الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَا خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ جَهْلُهُمَا أَوْ اخْتِلَافُهُمَا بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ
. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتْلُهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ) أَيْ إذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ يُنْبِئُ أَنَّ كُلَّ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَا قَتَلْته انْفَرَدْت بِقَتْلِهِ، وَكَذَا قَوْلُ الشُّهُودِ قَتَلَهُ فُلَانٌ يُوجِبُ انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا تَكْذِيبٌ لِبَعْضِهِ حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَتْلِهِ، بَلْ شَارَكَهُ آخَرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتَلْته وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكْ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ قَتَلْتُمَاهُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِبَعْضِ مُوجِبِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَنْتَ قَتَلْته كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِعَدَمِ تَكْذِيبِ شُهُودِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْآخَرَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]
(بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ) قَالَ رحمه الله (الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ)؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الرَّامِي وَلَا فِعْلَ لَهُ بَعْدَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَالَةٍ فِي حَقِّ الْحَلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ رحمه الله (فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرَدِّهِ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ) أَيْ إذَا رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ يَجِبُ عَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ إخْرَاجَ نَفْيِهِ عَنْ التَّقْوِيمِ كَالْإِبْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ بُرِّئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ دُونَ الْإِصَابَةِ وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ قَاتِلًا بِالرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ مُتَقَوِّمٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجُرِحَ الصَّيْدُ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَكَذَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ جَازَ تَكْفِيرُهُ فَكَانَ الْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ. قَالَ رحمه الله (لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِإِسْلَامِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِأَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُطْلَقَ فِي الْأَصْلِ عَمْدٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالشَّكِّ. اهـ. غَايَةٌ
(بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَتَجِبُ الدِّيَةُ إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا وَالْمَرْمِيُّ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَمَاتَ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى الرَّامِي لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي وَإِنْ رُمِيَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَوَقَعَ بِهِ السَّهْمُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّامِي شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذِهِ مِنْ الْخَوَاصِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ حَقِّهِ، ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَرَحَ الصَّيْدَ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) وَيُعْتَبَرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَرَمَى إلَى صَيْدٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَرَحَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ كَانَ مَجُوسِيًّا، وَكَذَلِكَ إرْسَالُ الْكَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ) أَيْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِإِسْلَامِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ لَمْ يَكُنْ الْمَرْمِيُّ مُتَقَوِّمًا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ بِكَوْنِهِ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَكَانَ تَلَفُهُ هَدَرًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ فِعْلَهُ وَقْتَ الرَّمْيِ وَقَعَ هَدَرًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُعْتَبَرًا؛ وَلِأَنَّ قَتْلَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْإِصَابَةِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَتْلِهِمْ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّهِمْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
. قَالَ رحمه الله (وَالْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ) أَيْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ رَمَى إلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ فَمَاتَ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ يَبْقَى مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهُوَ جِنَايَةٌ يَنْتَقِصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ الرَّمْيِ وَثَمَانِمِائَةٍ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مِائَتَانِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ بِنَفْسِ الرَّمْيِ صَارَ جَانِيًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ النُّقْصَانَ كَالْقَطْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الرَّامِيَ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْتَحَقُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إتْلَافٌ لِبَعْضِ الْمَحَلِّ وَالْإِتْلَافُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ، ثُمَّ إذَا سَرَى لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْهُ وَظُهُورِ حَقِّهِ فِيهِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ فَصَارَ ذَلِكَ كَتَبَدُّلِ الْمَحَلِّ، وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَبَدَّلُ السِّرَايَةُ فَكَذَا هُنَا، أَمَّا الرَّمْيُ فَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا قَلَّتْ فِيهِ الرَّغَبَاتُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ قَبْلَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ، وَلَكِنْ انْعَقَدَ الرَّمْيُ عِلَّةً تَامَّةً لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ، وَعِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ يَسْتَنِدُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الِانْعِقَادِ فَلَا تُخَالِفُ النِّهَايَةُ الْبِدَايَةَ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إنَّمَا صَارَ عِلَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ إذْ الْإِتْلَافُ لَا يَصِيرُ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَوَقْتُ التَّلَفِ الْمُتْلَفُ حُرٌّ فَتَجِبُ دِيَتُهُ وَأَبُو يُوسُفَ رحمه الله مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُبْطِلُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَجَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ، أَمَّا هُنَا اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُؤَكِّدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ
. قَالَ رحمه الله (وَلَا يَضْمَنُ الرَّامِي بِرُجُوعِ شَاهِدِ الرَّجْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ) مَعْنَاهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِ رَجُلٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا
. قَالَ رحمه الله (وَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّةِ الرَّامِي لَا بِإِسْلَامِهِ) مَعْنَاهُ إذَا رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَارْتَدَّ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِالصَّيْدِ حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَوْ رَمَاهُ وَهُوَ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْوُقُوعِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ لَا الْإِصَابَةِ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَعَدَمُهَا عِنْدَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ يُشْتَرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الرَّمْيُ وَبِكَمْ يُشْتَرَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَجِبُ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَوَجُّهَ السَّهْمِ إلَيْهِ يُوجِبُ إشْرَافَهُ عَلَى الْهَلَاكِ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْجَرْحِ الْوَاقِعِ بِهِ، وَلَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ فَلَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَلَا الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ إنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ إنْسَانٍ خَطَأً، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَةُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى أَنْ عَتَقَ دَلَّ أَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرَّامِيَ جُعِلَ قَاتِلًا بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الرَّمْيُ.
وَصَارَ كَأَنَّهُ أَصَابَهُ السَّهْمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحِينَ إذَا كَانَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّمْيِ لِلْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَ مَوْلًى لِرَجُلٍ بِالْمُوَالَاةِ فَرَمَى رَجُلًا، ثُمَّ تَحَوَّلَ وَلَاؤُهُ إلَى غَيْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَوْلَاهُ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فَقَتَلَهُ حَلَّ الصَّيْدُ فَكَذَا هَاهُنَا، وَلَيْسَ الرَّمْيُ كَالْجَرْحِ الَّذِي قَاسَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ يَحْصُلُ بِهِ تَلَفُ بَعْضِ الْمَحَلِّ وَحِينَ إذْ كَانَ الْمَحَلُّ لِلْمَوْلَى فَيَجِبُ الضَّمَانُ لِلْمَوْلَى أَيْضًا، ثُمَّ بَعْدَ سِرَايَةِ الْجَرْحِ إلَى النَّفْسِ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ حِينَئِذٍ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لِكَوْنِ الِانْتِهَاءِ مُخَالِفًا لِلِابْتِدَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَحَقَّقُ السِّرَايَةُ.
وَأَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ اتِّصَالِ السَّهْمِ بِالْمَحَلِّ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ إتْلَافٌ أَصْلًا فَلَمْ يَجِبْ حِينَ وُجُودِهِ ضَمَانٌ فَلَمْ يَلْزَمْ مُخَالَفَةُ الِانْتِهَاءِ الِابْتِدَاءَ وَإِنَّمَا انْقَلَبَ الرَّمْيُ عِلَّةَ الْإِتْلَافِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ بِطَرِيقِ اسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الرَّمْيِ فَكَأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ تَلْزَمْ الْمُخَالَفَةُ فَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ قَاطِعًا لِسِرَايَةِ الرَّمْيِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ اهـ (قَوْلُهُ: إلَى الْعِتْقِ) مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ مِائَةً، وَعِنْدَ الْعِتْقِ سَبْعِينَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ مَعَ أَرْشِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ وَقَعَ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِيمَةِ وَاعْتِبَارُهُ وَقْتَ الْإِصَابَةِ يُوجِبُ الدِّيَةَ فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا)، وَلَكِنْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاجِعِ إنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ