الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَيْدٍ بِالْمَأْكُولِ إذْ الصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ قَالَ الشَّاعِرُ
صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبٌ
…
وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ
؛ وَلِأَنَّ اصْطِيَادَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الرَّهْنِ]
ِ قَالَ رحمه الله (هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ) هَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ وَيُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ وَالرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا كَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَالَ الشَّاعِرُ
وَفَارَقَتْك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ
…
يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا
أَيْ ارْتَهَنَتْ وَحَبَسَتْ قَلْبَهُ فَذَهَبَتْ بِهِ يَوْمَ التَّوْدِيعِ وَانْحَبَسَ قَلْبُ الْمُحِبِّ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ وَقَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ رَدُّ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصًا وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ لَكِنْ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْأَمَانَاتِ أَوْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَالْمُقَيَّدَةَ بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ بِأَعْيَانِهَا تَبْطُلُ بِهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوُجُوبَ أَوْ شُبْهَتَهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ثَابِتٌ لَبَطَلَتْ وَالرَّهْنُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ فِي جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْوَثِيقَةُ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ وَهِيَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
كِتَابُ الرَّهْنِ} مُنَاسَبَةُ الرَّهْنِ بِالصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالِاصْطِيَادِ سَبَبٌ مُبَاحٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَمَا يَصِحُّ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالْحَقُّ يَشْمَلُهُمَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: فِي شَرْحِهِ الرَّهْنُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِذِمَّةٍ وَيَنْفَصِلُ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَرْهَنْتُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ رَهَنْته الشَّيْءَ وَأَرْهَنْتُهُ الشَّيْءَ بِمَعْنًى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ) أَيْ جَمْعُ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُهُنٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ رُهُنًا جَمْعُ رَهْنٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ وَالْجَمْعُ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرِّهَانُ جَمْعُ الرَّهْنِ كَالْعِبَادِ وَالزِّنَادِ فِي جَمْعِ الْعَبْدِ وَالزَّنْدِ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ اهـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الرَّهْنُ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ مِثْلُ حَبْلٍ وَحِبَالٍ
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ رُهُنٌ بِضَمِّ الْهَاءِ قَالَ الْأَخْفَشُ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِعْلٌ عَلَى فُعُلٍ إلَّا قَلِيلًا شَاذًّا قَالَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ سَقْفٌ وَسُقُفٌ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ رُهُنٌ جَمْعًا لِلرِّهَانِ كَأَنَّهُ يُجْمَعُ رَهْنٌ عَلَى رِهَانٍ ثُمَّ يُجْمَعُ رِهَانٌ عَلَى رُهُنٍ مِثْلُ فِرَاشٍ وَفُرُشٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ) يَعْنِي مَعْنَاهُ لُغَةً مُطْلَقُ الْحَبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا رَوَى) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) فِيهِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ نَسِيئَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عليه الصلاة والسلام «إنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَاَللَّهِ لَا أَفْتَحُ عَيْنَيَّ إلَّا وَأَخْشَى عَلَى نَفْسِي الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ أَرُدَّهُمَا» وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا بِهَذَا الْحَدِيثِ
وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ نَسِيئَةً اسْتِدَانَةٌ وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الدَّيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ وَوَعَدَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعْدًا جَمِيلًا وَكَانَ يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ يُرِيدُ قَضَاءَهُ» وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَسَارَعَ قَضَاءَهُ لِئَلَّا يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَائِلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْعَبْدِ بَعْدَ الْكُفْرِ إلَّا الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيُرْضِي خُصَمَاءَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ الْوَثِيقَةُ) بَيَانُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَهُ طَرَفَانِ طَرَفُ الْوُجُوبِ وَطَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُسْتَوْفَى الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الْوَثِيقَةُ بِطَرَفِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ فَكَانَتْ الْوَثِيقَةُ الَّتِي بِطَرَفِ الْوُجُوبِ
الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْجَامِعُ أَنَّ
الْحَاجَةَ إلَى الْوَثِيقَةِ مَاسَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
فَإِنَّ الْمُسْتَدِينَ قَلَّمَا يَجِدُ مَنْ يُدَيِّنُهُ بِلَا رَهْنٍ وَالدَّائِنُ يَأْمَنُ بِالرَّهْنِ مِنْ التَّوَى بِالْجُحُودِ أَوْ بِإِسْرَافِ الْمَدِينِ فِي مَالِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ بِمُحَاصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَانَ فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَشُرِعَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا)، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَلْزَمُ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: رحمه الله يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ فَيَلْزَمُ بِالْقَبُولِ وَالْخِلَافُ مَعَهُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ شَرْطًا فِيهِ إذْ الْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِمْضَاءُ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَقَوْلُهُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمُشَاعِ وَبِالثَّانِي عَنْ الْمَشْغُولِ وَبِالثَّالِثِ عَنْ الْمُتَّصِلِ فَإِذَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ تَمَّ لِوُجُودِ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ.
قَالَ رحمه الله (وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فِي غَايَةِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الرَّهْنَ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً إذْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَقِيقَةً كَالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَشْرُوعٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا حَاجَةَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ قَبْضٍ حَقِيقَةً، وَهُوَ النَّقْلُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ) أَيْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَالِكٌ رحمه الله وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ رحمه الله (، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) فَلَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمَالِ جَائِزَةً أَيْضًا اعْتِبَارًا بِطَرَفِ الْوُجُوبِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مَقْصُودٌ وَالْوُجُوبُ وَسِيلَةٌ لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَلَمَّا شُرِعَتْ الْوَثِيقَةُ فِي حَقِّ الْوَسِيلَةِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ أَوْلَى كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالْوَثِيقَةُ مَا يُوَثَّقُ بِهِ الشَّيْءُ وَيُؤَكَّدُ بِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ قَالُوا الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ كَالْهِبَةِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ اهـ قَوْلُهُ الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ قَالَهُ مِسْكِينٌ وَقَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمُحِيطِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّهُ رُكْنٌ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ وَفِي نُسْخَةٍ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضِهِ، وَعَلَيْهَا فَلَا سَهْوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّيْخِ بَاكِيرٍ كَمَا شَاهَدْت ذَلِكَ فِي خَطِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْإِيجَابُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالرَّاهِنِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ اهـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ شَطْرَيْهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رُكْنٌ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 283] إلَخْ) وَصَفَ الرَّهْنَ بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةً وَالنَّكِرَةُ إذَا وُصِفَتْ عَمَّتْ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ الرَّهْنِ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وقَوْله تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ:؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلَالَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِمَعْنًى يَنْضَمُّ إلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَتُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَوْ تَعَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَزِمَ وَرَثَتَهُ كَالْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ) أَيْ الرَّاهِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمَشَاعِ إلَخْ) يَعْنِي فَإِنْ رَهَنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ هَلْ رَهْنُهَا بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ يُنْظَرُ فِي الْبَابِ الْآتِي فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَا مُجْمَلٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ) يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقَبْضِ حَتَّى تَتِمَّ بِهِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ فِي الرَّهْنِ وَلَا الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ قُلْت إذَا كَانَتْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَالشَّيْخُ رحمه الله ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا خَلَّى بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَرْهُونِ يُعْتَبَرُ قَابِضًا كَمَا إذَا فَعَلَ الْبَائِعُ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضٌ وَاجِبٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَكَانَ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَثَمَّةَ يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ اهـ ع (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ اهـ.
صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَبِقَدْرِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ اعْتِبَارًا بِهَلَاكِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ وَبِهَلَاكِ الْوَثِيقَةِ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يُضَادُّ الصِّيَانَةَ إذَا لَحِقَ بِهِ يَصِيرُ بِعَرْضِيَّةِ الْهَلَاكِ، وَهُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ فَصَارَ أَمَانَةً ضَرُورَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْقَبْضُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَنَا «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا نَفَقَ الْفَرَسُ الرَّهْنُ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّك» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام بُعِثَ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فَيَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا عُمِّيَ الرَّهْنُ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا هَلَكَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْرِي كَمْ كَانَ قِيمَتُهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ الرَّهْنِ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْفَضْلَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ شُرَيْحٍ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِمَا فِيهِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَا يَرْجِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا، وَهَذَا اخْتِلَافُ السَّلَفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لَهُ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِضَجَرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ فَلَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بَعْدَهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِيفَاءً ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَوَّلِ يَنْتَقِضُ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِمِلْكِ الْيَدِ لَا بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ
وَقَدْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ كَامِلًا أَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ ثَانِيًا لِيَأْخُذَ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ كَامِلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ أَوْ مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ يَبْطُلُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ اسْتِيفَاءِ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْعَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لَا يَغْلَقُ) مِنْ بَابِ عَلِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ) إذْ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَكَذَا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ مُشَاهَدَةً وَلَا مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِرَهْنٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا فَمَاتَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ حَقُّك» فَدَلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بُطْلَانِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ الْمُرْتَهَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ: فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ يُنَافِي مَعْنَى الْوَثِيقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّ الرَّهْنَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بَلْ هُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فَعِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه هِيَ أَمَانَةٌ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ أَمَانَةٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الرَّهْنَ إلَى صَاحِبِهِ يَفُوتُ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ الِاسْتِيفَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ بَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ خَلَلٌ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ
بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُؤْنَةُ الْمِلْكِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الْمَضْمُونِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» قُلْنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّاحِبُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا يُقَالُ لِلْمُضَارِبِ صَاحِبُ الْمَالِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَضْلَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ لِرَبِّ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَا يَغْلَقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ رَجَعَ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ فَيَكُونُ غُنْمُهُ لَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مُؤَوَّلًا لَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ رحمه الله عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيّ رحمه الله فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَمُوجِبُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا يُحَقِّقُ الصِّيَانَةَ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهِمَا حَتَّى يَسْقُطَ دَيْنُهُ بِالْهَلَاكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَنَا صَيْرُورَةُ الرَّهْنِ مُحْتَبَسًا بِدَيْنِهِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالْعَيْنِ اسْتِيفَاءً مِنْهُ عَيْنًا بِالْبَيْعِ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَخْرُجُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ عِدَّةُ مَسَائِلَ كُلُّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا مِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مُوجِبَهُ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ وَعِنْدَهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مُوجِبَهُ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا فَيُحْبَسُ مَعَ الْأَصْلِ وَعِنْدَهُ لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْحَادِثَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ لِلْمُسْتَوْفِي فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرَّهْنِ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ فَتَعَيُّنُ عَيْنِ الْمَبِيعِ لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَ عَيْنٍ أُخْرَى لَهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ، وَهُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ زُفَرُ: رحمه الله الرَّهْنُ كُلُّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ الْفَضْلِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ وَالتَّرَادُّ يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْفَضْلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ مَرْهُونَةٌ؛ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِهِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً كَمَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما؛ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ أَوْفَاهُ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَالزِّيَادَةُ مَرْهُونَةٌ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْهُ أَنَّهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ، وَقَدْ هَلَكَ الرَّهْنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ سَلِّمْ الْعَيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَخُذْ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا إذْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قَدْرَ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ، وَإِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ أَمَّا الْعَيْنُ أَمَانَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ مِنْ وَجْهٍ فَلَوْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ الدَّيْنِ أَوْ اسْتِيفَاءً لِبَدَلِ الدَّيْنِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِإِجْمَاعِنَا أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَأَجَابَ عَنْهُ بِهَذَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْعَيْنُ كَالْكِيسِ فَلَوْ كَانَ أَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْكِيسِ يَكُونُ مَا فِي الْكِيسِ مَضْمُونًا دُونَ الْكِيسِ فَكَذَا هُنَا مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ مَضْمُونٌ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الرَّاهِنِ وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ اهـ
(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ») أَيْ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ «لَهُ غُنْمُهُ») أَيْ زَوَائِدُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَفَنُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ يُقَالُ غَلَقَ الرَّهْنُ غُلُوقًا إذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَكَانَ مِنْ أَفَاعِيلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا لَمْ يَرُدَّ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَعِنْدَنَا يَسْقُطُ وَمِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ) أَيْ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا)؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلْأُمِّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ إلَخْ) وَمِنْهَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ وَيَشْرَبَ لَبَنَهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ مِلْكِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ بَطَلَ إعْتَاقُهُ وَعِنْدَنَا يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ) أَيْ وَاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِأَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِمَّا رَهَنَ بِهِ رَدَّ الرَّاهِنُ الْفَضْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ بِقِيمَةِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ أَكْثَرَ، وَلَا يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَفِيهِ فَضْلٌ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَهِيَ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَصْفُ الدَّيْنِ بِكَوْنِهِ مَضْمُونًا وَصْفٌ ضَائِعٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مَضْمُونًا، وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي فَتْوَاهُ وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا وَلَوْ رَهَنَ بِمُكَاتَبِهِ عَبْدًا فَأَبَقَ الْعَبْدُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَإِنْ رَجَعَ الْآبِقُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ رَهْنًا بِمُكَاتَبَتِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَالْمُكَاتَبِ حَتَّى يَمْلِكَ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ وَكَذَا لَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ مُفَصَّلًا قَالَ رحمه الله (وَيُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا) أَيْ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ؛ وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ دُونَ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ ثَمَنِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ) وَقَيَّدَ الدَّيْنَ بِالْمَضْمُونِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالدَّيْنِ الْمَضْمُونِ مَا كَانَ وَاجِبًا لِلْحَالِ أَيْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ لَا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِ النَّفْسِ وَفِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَبِيعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُ الرَّهْنَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ أَوْ يَبِيعَ هُوَ الرَّهْنَ فَيُؤَدِّيَ دَيْنَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبِيعُ مَالَ الْمُفْلِسِ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بَاعَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) أَيْ يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ الرَّهْنُ إنْ طَلَبَهُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ غَائِبٌ فَيَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ فَيَبْطُلُ أَيْضًا الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَفَ اقْتَضَى دَيْنَهُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ إحْضَارِ الرَّهْنِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ هَالِكًا قَبْلَ ذَلِكَ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا وَكَذَا إنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَمَكَانِ الْعَقْدِ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ
وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَاجِزٌ عَنْ الْإِحْضَارِ، وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي بَلَدٍ لَمْ يُجْرَ فِيهِ الْعَقْدُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ اهـ قُلْت وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا طَالَبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنَ أَوَّلًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا فَإِذَا أَحْضَرَهُ أَمَرَ الرَّاهِنَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ عِبَارَةَ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ إحْضَارَ ثَمَنِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ
بَيْعَهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَحَّ وَصَارَ الرَّهْنُ دَيْنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ دَيْنٌ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، وَاَلَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ هُوَ الْبَائِعُ مُرْتَهِنًا كَانَ أَوْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّاهِنِ بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ مَعَ إقْرَارِهِ بِبَقَائِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ خَطَأً الْعَبْدَ الرَّهْنَ حَتَّى قَضَى بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ لِكَوْنِهَا بَدَلًا عَنْهَا وَلَوْ وُضِعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأُذِنَ بِالْإِيدَاعِ فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ فَطَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ يَفِرُّ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْعَدْلِ وَيَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ وَكَذَا إذَا غَابَ الْعَدْلُ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِأَنْ قَالَ هُوَ مَالِي حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالتَّوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ) أَيْ لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِكَيْ يَقْضِيَ بِثَمَنِهِ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ لَا الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ قَالَ رحمه الله (فَإِذَا قَضَى سَلَّمَ الرَّهْنَ) أَيْ إذَا قَضَى الرَّاهِنُ جَمِيعَ الدَّيْنِ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ بِوُصُولِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الرَّاهِنِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ يُبْرِئْهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ فَسَخَا الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَكُونُ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ هَالِكًا بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ رَهْنًا بِأَمْرَيْنِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ اسْتِخْدَامًا وَسُكْنَى وَلُبْسًا وَإِجَارَةً وَإِعَارَةً)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَقْتَضِي الْحَبْسَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالتَّعَدِّي قَالَ رحمه الله (وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ أَيْضًا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَأَجِيرُهُ الْخَاصُّ كَوَلَدِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ وَبِإِيدَاعِهِ وَتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَيْنَهُ وَدِيعَةٌ الْوَدِيعَةُ تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودَعُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي مُودَعِ الْمُودَعِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَا يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الرَّهْنَ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً، فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ) أَيْ بَلْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً إلَخْ) لَفْظَةُ لَوْ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا) فَصَارَ غَاصِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ)؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي أَنَّ فِي تَضْمِينِ الْمُودَعِ الثَّانِي خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْأَوَّلِ. اهـ. غَايَةٌ