الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَقَاءُ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا، وَلَوْ طُبِخَ الْعَصِيرُ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ أُهْرِيقَ بَعْضُهُ لَا يَحِلُّ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَطُرُقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَتَضْرِبَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الْأَنْصَاب ثُمَّ تَقْسِمَ الْخَارِجَ مِنْ الضَّرْبِ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ بِالْقِسْمَةِ فَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلُّ، مِثَالُهُ اثْنَا عَشَرَ رِطْلًا مِنْ الْعَصِيرِ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ ثُمَّ أُهْرِيقَ رِطْلَانِ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَصِيرِ كُلَّهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَضْرِبُهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ، وَهُوَ سِتَّةٌ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَقْسِمُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يُهْرَاقَ مِنْهُ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلُّ، وَإِنْ شِئْت قَسَمْت مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ عَلَى الْمُنْصَبِّ وَعَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ فَمَا أَصَابَ الْمُنْصَبُّ يُجْعَلُ مَعَ الْمُنْصَبِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّ جَمِيعَ الْعَصِيرِ هُوَ الْبَاقِي وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الذَّاهِبِ بِالطَّبْخِ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الطَّبْخِ قَبْلَ الِانْصِبَابِ بَعْضُهُ حَلَالٌ، وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْجَمِيعِ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{كِتَابُ الصَّيْدِ}
قَالَ رحمه الله (هُوَ الِاصْطِيَادُ) أَيْ الصَّيْدُ هُوَ الِاصْطِيَادُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا وَسُمِّيَ بِهِ الْمَصِيدُ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ فَصَارَ اسْمًا لِكُلِّ حَيَوَانٍ مُتَوَحِّشٍ مُمْتَنِعٍ عَنْ الْآدَمِيِّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ وَكَذَا الْمَصِيدُ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْته قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مُبَاحًا كَالِاحْتِطَابِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ.
قَالَ رحمه الله (وَيَحِلُّ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) أَيْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ كَالشَّاهِينَ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَتُذَكِّيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّيِّبَاتِ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ وَالْجَرْحُ الْكَسْبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] أَيْ كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ هِيَ أَنْ تَكُونَ جَارِحَةً بِنَابِهَا وَمِخْلَبِهَا حَقِيقَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَتُشْتَرَطُ الْجِرَاحَةُ حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ مِنْ الْكَوَاسِبِ عَمَلًا بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، وَالْمُكَلَّبُ الْمُعَلَّمُ مِنْ الْكِلَابِ وَمُؤَدِّبُهَا ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مَا أُدِّبَ جَارِحَةً بَهِيمَةً كَانَتْ أَوْ طَائِرًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُكَلِّبِينَ مُعَلَّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُوهُنَّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا عُلِّمَ مِنْ الْجَوَارِحِ دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ كَذَا ذَكَرَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا)؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ ثُلُثَاهُ مَاءٌ وَثُلُثُهُ عَصِيرٌ وَقَدْ رَدَّ الْعَصِيرَ إلَى الثُّلُثِ فَحَلَّ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الِانْصِبَابِ)، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْجَمِيعِ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْبَاقِي، وَهُوَ رُبْعُهُ رِطْلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ) أَيْ، وَهُوَ رُبْعُهُ وَاحِدٌ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ) أَيْ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ اهـ.
[كِتَابُ الصَّيْدِ]
{كِتَابُ الصَّيْدِ} ثُمَّ الِاصْطِيَادُ لَا يَقَعُ إلَّا بِآلَةٍ وَالْآلَةُ تَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَيَوَانٌ وَجَمَادٌ فَالْجَمَادُ مِثْلُ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالشَّبَكَةِ وَالْمِعْرَاضِ وَالنُّشَّابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْحَيَوَانُ مِثْلُ الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ) وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ فَمَا حَلَّ أَكْلُهُ فَصَيْدُهُ لِلْأَكْلِ وَمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَصَيْدُهُ لِغَرَضٍ آخَرَ إمَّا الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ) أَيْ مِنْ إقَامَةِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ اهـ.
[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ: فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ صَيْدِ ابْنِ الْعِرْسِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا عُلِّمَ فَتَعَلَّمَ فَكُلْ مَا صَادَ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ فَصَيْدُهُ يُؤْكَلُ يَعْنِي إذَا عُلِّمَ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ الذِّئْبِ إذَا عُلِّمَ فَصَادَ فَقَالَ هَذَا أَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالُوا فِي الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِهِمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى عَيْنِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ مِنْ عَادَتِهِمَا أَنْ يَمْسِكَا صَيْدَهُمَا وَلَا يَأْكُلَاهُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فَإِنْ تُصُوِّرَ التَّعْلِيمُ فِيهِمَا جَازَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّمَانِ عَادَةً؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ يُعْرَفُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَهُمَا لَا يَأْكُلَانِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْأَكْلِ عَلَى التَّعَلُّمِ حَتَّى لَوْ تُصَوِّرَ التَّعَلُّمُ مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ بِهِمَا لِخَسَاسَتِهَا وَالْخِنْزِيرَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المائدة: 4] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ثَعْلَبَةَ «مَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَكَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَهُوَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الذَّبَائِحِ
قَالَ رحمه الله (وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا فِي الْكَلْبِ وَبِالرُّجُوعِ إذَا دَعَوْته فِي الْبَازِي) أَيْ التَّعْلِيمُ فِي الْكَلْبِ يَكُونُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي الْبَازِي بِالرُّجُوعِ إذَا دُعِيَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ وَلِأَنَّ بَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَيُمْكِنُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَبَدَنُ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ هَذَا الشَّرْطِ فِيهِ فَاكْتَفَى بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعَلُّمِ؛ وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعَلُّمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً وَعَادَةُ الْبَازِي التَّوَحُّشُ وَالِاسْتِنْفَارُ وَعَادَةُ الْكَلْبِ الِانْتِهَابُ وَالِاسْتِلَابُ لِإِلْفِهِ بِالنَّاسِ فَإِذَا تَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْلُوفَهُ دَلَّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَانْتِهَاءِ عَمَلِهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْكَلْبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَلُوفُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَلُوفٍ وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ يَتَأَتَّى فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ ذِي نَابٍ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَأَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ بِالضَّرْبِ إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ، وَإِنَّمَا شَرْطُ تَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُعْرَفُ بِتَكْرَارِ التَّجَارِبِ وَالِامْتِحَانِ، وَهِيَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ مُعَلِّمِهِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَمُدَّةِ الْخِيَارِ لِاخْتِبَارِ حَالِ الْمَبِيعِ
وَكَذَا قَالَ عليه السلام «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إذَا لَمْ يَرْبَحْ أَحَدُكُمْ فِي التِّجَارَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلْيَتَحَوَّلْ إلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى التَّعَلُّمِ دُونَ الْقَلِيلِ وَالْجَمْعُ كَثِيرٌ وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» فَقُدِّرَ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا نَصَّ هُنَا فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ كَحَبْسِ الْغَرِيمِ وَالنَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْأَعْمَالِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ قَدْ يَكُونُ لِلْخَوْفِ مِنْ الضَّرْبِ فَلَا يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى التَّعَلُّمِ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ تَخْتَلِفُ بِالْحَذَاقَةِ وَالْبَلَادَةِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا ثُمَّ إذَا تُرِكَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ الْأُولَى وَلَا الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالثَّلَاثِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَكَذَا الثَّالِثُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَكَانَ الثَّالِثُ صَيْدَ كَلْبٍ جَاهِلٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَالَ الْمَوْلَى بِعِلْمِ الْمَوْلَى، وَهُوَ سَاكِتٌ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَيْعُ حَتَّى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْقُضَهُ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَحِلُّ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ عِنْدَ الثَّالِثِ آيَةُ تَعَلُّمِهِ فَصَارَ هَذَا صَيْدَ كَلْبٍ عَالِمٍ؛ لِأَنَّا إنَّمَا حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِطَرِيقِ أَنَّ إمْسَاكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ قَدْ تَعَيَّنَ وَتَحَقَّقَ، وَكَيْفَ يَحْرُمُ وَقَدْ أَخَذَهُ لَهُ بَعْدَ إرْسَالِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مَالَ الْمَوْلَى لَا يَجُوزُ
وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى وَالْمَوْلَى يَرَاهُ سَاكِتًا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ وَجَازَ شِرَاؤُهُ وَلَزِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَازِي بِكَمْ إجَابَةً يَصِيرُ مُعَلَّمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكَلْبِ وَلَوْ قِيلَ يَصِيرُ مُعَلَّمًا بِإِجَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُنَفِّرُهُ بِخِلَافِ الْكَلْبِ.
قَالَ رحمه الله (وَمِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجُرْحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجُرْحِ فِي أَيِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ) وَفِي الِاخْتِيَارِ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ الِاصْطِيَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ثَعْلَبَةَ) أَيْ: الْخُشَنِيِّ. اهـ. قَالَ فِي الْإِصَابَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي خُشَيْنٍ، وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَضَرَبَ سَهْمَهُ فِي خَيْبَرَ وَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا وَكَانَ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ لَيْلَةٌ إلَّا خَرَجَ يَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ فَيَنْظُرُ كَيْفَ هِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَسْجُدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ لَا يَخْنُقَنِي كَمَا أَرَاكُمْ تُخْنَقُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي جَوْفَ اللَّيْلِ قُبِضَ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَأَتْ ابْنَتُهُ فِي النَّوْمِ أَنَّ أَبَاهَا قَدْ مَاتَ فَاسْتَيْقَظَتْ فَزِعَةً فَنَادَتْ أَيْنَ أَبِي قِيلَ لَهَا فِي مُصَلَّاهُ فَنَادَتْهُ فَلَمْ يُجِبْهَا فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْهُ سَاجِدًا فَأَنْبَهَتْهُ فَحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ مَيِّتًا مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ اهـ بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) فِي الْكَلْبِ وَالتَّعْلِيمِ عِنْدَنَا أَنْ يُرْسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَدَنُ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ) قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بِأَنَّ الْبَازِيَ وَسَائِرَ طُيُورِ الْوَحْشِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ لَا يُؤْكَلُ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ فَقَالَ كُلْ وَقَالَ تَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ تَدْعُوَهُ فَيُجِيبُك وَلَا تَسْتَطِيعُ ضَرْبَهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ، وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) أَيْ وَهُوَ الصَّائِدُ. اهـ. غَايَةٌ