المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في البيع) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٦

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[سَبَب الْأُضْحِيَّة وَشَرَائِطهَا]

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[مَا يُضَحَّى بِهِ]

- ‌[ مِمَّا تَكُون الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِي لَحْم الْأُضْحِيَّة]

- ‌[ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[يذبح المضحي بِيَدِهِ]

- ‌[ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)

- ‌(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

- ‌(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌{فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ}

- ‌{كِتَابُ الصَّيْدِ}

- ‌[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]

- ‌[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]

- ‌[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ]

- ‌ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ}

- ‌{بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ}

- ‌(بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ)

- ‌[فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ]

- ‌(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)

- ‌(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)

- ‌[بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ]

- ‌[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ)

- ‌[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]

- ‌(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ)

- ‌[فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً]

- ‌[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌(بَابُ الْقَسَامَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ)

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ]

- ‌(وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)

- ‌لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ

- ‌[ لَا يَعْقِل أَهْل مِصْر عَنْ أَهْل مِصْر آخِر]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ]

- ‌ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ

- ‌ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ

- ‌ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ

- ‌[الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة]

- ‌[ وَصِيَّة الْمُكَاتَب]

- ‌(بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]

- ‌[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ]

- ‌(كِتَابُ الْخُنْثَى)

- ‌[لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي]

- ‌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى

- ‌[مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل أَنْ يستبين أمره]

- ‌[قَبَلَ رَجُل الْخُنْثَى الْمُشْكِل بشهوة]

- ‌[تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى]

- ‌(مَسَائِلُ شَتَّى)

- ‌(إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ

- ‌[ مِيرَاث الْخُنْثَى]

- ‌[حَدّ قاذف الْخُنْثَى]

- ‌[لف ثَوْب نجس فِي آخِر طَاهِر]

- ‌[غنم مذبوحة وميتة حُكْم الْأَكْل مِنْهَا]

- ‌[سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض]

- ‌ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ

- ‌ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ

- ‌[ الْعَقَار الْمُتَنَازِع فِيهِ لَا يَخْرَج مِنْ يَد ذَوِي الْيَد]

- ‌[بَاعَ ضيعة ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَاده]

- ‌[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

- ‌[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[أحوال الْأَب فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْأُمّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[للجدات أحوال فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[الأخوات لِأَب وَأُمّ أحوالهن فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْفُرُوض المقدرة فِي الْمَوَارِيث]

- ‌[التصحيح فِي الْفَرَائِض]

- ‌[ خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌(فصل في البيع)

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)

قَالَ رحمه الله: (كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لَا السِّرْقِينِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَالًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَمَوَّلُوا السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَالْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرَاضِي لِاسْتِكْثَارِ الرَّيْعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ، وَتُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَاصَّةِ جَائِزٌ.

قَالَ رحمه الله (لَهُ شِرَاءُ أَمَةٍ قَالَ بَكْرٌ وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا) مَعْنَاهُ أَنَّ جَارِيَةً لِإِنْسَانٍ فَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا فَقَالَ الْبَائِعُ وَكَّلَنِي مَوْلَاهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَيَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَوْ، وَهَبَنِي إيَّاهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْفُرُوجُ بِأَنْ زُفِّتَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ، وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ امْرَأَتُك حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ وَسِعَهُ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا تُشْتَرَطُ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يَقُومُ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ صَاحِبُ الْيَدِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَكَالَةِ أَوْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَرَفَهَا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ لَا يَشْتَرِيهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَيْهِ أَوْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مَعَ ذَلِكَ صَحَّ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ قَبِلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ.

وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا رَجُلٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ أَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا بِطَلَاقٍ، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ بَعْدَمَا تَحَرَّتْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ فَلَا مُنَازِعَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ مَا يَطْرَأُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجُهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْجَارِيَةُ كُنْتُ أَمَةً لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنْ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ حِينَ تَزَوَّجَهَا مُرْتَدًّا أَوْ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّك

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ]

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَمَوَّلُوا السِّرْقِينَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَنَا أَنَّ السِّرْقِينَ مَالٌ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَيُتَمَوَّلُ أَيْ يُدَّخَرُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تَمَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَمَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَانَ مَالًا فَجَازَ بَيْعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِرَمَادٍ وَتُرَابٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) وَنَجَاسَةُ الْعَيْنِ تَمْنَعُ الْأَكْلَ، وَلَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ فَجَازَ بَيْعُ ذَلِكَ اهـ غَايَةٌ.

وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَذِرَةِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُكْرَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ فَعَلَى قِيَاسِ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُكْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَخْلُوطَةً وَالرِّوَايَتَانِ نَقَلَهُمَا الْفَقِيهُ قَبْلَ هَذَا. اهـ. قَوْلُهُ: فِي الْهِدَايَةِ أَيْ، وَفِي الْكَافِي مِثْلُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ كَكِتَابٍ فِي يَدِ جَاهِلٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَكَدِرَةٍ فِي يَدِ فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالتَّنَزُّهُ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ) أَيْ إذَا أَتَاهُ عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ بِجَارِيَةٍ فَأَرَادَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ فَلَا يَشْتَرِ قَبْلَ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ، وَقَبُولِهِ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ إلَخْ) فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ وَقَبُولِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَمْلُوكِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلْمِلْكِ، وَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ إخْبَارٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ فَيُقْبَلُ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ الْمَانِعِ) أَيْ، وَهُوَ الرِّقُّ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا رَجُلٌ ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ)، وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ، وَأَمَّا فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ فُصُولِهِ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ، وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا قَالُوا لِامْرَأَةِ الْغَائِبِ إنَّ زَوْجَك طَلَّقَك أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ وَاحِدٌ عَدْلٌ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ آخَرَ كَذَا فِي الْفُصُولِ. هـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 26

تَزَوَّجَتْهَا، وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِأُخْتِهَا، وَلَا بِأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْكَارِ فَسَادِهِ فَيَثْبُتُ الْمُنَازَعُ بِالظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ صَغِيرَةً فَأُخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَدُورُ الْفَرْقُ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَلَمَّا كَبُرَتْ لَقِيَهَا رَجُلٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِتَحَقُّقِ الْمُنَازِعِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُنَافِي طَارِئًا.

قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا مُسْلِمٌ لَا كَافِرٌ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ خَمْرًا، وَأَخَذَ ثَمَنَهَا، وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْخَمْرِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَمَلَكَهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِأَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ثَمَنَ الْخَمْرِ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لَهُ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله أَيْضًا لَا يَرَى نُفُوذَ قَضَاءِ الْقَاضِي بَاطِنًا، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهَا هُوَ لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَكَسْبُهُ مِنْ بَيْعِ الْبَاذَقِ أَوْ الظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ يَتَوَرَّعُ الْوَرَثَةُ، وَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ أَوْلَى لَهُمْ، وَيَرُدُّونَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهَا؛ لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَاحْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَالْبَهِيمَةِ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) أَيْ يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي الْقُوتِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ، وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ عَنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ، وَتَلَقِّي الْجَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ.

وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلّ مَا ضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَإِنْ كَانَ ثِيَابًا أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الضَّرَرَ الْمُتَعَارَفَ الْمَعْهُودَ ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا تَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِذَا طَالَتْ تَكُونُ احْتِكَارًا مَكْرُوهًا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ ثُمَّ قِيلَ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّيَّانَةِ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَدُورُ الْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْإِخْبَارُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ لَا يُقْبَلُ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَقَالَتْ) وَلَوْ قَالَتْ إنَّ سَيِّدِي قَدْ أَعْتَقَنِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَحْقِيقِ الْمُنَازَعِ) أَيْ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الِاحْتِكَارُ فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ احْتِكَارُهُ، وَقَالَ الِاحْتِكَارُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَإِنْ حَبَسَهُ عِنْدَهُ شَهْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِثْمُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْبِسُهُ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحُكْرَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ الَّذِي هُوَ قُوتُ النَّاسِ وَالْقَتُّ الَّذِي هُوَ قُوتُ الْبَهَائِمِ، وَلَيْسَ فِي الثِّيَابِ حُكْرَةٌ، وَلَا فِي الْأُرْزِ، وَلَا فِي الْعَسَلِ، وَلَا فِي السَّمْنِ، وَلَا فِي الزَّيْتِ حُكْرَةٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الزَّيْتِ حُكْرَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْرَةِ بِلَا فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِحُكْرَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْحِنْطَةِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَدْهَانَ وَالْعَسَلَ لَيْسَ بِهَا قِوَامُ الْأَبْدَانِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا كَمَا فِي سِوَاهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ اللَّازِمَةَ الدَّائِمَةَ فِي الْأَقْوَاتِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يُكْرَهُ حَبْسُ غَيْرِ الْأَقْوَاتِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَبْسَ الْأُرْزِ لَيْسَ بِاحْتِكَارٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي لَا يَتَقَوَّتُونَ بِهِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ قُوتُهُمْ مِثْلُ طَبَرِسْتَانَ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَأَمَّا الثِّيَابُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الْأَبْدَانِ وَبَقَاءَ الْحَيَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ.

1 -

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» قَالَ الْفَقِيهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْجَالِبِ الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ لِلْبَيْعِ فَيَجْلِبُهُ إلَى بَلَدِهِ فَيَبِيعُهُ فَهُوَ مَرْزُوقٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيَنَالُهُ بَرَكَةُ دُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُحْتَكِرُ يَشْتَرِي الطَّعَامَ لِلْمَنْعِ، وَيَضُرُّ بِالنَّاسِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ، وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ» . اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قِيلَ اللَّعْنُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدِهِمَا الطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْكَافِرِ وَالثَّانِي الْإِلْقَاءُ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ، وَمَقَامِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُؤْمِنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هِيَ) أَيْ مُدَّةُ الِاحْتِكَارِ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ

ص: 27

«مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» ، وَقِيلَ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ، وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْعِزَّةَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْقَحْطَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَقِيلَ الْمُدَّةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَيَحْصُلُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ.

قَالَ رحمه الله: (لَا غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ، وَمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) أَيْ لَا يُكْرَهُ احْتِكَارُ غَلَّةِ أَرْضِهِ أَوْ احْتِكَارُ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَكُونُ احْتِكَارًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ، وَلَا يَجْلِبَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَهَذَا فِي الْمَجْلُوبِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا جُلِبَ وَجُمِعَ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي فِنَائِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَا فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَصَارَ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَالْجَامِعُ عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَنْقُلَ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُكْرَهُ لَهُ حَبْسُ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْعَامَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ حُصُولُهُ لَهُمْ بِأَنْ يَجْلِبَهُ غَيْرُهُ لَهُمْ أَوْ يَجْلِبُوهُ هُمْ؛ لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ وَجَلَبَهُ فَكَانَ بِحَبْسِهِ مُبْطِلًا حَقَّهُمْ فِي النَّقْلِ وَالْجَلْبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَبَسَ الْمَجْلُوبَ إلَى الْمِصْرِ أَوْ فِنَائِهِ بِخِلَافِ مَا زَرَعَهُ فِي ضَيْعَتِهِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ نَقَلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ يُكْرَهُ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ تَعَلَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يُنْقَلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ هُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدِ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْهِمْ فَصَارَ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُسَعِّرُ السُّلْطَانُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» ؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ فَكَانَ إلَيْهِ تَقْدِيرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَتَحَكَّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَعَدُّونَ تَعَدِّيًا فَاحِشًا، وَعَجَزَ السُّلْطَانُ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ فَتَعَدَّى عَنْ ذَلِكَ فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ فَوْقَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ لَا يَكُونُ حَجْرًا بَلْ يَكُونُ فَتْوَى فِي ذَلِكَ

وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِعُقُوبَتِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ، وَلَا بِالتَّسْعِيرِ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَبِيعَ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ، وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ، وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ، وَيَعِظُهُ، وَيَزْجُرُهُ عَنْهُ فَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ وَهَدَّدَهُ، وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ ثَالِثًا حَبَسَهُ، وَعَزَّرَهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَنْهُ، وَيَزُولَ الضَّرَرُ عَنْ النَّاسِ، وَلَا يُسَعِّرُ إلَّا إذَا أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهُ إلَّا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ ضِعْفِ الْقِيمَةِ، وَعَجَزَ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِهِمْ إلَّا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بِالْكُلِّيَّةِ. قِيلَ لَا يَبِيعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَهُمَا يَرَيَانِهِ كَمَا فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ كَمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ

وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ يَخَافُ إذَا نَقَصَ أَنْ يَضُرَّ بِهِ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَعْنِي بِمَا تُحِبُّ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ، وَلَوْ اصْطَلَحَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَاشْتَرَى رَجُلٌ مِنْهُمْ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ أَوْ لَحْمًا فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ نَاقِصًا وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ إذَا عَرَفَ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ دُونَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ سِعْرَ الْخُبْزِ يَظْهَرُ عَادَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسِعْرَ اللَّحْمِ لَا يَظْهَرُ إلَّا نَادِرًا فَيَكُونُ شَارِطًا فِي الْخُبْزِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ دُونَ اللَّحْمِ. وَلَوْ خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكَرِينَ، وَفَرَّقَهُ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ.

قَالَ رحمه الله: (وَجَازَ بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ)؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ)، وَقَدْ رَوَيْنَا قَبْلُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ مُدَّةَ الِاحْتِكَارِ بِأَكْثَرَ السَّنَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ إثْمَ مَنْ تَرَبَّصَ الْقَحْطَ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ تَرَبَّصَ عِزَّةَ الطَّعَامِ، وَهِيَ الْغَلَاءُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُدَّةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا) يَعْنِي أَنَّ تَقْدِيرَ مُدَّةِ الِاحْتِكَارِ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُعَزِّرَ الْإِمَامُ الْمُحْتَكِرَ، وَيُهَدِّدَهُ أَمَّا الْإِثْمُ فَيَحْصُلُ، وَإِنْ قَلَّتْ مُدَّةُ الِاحْتِكَارِ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَحْمُودَةٍ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاحْتِكَارِ، وَأَمَّا الِاسْتِرْبَاحُ فِيهِ بِلَا احْتِكَارٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الشَّاهِيَةِ. اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُسَعِّرُ السُّلْطَانُ إلَخْ)، وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ التَّسْعِيرُ عَلَى الْوَالِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْعَامَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ) أَيْ فِي قُوتِهِ، وَقُوتِ أَهْلِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ لَا يَبِيعُ) أَيْ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ) أَيْ الْمُفْلِسِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ، وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ، وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَالِ غَيْرِهِ وَخَافَ الْهَلَاكَ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ

ص: 28

بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ إعَانَةً لَهُمْ، وَتَسْبِيبًا، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعُدْوَانِ وَالْمَعْصِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ يُصْلِحُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا جَائِزٌ شَرْعًا فَيَكُونُ الْفَسَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ.

قَالَ رحمه الله: (وَإِجَارَةُ بَيْتٍ لِيَتَّخِذَهُ بَيْتَ نَارٍ أَوْ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ يُبَاعُ فِيهِ خَمْرٌ بِالسَّوَادِ) أَيْ جَازَ إجَارَةُ الْبَيْتِ لِيَتَّخِذَهُ مَعْبَدًا لِلْكُفَّارِ وَالْمُرَادُ بِبَيْتِ النَّارِ مَعْبَدُ الْمَجُوسِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرِيَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ لِقَطْعِ نِسْبَتِهِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرِهَا أَوْ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ، وَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ فِيهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّوَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْمَعْبَدِ، وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ فِي الْأَمْصَارِ لِظُهُورِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِيهَا فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ بِخِلَافِ السَّوَادِ قَالُوا هَذَا فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، وَأَمَّا فِي سَوَادِ غَيْرِهَا فِيهِ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ.

قَالَ رحمه الله: (وَحَمْلُ خَمْرٍ لِذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ) أَيْ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً، وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا، وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَسَبُّبٍ لَهَا، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدْ يَكُونُ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ التَّخْلِيلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْفِهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا آجَرَهُ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَهُ نَفْسَهُ لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الزَّنَانِيرِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذْلَالٌ لَهُمَا وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرِّجَالِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ، وَلَوْ أَنَّ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ فِي التَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ وَالْفَسَقَةِ.

قَالَ رحمه الله: (وَبَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَأَرَاضِيِهَا) يَعْنِي يَجُوزُ أَمَّا الْبِنَاءُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ بَنَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَنَى فِي الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ الْوَقْفِ صَارَ الْبِنَاءُ مِلْكًا لَهُ وَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا أَرْضُهَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ أَرَاضِيَهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا لِظُهُورِ آثَارِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَهُوَ اخْتِصَاصُهُمْ بِهَا شَرْعًا، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام، وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرَاضِيَهَا تُمْلَكُ، وَتَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ بَيْعَ أَرَاضِيِهَا وَالدُّورِ الَّتِي فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرَاضِيِهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَلَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْحَرَمَ وَقْفُ الْخَلِيلِ عليه الصلاة والسلام، وَيُكْرَهُ إجَارَةُ أَرْضِهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» ؛ وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ مَكَّةَ كَانَتْ تُدْعَى فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَزَمَنِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَائِبُ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا، وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أَسْكَنَ غَيْرَهُ فِيهَا، وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ يَأْخُذُ مِنْهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِقَطْعِ نِسْبَتِهِ عَنْهُ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِهِ أَصْلُ هَذَا إذَا بَاعَ الْعَصِيرَ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَلَا يُكْرَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعُ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي بُيُوعِ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ أَمْرَدُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ غَالِبًا يُكْرَهُ هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ بُيُوعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْمُحِيطِ الْمُسْلِمُ الْفَاسِقُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَمْرَدَ، وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَادُ اتِّبَاعَ الْأَمْرَدِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا)، وَإِنَّمَا لُعِنَ الْحَامِلُ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْمُقِرُّونَ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ) أَيْ، وَهُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لَا يَجُوزُ مِثْلَ أَنْ يُقْرِضَ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ صِحَاحًا أَوْ يُقْرِضَ قَرْضًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ بِهِ بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا، وَتَأْوِيلُ هَذَا عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُوجِبَةً بِعَقْدِ الْقَرْضِ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ فَاسْتَقْرَضَ غَلَّةً فَقَضَاهُ صِحَاحًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَيْعَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ فَإِذَا جَرَّ نَفْعًا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَزَادَ فِيهِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ وَجَرُّ الْمَنْفَعَةِ يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ يَكُونُ الْمُقْتَرِضُ مُتَبَرِّعًا بِهَا فَصَارَ كَالرُّجْحَانِ الَّذِي دَفَعَهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَدَلِ الْقَرْضِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْرِضُ فَإِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَعْطَاهُ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ جَاءَ لِيَقْبِضَهُ فَلَمْ يَقِفْ فِي ظِلِّ حَائِطِهِ وَوَقَفَ فِي الشَّمْسِ حَتَّى خَرَجَ

ص: 29

مَا شَاءَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَّكَهُ الدِّرْهَمَ فَقَدْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ، وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يُرِيدُ مِنْ التَّوَابِلِ وَالْبُقُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَهُ فِي ذَلِكَ نَفْعٌ، وَهُوَ بَقَاءُ دِرْهَمِهِ وَكِفَايَتُهُ لِلْحَاجَاتِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ.

قَالَ رحمه الله: (وَتَعْشِيرُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ)؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْآيَ تَوْقِيفِيَّةٌ لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَبِالتَّعْشِيرِ حُفِظَ الْآيُ وَبِالنَّقْطِ حُفِظَ الْإِعْرَابُ فَكَانَا حَسَنَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ فَكَانَ حَسَنًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ فَذَاكَ فِي زَمَنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا أُنْزِلَ، وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلَةً عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ النَّقْطَ مُخِلًّا بِحِفْظِ الْإِعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ بِحِفْظِ الْآيِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ فِي زَمَانِنَا فَيُسْتَحْسَنُ لِعَجْزِ الْعَجَمِيِّ عَنْ التَّعَلُّمِ إلَّا بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ، وَعَدِّ الْآيِ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. قَالَ رحمه الله:(وَتَحْلِيَتُهُ) أَيْ يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ، وَتَزْيِينِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَتْ التَّحْلِيَةُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ مُمَوَّهٍ.

قَالَ رحمه الله: (وَدُخُولُ ذِمِّيٍّ مَسْجِدًا) أَيْ جَازَ إدْخَالُ الذِّمِّيِّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ، وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْجَنَابَةِ فَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، وَعَدَّى مَالِكٌ إلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَهِيَ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا تُنَزَّهُ عَنْهَا، وَلَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ وَضَرَبَ لَهُمْ خَيْمَةً فِيهِ فَقَالَتْ الصَّحَابَةُ الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَجَاسَتِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا نَجَاسَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ» وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ دَخَلَ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّجَاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ هِيَ الْخُبْثُ فِي اعْتِقَادِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَبِيحٍ رِجْسٌ، وَهُوَ النَّجَسُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَزْلَامَ وَالْمَيْسِرَ سُمِّيَتْ فِي الْقُرْآنِ رِجْسًا لِقُبْحِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَنْ قُرْبَانِهِمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْعُهُمْ عَنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، وَكَانَ الْحُكْمُ لَهُمْ فَيَفْعَلُونَ مَا أَرَادُوا، وَلَمَّا أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَتَهُ وَنَصَرَ دِينَهُ، وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْفَتْحِ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَمُنِعُوا مِنْ دُخُولِهِ لِقَصْدِ الطَّوَافِ بِالْكُلِّيَّةِ.

قَالَ رحمه الله: (وَعِيَادَتُهُ) أَيْ تَجُوزُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قُومُوا بِنَا نَعُودُ جَارَنَا الْيَهُودِيَّ فَعَادَهُ، وَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ الْمَرِيضُ إلَى أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَجِبْهُ فَأَجَابَهُ وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ» ؛ وَلِأَنَّ الْعِيَادَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبِرِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]، وَلَا بَأْسَ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ، وَعَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَزِدْ حِينَ رَدَّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلَا يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهُ، وَتَكْرِيمَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةً إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِبُدَاءَتِهِ بِهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ.

وَلَوْ دَعَا لَهُ بِالْهُدَى جَازَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ اللَّهُمَّ أَهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَوْ دَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمُرِ قِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّمَادِيَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي طُولِ عُمُرِهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَيَكُونُ دُعَاءً لَهُمْ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْعَافِيَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا قِيلَ لَا يَعُودُهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ يَعُودُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، وَتَرْغِيبَهُ فِيهِ وَتَأْلِيفَهُ، وَقَدْ نُدِبْنَا إلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ قَالَ لِوَالِدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ فِي تَعْزِيَتِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك خَيْرًا مِنْهُ، وَأَصْلَحَك أَيْ أَصْلَحَك

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إلَيْهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ تَحْتَ الْحَائِطِ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ تُمْلَكُ، وَلَا أَوْجَبَهَا الْقَرْضُ، وَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَمُنِعَ مِنْ الْجُلُوسِ فِي سِرَاجِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ مَا يُكْتَبُ فِي تَرَاجِمِ السُّوَرِ حَسْبَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إبَانَةً عَنْ مَعْنَى السُّورَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِهَا لِلْفَصْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْآيَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ تَوَلِّي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَيُعْزَلُونَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَلَى طَوَافِهِمْ عُرَاةً كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَ اللَّهُ بِتَنْزِيهِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَنْ ذَلِكَ لَا أَنَّ نَفْسَ الدُّخُولِ مَمْنُوعٌ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَمْدُ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ لَا نَرَى بِعِيَادَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس بَأْسًا كَذَا فِي كِتَابِ الْآثَارِ لِمُحَمَّدٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَجُوسِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعِيَادَتِهِ، وَلَكِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْإِسْلَامِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِ وَنِكَاحُهُمْ بِخِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 30

بِالْإِسْلَامِ وَرَزَقَك وَلَدًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ بِهِ تَظْهَرُ، وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَرَحِمَ مَيِّتَك، وَكَثَّرَ عَدَدَك قَالَ رحمه الله:(وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ) أَيْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ؛ وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَطِيبُ بِهِ، وَيَتْرُكُ النِّطَاحَ فَكَانَ حَسَنًا.

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ)؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَكِبَ الْبَغْلَ وَاقْتَنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابِهِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ.

قَالَ رحمه الله (وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ، وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ) يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ كَالضِّيَافَةِ لِيَجْتَمِعَ إلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ، وَيَجْلِبَ قُلُوبَ الْمُعَامِلِينَ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَقَبِلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» ، وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ، وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد أَنَّهُ قَالَ دَعَوْت رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ.

قَالَ رحمه الله: (وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ، وَهُوَ مُثْلَةٌ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْهَا فَتَحْرُمُ.

قَالَ رحمه الله (وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَلِلْمَسْأَلَةِ عِبَارَتَانِ بِمَعْقِدِ وَبِمَقْعَدِ فَالْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْقُعُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهِيَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ عِزَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ؛ لِأَنَّهُ صِفَتُهُ وَجَمِيعُ صِفَاتِهِ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا فِي الْأَزَلِ، وَلَنْ يَزَالَ فِي الْأَبَدِ، وَلَمْ يَزْدَدْ شَيْئًا مِنْ الْكَمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَزَلِ بِحُدُوثِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ مِنْ دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى، وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ، وَلَوْ جُعِلَ الْعِزُّ صِفَةً لِلْعَرْشِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ فَكَذَا بِالْعِزِّ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ، وَإِظْهَارُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ.

قَالَ رحمه الله: (وَبِحَقِّ فُلَانٍ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ فُلَانٍ، وَكَذَا بِحَقِّ أَنْبِيَائِك، وَأَوْلِيَائِك أَوْ بِحَقِّ رُسُلِك أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَخُصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ.

قَالَ رحمه الله: (وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلِّ لَهْوٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ»

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَعَزَّيْته تَعْزِيَةً قُلْت لَهُ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك أَيْ رَزَقَك اللَّهُ الصَّبْرَ الْحَسَنَ وَالْعَزَاءُ مِثْلُ سَلَامٍ اسْمٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ سَلَّمَ سَلَامًا، وَكَلَّمَ كَلَامًا، وَتَعَزَّى هُوَ تَصَبَّرَ وَشِعَارُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ) فِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ فِي الْأُضْحِيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ)، وَكَانَتْ الْخَيْلُ فِي بَنِي هَاشِمٍ قَلِيلَةً فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَكْثُرَ فِيهِمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ لَوْ أَهْدَى الْمَأْذُونُ هَدِيَّةً أَوْ دَعَا رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ فَغَدَّاهُ أَوْ أَعَارَ رَجُلًا دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَوْ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَهُ أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ لُبْسِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. اهـ. وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ يَتَصَدَّقُ بِالشَّيْءِ قَالَ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بَأْسَ بِصَدَقَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالطَّعَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَهَبَ دِرْهَمًا، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يَكْسُو ثَوْبًا، وَإِنَّمَا أَسْتَحْسِنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد أَنَّهُ قَالَ) أَيْ قَالَ أَعْرَسْت، وَأَنَا عَبْدٌ فَدَعَوْت إلَخْ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا هُوَ بَاطِلٌ، وَهُوَ الْقُعُودُ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ عَلَى الْعَرْشِ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمُجَسِّمَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَكْرَهُ هَذَا أَوْ أَكْرَهُ بِحَقِّ فُلَانٍ وَبِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ الْبَيْتِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَهَذَا النَّحْوِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ عَيْنِيٌّ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ إلَخْ) أَمَّا النَّرْدُ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَإِنْ قَامَرَ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْقِمَارَ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 31

وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ، وَلَا إخْلَالٍ بِحِفْظِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْحِيذَ الْخَاطِرِ، وَتَذْكِيَةَ نَارِ الْإِفْهَامِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ الشِّطْرَنْجَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؛ وَلِأَنَّهُ لَعِبٌ يَصُدُّ صَاحِبَهُ عَنْ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل غَالِبًا فَيَكُونُ حَرَامًا كَالنَّرْدَشِيرِ وَالنَّرْدِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا مَنْفَعَتُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَمَغْلُوبَةٌ تَابِعَةٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فِي التَّحْرِيمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] فَاعْتَبَرَ الْغَالِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَهَلْ رُئِيَ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ يُصَلِّي فَضْلًا عَنْ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ صَلَّى فَقَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَكَانَ فِي إبَاحَتِهِ إعَانَةُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنْ كَانَ يُقَامِرُ بِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ، وَكَانَ مُتَأَوِّلًا، وَلَمْ يَصُدَّهُ ذَلِكَ عَنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ بَأْسًا لِيُشْغِلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَحْقِيرًا لَهُمْ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَيْفَ أُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ إنْ شُرِطَ الْمَالُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لِي لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَحَرُمَ لَوْ شُرِطَ الْمَالُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَاعْطِنِي كَذَا إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا بَيْنَهُمَا، وَقَالَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك، وَلَكِنْ أَيُّهُمَا سَبَقَ صَاحِبَهُ أَخَذَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ، وَكَذَا الْمُتَفَقِّهَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا الَّذِي مَعَهُ الصَّوَابُ صَحَّ، وَإِنْ شَرْطَاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُسَابَقَةِ.

قَالَ رحمه الله: (وَجَعْلُ الرَّايَةِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّهْوِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ مُسَمَّرٌ بِمِسْمَارٍ عَظِيمٍ يَمْنَعُهُ مِنْ تَحْرِيكِ رَأْسِهِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظَّلَمَةِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ الْكُفَّارِ فَيَحْرُمُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» ، وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ عَلَامَةٌ بِأَنَّهُ آبِقٌ، وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ، وَكَانَ فِي زَمَانِهِمْ مَكْرُوهًا لِقِلَّةِ الْإِبَاقِ.

قَالَ رحمه الله: (وَحَلُّ قَيْدِهِ) أَيْ جَازَ قَيْدُ الْعَبْدِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ، وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ بِخِلَافِ الرَّايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. قَالَ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» .

قَالَ رحمه الله: (وَالْحُقْنَةُ) أَيْ جَازَتْ الْحُقْنَةُ لِلتَّدَاوِي وَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، وَإِذَا أَصَابَ الدَّوَاءُ الدَّاءَ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ أَنَّ «الْأَعْرَابَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى قَالَ نَعَمْ عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ دَوَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ قَالَ الْهَرَمُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ التَّدَاوِيَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرِقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إنِّي أُبَرْسَمُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إنْ شِئْتِ صَبَرْت، وَلَك الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَك فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا» رَوَاهُ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى دَاءً إلَّا أَنْزَلَ شِفَاءً» وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تَدَاوَى وَاحْتَجَمَ.

وَقَالَ جَابِرٌ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ تَدَاوَى إذَا كَانَ يَرَى أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ دُونَ الدَّوَاءِ، وَأَنَّ الدَّوَاءَ جَعَلَهُ سَبَبًا لِذَلِكَ وَالْمُعَافِي فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: كَالنَّرْدَشِيرِ وَالنَّرْدِ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالنَّرْدُ هُوَ النَّرْدَشِيرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ النَّرْدُ مَعْرُوفٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» . اهـ.، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ النَّرْدُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَشِيرُ بِمَعْنَى حُلْوٍ. اهـ. وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَالنَّرْدُ مَعْرُوفٌ شَيْءٌ يُلْعَبُ بِهِ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَهُوَ النَّرْدَشِيرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ بَأْسًا إلَخْ)، وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعَلُّمَ الْحَرْبِ قِيلَ لَهُ يَكُونُ وِزْرُهُ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا؛ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ الْمَعْصِيَةَ، وَيُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الطَّاعَةَ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ إلَخْ) تَرْجَمَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ هُنَا فَقَالَ (فَصْلٌ فِي الْمُسَابَقَةِ)(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُسَابَقَةِ) وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ الْمُسَابَقَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: صُورَتُهُ أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ) أَيْ مِنْ حَدِيدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَفِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ بِخَطِّهِ طَوْقٌ مِنْ خَشَبٍ. اهـ. قَوْلُهُ: مِنْ حَدِيدٍ، وَكَذَا فِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَحَلُّ قَيْدِهِ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَحَلُّ عَقْدِهِ. اهـ.

ص: 32

الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّدَاوِي فَذَاكَ إذَا كَانَ يَرَى الشِّفَاءَ مِنْ الدَّوَاءِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَالَجْ لَمَا سَلِمَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِمِثْلِ هَذَا التَّدَاوِي، وَلَا فَرْقَ فِي الْحُقْنَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجَسِ كَالْخَمْرِ، وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالطَّاهِرِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْعِظَامِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الذَّكِيَّةِ أَوْ مِنْ الْمَيْتَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا دُسُومَةً، وَمِنْ الذَّكِيَّةِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا عَظْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ الْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ وَالْآدَمِيُّ لِكَرَامَتِهِ إذْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِأَجْزَائِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مَحْمُولٌ عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ إذْ كَانُوا يَرْقُونَ بِكَلِمَاتِ كُفْرٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ «عُرْوَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَرْقِي فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ اعْرِضُوا عَلَى رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّ «الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتُّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السَّحَرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ تَحْبِيبُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ فَإِنَّك نَهَيْت عَنْ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ الْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَالتَّدَاوِي لَا يَمْنَعُ التَّوَكُّلَ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ بِالدَّوَاءِ فَلَمْ يَتَدَاوَ حَتَّى مَاتَ لَا يَأْثَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاعَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ حَيْثُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْجُوعِ بِالْأَكْلِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ بِإِزَالَةِ الْجُوعِ، وَخَلْقُ الشِّبَعِ عِنْدَ الْأَكْلِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ عِنْدَ التَّدَاوِي فَإِنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي دَاءٍ عُرِفَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ.

قَالَ رحمه الله: (وَرِزْقُ الْقَاضِي) أَيْ حَلَّ رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي مَحْبُوسٌ لِمَصَالِحِهِمْ وَالْحَبْسُ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ فَكَانَ رِزْقُهُ فِيهِ كَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَالزَّوْجَةِ يُعْطَى مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ، وَأَهْلَهُ عَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ «وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ، وَفَرَضَ لَهُ وَبَعَثَ عَلِيًّا، وَمُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، وَفَرَضَ لَهُمَا» ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ يَأْخُذُونَ كِفَايَتَهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا بِأَنْ جُمِعَ بِبَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَاضِي مُحْتَاجًا فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَلْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إقَامَةِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بِهِ إذْ اشْتِغَالُهُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُ عَنْ إقَامَةِ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْهُ كِفَايَتَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَفْرُغُ بِالنَّفَقَةِ الدَّائِمَةِ، وَفِيهِ صِيَانَةٌ لِلْحُكْمِ عَنْ أَنْ يَهُونَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَنَظَرًا لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ عِنْدَ تَوْلِيَةِ الْمُحْتَاجِ هَذَا إذَا أَعْطَوْهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَمُعَاقَدَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجَسِ إلَخْ) إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَنْفِ إنْسَانٍ فَيَكْتُبُ بِالدَّمِ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَأَنْفِهِ يَجُوزُ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَالْمُعَالَجَةِ، وَلَوْ كَتَبَ بِالْبَوْلِ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْقُطُ عِنْدَ الِاسْتِشْفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَطْشَانَ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْجَائِعَ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. اهـ وَلْوَالِجِيٌّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْكَرَاهِيَةِ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ مَا نَصُّهُ التَّدَاوِي بِلَبَنِ الْأَتَانِ إذَا أَشَارُوا إلَيْهِ لَا بَأْسَ بِهِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ حَرَامٌ وَالِاسْتِشْفَاءَ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَعِشْرُونَ دَلْوًا أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالطَّاهِرِ الْحَرَامِ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لَا يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِالنَّجَسِ. اهـ.، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ إلَخْ)، وَهَذَا إذَا فَعَلَ الْحُقْنَةَ لِلدَّوَاءِ فَإِنْ فَعَلَ لِأَجْلِ السَّمْنِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْهُزَالَ إذَا تَنَاهَى بِهِ يُورِثُ السُّلَّ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَالتُّوَلَةُ) كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّدَاوِي لَا يَمْنَعُ التَّوَكُّلَ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنَّ التَّوَكُّلَ الْمَأْمُورَ بِهِ بَعْدَ كَسْبِ الْأَسْبَابِ ثُمَّ التَّوَكُّلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْأَسْبَابِ يَعْنِي أَنَّ التَّوَكُّلَ مَعَ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لَا مَعَ قَطْعِ الْأَسْبَابِ لَكِنْ بَعْدَ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ يَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى الْأَسْبَابِ، وَالْحُقْنَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ النِّهَايَةِ نَقَلَهُ عَنْهَا أَيْضًا فِي الْأَشْرِبَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ عَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفَرَضَ لَهُ) أَيْ كُلَّ سَنَةٍ بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 33