الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَيَجُوزُ وَقِيلَ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ أُخِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَرُدَّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُسْتَأْمِنٍ مِثْلِهِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَهُ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَالذِّمِّيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ، وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثِهِ لَا يَجُوزُ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنِعٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالْمُسْلِمِ، وَلَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمِنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْوَصِيِّ]
(بَابُ الْوَصِيِّ) قَالَ رحمه الله (أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقِبَل عِنْدَهُ وَرَدَّ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ) أَيْ عِنْدَ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَرُدَّ عِنْدَهُ بَلْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَا يَرْتَدُّ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَدُّ رَدُّهُ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا.
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُهُ التَّرِكَةَ كَقَبُولِهِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ التَّرِكَةَ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ كَقَبُولِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ فَصَارَ قَبُولًا، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَبُولًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَمَّا الْإِيصَاءُ فَخِلَافُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَاتَ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ قَاضٍ مُذْ قَالَ لَا أَقْبَلُ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءَ لِأَنَّ فِيهِ مَضَرَّةً بِالْمَيِّتِ، وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ أَوْ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ، وَنَصَّبَ غَيْرَهُ، وَرُبَّمَا عَجَزَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ، وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَقْبَلُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ مَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِلَى عَبْدٍ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( بَابُ الْوَصِيِّ)(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ إلَخْ) وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ قَبُولَ الْوَصِيِّ يَصِحُّ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ يَقَعُ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصِي فَلَوْ وَقَفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي وَلَمْ يُسْنِدْ وَصِيَّتَهُ إلَى أَحَدٍ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا وَالْقَبُولُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَى الْمَوْتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ كَقَبُولِهِ نَصًّا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونَ وَصِيًّا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيُّ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْقَبُولَ يَكُونُ مَرَّةً بِالدَّلَالَةِ وَمَرَّةً يَكُونُ بِالْإِفْصَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أَقْبَلُ) مِنْ بَعْدِ هَذَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ، مُلْحَقٌ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ إلَخْ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ كَمَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِالْمَيِّتِ فِي بُطْلَانِ الْإِيصَاءِ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِالْوَصِيِّ فِي بَقَاءِ الْإِيصَاءِ وَلُزُومِهِ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ فَلِمَ تَحَمَّلْتُمْ ضَرَرَ الْوَصِيِّ دُونَ ضَرَرِ الْمُوصِي حَيْثُ قُلْتُمْ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ فَقَالَ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الضَّرَرَيْنِ جَمِيعًا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى وَالْأَعْلَى هُنَا ضَرَرُ الْمَيِّتِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ بِشَيْءٍ وَضَرَرَ الْوَصِيِّ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ فَتَحَمَّلَ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَى عَبْدٍ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ تَجِيءُ بَعْدَ هَذَا اهـ غَايَةٌ
بَدَلَ بِغَيْرِهِمْ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي، وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رحمه الله أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجِ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا، وَالْمُعَادَاةُ الدِّينِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ، وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ، وَالصَّبِيُّ كَالْقِنِّ فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ
قَالَ رحمه الله (وَإِلَى عَبْدِهِ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ صَحَّ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ جَازَ الْإِيصَاء إلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوْ الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ إذْ كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلصِّغَارِ مَنْعُهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ فِي الدَّيْنِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَيْنِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ نَقُولُ يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرُ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَصْلِ الْإِيصَاءِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِيهِ مُضْطَرِبٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ إلَخْ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُسْلِمِ يُوصِي إلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ إلَى حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ مُتَّهَمٍ مَخُوفٍ عَلَى مَالِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَعْنَى الْبُطْلَانِ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَمْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَفِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ وَالرِّقَّ مُنَافٍ لِلْوِلَايَةِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ فَلِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْوَصِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إلَيْهِ لَا تُتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ مِثْلُ وِلَايَةِ الْمُوصِي لِكَوْنِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ مُسْتَفَادَةً مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي ثُمَّ وِلَايَةُ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَيْسَتْ بِمُتَجَزِّئَةٍ حَيْثُ لَا يُقَالُ إنَّ وِلَايَتَهُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَوِلَايَةُ الْعَبْدِ مُتَجَزِّئَةٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَاتِ وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَهَذَا نَقَضَ الْمَوْضُوعَ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا أَيْ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ تَجْزِئَةُ الْوِلَايَةِ وَفِيهَا تَجْزِئَةُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلِي بَيْعَ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي بَيْعِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ) احْتَرَزَ بِالْمُخَاطَبِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْتَبِدِّ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْدَادَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَعَنْ عَبْدِ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَحْجُرَهُ وَيَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَلَا يَبْقَى الِاسْتِبْدَادُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ) هَذَا جَوَابٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ إلَخْ يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَتَجَزَّأُ لَكِنْ إنَّمَا صِرْنَا إلَى التَّجَزِّي كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً) وَالظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ التَّجَزِّي فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٌ فِيهِ مُضْطَرِبٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَنَا فِي هَذَا الْقِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكِبَارَ الثِّقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ
يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ كِبَارًا لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَلَا يُفِيدُ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي، وَحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْمُوصَى إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَأَتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ، وَلَا وَصِيَّ لَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رضي الله عنهما، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَهُمَا مُتَفَرِّقًا حَيْثُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَّ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الثَّانِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِشْرَاكُ مَعَ الْأَوَّلِ.
وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ إشْرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِمَا مَعًا، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ عَاجِزًا لَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا وَكَّلَ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا فَأَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَقُولُ إنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَتَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي، وَقَدْ كَانَتْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوصِي إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَصَارَ كَمَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ إذْ رَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
كُلَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بِلَا اضْطِرَابٍ كَالطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَأَبِي اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَالْقُدُورِيِّ فِي التَّقْرِيبِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ لِلْكَافِي وَصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ فِيهَا وَفِي شَرْحِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى عَبْدِهِ أَرَأَيْت لَوْ كَبِرَ الصِّغَارُ أَمَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوَصِيَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
(فَرْعٌ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَوْصِيَاءُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ مُضْطَلِعٌ لِلْقِيَامِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ غَيْرُ مُضْطَلِعٍ لِلْقِيَامِ بِهِ أَيَّدَهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَوَصِيٌّ مَخُوفٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ فَيُخْرِجُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُقِيمُ فِيهَا مَنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ وَصِيُّ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي إبْقَائِهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) أَيْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ سَتَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ) وَكَانَ أَبُو مُوسَى الرَّازِيّ يَقُولُ هَكَذَا وَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِمَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ جَارِيَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافَ وَإِنْ كَانَ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
كَرَأْيِ الْمُثَنَّى، وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ.
لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
كَمَلًا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا، وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ.
وَأَخَوَاتُهَا فَقَالَ رحمه الله (فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ (وَحَاجَةِ الصِّغَارِ وَالِاتِّهَابِ لَهُمْ) لِأَنَّهُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ إحْيَاءٌ لِلصِّغَارِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَمْلِكُهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ، وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَكَذَا حِفْظُ الْمَالِ كُلُّ ذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعِتْقِ عَبْدٍ عُيِّنَ) لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا، وَمِنْ أَخَوَاتِهَا بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ الْمَالِ، وَجَمِيعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ لَا تَخْفَى، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ.
أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقُ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ.
قَالَ رحمه الله (وَوَصَّى الْوَصِيُّ وَصِيَّ التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ، وَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَوَصِيِّ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مِثْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ فَكَذَا الْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْمُوصَى إلَيْهِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْجَدُّ، وَيَنْعَزِلُ هُوَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، وَإِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ ثُمَّ الْجَدُّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِيصَاءَ فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةٌ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيُنَزَّلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِي التَّرِكَتَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ بَلْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَقَالَ فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَثَّلَ شِرَاءَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَمَعَهُ مَالٌ فَكَفَّنُوهُ وَدَفَنُوهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاتِّهَابُ لَهُمْ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ وَلِأَنَّهُ تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوْ جُنَّ أَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا إذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ إلَى الثَّانِي فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي وَصِيُّهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا صَارَ الثَّانِي أَيْضًا وَصِيَّهُمَا وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَكُونُ لِلثَّانِي خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ جَازَ ذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقُ الِاسْتِحْسَانِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَوْصَى إلَيْهِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَعِيشُ أَبَدًا وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ تَكُونَ أُمُورُهُ ضَائِعَةً فَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِأَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ.
وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ فَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ) أَيْ مِنْ الْمَيِّتِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ (قَوْلُهُ تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ) حَتَّى كَانَ لَهُ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ) مَالُ نَفْسِهِ الَّذِي يَتْرُكُهُ وَتَرِكَةُ مُوصِيهِ اهـ
اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ، وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِهِ بِتَوْكِيلٍ أَوْ إيصَاءٍ
قَالَ رحمه الله (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ عَكَسَ لَا) أَيْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ، وَالْوَصِيُّ أَيْضًا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَنَفَذَتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ، وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ، أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أُفْرِزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْبَيْعِ فِي مَالِ الصِّغَارِ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْكِبَارِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَهَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْع فَلَا يَضْمَنُ
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَيَأْخُذُ ثُلُثَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَالْوَرَثَةَ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله إنْ كَانَ الْمُفْرَزُ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخْذُهُ حَظِّ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ) أَيْ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَالْقَاضِي نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ، وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ، وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَصَحَّ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي، وَهَذَا فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ) أَيْ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ كَبِيرًا غَائِبًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي الْعَقَارِ أَوْ فِي الْعُرُوضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً ثُمَّ مَاتَ وَاسْتَوْلَدَهَا وَارِثُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَلِيفَةَ الْمَيِّتِ لَمَا ثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ بَاعَهَا الْمُوَرِّثُ مِنْ آخَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَكُونَ غُرُورُهُ كَغُرُورِهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ مَعَ مُوَرِّثِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهُمَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَتْ قِسْمَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ وَالْغُيَّبِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ النَّظَرِ أَنْ يُفْرِزَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَإِنْ هَلَكَ نَصِيبُهُ فِي يَدِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي حَيْثُ جَازَتْ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ حَيْثُ لَا تَجُوزُ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَكَانَ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَوْهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتِقُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي أَيْدِيهِمْ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ مَيَّزَ الثُّلُثَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ هَلَكَ مِنْ الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ تَتَكَامَلْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلَا يَصْلُحُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْغَائِبِ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ قَبُولَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ إفْرَازٌ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعٌ حَتَّى جَازَ أَخْذُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً وَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ صَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلَوْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَ الْوَصِيُّ إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ هَلَاكِ ثَمَنِهِ عِنْدَهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ، وَلَمْ يُسَلَّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ، وَهُوَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ قَالَ رحمه الله (وَيَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا، وَمَحِلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ، وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْقَاضِيَ تَعْطِيلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّقَلُّدِ بِهَذِهِ الْأَمَانَةِ خَشْيَةَ لُزُومِ الضَّمَانِ فَتَتَعَطَّلُ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ، وَأَمِينُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ مَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ كَمَا فِي سَائِرِ دُيُونِ الْمَيِّتِ، وَفِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ غُنْمَهُ لَهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ
قَالَ رحمه الله (وَفِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ بَاعَ عَبْدَهُ، وَاسْتَحَقَّ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ) أَيْ إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ، وَاسْتُحِقَّ الْمَالُ الْمَبِيعُ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ قَالَ رحمه الله (وَهُوَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي حِصَّتِهِ) أَيْ الصَّبِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ احْتِيَالُهُ بِمَالِهِ لَوْ خَيْرًا لَهُ) أَيْ يَجُوزُ احْتِيَالُ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ إذْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَمْلَأَ إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَوَالَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا يَرَى رُجُوعَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ أَوْ شِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، وَالْوَصِيُّ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تَبَرُّعٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ، وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ لِلْيَتِيمِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ لِلصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ صَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ) صُورَتُهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَيَبِيعُ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ قَالَ بَيْعُهُ جَائِزٌ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا عَلَى الْعَبْدِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ) حَتَّى يَأْخُذُوا كَسْبَهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَكُونُ الْبَيْعُ مُبْطِلًا لِحَقِّهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُبْطِلُوا الْبَيْعَ اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ) أَيْ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ اهـ (قَوْلُهُ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا أَمَرَ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكِي اهـ
- رحمه الله، وَأَظْهَر الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضِعْفِ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رحمه الله، وَبِهِ يُفْتَى.
قَالَ رحمه الله (وَبَيْعُهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا، وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْعَقَارَ ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه جَازَ لَهُ بَيْعُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَتْ فِي الْبَعْضِ ثَبَتَتْ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا كَالْمَنْقُولِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْوَصِيُّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ يَرْغَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضِعْفِ الثَّمَنِ) الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ) هَذَا حُكْمُ الْوَصِيِّ وَأَمَّا الْأَبُ إذَا بَاعَ عَقَارَ الصَّغِيرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَحْمُودًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَسْتُورًا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الِابْنُ لَمْ يَنْقَضِ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَاسِقًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الِابْنُ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ لِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا اتَّجَرَ لِلصَّغِيرِ يَجُوزُ قَالَ قَاضِيخَانْ يَتَّجِرُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِلْيَتِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ يُضَارِبُ فِي مَالِهِ وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الرَّهْنِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ رَهَنَ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا لِلْيَتِيمِ صَحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ اهـ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ أَوْ الْمَيِّتِ.
فَإِنْ فَعَلَ وَرَبِحَ يَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلَّمُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَلَهُ أَخْذُهُ مُضَارَبَةً اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعِمَادِيُّ ذُكِرَ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ بُيُوعِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ إلَى أَبِ الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَلِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجَارَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ الْعِمَادِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَأَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَأَنْ يُبْضِعَ وَيُشَارِكَ، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ مُضَارَبَةً كَانَ مَا اشْتَرَى كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الرِّبْحِ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ لِنَفْسِهِ.
وَلَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يُعْطَى لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ اهـ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُودَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَيُبْضِعَ وَيَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَدْفَعَ مُضَارَبَةً وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَكَذَا الْأَبُ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الصَّبِيِّ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً وَأَنْ يُشَارِكَ بِهِ غَيْرَهُ وَفِي الْمُنْتَقَى الْوَصِيُّ يَأْخُذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً اهـ وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَيَدْفَعُ مَالَهُ أَيْ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً وَيَحْتَالُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ لَا عَلَى الْأَعْسَرِ وَلَا يُقْرِضُ وَيَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إلَّا الْعَقَارَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مَالِهِ رَاجِعٌ لِلْكَبِيرِ لِقُرْبِهِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ رحمه الله أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي هَذَا تَابِعٌ لِلْفَخْرِ الزَّيْلَعِيِّ رحمه الله اهـ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ فِيهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِمَا أَنَّهُ حِفْظٌ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ قَالَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ اهـ.
وَظَاهِرُ السِّيَاقِ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ رَاجِعًا إلَى مَالِ الْكَبِيرِ وَقَدْ أَفْصَحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله فَقَالَ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ قَالَ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيُوصِي إلَى رَجُلٍ وَيَتْرُكُ ابْنًا غَائِبًا قَالَ كُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْوَصِيُّ فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعَقَارِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وِلَايَةُ الْأَبِ وَهُوَ الْوَصِيُّ.
وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ وَصِيُّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَقْضِي مِنْ ذَلِكَ وَيَبِيعُ الْمَنْقُولَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِمَّا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَقَدْ يَكُونُ حِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ مَحْفُوظٌ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَمَنْ أَرَادَ تَحْصِينَ مَالِهِ وَحِفْظَهُ صَرَفَهُ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ، وَالْعُرُوضُ يُسْرِعُ إلَيْهَا التَّلَفُ وَحِفْظُ بَدَلِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ