الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ تَقَعُ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا تَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ الْمَوْتَ فَهِبَتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ. وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَغَلُ بِالتَّدَاوِي قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ بِهِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]
(بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) قَالَ رحمه الله (تَحْرِيرُهُ فِي مَرَضِهِ وَمُحَابَاتُهُ وَهِبَتُهُ وَصِيَّةٌ) أَيْ حُكْمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ لَا حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنْجَزَةٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ إذَا الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِضَافَةِ لَا حَالَةُ الْعَقْدِ وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَكُلُّ مَرَضٍ بَرَأَ مِنْهُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَبِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَسْعَ إنْ أُجِيزَ) أَيْ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَجُوزُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَيَسْقُطُ بِالْإِجَازَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ حَابَى فَحَرَّرَ فَهِيَ أَحَقُّ وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا) أَيْ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّنْفِيذِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ.
لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الدُّيُونِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِ الْمَوْتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَكَذَا الْحَقُّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ فِي السَّبَبِ وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَقُولُ إنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِوُقُوعِهِ تَبَرُّعًا فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَلَكِنْ أَخَّرَهُ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الدَّلَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ) لِمَا أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْهِبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) تَبِعَهُ فِيهِ الْعَيْنِيُّ رحمه الله وَقَالَ الرَّازِيّ رحمه الله فِي شَرْحِهِ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا فَقَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى وَقَالَ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَتَنَبَّهْ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ وَالسُّدُسِ لَا يُقَدِّمُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ) أَيْ الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ) كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْقُرْبِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا إذَا اسْتَوَتْ يُقَدِّمُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِلِاسْتِوَاءِ وَاتِّحَادِ الْمُسْتَحَقِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.
الْمُحَابَاةَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَتْ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهَا لَا بِصِيغَتِهَا حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ وَيَمْلِكَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دَفَعَتْ الْأَضْعَفَ وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي وَلَا يُقَالُ إنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ.
لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ بَيَانُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُعْتِقِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا ثُمَّ اسْتَرَدَّ الْمُعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ اسْتَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ مَا أَصَابَ الْمُعْتِقُ الثَّانِي لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمُعْتِقُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَالسَّبِيلُ فِي الدَّوْرِ قَطْعُهُ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ تَنْفُذْ بِخِلَافِ الْحَجِّ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الْعِتْقِ، وَقَالَا يُعْتَقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِيَ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهِ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ، وَهَذَا الْبِنَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ وَلَا سَبِيلَ لِإِنْكَارِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدٌ فَيُعْتَقَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي صِحَّتِهَا فَلَا تَصِحُّ بِالشَّكِّ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ فَجَنَى وَدَفَعَ بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ الْوَلِيُّ فَجَنَى الْعَبْدُ وَدَفَعَ بِالْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَمِلْكُ الْمُوصِي بَاقٍ إلَى أَنْ يَدْفَعَ وَبِهِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ فَدَى لَا) أَيْ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ وَكَانَ الْفِدَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَجْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَالْوَارِثُ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ أَوْ يُبَرْهِنَ عَلَى دَعْوَاهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَبْدٌ وَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَالِهِ سِوَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَيَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ مَالِهِ غَيْرَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَذَهَبَ الثُّلُثُ بِالْعِتْقِ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَكَانَ مُنْكِرًا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ) أَيْ بِالشُّفْعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَمْلِكَهُ) أَيْ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ لِأَنَّ الْمُوصِيَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَصَارَ الْمُوصَى لَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ لَا أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمِائَةِ فَأُعْتِقَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَرْفُ وَصِيَّتِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِكُلِّ مَالِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقَ فَلَمْ يُجِيزُوا فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَقَالَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً خَطَأً فَحُكْمُهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِعِتْقِهِ إذَا جَنَى جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا دَفَعُوهُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءُوا فَدَوْهُ فَإِنْ دَفَعُوهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّفْعَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمَالِكِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ مَنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ بَاعَ أَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا صَحَّ الْإِبْطَالُ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ مَنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ الْمَالِكِ وَإِنْ اخْتَارُوا الْفِدَاءَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي مَالِهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِطَهَارَةِ الْعَبْدِ بِالْفِدَاءِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
شَاهِدًا لِلْوَرَثَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ فَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ سِوَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَالْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّهُ، وَكَذَا الْعَبْدُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَصْمًا وَهُوَ نَظِيرُ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَفِيهِ الْمَقْذُوفُ فَيَكُونُ خَصْمًا بِذَلِكَ، وَكَذَا السَّرِقَةُ الْحَدُّ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِرْدَادُ الْمَالِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُومَتِهِ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ (وَالْعَبْدُ عِتْقًا) أَيْ فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ (فَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ دَيْنًا وَعَبْدُهُ عِتْقًا فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ صَدَّقْتُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيُسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَقَضِيَّةُ الدَّفْعِ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَقَالَ آخَرُ هَذَا الْأَلْفُ لِي كَانَ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا هُمَا سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ فَقَالَ
لَوْ تَرَكَهُ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي
…
دَيْنًا وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودَعِي
وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا
…
اسْتَوَيَا وَأُعْطِيَا مَنْ أَوْدَعَا
وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَدِيعَةَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُورَثُ حَيًّا فَقَالَ صَدَّقْتُمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُورَثِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ عَيْنَ التَّرِكَةِ كَإِقْرَارِهِ الْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَافْتَرَقَا وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَّفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجَعَلَ الْأَصَحَّ خِلَافَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ وَإِنْ أَخَّرَهَا كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ)؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِالْأَهَمِّ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْحَجَّ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ فَقَطْ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا.
؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وَقَالَ تَعَالَى {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} [التوبة: 35]، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] مَكَانَ قَوْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ) فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ
مُقَدَّمَةٌ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا بِالْكِتَابِ دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا دُونَ الْأُضْحِيَّةِ.
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى حَتَّى تُقَدَّمَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَكْثَرُ تَغْلِيظًا مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي التَّحْرِيرِ عَنْهَا دُونَهُمَا ثُمَّ تُقَدَّمُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ حُرْمَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ أَغْلَظَ وَأَقْوَى دُونَهَا وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِمَا بَيَّنَّا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَتْ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ عَلَى التَّعَاقُبِ يَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ إذَا اتَّحَدَ وَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا كُلِّهَا يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُوصِيَ يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ عَادَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءً مِنْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ لَا يَشْتَغِلُ بِالنَّفْلِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَيَتْرُكُ الْقَضَاءَ.
عَادَةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْخِفَّةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ أَوْصَى لِآدَمِيٍّ مَعَ الْوَصَايَا بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الْآدَمِيُّ مُعَيَّنًا قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ فَمَا أَصَابَ الْقُرْبُ صُرِفَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرْبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ فَتَكُونُ كُلُّ جِهَةٍ مِنْهَا مُسْتَحَقَّةً بِانْفِرَادِهَا ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الْآدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا يُقَسَّمُ بَلْ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحَقٌّ مُعَيَّنٌ.
قَالَ رحمه الله (وَبِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ كَمَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثُ النَّفَقَةَ إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَلَى صِفَةٍ، وَقَدْ عُدِمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيُؤْتَى بِهَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ بِمَالٍ قَدَّرَهُ فَضَاعَ بَعْضُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ ضَمِنُوا النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُحَصِّلُوا مَقْصُودَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عز وجل {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُكْتَبُ لَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ وَعَمَلُهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ وَالْمُرَاد بِالْمَتْلُوِّ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَهُ وَطَنٌ. وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ حَيْثُ حَلَّ.
قَالَ رحمه الله (وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ مِثْلُهُ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَحَجَّ عَنْهُ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يُحَجَّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَا يَجْعَلُ الْجَمِيعَ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَلِزَيْدٍ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ غَيْرُ الْأُخْرَى وَلَا يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ إذَا أَوْصَى بِهَا فَأَمَّا بِدُونِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَيْهَا بَلْ تَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ وَإِذَا أَوْصَى يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَالَ أَنَا أَحُجُّ مِنْ مَنْزِله بِهَذَا الْمَالِ مَاشِيًا لَا يُعْطَى لَهُ ذَلِكَ وَيَحُجُّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا فَالْوَصِيَّةُ انْصَرَفَتْ إلَى الْحَجِّ الْمَعْرُوفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ عَمَلِ إلَخْ) الْحَدِيثَ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَالْخُرُوجُ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ