الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ بِابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ وَلِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْكُلِّ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ» وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ تَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ لَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ بِالْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ الْإِجَازَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَرُدُّوا تِلْكَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ سَاقِطَةً لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهَا الْمَحَلَّ وَكُلُّ سَاقِطٍ فِي نَفْسِهِ مُضْمَحِلٌّ مُتَلَاشٍ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ.
وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ تِلْكَ الْإِجَازَةُ سَاقِطَةً مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فِي مَالِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا مَرَضَ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّهِمْ لَكِنْ ذَلِكَ الثُّبُوتَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَإِذَا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ وَأَنَّ الْإِجَازَةَ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا لِاسْتِنَادِ حَقِّهِمْ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ فَصَارَ كَإِجَازَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ فَإِجَازَتُهُمْ حِينَ وَقَعَتْ فِي حَيَاتِهِ وَقَعَتْ بَاطِلَةً وَمَا وَقَعَ بَاطِلًا لَا يَكُونُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ الِاسْتِنَادِ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ لَهُمْ مُجَرَّدُ الْحَقِّ فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ بَقِيَ حَقًّا عَلَى حَالِهِ لَا حَقِيقَةً وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهَا.
لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً فَتَلْزَمُ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُتَزَوِّجًا بِجَارِيَةِ الْمُورِثِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثُ وَهُوَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُجِيزِ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ لَهُ ثُلُثَا الْوَلَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَيُبْطِلُهَا الْوَارِثُ فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ حَقِيقَةً.
فَإِذَا أَجَازَ صَارَ مُمَلِّكًا لَهُ مِنْ جِهَتِهِ ضَرُورَةً وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَرَتْ مِنْ الْمُوصِي وَصَادَفَتْ مِلْكَهُ حَالًا وَمَآلًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِحَوَائِجِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مَشْغُولًا بِحَاجَتِهِ مِنْ مَالٍ فَإِذَا أَوْصَى صَارَ مَشْغُولًا بِهَا لَكِنَّ لِلْوَرَثَةِ نَقْضَهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَقِلًا إلَى مِلْكِهِمْ وَسَقَطَ حَقُّهُمْ وَنَفَذَ الْعَقْدُ السَّابِقُ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَرِيضًا فَأَجَازَ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إسْقَاطُ الْحَقِّ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَإِجَازَتِهِ الْعِتْقَ وَالْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ مُحَابَاةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَفِي تَمَلُّكِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا يَتَمَلَّكُ وَفِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِجَازَةُ فِيهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجُوزُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ لَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا لِلْجِنَايَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَلَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهَا لِلْقَاتِلِ كَمَا لَا يَرْضَوْنَهَا لِأَحَدِهِمْ.
قَالَ رحمه الله (وَيُوصِي الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ اُلْتُحِقُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْ الْبَعْضُ فَفِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى الرَّجُلُ بِنِصْفِ مَالِهِ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِلْمُوصَى لَهُ رُبُعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَرُبُعَانِ لِلِابْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَالثُّلُثَانِ لِلِابْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ أَجَازَ وَاحِدٌ وَلَمْ يُجِزْ الْآخَرُ جَازَ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمَا أَجَازَا وَيُعْطَى لَهُ رُبُعُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُجِيزَا يُعْطَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَجْعَلُ الْمَالَ عَلَى اثْنَيْ عَشْرَ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، فَالرُّبُعُ لِلَّذِي أَجَازَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ فَهِيَ لِلْمُوصَى لَهُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إلَخْ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ ثَبَتَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَصَحَّ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
[وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ]
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُوصِي الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ إلَخْ) يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لِفُقَرَاءِ النَّصَارَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْبِيعَةِ. اهـ. قَاضِيخَانْ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلِأَنَّ مَنْ جَازَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لَهُ جَازَ وَصِيَّتُهُ لِلْمُسْلِمِ كَالْمُسْلِمِ اهـ.
فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ وَإِنْ فَعَلَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْمَالَ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَا مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ مَمَاتِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَقَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَطَلَ رَدُّهَا وَقَبُولُهَا فِي حَيَاتِهِ) أَيْ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرَانِ قَبْلَ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ غَدًا فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله إذَا رَدَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي لَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ رَدَّهُ فَبَطَلَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله (وَنَدَبَ النَّقْصُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ؛ لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَالِهِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى التَّمَامِ فَتَفُوتُهُ الصِّلَةُ عَلَى الْقَرِيبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما بِقَوْلِهِمَا لَأَنْ يُوصَى بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصَى بِالرُّبُعِ وَلَأَنْ يُوصَى بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصَى بِالثُّلُثِ وَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ فُقَرَاءَ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ الْفَقْرُ وَالْقَرَابَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ مِنْ الْقَرِيبِ وَقِيلَ الْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْهِبَةِ رِضَاهُمْ وَقِيلَ يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَضِيلَةٍ وَهِيَ الصَّدَقَةُ أَوْ الصِّلَةُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا أَيَّهُمَا شَاءَ أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (وَمَلَكَ بِقَبُولِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَمْلِكُ بِدُونِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَبُولِ كَالْمِيرَاثِ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ حَتَّى تَثْبُتَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ جَبْرًا مِنْ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِدُونِ قَبُولِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَعْمَى أَوْ دِنَانٍ مُكَسَّرَةٍ أَوْ بِزِبْلٍ مُجْتَمَعٍ فِي دَارِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَنَقْلُ الْمُكَسَّرِ وَالزِّبْلِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقَبُولِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ) أَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي بَابِ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ إذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلْحَرْبِيِّ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ فِي دَفْعِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى حَرْبِنَا فِي تَكْثِيرِ مَا لَهُمْ إضْرَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالسِّلَاحِ وَبِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا تَصِحُّ لِلْحَرْبِيِّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ شَرْطٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ سَيَجِيءُ بَيَانُهَا بَعْدَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ وَرَدُّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا يُنْظَرُ إلَى رَدِّهِ وَلَا إلَى إجَازَتِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مِلْكَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولِهِ لَا تَصِيرُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَقْبَلَ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ لَيْسَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَقْبَلَ أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ مَا أَوْصَى لَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَمَوْتِهِ كَقَبُولِهِ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجَعَلُوا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا كَانَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ وَتَكُونُ السِّلْعَةُ مَوْرُوثَةً عَنْ الْمُشْتَرِي إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ الْكَاشِحِ) الْكَاشِحُ الَّذِي يُخْفِي عَدَاوَتَهُ فِي كَشْحِهِ وَالْكَشْحُ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلْعِ وَقِيلَ الْكَاشِحُ الَّذِي أَعْرَضَ وَوَلَّاك كَشْحَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَقَهْرِهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي ذِي الرَّحِمِ الصَّدِيقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْأُولَى) أَيْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكَ بِقَبُولِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْقَبُولُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قَبُولٌ بِالصَّرِيحِ وَقَبُولٌ بِالدَّلِيلِ فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبِلْت وَالدَّلِيلُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونَ مَوْتُهُ قَبُولًا لِوَصِيَّتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ