الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةِ أَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ فَجُعِلَ كَالدَّافِعِ لِلْمُلْقَى فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ
قَالَ رحمه الله (وَالْكُلُّ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ
قَالَ رحمه الله (وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا)؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبَتْهُ بِحُكْمِهِ عليه الصلاة والسلام فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ هُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)
قَالَ رحمه الله (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) لِمَا بَيَّنَّا وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي الْكَمَالَ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ رحمه الله (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَهَذَا يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ وَالْمَالِكِيَّةُ أَمَارَةُ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ لَطَمْتُ جَارِيَةً) أَيْ مِنْ الْأَنْصَارِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ) أَيْ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. اهـ.
[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ]
(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ: وَهِيَ خَمْسَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَقَدْ يُوجِبُ الْعَمْدُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ عز وجل {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] السُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] وَقَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَالَ عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُقَالُ يَرِدُ قَتْلُ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا إشْكَالًا عَلَى الْكُلِّيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُوجَبُ ذَلِكَ الْقِصَاصُ أَيْضًا وَلَكِنْ سَقَطَ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَذَلِكَ عَارِضٌ وَالْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ لَا فِي الْعَوَارِضِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدًا، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا لِلشُّبْهَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَحْقُونِ الدَّم حَقْنُ الدَّمِ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يُسْفَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) قَالَ قَاضِيخَانْ: عَبْدٌ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَوَلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمْ جَمِيعًا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِهِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ يَنْقَلِبُ حَقُّ الْبَاقِينَ مَالًا إلَى الْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَلِبُ فِي الْحُرِّ إلَى الدِّيَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلِ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَعَلَى قَتْلِ الْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَالسُّلْطَانُ الْقَوَدُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
فَرْعٌ قَالَ فِي الْمَنَارِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا يَعْنِي مَنْ قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَضْمَنُ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَيَضْمَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلسِّرَاجِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِأَنَّ قَاتِلَ الْقَاتِلِ لَا يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ إنْ خَطَأً وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ)؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ نَفْسًا مَعْصُومَةً عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ اهـ
أَمَارَةُ الْعَجْزِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا.
؛ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ مَوْتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ حَتَّى يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِ الْعَبْدِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ الطَّرَفَ أَهْوَنُ وَأَقَلُّ حُرْمَةً لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلنَّفْسِ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ أَعْظَمُ حُرْمَةً أَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ وَالْمُسْتَأْمِنِ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ كَحَقِيقَةِ الْكُفْرِ، فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُعَارَضُ بِمَا تَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مُقَابَلَةً مُقَيَّدَةً.
وَفِيمَا تَلَوْنَا مُقَابَلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْحُرِّ لَا تُنَافِي مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى وَالذَّكَرَ بِالذَّكَرِ ثُمَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مُقَابَلَةُ الْعَبْدَ بِالْحُرِّ حَتَّى يُقْتَلُ بِهِ الْعَبْدُ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا بِالْعَكْسِ إذْ لَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَمُنِعَ الْعَكْسُ أَيْضًا وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَتْ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ مُقَاتَلَةٌ، فَكَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَقَلَّ مِنْهُمْ عَدَدًا، وَكَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ عِنْدَهُمْ فَتَوَاضَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ بِمُقَابَلَةِ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا أَنَّ الْجِنْسَ يُقْتَلُ بِجِنْسِهِ عَلَى خِلَافِ مُوَاضَعَتِهِمْ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ.
وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ إذْ هِيَ بِالدِّينِ عِنْدَهُ وَبِالدَّارِ عِنْدَنَا، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى الزَّجْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي غَيْرِ الْعِصْمَةِ لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَكَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَوْ كَانَ مَالًا لَمَا قُتِلَ وَكَذَا عَجْزُهُ وَمَوْتُهُ وَبَقَاءُ أَثَرِ كُفْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ الْعِصْمَةِ، وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً، وَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَفِي النَّفْسِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إلَّا فِي الْعِصْمَةِ فَأَظْهَرْنَا أَثَرَ الرِّقِّ فِيهَا دُونَ النَّفْسِ لِمَا أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ خُلِقَ مَعْصُومًا
قَالَ رحمه الله (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ «جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِلْمٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ قَالَ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ قَالَ: «انْطَلَقْت أَنَا وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ فَقُلْنَا هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ لَا إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَالْكَافِرُ كَالْمَيِّتِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ، وَبَيْنَ الْحَيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ وَقْتَ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى لَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ) أَيْ وَالْبَصِيرُ بِالْأَعْمَى وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ وَالشَّرِيفُ بِالْخَامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ غَيْرِ ذِمِّيٍّ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ عَهْدٌ أَوْ مِيثَاقٌ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بِخَطِّ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ عَلَى وَفْقَ الصَّوَابِ الْأَتْقَانِيُّ وَأَبُو جُحَيْفَةَ هَذَا هُوَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْكُنَى وَذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَقَدْ قَلَّدَ الْعَيْنِيُّ الشَّارِحَ فَقَالَ لَمَّا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ وَالصَّوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْقَيْسِيِّ الضُّبَعِيِّ اهـ إصَابَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ اهـ
الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهِدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. وَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ»
؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ وَقَدْ وُجِدَتْ نَظَرًا إلَى الدَّارِ، وَإِلَى التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا كُلِّفَ بِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِدَفْعِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ عَنْهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ التَّعَرُّضِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ بِنَفْسِهِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْحِرَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالذَّرَارِيِّ، وَقَدْ انْدَفَعَ الْقَتْلُ عَنْهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، فَكَانَ مَعْصُومًا بِلَا شُبْهَةٍ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ خَلَلٌ لَمَا قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ مَعْصُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ كَالْمُسْلِمِ؛ وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةٌ لَمَا قُطِعَ كَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمِنِ.
؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ وَأَمْرُ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ فَلَمَّا قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَوْلَاهُ وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ مَوْلَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ قُتِلَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا قَتْلُ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ ابْتِدَاءً لَمَا دَامَ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْبَقَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا مُعْتَبَرَةٌ بِالِابْتِدَاءِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ جَرَحَ مُرْتَدٌّ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» أَيْ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ.
وَلِهَذَا عَطَفَ {ذُو الْعَهْدِ} ، وَهُوَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْلِمِ تَقْدِيرُهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِكَافِرٍ حَرْبِي؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا قُتِلَ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ إذْ هُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ " ذُو عَهْدٍ " مُفْرَدٌ وَقَدْ عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَيَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ النَّاقِصَ بِأَخْذُ الْحُكْمَ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ التَّامِّ كَمَا يُقَالُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَيُقَالُ قُتِلَ زَيْدٌ بِعَمْرٍو وَخَالِدٍ أَيْ كِلَاهُمَا قَامَ أَوْ قُتِلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ خَبَرٌ آخَرُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَوْقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْقَتْلِ قِصَاصًا لَا نَفْيُ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، فَكَذَا الثَّانِي تَحْقِيقًا لِلْعَطْفِ إذْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فِي الْمُفْرَدِ، وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا بِذِي عَهْدٍ أَيْ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا بِذِمِّيٍّ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكَانَ لَحْنًا إذْ لَا يَجُوزُ عَطْفُ الْمَرْفُوعِ عَلَى الْمَجْرُورِ، فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَلَا يُقَالُ رُوِيَ " ذِي عَهْدٍ " بِالْجَرِّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَافِرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ هُوَ جَرٌّ لِلْمُجَاوَرَةِ لَا لِلْعَطْفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُشَارِكَهُ فِي الْحُكْمِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بِالْجَرِّ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْحُكْمِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمُرَادُ بِهِ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ مَرَرْت عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ وَمَعَهُ الْهُرْمُزَانُ فَلَمَّا بَعَثَهُمْ ثَارُوا فَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خَنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ مُمْسَكُهُ فِي وَسَطِهِ فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ السَّيْفُ حَتَّى دَعَا الْهُرْمُزَانَ فَلَمَّا خَرَجَ إلَيْهِ قَالَ انْطَلِقْ حَتَّى نَنْظُرَ إلَى فَرَسٍ لِي ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْهُ حَتَّى إذَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ السَّيْفِ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ ثُمَّ دَعَوْت جُفَيْنَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا خَرَجَ إلَيَّ عَلَوْته بِالسَّيْفِ فَصُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَتَلَ ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ رضي الله عنه دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. فَقَالَ أَشِيرُوا إلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِيهِ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَأْمُرُونَهُ بِالشِّدَّةِ عَلَيْهِ وَيَحْثُونَهُ عَلَى قَتْلِهِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه لِعُثْمَانَ لَقَدْ عَفَاك اللَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَمَا بُويِعَتْ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ كَانَا كَافِرَيْنِ وَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ التَّكَافُؤُ التَّسَاوِي أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَا فَضْلَ فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ وَالذِّمَّةُ الْأَمَانُ وَمِنْهَا سُمِّيَ الْمُعَاهِدُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ أُومِنَ عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ لِلْجِزْيَةِ أَيْ إذَا أَعْطَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَمَانًا فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ إخْفَاؤُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَشِيرُوا إلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ) يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَقَ فِي الدِّينِ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثَ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا فَتَقَ) فَتَنَ الدَّيْنَ مَا فَتَنَ اهـ مِنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ) أَيْ قَتْلُ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَابْنَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ. اهـ.
بِهِمَا فَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْكَافِرِ الذِّمِّيَّ ثُمَّ يُشِيرُ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالذِّمِّيِّ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ، وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ عُثْمَانَ أَرَادَ قَتْلَهُ بِبِنْتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لَا بِجُفَيْنَةَ وَالْهُرْمُزَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهَا لَا بِهِمَا لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ فَمُحَالٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا تُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ وقَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] أَيْ فِي الْفَوْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20] وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا عُمُومَ لَهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] أَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعَمَى وَالْبَصَرِ لَا فِي كُلِّ وَصْفٌ؛ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِصْمَةِ وَكَذَا نُقْصَانُ حَالِ الْكَافِرِ بِكُفْرِهِ لَا يُزِيلُ عِصْمَتَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَسَائِرِ الْأَوْصَافِ النَّاقِصَةِ كَالْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُفْرَهُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ بَلْ حِرَابُهُ هُوَ الْمُبِيحُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِلْكِ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ.
وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْأُخْتِ الْمَذْكُورَةِ بِعَارِضٍ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِحَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَانْعَدَمَتْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ قِيَاسًا لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُبِيحِ
قَالَ رحمه الله (وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَبِالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) يَعْنِي يُقْتَلُ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ بِهَؤُلَاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُقْتَلُ الْحَرُّ بِالْحُرِّ إلَخْ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ، وَإِنَّمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا وَرَاءَهَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَلَظَهَرَ الْفِتَنُ وَالتَّفَانِي قَالَ رحمه الله (وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ غَالِبًا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا، وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ خِلَافُهُ، وَلَوْ قُتِلَ بِهِ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الِابْنَ بِنَائِبَةٍ قَالَ رحمه الله (وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُمْ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَبِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهِمْ دَلَالَةً، فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ شَامِلَةً لِلْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَتْلِ وَقَالَ مَالِكٌ: رحمه الله إنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْدِيبَهُ وَإِنْ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلٌ بَلْ جِنَايَةُ الْأَبِ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ فَصَارَ كَمَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ حَيْثُ يُحَدُّ كَمَنْ زَنَى بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ هَذَا كَالزِّنَا بِبِنْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ يَتَجَنَّبُ مَا يَضُرُّ وَلَدَهُ بَلْ يَتَحَمَّلُ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى يَسْلَمَ وَلَدُهُ فَهَذَا هُوَ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَقْصِدُ قَتْلَ وَلَدِهِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يُتَّفَقُ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ الزِّنَا
قَالَ رحمه الله (وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ وَبِعَبْدِ وَلَدِهِ وَبِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةٌ وَكَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ لِأَجَلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا مَضَتْ أَخْرَجْنَاهُ وَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْ الْمَقَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ صَارَ مُبَاحَ الدَّمِ وَالْمُسْلِمُ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ التَّسَاوِي فِي حَقْنِ الدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا جَدٌّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَلَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ عَلَتْ أَوْ سَفَلَتْ، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ إجْمَاعٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: مَنْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثَ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَرِثُ مِنْ وَالِدَيْهِ وَلَا مِنْ مَالِ ابْنِهِ شَيْئًا وَيَرِثُ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ الِابْنِ بَعْدَ الْأَبِ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ أَحَدًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَارْجِعْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إلَخْ اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَمْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ لَوْ ذَبَحَهُ وَنُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا فِي الْحَالِ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي الدِّيَاتِ مَا نَصُّهُ وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ)، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي) أَيْ كَالدَّمِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا. اهـ.
أَبِيهِ سَقَطَ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَبِيهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَخ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ لِابْنِهِ مِنْهَا أَنْ يَقْتُلَهُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاص
قَالَ رحمه الله (وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَرَّةِ إنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ ثُمَّ إنْ مَاتَ بِذَلِكَ فَبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَزَّ رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا، وَإِنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَاللِّوَاطِ وَسَقْيِ الْخَمْرِ اخْتَلَفَتْ مَشَايِخُهُمْ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُتَّخَذُ لَهُ مِثْلُ آلَتِهِ مِنْ الْخَشَبِ فِي اللِّوَاطَةِ وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَيُسْقَى الْمَاءَ فِي سَقْيِ الْخَمْرِ وَيُمْهَلُ قَدْرُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا حَزَّ رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْمُمَاثَلَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجْمَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ بِالْحَجَرِ وَكَذَا قِتَالُ الْكُفَّارِ وَهُوَ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ.
وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ الْقِصَاصِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ ذَاتًا وَوَصْفًا وَلَنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النُّعْمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ لَا وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إذَا قُتِلَ بِغَيْرِهِ كَالنَّارِ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ وَاجِبٌ فَيُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُسْتَحَقَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِمَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يَمُوتُ إلَّا بِالسِّرَايَةِ.
وَهِيَ مَوْهُومَةٌ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا؛ وَلِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا وَقَالَ عليه السلام «إنَّ اللَّهَ عز وجل كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَأَنْ يُرِيحُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ ذَبْحَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَمَا ظَنَّك بِالْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُحْتَرَمِ؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا رضي الله عنه رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ» ، وَلَوْ كَانَ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِينَاءِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بَرِئَ أَوْ سَرَى فَلَمَّا ثَبَتَ الِاسْتِينَاءُ لِيُنْظَرَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ إنْ سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الطَّرَفُ مَعَهُ فَيُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ عَنْ النَّفْسِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ إذَا سَرَتْ وَمَاتَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِ الْأَطْرَافِ تَبَعًا لَهَا فَهَذَا يَكْشِفُ لَك مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى.
وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ كَمَا نُسِخَتْ الْمُثْلَةُ، أَوْ يَكُونُ الْيَهُودِيُّ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُ كَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لِيَكُونَ أَرْدَعَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْيَهُودِيِّ كَانَ أَخْذَ الْمَالِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى فِي الْخَبَرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ «عَدَا يَهُودِيٌّ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا» الْحَدِيثَ، وَهَذَا شَأْنُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُقْتَلُ بِأَيِّ شَيْءٍ شَاءَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَتَلَ الْيَهُودِيَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَتَلَ بِهِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهُ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى قُتِلَ» وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ مَا قُتِلَ إلَّا بِقَوْلِ الْجَارِيَةِ إنَّهُ قَتَلَنِي وَبِمِثْلِهِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا نَفْيُ الزِّيَادَةِ مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَئِنْ ظَفِرْت بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [النحل: 126] الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ نَصْبِرُ فَصَبَرَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ» وَهَذِهِ مُثْلَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ أَيْضًا مَنْسُوخَةٌ
قَالَ رحمه الله (مُكَاتَبٌ قُتِلَ عَمْدًا وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ يَقْتَصُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ
؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَلَاءِ إنْ مَاتَ حُرًّا وَبِالْمِلْكِ إنْ مَاتَ عَبْدًا فَاشْتَبَهَ الْحَالُ فَلَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ أَيْضًا مُتَّحِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يَضُرُّ مُجَرَّدُ اخْتِلَافِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ السَّبَبَيْنِ فَلَا يُدْرَى بِأَيِّهِمَا يُحْكَمُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ السَّبَبِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ لِمَوْتِهِ لَا عَنْ وَفَاءٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا عَمْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قَتَلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَاشْتَبَهَ الْمُسْتَحِقُّ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ اشْتِرَاطُ الْوَارِثِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَيْضًا الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَوْتِهِ رَقِيقًا، أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا لَا) أَيْ لَا يُقْتَصُّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَوْلَى وَالْوَارِثُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ حُرًّا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما فَالْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ)؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَلِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَكَذَا الرَّاهِنُ لَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ لِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا فَيُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَجَعَلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِصَاصُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَضَ فَلِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله كَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لِمَا بَيَّنَّا.
وَإِنْ فَسَخَ فَلَا قِصَاصَ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَهُ وَوَجَبَتْ لَهُ الْقِيمَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ رحمه الله (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَيْ إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ قِصَاصًا وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى مَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ، أَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى النَّفْسِ وَلِأَبِيهِ وَلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَأَمْثَالِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا مِنْ قَرْضٍ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُقِرِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ الثَّمَنِ) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُتَّحِدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي النِّكَاحِ مَقْصُودٌ وَفِي مِلْكِ الْيَمِينِ تَبَعٌ لَا مَقْصُودَ فَلَمَّا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْحِلُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ وَحَصَلَ الْمَوْتُ وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ إلَخْ) فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَرَادَ بِوَلِيِّ الْمَعْتُوهِ قَرِيبُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ مَثَلًا وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْمَعْتُوهِ يَكُونُ لَهُ أَبٌ فَيَقْتُلُ رَجُلٌ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا قَالَ لِلْأَبِ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُصَالِحَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَحَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي الْأَبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يُصَالِحُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ مَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ فِي الْبَابَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ.
وَهُوَ صُلْحُهُ فِي النَّفْسِ عَلَى مَالٍ فَقَالَ هَاهُنَا أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ صُلْحُهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَأَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ اهـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَلِلْأَتْقَانِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هُنَا اعْتِرَاضٌ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ اهـ مَا كَتَبَهُ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.
وَلَايَةُ اسْتِيفَاءِ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جُعِلَ التَّشَفِّيَ الْحَاصِلُ لَهُ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ؛ وَلِهَذَا يُعَدُّ ضَرَرُ وَلَدِهِ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَالْعَمِّ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ الْقَوَدِ فَلَمَّا مَلَكَ الْقَوَدَ كَانَ الصُّلْحُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَلِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّا وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَالْوَصِيُّ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَا يَتَوَلَّى الْأَبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ أَوْلَى.
وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ التَّصَرُّفَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ، وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ، وَهَذَا لَا وَلِيَّ لَهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رحمه الله (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُصَالِحُ فَقَطْ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ قَالَ رحمه الله (وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ بِأَنْ قُتِلَ لَهُمْ وَلِيٌّ جَازَ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصِّغَارُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ.
لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ لَا وَلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّغَارِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى وَالنَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ حَالٌ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ.
وَقَدْ كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَلَى هَامِشِ الزَّيْلَعِيِّ حَاشِيَةً عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَنَصُّ الْحَاشِيَةِ وَكَذَا اعْتِرَاضُ الْأَتْقَانِيِّ هُنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهْمٌ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ) فِي الصَّحِيحِ يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةً فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي رَجُلٍ قُتِلَ عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ فِي قَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا أُدْرِكَ مَعْتُوهًا، وَأَمَّا إذَا أُدْرِكَ عَاقِلًا ثُمَّ لَحِقَهُ الْعَتَهُ فَفِي قَوْلِ زُفَرَ لَا وَلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي مَالِهِ وَلَا فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الَّذِي أُدْرِكَ مَعْتُوهًا سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ يُصَالِحُ عَنْهُ، وَهُوَ النَّفْسُ أَمَّا اسْتِيفَاءُ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ وَالصُّلْحُ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَنْزِ.
وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَافِي فَقَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ قَوَدٌ وَصُلْحٌ لَا عَفْوٌ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ وَقَطْعِ الْمَعْتُوهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حُكْمَ الْوَصِيِّ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَافِي فَقَالَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهُ الْوَلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ اهـ قُلْت وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا الصُّلْحُ عَنْ الطَّرَفِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ وَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَنْزِ اقْتَصَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالصُّلْحِ عَنْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ لِمَا بَيَّنَّا.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ قَوْلَهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ إلَخْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ هُوَ قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكَنْزِ كَمَا قَدَّمْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا لِلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوهِمُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي يُسْتَثْنَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكَنْزِ وَلَا فِي أَصْلِهِ الْوَافِي نَعَمْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَكَأَنَّ الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ ثُمَّ إطْلَاقُ قَوْلِهِ يَشْمَلُ الصُّلْحَ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَنْزَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِيفَاءَ الطَّرَفِ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ الشُّمُولِ فَتَنَبَّهْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ اهـ
التَّجَزِّي وَلَا الْكُلُّ لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُمْ فَتَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا الْكَبِيرُ حَيْثُ يَصِحُّ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ بِعِوَضٍ فَيُجْعَلُ كَلَا بُطْلَانٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ حِينَ قَتَلَ عَلِيًّا رضي الله عنه قُتِلَ بِهِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوْلَادِ عَلِيٍّ صِغَارٌ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بُلُوغُهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلًّا كَمَا فِي وَلَايَةِ الْإِنْكَاحِ.
وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ لَضَمِنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لِلْبَاقِينَ وَكَذَا لِلصِّغَارِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَسْتَوْفِيهِ بَعْضُهُمْ فِيهِ مَعَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ الْكَبِيرِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ وَفِي الصِّغَارِ احْتِمَالُ الْعَفْوِ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ فَافْتَرَقَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمِلْكُ أَوْ الْوَلَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا السَّبَبُ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مُتَكَامِلَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا أَوْ الْمُعْتَقَةَ لَهُمَا وَفِي الْقَرَابَةِ يُزَوِّجُ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْكَبِيرُ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ يَسْتَوْفِيهِ الْكَبِيرُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَلَايَةُ لَهُمَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْكُلِّ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ يَقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ وَإِلَّا لَا كَالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ) هَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا أَوْ بِالْعُودِ أَوْ بِالْخَنْقِ أَوْ بِالتَّغْرِيقِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ رحمه الله (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا وَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ)؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ أَوْ الْبُرْءِ مِنْهُ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرَ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ هَدَرٌ مُطْلَقًا وَمُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا وَهَدَرٌ مِنْ وَجْهِ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً فَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الصَّغِيرِ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إلَخْ) رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَمَّا أَنْتَ يَا حَسَنُ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَعْفُوَ فَاعْفُ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْتَصَّ فَاقْتَصَّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِيَّاكَ وَالْمُثْلَةَ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ قُتِلَ بِهِ وَفِي وَرَثَةِ عَلِيٍّ صِغَارٌ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ الْكَبِيرِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ فَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ بُلُوغَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْكَبِيرِ الِاسْتِيفَاءُ وَعِنْدَهُمَا لَا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ قُتِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ الْعُودُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخَوَاصِّ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِ الْحَدِيدِ فَقَتَلَهُ دَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ سِلَاحٌ كُلُّهُ حِدَّة وَعَرْضُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهُوَ سِلَاحٌ كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرِيعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21] وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ إنْ قَتَلَهُ جَرْحًا بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ يَجِبُ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَتْ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِتَخْرِيبِ الْحَيَاةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِصِفَةِ التَّعَمُّدِ، وَإِنْ قَتَلَهُ دَقًّا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْآلَةُ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِعَدَمِ إفْسَادِ الظَّاهِرِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ حَاصِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ عَظِيمًا لَا يَلْبَثُ كَانَ كَالسَّيْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ كَالسَّوْطِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ، احْتَجَّا بِأَنَّ مَا لَا يَلْبَثُ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ وَزِيَادَةً فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِيهِمَا نَاقِصًا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُغْرِقُ الصَّبِيَّ أَوْ الرَّجُلَ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا وَلَكِنْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالتَّغْرِيقِ وَعِنْدَهُمَا بِالسَّيْفِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا) فَإِنْ جَرَحَهُ فَكَذَلِكَ إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِهِ الْحَدِيدَ دُونَ الْجُرْحِ وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا قَوَدَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. زَاهِدِيٌّ
كَانَ فِعْلُ زَيْدٍ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَبْطَلَ دَمَهُ» ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَاغِيًا بِذَلِكَ وَكَذَا إذَا شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ، وَإِنْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِاللَّيْلِ وَلَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ، فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ عَصَا لَا يَلْبَثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا كَمَا فِي السَّيْفِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَصَا تَلْبَثُ وَالْغَوْثَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ فِي الْمِصْرِ، فَكَانَ بِالْقَتْلِ مُتَعَدِّيًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُمَا حَتَّى يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى هَذَا الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك وَكَوْنُ الدَّابَّةِ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ إذَا شَهَرَ سَيْفًا عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَتَلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا إذَا أَتْلَفَا مَالًا أَوْ نَفْسًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ بِخِلَافِ فِعْلِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعَجْمَاءَ جُبَارٌ وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا بِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِعِصْمَتِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ وَيَضْمَنُ الدَّابَّةَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ.
؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ أَبَاحَ قَتْلَهَا مُطْلَقًا لِتَوَهُّمِ الْإِيذَاءِ مِنْهَا فَمَا ظَنُّك عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِيذَاءِ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ لَمْ يَأْذَنْ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ وَكَذَا عِصْمَةُ عَبْدِ الْغَيْرِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَفِعْلُهُ مَحْظُورٌ فَيَسْقُطُ بِهِ عِصْمَتُهُ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا وَلَا الضَّمَانُ بِفِعْلِ الدَّابَّةِ فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ) مَعْنَاهُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ إنَّ الْمَضْرُوبَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ ضَرَبَ الضَّارِبَ وَهُوَ الشَّاهِرُ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
لِأَنَّ الشَّاهِرَ لَمَّا انْصَرَفَ بَعْدَ الضَّرْبِ عَادَ مَعْصُومًا مِثْلَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ فَإِذَا انْكَفَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا انْدَفَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ وَقَصَدَ قَتْلَهُمْ صَارَ حَرْبًا عَلَيْهِمْ فَكَانَ كَالْبَاغِي فَبَطَلَتْ عِصْمَةُ دَمِهِ لِلْمُحَارِبَةِ قَالَ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَجَازَ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ دَفْعًا لِلشَّرِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ دَفْعَ الشَّرِّ وَاجِبٌ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعُوا الشَّرَّ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» يَعْنِي إذَا كَانَ ظَالِمًا تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ، وَإِذَا كَانَ مَظْلُومًا تَمْنَعُ الظُّلْمَ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ) مِنْ اللُّبْثِ الْإِبْطَاءِ وَالتَّأَخُّرِ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ قُبَيْلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ بِقَتْلِهِمَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ اهـ.
(فَرْعٌ) وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مِنْ ثُقْبٍ أَوْ شَقِّ بَابٍ أَوْ نَحْوِهِ فَطَعَنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا يَضْمَنُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنِ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ وَفَقَأَتْ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سُفْيَانَ «أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحُكُّ رَأْسَهُ وَمُدَارَةٌ فِي يَدِهِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهَا فِي عَيْنِك» وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ» ، وَهُوَ عَامٌّ؛ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ لَا يُبِيحُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ فِي بَيْتِهِ وَنَظَرَ فِيهِ وَنَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّ