتَصُّ بِهِ)، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي مِثْلِهِ لِكَوْنِهِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِهِ فَيَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَحَّ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُوَلَّى ضَرُورَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ قَصْدًا بِخِلَافِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا تُقْتَلُ الْأَنْفُسُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ نَقُولَ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَطْعُ الطَّرَفِ لَيْسَ فِي مَعْنَى قَتْلِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بالتجزي؛ لِأَنَّهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ فَجَازَ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالِبُ) بِأَنْ قَطَعَهَا شَخْصٌ آخَرُ لَا يَكُونُ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ مَنْ قَطَعَ يَدَ قَاطِعِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) وَقَوْلُ زُفَرَ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ. اهـ. غَايَةٌ