الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رحمه الله (وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ لَا بِإِحْرَامِهِ) أَيْ لَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَوَقَعَ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ الرَّمْيُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَوُجِدَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[كِتَابُ الدِّيَاتِ]
(كِتَابُ الدِّيَاتِ). الدِّيَةُ اسْمُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ ذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ بِالدِّيَةِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. قَالَ رحمه الله (دِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى جَذَعَةٍ) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيهِ وَاجِبٌ لِشَبَهِهِ بِالْعَمْدِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ سِنٍّ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَبَهُ الْعَمْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْخَلِفَاتِ لَزَادَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمِائَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَا تَحْمِلُ حَيَوَانٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَهُ عُرْضِيَّةُ الِانْفِصَالِ فَصَارَ ذَلِكَ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَمَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَرْبَاعًا مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ رضي الله عنه تَجِبُ أَثْلَاثًا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَثْلَاثًا كَمَذْهَبِهِمَا وَلَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةِ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَجَرَتْ وَلَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ كَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَهُوَ الْأَدْنَى أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عِوَضُ النَّفْسِ وَالْحَامِلُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَحَقَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ مِنْهُمْ لِلْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَاتِ وَالشَّرْعُ نَهَانَا عَنْ أَخْذِ الْحَامِلِ فِي الصَّدَقَاتِ لِكَوْنِهَا مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا فِي الدِّيَاتِ
. قَالَ رحمه الله (وَلَا تَتَغَلَّظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ)؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُقَدَّرَاتُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ فِي التَّقْدِيرِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ
. قَالَ رحمه الله (وَالْخَطَأُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ إلَخْ أَيْ خُمُسُهُ ابْنُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَخُمُسُهُ حِقَّةٌ وَخُمُسُهُ جَذَعَةٌ، فَإِذَا كَانَ أَخْمَاسًا يَكُونُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عِشْرُونَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
كِتَابُ الدِّيَاتِ).
ذَكَرَ مَسَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَحَدُ مُوجِبِي الْجِنَايَةِ فِي الْآدَمِيِّ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ أَعْلَاهُمَا وَأَقْوَاهُمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالصِّيَانَةِ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ فَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَةِ، وَلِهَذَا وَهَذَا وَضَعَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَدَّمَ كِتَابَ الدِّيَاتِ عَلَى كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالطَّحَاوِيُّ قَدَّمَ الْقِصَاصَ عَلَى الدِّيَاتِ حَيْثُ تَرْجَمَ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَاتِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَمْ يُسَمِّ كِتَابَ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ أَحْكَامِهَا الدِّيَاتُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَالدِّيَةُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَإِ وَفِي الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) بِنْتَ مَخَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ مُمَيَّزَ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ يَجِيءُ مَنْصُوبًا، وَقَدْ عُلِمَ فِي النَّحْوِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامَّهَا) الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الْخَامِسَةَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَالْبَازِلُ مِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ) الْخَلِفَةُ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ. اهـ. خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ) أَيْ لَا يُقَالُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُكُمْ أَيْضًا لَرَجَعُوا إلَيْهِ وَلَمَا اخْتَلَفُوا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ) إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ) فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ
قَالَ «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ذَكَرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ لِإِقَامَةِ ابْنِ مَخَاضٍ مَقَامَ ابْنِ لَبُونٍ فَكَانَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُخْطِئِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ابْنَ اللَّبُونِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ أَخَذَهُ مَكَانَهَا فَإِيجَابُ عِشْرِينَ مِنْهُ مَعَ الْعِشْرِينَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّغَايُرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُرِدْ بِتَغَيُّرِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا التَّخْفِيفَ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّخْفِيفُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ رحمه الله (أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) أَيْ الدِّيَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَمَا قُلْنَا أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى زَمَانِ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهُوَ قَدْرُ الدِّينَارِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةِ دَنَانِيرَ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَجَمَعَ عُمَرُ رضي الله عنه بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَارَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ دِرْهَمًا فَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الدِّينَارَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا فَوَزْنُ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مِثْلَهُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا ضَرُورَةَ اسْتِوَائِهِمَا وَوَزْنُ السِّتَّةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ وَعَشَرَةً، فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَوَزْنُ الْخَمْسَةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ، فَيَكُونُ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا، فَإِذَا جَعَلْتهَا أَثْلَاثًا صَارَ كُلُّ ثُلُثٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِرْهَمُهُمْ، فَإِذَا حُمِلَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ اسْتَوَيَا وَاَلَّذِي يُرَجِّحُ مَذْهَبَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَعِنْدَنَا عُشْرُ دِيَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الْأُمِّ خَمْسَةُ آلَافٍ وَدِيَةَ الرَّجُلِ ضَعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَالدِّينَارُ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَلَا تَرَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصَابَ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَيَكُونُ غَنِيًّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْقَاتِلَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا يَجِبُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «فَرَضَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَكُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْقِيَاسِ وَالْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ بِهَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً، وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ عَلَى مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا
. قَالَ رحمه الله (وَكَفَّارَتُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ خَطَأً
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَجَمَعَ عُمَرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَلَوْ صَالَحَ مَعَ الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ الْقَاتِلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا) أَيْ تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ اهـ
وَشِبْهَ عَمْدٍ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالصَّوْمُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُتَتَابِعًا كَمَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً فِي الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةً لِوُجُودِ التَّوْقِيفِ فِي التَّغْلِيظِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا. قَالَ رحمه الله (وَلَا يَجُوزُ الْإِطْعَامُ وَالْجَنِينُ)؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَالْجَنِينُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ فَلَمْ يَجُزْ؛ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ. قَالَ رحمه الله (وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هُنَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ بِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدُ فِي التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا
. قَالَ رحمه الله (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَا خَالَفُوهُ، وَقَوْلُهُ سُنَّةً مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْثَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ أُصْبُعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَوْ قُطِعَ أُصْبُعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرِّجْلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، بَلْ يَسْقُطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تُسْقِطَ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهَا هَذَا مِمَّا يُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرَكَهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ
. قَالَ رحمه الله (وَدِيَةُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ)، وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «وَدَى الْعَامِرِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرًا مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]؛ وَلِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ)؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْفَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ جَزَاءُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَجَزَاءُ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ جَزَاءً إلَّا إذَا كَانَ كَامِلًا فِي كَوْنِهِ جَزَاءً أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُجْعَلُ قَوْلُهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً كَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ أَيْضًا أَوْ وَعَبْدِي حُرٌّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرَّضِيعُ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ تَتَبَيَّنْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ حَتَّى جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَقَّدِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ فَقَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ قَدْ تَحَرَّكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ، وَقَدْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ بَصَرُهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْصَرَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ سَلِيمِ الْأَطْرَافِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّ سَلَامَةَ الْأَطْرَافِ لَمْ تَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ وَالْقَطْعُ يَحْسِمُ بَابَ حُدُوثِ السَّلَامَةِ فَصَارَ النُّقْصَانُ لَازِمًا فَوَجَبَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا يَحْسِمُ بَابَ السَّلَامَةِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى ظَهَرَتْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ وَأَطْرَافِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَدَّ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الْعَامِرِيِّينَ) كَذَا بِخَطِّهِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ جَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَسْلَمَ حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ شُجَاعًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى النَّجَاشِيِّ فِي زَوَاجِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَإِلَى مَكَّةَ فَحَمَلَ خُبَيْبًا مِنْ خَشَبَتِهِ وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الْعَرَبِ نَجْدَةً وَعَاشَ إلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ. اهـ. إصَابَةً لِابْنِ حَجَرٍ