الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله فِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ.
وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصُيِّرَ مُسْتَوْفِيًا، وَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا رَجُلٌ دَفَعَ مَهْرَ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا فَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَاءِ ثَمَنِهِ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِمَا أَدَّى وَقَالَ زُفَرُ: رحمه الله يَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَدَّى عَنْهُمَا، فَصَارَ كَأَدَائِهِمَا بِإِذْنِهِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا قَضَى عَنْهُمَا بِأَمْرِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهِمَا بِمَا أَدَّى فَمَلَكَاهُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)
، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ اكْتَسَبَهُ تَسْمِيَةً لِلْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ، ثُمَّ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْإِثْمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ رحمه الله وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ.
وَخَطَأٍ قَالَ رحمه الله (مُوجَبُ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَهُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاللِّيطَةِ وَالنَّارِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا) أَيْ الْقَتْلُ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْقِصَاصَ مُتَعَيِّنًا أَمَّا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
(كِتَابُ الْجِنَايَات) مُنَاسَبَةُ الْجِنَايَاتِ بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ صِيَانَةُ الدَّيْنِ عَنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ بِوَثِيقَةِ الرَّهْنِ فَكَذَا حُكْمُ الْجِنَايَةِ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ هَلَاكِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَتْلِ رَجْمًا وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ثُمَّ الْقَتْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إزْهَاقِ الرُّوحِ بِفِعْلِ شَخْصٍ، وَإِنْ كَانَ انْزِهَاقُ الرُّوحِ بِلَا فِعْلٍ مَخْلُوقٍ يُسَمَّى ذَلِكَ مَوْتًا. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ) وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي تَقْسِيمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ) وَصَاحِبُ النَّافِعِ قَالَ الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهٍ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَالْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فَلَمْ يُفْرِدْ لَهُ نَوْعًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ اهـ قُلْت وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا رحمه الله إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بَيَانُ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي فِيهِ مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ، وَأَمَّا مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسِّكِّينِ وَالسَّيْفِ أَوْ مَا كَانَ كَالْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِدَةٌ يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ لَيْسَ لَهُ حِدَةٌ وَلَكِنْ يَرُضُّ رَضًّا كَالْعَمُودِ وَسَنْجَاةِ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ طَعْنٌ بِالرُّمْحِ أَوْ الْإِبْرَةِ أَوْ الْأَشْفَى بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
لِأَنَّ الْحَدِيدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسِّلَاحِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالْحَدِيدِ» وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ مِثْلَ الصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْآنُكِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَضْعًا أَوْ رَضًّا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَدِيدِ إنْ عَمِلَ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ وَكَذَلِكَ مَا لَهُ حَدٌّ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ كَالزُّجَاجِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ مِمَّا يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ يَطْعَنُ كَخَشَبٍ لَهُ حَدٌّ يَجْرَحُ فَهَذَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: ذَكَرَ فِي الشُّرُوطِ الْكَبِيرِ لِأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَمُودِ مِنْ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرَحُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعِبْرَةُ لِلْحَدِيدِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ جَرَحَ أَوْ لَا وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْعِبْرَةُ لِلْجُرْحِ نَفْسِهِ حَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ اهـ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الزَّيْلَعِيِّ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
اشْتِرَاطُ الْعَمْدِيَّةِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الْحَدِيثَ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ السِّلَاحِ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى السِّلَاحِ؛ فَلِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ، وَهُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَأُقِيمَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا مَقَامَهُ تَيْسِيرًا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ.
وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا مَقَامَ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَالْبُلُوغُ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ تَيْسِيرًا وَالْآلَةُ الْقَاتِلَةُ غَالِبًا هِيَ الْمُحَدَّدَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَدَّةُ لِلْقَتْلِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، فَلَيْسَ بِمُعَدٍّ لَهُ حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى مَا يَجِيءُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ رحمه الله أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْمَأْثَمِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الْآيَةَ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً بِقَوْلِهِ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «الْعَمْدُ قَوَدٌ» ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قِصَاصًا نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يُشْرَعُ إلَّا إذَا تَنَاهَتْ الْجِنَايَةُ، وَلَا تَتَنَاهَى إلَّا بِالْعَمْدِ.
لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَمْدِ، فَلَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يُعْفَى) أَيْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ فَيَسْقُطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِمْ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ كَانَ الْعَفْوُ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ يَجِبُ الْمَشْرُوطُ بِالصُّلْحِ لَا بِالْقَتْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيِّ: رحمه الله الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا لَكِنْ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا أَنْ يُودِيَ» وَقَالَ «عليه الصلاة والسلام فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» .
وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ كَالْكَفَّارَاتِ أَوْ فِي الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَالْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رِضَاهُ لِتَعَيُّنِهِ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ، وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مُتَعَنِّتٌ وَمُلْقٍ نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ إذَا وَجَدَ مَالَ الْغَيْرِ، وَمَعَهُ ثَمَنُهُ، فَإِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ شَرْعًا وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَمْدُ قَوَدٌ» لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ فَيَقْتَضِي أَنَّ جِنْسَ الْعَمْدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ لَا الْمَالِ وَمَنْ جَعَلَهُ مُوجِبًا لِلْمَالِ فَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجَبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِيَتَحَمَّلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مِثْلَ هَذَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ عَادَةً هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ فَقَتْلُ الْعَمْدِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَقَتْلُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ كَالْآلَةِ الَّتِي تَقْطَعُ وَتَجْرَحُ كَلِيطَةِ قَصَبٍ وَحَجَرٍ لَهُ حِدَةٌ لِصِحَابِهَا وَعَمُودِ حَدِيدٍ وَسَنْجَةِ حَدِيدٍ الصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا يَجْرَحُ اهـ.
وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَةَ الْأَتْقَانِيِّ بِتَمَامِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ وَمَنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ فَارْجِعْ إلَيْهَا إنْ شِئْت وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قَوْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا هُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] إلَى آخِرِ الْآيَةِ) وقَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَشَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَةُ رَسُولِنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَالسُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِالْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَتْ النُّصُوصُ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَيْضًا جِنَايَةً مَحْضَةً، وَهُوَ الْعَمْدُ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ أَوْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ حُكْمُ الْعَمْدِ قَوَدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(فَرْعٌ) ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا مُخَاطَبًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وَالْمَقْتُولُ مَعْصُومُ الدَّمِ عِصْمَةً أَبَدِيَّةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شُبْهَة مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةَ الْوِلَادَةِ أَيْ لَا يَكُونُ وَلَدَهُ وَإِنْ سَفَلَ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ وَيَقْتَصُّ بِالسَّيْفِ وَلَا يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُعْفَى) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ يَنْظُرُ فِيهِمَا الْإِمَامُ فَأَيَّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا اهـ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ أَيْ إذَا رَضِيَ بِهَا الْقَاتِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ) يَعْنِي إذَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلِيٌّ بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّ الطَّالِبَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَدَلَ إلَى الْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمِثْلُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ وَمَا رَوَيْنَا)، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْعَمْدُ قَوَدٌ» اهـ
التَّكَالِيفَ وَيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَةِ وَلِيَكُونَ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا لَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِقَتْلٍ وَكَذَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ الِانْتِقَامُ.
وَالثَّانِي فِيهِ كَالْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا وَبِهِ يَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْإِحْيَاءِ لِكَوْنِهِ زَاجِرًا لَا يَأْخُذُ الْمَالَ فَتَعَيَّنَ مُوجَبًا لَا الْمَالَ؛ وَلِهَذَا يُضَافُ مَا وَجَبَ مِنْ الْمَالِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إلَى الصُّلْحِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا» ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْمَالِ لَمَا أَضَافَهُ إلَى الصُّلْحِ، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَفِي الصُّلْحِ مَا يُمْكِنُ فِي النَّفْسِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَلِيِّ عِنْدَ إعْطَاءِ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ وَتَخْيِيرُهُ لَا يُنَافِي رِضَا الْآخَرِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ.
وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلدَّائِنِ خُذْ بِدَيْنِك إنْ شِئْت دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت دَنَانِيرَ، وَإِنْ شِئْت عُرُوضًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ غَيْرَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضَا الْمَدِينِ، وَهَذَا سَائِغٌ فِي الْكَلَامِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ» أَيْ لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك عِنْدَ الْمُضِيِّ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَأْخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِكِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَخَيَّرَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ ذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَهُ لَا تَبْقَى حُجَّةٌ لَهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَكُنْ الدِّيَةُ فَقَالَ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وَالْعَفْوُ فِي أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ مِمَّا كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَأَخْبَرَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ أَيْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ أَخْذُهُ عِوَضًا عَنْ الدَّمِ أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَنَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَنَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ الَّتِي أُبِيحَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَخْذَهَا إذَا أُعْطُوهَا» وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام حِينَ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ كِتَابُ اللَّهُ الْقِصَاصُ» وَلَمْ يُخَيِّرْ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا بِهِ لَخَيَّرَ إذْ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْخِيَارِ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا.
وَإِنَّمَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ صَحَّ عَفْوُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ بِاخْتِيَارِهِ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَاطِلٌ فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَا يَنْفَرِدُ الْوَلِيُّ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْمَالِ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ بِمَالٍ آخَرَ غَيْرِ الدِّيَةِ كَالدَّارِ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى الدَّفْعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْيَاءُ نَفْسِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ الَّذِي ذَكَرَهُ يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا نَقُولُ يَأْثَمُ إذَا تَرَكَ الشِّرَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَاتَ وَكَذَا نَقُولُ هُنَا أَيْضًا يَأْثَمُ إذَا لَمْ تَخْلُصْ نَفْسُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَأِ قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي الْخَطَأِ ضَرُورَةُ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعُقُوبَةُ، وَهُوَ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ صِيرَ إلَيْهِ لِصَوْنِ الدَّمِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَخَاطَأَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَأَدَّى إلَى الْتَفَّانِي؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهَا بِعُذْرِ التَّخَاطُؤِ كَمَا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ الْمَالُ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَلَا يُقَالُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالَ وَلَا الْعُدُولَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْجَانِي أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ فَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ الشَّلَّاءَ وَكَذَا لَوْ عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بَطَلَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الْقِصَاصِ.
وَوَجَبَ لَهُمْ الدِّيَةُ وَلَوْلَا أَنَّهُ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ لَمَا وَجَبَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ كَامِلًا وَكَلَامُنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَلْزَمُنَا قَالَ رحمه الله (لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَحْوِ الْإِثْمِ، وَهُوَ فِي الْعَمْدِ أَكْبَرُ، فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْكَفَّارَةُ) وَلَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ يَسْقُطُ الْكُلُّ وَلَا يَنْقَلِبُ الْبَاقِي مَالًا. اهـ. قُنْيَةٌ
بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبْيِهَا أَيْضًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ، وَقَتْلُ الْعَمْدِ كَبِيرَةٌ مَحْضٌ فَلَا تُنَاطُ بِهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ مِثْلِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا.
وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِثْمِ فَشَرْعُهُ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الْأَعْلَى؛ وَلِأَنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَعِيدًا مُحْكَمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ وُجُودِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا مِنْهُ بِلَا دَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الْآيَةَ كُلُّ مُوجِبَةٍ هُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ
قَالَ رحمه الله (وَشِبْهُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ، الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْقَوَدُ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْمُحَدَّدُ وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْآلَةِ كَالْحَجَرِ وَالْعَصَا وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ بِهِ غَالِبًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَصْدَ الْفِعْلِ لَا الْقَتْلَ، فَكَانَ عَمْدًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْفِعْلِ وَخَطَأً بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ.
لَهُمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّأْدِيبُ أَوْ إتْلَافَ الْعُضْوِ لَا الْقَتْلُ، فَكَانَ شِبْهَ عَمْدٍ وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلُ كَالسَّيْفِ، فَكَانَ عَمْدًا فَيَجِبُ الْقَوَدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ رَأْسَ يَهُودِيٍّ رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وَكَذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَتَلَتْ امْرَأَةً بِمِسْطَحٍ، وَهُوَ عَمُودُ الْفُسْطَاطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَبِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْعَصَا الْكَبِيرَةَ وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهَا؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ أَمْرٌ مُبْطَنٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ الْآلَةُ لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَتْلُ بِهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ الْقَتْلُ بِهَا غَالِبًا فَقُصِرَتْ الْعَمْدِيَّةُ لِذَلِكَ فَصَارَ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَهُوَ الْآلَةُ الْمُحَدَّدَةُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهَا وَالْكَبِيرِ.
لِأَنَّ الْكُلَّ صَالِحٌ لِلْقَتْلِ بِتَخْرِيبِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَذَا مَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهُ وَالْكَبِيرِ حَتَّى لَا يُوجِبُ الْكُلُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلْقَتْلِ وَلَا صَالِحٍ لَهُ لِعَدَمِ نَقْصِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا، فَكَانَ فِي قَصْدِهِ الْقَتْلَ شَكٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ قُصُورٍ وَالْقِصَاصُ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ رَضِّ الْيَهُودِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلِمَ أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَإِنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ بِعَصَا أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُقْتَلُ بِهِ حَدًّا أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَهُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَقَتَلَهُ حَدًّا كَمَا يُقْتَلُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ فَضِيلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
«أَنَّ امْرَأَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَقَضَى فِيمَا فِي بَطْنِهَا بِغُرَّةٍ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ أُغَرَّمُ مَنْ لَا طَعِمَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا رَوَوْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّاوِيَ لِذَلِكَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى زَعْمِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا «قَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ كُنْت بَيْنَ بَيْتَيْ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشِبْهِهِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ فِي الْعَصَا أَوْ السَّوْطِ أَوْ الْحَجَرِ أَوْ الْيَدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا فَقَتَلَهُ إنَّ ذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَشَجَّهُ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِصَخْرَةٍ أَوْ عُودٍ وَكَذَا لَوْ وَكَزَهُ أَوْ وَجَأَهُ فَمَاتَ مِنْ وَجْأَتِهِ أَيْ عَضَّهُ فَمَاتَ مِنْ عَضَّتِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ إذَا فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْإِبِلِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا يَجْرِي مَجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِآلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ بِشَيْءٍ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ كَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِينَ وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا قَتَلَهُ بِهِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَمْدٌ فَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ بِلِيطَةٍ وَكَانَ مَا لَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ كَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا تَابَعَ الضَّرْبَ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ) سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَقْتَصُّ بِالسَّيْفِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ بِأَيٍّ شَيْءٍ رَآهُ الْإِمَامُ اهـ (قَوْلُهُ فَضِيلَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخٍ بِالْفَاءِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ نُضَيْلَةَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ (قَوْلُهُ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَعْرَابِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ
جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا» هَكَذَا رَوَوْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ.
فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُوَالَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَصِيرُ عَمْدًا بِهَا فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غُرْفَةٍ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ، وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا يُشْبِهُ الْعَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ قَاصِدًا لَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى الْخَطَأِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَإِنَّ الْإِثْمَ كَامِلٌ مُتَنَاهٍ وَتَنَاهَيْهِ يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَجَوَابُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ نَقُولَ إنَّهُ آثِمٌ إثْمَ الضَّرْبِ.
؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ بِدُونِ الْقَتْلِ وَبِعَكْسِهِ تَجِبُ فَكَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْقَتْلِ دُونَ الضَّرْبِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ، فَلِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا عُمَرُ رضي الله عنه فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ كَالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمُجَازَاةِ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْفِعْلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ رحمه الله (وَالْخَطَأُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَة) أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْخَطَأِ وَمُوجَبُ مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخَصًا إلَخْ تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ تَفْسِيرٌ لِلْخَطَأِ فِي الْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْحَرْبِيَّ مُسْلِمًا وَالْآدَمِيَّ صَيْدًا، وَقَوْلُهُ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَيْ أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ دُونَ الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا إذَا اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَخْتَلِفْ لِوُجُودِ قَصْدِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَالْقَتْلِ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مِنْهُ كَمَحَلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيَتَحَمَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَطَأَ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذَكَرَ أَوْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَنْ رَمَى آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ بَيَانٌ لِمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَدْ قَضَى بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَدْرُ الدِّيَةِ وَصِفَتُهَا وَمَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ نَذْكُرُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إثْمَ تَرْكِ التَّحَرُّزِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِذَا آذَى أَحَدًا فَقَدْ تَحَقَّقَ تَرْكُ التَّحَرُّزِ فَيَأْثَمُ وَلَفْظَةُ الْكَفَّارَةِ تُنْبِئ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سِتَارَةٌ وَلَا سِتْرَ بِدُونِ الْإِثْمِ
قَالَ رحمه الله (الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ) سَيَأْتِي حُكْمُ الْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ فِي الْمَتْنِ فِي الْبَابِ الْآتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُقْتَلُ غَالِبًا يَجِب الْقِصَاصُ وَيَكُونُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَيَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ اهـ.
(فَرْعٌ) فِي مَسْأَلَةِ السُّمِّ وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا حَتَّى مَاتَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ السُّمَّ حَتَّى أَكَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ وَيُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ فِي شُرْبِهِ فَشَرِبَ وَمَاتَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ خُدْعَةٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ. اهـ. قَاضِيخَانْ وَفِي الْمُجَرَّدِ لَوْ قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَرَسَبَ وَغَرِقَ كَمَا أَلْقَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ وَفِي الْأَوَّلِ بِطَرْحِهِ فِي الْمَاءِ اهـ قَاضِيخَانْ قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ أَيْ وَيَرِثُهُ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَطَأِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ مَحْظُورًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ إلَخْ) فِي الذَّخِيرَةِ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَفِيهِ الْقَوَدُ، وَلَوْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ عَمْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ