المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما يحدثه الرجل في الطريق) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٦

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[سَبَب الْأُضْحِيَّة وَشَرَائِطهَا]

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[مَا يُضَحَّى بِهِ]

- ‌[ مِمَّا تَكُون الْأُضْحِيَّة]

- ‌[كَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِي لَحْم الْأُضْحِيَّة]

- ‌[ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة]

- ‌[يذبح المضحي بِيَدِهِ]

- ‌[ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ)

- ‌(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

- ‌(مَسَائِلُ الشِّرْبِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]

- ‌{فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ}

- ‌{كِتَابُ الصَّيْدِ}

- ‌[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]

- ‌[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]

- ‌[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ]

- ‌ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ

- ‌[كِتَابُ الرَّهْنِ]

- ‌{بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ}

- ‌{بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ}

- ‌(بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ)

- ‌[فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ]

- ‌(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)

- ‌(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)

- ‌[بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ]

- ‌[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ)

- ‌[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]

- ‌(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ)

- ‌[فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً]

- ‌[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌(بَابُ الْقَسَامَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ)

- ‌[مِنْ تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي الْمَعَاقِلِ]

- ‌(وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)

- ‌لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ

- ‌[ لَا يَعْقِل أَهْل مِصْر عَنْ أَهْل مِصْر آخِر]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[وَصِيَّة الْمُسْلِم لِلذِّمِّيِّ والذمي لِلْمُسْلِمِ]

- ‌ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ

- ‌ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ

- ‌ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ

- ‌[الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة]

- ‌[ وَصِيَّة الْمُكَاتَب]

- ‌(بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]

- ‌[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ]

- ‌(كِتَابُ الْخُنْثَى)

- ‌[لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي]

- ‌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِيهِ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى

- ‌[مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل أَنْ يستبين أمره]

- ‌[قَبَلَ رَجُل الْخُنْثَى الْمُشْكِل بشهوة]

- ‌[تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى]

- ‌(مَسَائِلُ شَتَّى)

- ‌(إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ

- ‌[ مِيرَاث الْخُنْثَى]

- ‌[حَدّ قاذف الْخُنْثَى]

- ‌[لف ثَوْب نجس فِي آخِر طَاهِر]

- ‌[غنم مذبوحة وميتة حُكْم الْأَكْل مِنْهَا]

- ‌[سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض]

- ‌ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ

- ‌ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ

- ‌[ الْعَقَار الْمُتَنَازِع فِيهِ لَا يَخْرَج مِنْ يَد ذَوِي الْيَد]

- ‌[بَاعَ ضيعة ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَاده]

- ‌[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

- ‌[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[أحوال الْأَب فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْأُمّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[للجدات أحوال فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث]

- ‌[أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث]

- ‌[الأخوات لِأَب وَأُمّ أحوالهن فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]

- ‌[ الْفُرُوض المقدرة فِي الْمَوَارِيث]

- ‌[التصحيح فِي الْفَرَائِض]

- ‌[ خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌(باب ما يحدثه الرجل في الطريق)

كَانَ أَفْضَلَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنْ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالتَّامِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّهُ بِهِ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ

. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنٍ)؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا تَرِثُ هِيَ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَوْ فَعَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا وَأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَصَارَتْ قَاتِلَةً لِلْجَنِينِ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ لَهُ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ شِئْت سَلِّمْ الْجَارِيَةَ وَإِنْ شِئْت افْدِهَا؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي جَنَابَةِ الْمَمْلُوكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ)

. قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ دُكَّانًا فَلِكُلٍّ نَزْعُهُ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ أَوْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ، فَيَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالْهَدْمِ بِمُطَالَبَتِهِمْ؛ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ إنَّمَا يُنْقَضُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَزُلْ مَا فِي قُدْرَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، أَحَدُهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا، وَالثَّانِي فِي الْخُصُومَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ، وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ إحْدَاثُهُ فِيهِ مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ فِي الطَّرِيقِ بِالْمُرُورِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيَلْحَقُ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِذَا أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» ، وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَضَى بِالْغُرَّةِ لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لَذَكَرَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ وُلِدَ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ) أَيْ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرْأَةُ إذَا ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا مُتَعَمِّدَةً أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا فَسَقَطَ يَضْمَنُ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ وَنَقَلَهُ عَنْ الزِّيَادَاتِ، وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ امْرَأَةٌ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ كَانَ لَهَا عَاقِلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَذَلِكَ فِي مَالِهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الشُّرْبُ لِإِصْلَاحِ الْبَدَنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ]

(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ). لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ وَالضَّرْبُ عَلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ مُبَاشَرَةٌ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ وَقَدَّمَ الْمُبَاشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالتَّسْبِيبُ بِالْوَاسِطَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَمَسَّ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ أَيْ فَكَانَ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ جُرْصُنًا) الْجُرْصُنُ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ إلَى الطَّرِيقِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالْبُرْجِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَائِطِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْبُرْجُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَجْرَى مَاءٍ مُرَكَّبٌ فِي الْحَائِطِ نَاتِئٌ فَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ يَشْغَلُ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ إذْ لَيْسَ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَلَامٌ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَعْنِي الْجِيمَ وَالرَّاءَ وَالصَّادَ، بَلْ مُهْمَلٌ فِي كَلَامِهِمْ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّ النَّقْضِ فِيمَا أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ») الْحَدِيثَ كَمَا أَثْبَتَ فِي الْفِرْدَوْسِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» أَيْ لَا يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِمَعْنَى الضُّرِّ وَهُوَ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَالضِّرَارُ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مَنْ ضَرَّك. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ) وَفِي الْجَمْهَرَةِ ضَرَبْت عُرْضَ الْحَائِطِ وَعُرْضَ الْجَبَلِ

ص: 142

- رحمه الله لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ قَبْلَ الْوَضْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَضْعِ صَارَ فِي يَدِهِ خَاصَّةً وَاَلَّذِي يُخَاصِمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ إبْطَالَ يَدِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَعَنِّتًا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ يَدِهِ الْخَاصَّةِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْإِحْدَاثَ يَقْصِدُ إبْطَالَ أَيْدِيهِمْ الْعَامَّةِ وَإِدْخَالَهُ فِي يَدِهِ الْخَاصَّةِ فَكَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ أَحْرَى وَوِلَايَتَهُ أَقْوَى فَصَارَ كَالْمُرُورِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ

. قَالَ رحمه الله (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي النَّافِذِ إلَّا إذَا أَضَرَّ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثِ الْجُرْصُنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ رحمه الله (وَفِي غَيْرِهِ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّافِذِ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ بِإِحْدَاثِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَهُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الشُّفْعَةَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ نَافِذًا كَانَ حَقَّ الْعَامَّةِ فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشِّرْكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا

. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ إذَا مَاتَ إنْسَانٌ بِسُقُوطِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَنِيفٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ جَرْصَنٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، وَكَذَا إذَا عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ، وَلَوْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ هُوَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَحْدَثَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ وَضَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِشَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ دَاخِلًا لَا يَضْمَنُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَفِي الشَّغْلِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالٍ النِّصْفَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ فَيَتَنَصَّفُ، فَيَكُونُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْحِرْمَانِ، وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُنْسَخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَقَطَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَدْ بَطَلَ الْإِشْهَادُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَضْمَنُ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْغَالَ لَوْ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ الْمَالِكِ، وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَكَذَلِكَ عُرْضَ النَّهْرِ أَيْ نَاحِيَتَهُ وَأَرَادَ بِهِ هُنَا أَضْعَفَ النَّاسِ وَأَرْذَلَهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) وَفِي الْعِمَادِيَّةِ حَكَى الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى عَكْسِ هَذَا اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ) وَالْمُتَعَنِّتُ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ وَهُمْ كُلُّهُمْ بَالِغُونَ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ) يَعْنِي يَصِيرُ الْمُحْدِثُ فِي الطَّرِيقِ كَالدَّافِعِ لِلْعَاثِرِ عَلَى الَّذِي سَقَطَ الْعَاثِرُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَحْوَالَ إلَخْ) جَوَابٌ لَا يُقَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ) وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا. اهـ. هِدَايَةٌ

ص: 143

فَاحْتَرَقَ بِهِ شَيْءٌ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَلَوْ حَرَّكَتْ الرِّيحُ عَيْنَ الْجَمْرِ فَحَوَّلَتْهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ بِالتَّحْوِيلِ وَإِنْ حَرَّكَتْ الشَّرَارَ يَضْمَنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يُنْسَخْ فِعْلُهُ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بَاقِيَةً، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ وَإِنْ حَوَّلَتْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ، وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا فَيَضْمَنُ كَمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ جَالَتْ فِي رِبَاطِهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ فَانْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ مِنْ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْكَنِيفِ إلَى الطَّرِيقِ فَقَتَلَ إنْسَانًا بِسُقُوطِهِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ وَهُنَا مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله هَذَا عَلَى وُجُوهٍ، أَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي فَإِنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي فِيهِ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَعَلَةُ، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا قَالَ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ أَشْرِعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِشْرَاعِ فِي الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا إنْ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَا فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا فَسَادَ أَمْرِهِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ وَأَعْلَمَهُ فَذَبَحَ، ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِنَاءُ دَارِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لَكِنْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهِمَا وَإِظْهَارُ شَبَهِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ الْقَتْلِ بِسُقُوطِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ كَالْقَتْلِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتْلٌ بِسَبَبٍ حَتَّى لَا تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا

. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بَهِيمَةً فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْهَالِكُ فِي الْبِئْرِ أَوْ بِسُقُوطِ الْجُرْصُنِ بَهِيمَةً يَكُونُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ، وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَسْبِيبٌ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ)، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَتَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَثَرُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا اعْتِرَاضَ فِعْلٍ آخَرَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الرِّيحُ مُتَحَرِّكَةً حِينَ وَضَعَ الْجَمْرَ عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ حَرَّكَتْ الرِّيحُ الْجَمْرَ عَنْ مَكَانِهِ فَأَحْرَقَ شَيْئًا يَضْمَنُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ إذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ عَنْ مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ رِيحًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَرَاحَ الْيَوْمُ يَرَاحُ إذَا اشْتَدَّ رِيحُهُ وَيَوْمٌ رَاحٍ شَدِيدُ الرِّيحِ فَإِذَا كَانَ طَيِّبَ الرِّيحِ قَالُوا رَيِّحٌ بِالتَّشْدِيدِ وَمَكَانٌ رَيِّحٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ) الْفَعَلَةَ جَمْعُ فَاعِلٍ كَالْقَتَلَةِ جَمْعُ قَاتِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ) إذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ أَوْ فِي فِنَائِهِ يُنْظَرُ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ فَرَاجِعْهُ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِنَاءَ حَانُوتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ) وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ يَثْبُتَانِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرَ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ) أَيْ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ كَالدُّيُونِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ بِذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَ الْقَدْرَ الَّذِي عَرَّفْتُك أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَالِهِ وَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ اهـ

ص: 144

وَإِنَّمَا قَصَدَ إمَاطَةَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ وَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِشَغْلِهِ الطَّرِيقَ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَتَلِفَتْ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ نَحَّاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ، وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ رَشَّ أَوْ تَوَضَّأَ فَعَطِبَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً أَوْ مَتَاعَهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِهِ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي السِّكَّةِ مَا نَقَصَ بِالْحَفْرِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ مِلْكًا حَقِيقَةً فِي الدَّارِ حَتَّى يَبِيعَ نَصِيبَهُ وَيُقَسَّمَ بِخِلَافِ السِّكَّةِ قَالُوا هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ فِيهِ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ الصَّبِّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ فِي الْبِئْرِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ أَعْمَى، وَقِيلَ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ أَيْضًا إذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْمُرُورِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَفِي أَخْذِهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ بَنَى فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ وَإِنْ حَفَرَ بَالُوعَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهَا لِوُجُودِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَفِنَاءُ دَارِهِ كَدَارِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مَا عَطِبَ بِمَا حَفَرَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَوْ وَقَعَ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ غَمًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فِي الْجُوعِ كَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِيهِ، أَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ، وَقَالَ رحمه الله هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَنَاوَلَ الْخُبْزَ وَالْمَاءَ

. قَالَ رحمه الله (وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا) أَيْ فِي الطَّرِيقِ (أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبَالُوعَةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَالْقَنْطَرَةِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ وُجِدَ التَّعَدِّي مِنْهُ فِيهِمَا لَكِنْ تَعَمُّدُهُ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِمَا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ مُسَبِّبٌ وَالْمَارُّ مُبَاشِرٌ فَصَارَ هُوَ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسْبِيبُ مَعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمْثَالَهُ فِيمَا مَضَى وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَدْ صَحَّ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّاةِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي، وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ فَحَفَرُوا فَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَغُرَّهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ)؛ لِأَنَّ هَذَا شَغْلٌ جَدِيدٌ حَصَلَ بِفِعْلِ الَّذِي نَحَّاهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ قَالُوا هَذَا مُحْتَسِبٌ فِيمَا يَفْعَلُ حَيْثُ أَمَاطَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ قُلْنَا بَلَى، وَلَكِنْ أَخْطَأَ الْحِسْبَةَ حَيْثُ شَغَلَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْحِسْبَةُ التَّامَّةُ أَنْ يَطْرَحَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مَمَرًّا أَوْ يَطْرَحَهُ فِي حُفْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى وَجْهٍ تَمْتَلِئُ الْحَفِيرَةُ فَيَصِيرُ مُحْتَسِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 145

بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَلِذَا يُنْقَلُ إلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنُوا سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ إنَّهُ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لِعِلْمِهِمْ بِفَسَادِ أَمْرِهِ قَبْلُ

. قَالَ رحمه الله (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْعَثْرَةِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ كَانَ رِدَاءٌ قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ لَا) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَجُعِلَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ مَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَاللِّبَدِ وَالْجُوَالِقِ وَالدِّرْعِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ضَمِنَ

؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِهِ وَسُقُوطُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى

. قَالَ رحمه الله (مَسْجِدٌ لِعَشِيرَةٍ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْفَاعِلُ فَصَارَ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ بَسْطَ الْحَصِيرِ وَتَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِمَنْ سَبَقَهُمْ فِي حَقِّ الْكَرَاهِيَةِ وَبَعْدَهُمْ يُكْرَهُ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ مُقَيَّدٌ بِهَا وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى أَوْ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَغْرَمُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ وَالْقَوْمُ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ، وَعَنْ الْإِسْكَافِ الْبَانِي أَحَقُّ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ وَالْقَوْمُ يَرَوْنَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ مَرَّ فِيهِ أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، فَإِذَا بُنِيَتْ لَهُمَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهَا فَيُبَاحُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» وَتَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ كَالذِّكْرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً وَلَهُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَةِ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاعِدُ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ التَّدْرِيسِ أَوْ مُعْتَكِفًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي الْعَادَةِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْكَوْنُ فِيهِ حَقُّ الصَّلَاةِ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَيْنَ التَّبَعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قُرْبَةً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِإِصْلَاحِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 146